المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ السنة التي تعتبر في مرور الزمن: - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٢٩

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌ثانيا: أدلة تحريم الاعتداء على أموال الناس:

- ‌ثالثا: تعريف الحيازة:

- ‌رابعا: موضوع البحث:

- ‌خامسا: ذكر آراء الفقهاء في إثبات الملكية بالتقادم

- ‌تمهيد:

- ‌النقول عن المذهب الحنفي:

- ‌تمهيد:

- ‌ أنواع مرور الزمن:

- ‌ الدعاوى الممنوع استماعها:

- ‌ السنة التي تعتبر في مرور الزمن:

- ‌ تفسير كلمة (لا إله إلا الله محمد رسول الله)

- ‌ حقيقة الإسلام

- ‌ مفهوم العبودية في الإسلام

- ‌معنى نقص العقل والدين عند النساء

- ‌حكم الأخطاء التي ارتكبت قبل الهداية

- ‌تربية ثلاث بنات

- ‌ معنى الإحسان إلى البنات

- ‌تبادل الزيارات بين المسلمات وغير المسلمات

- ‌مصرف المؤلفة قلوبهم

- ‌الوقاية من الجريمة في التشريع الجنائي الإسلامي

- ‌الجريمة:

- ‌الجناية:

- ‌ الطرق الوقائية

- ‌الرقابة الذاتية:

- ‌رقابة الفرد:

- ‌رقابة الأسرة:

- ‌رقابة المجتمع:

- ‌الطريقة الزجرية:

- ‌ حكمة العقوبات المفروضة في الإسلام

- ‌أولا: الإيمان بالله تعالى:

- ‌ثانيا: الإيمان برسالة محمد صلى الله عليه وسلم وأنه خاتم الأنبياء والمرسلين:

- ‌ثالثا: الإيمان بعموم الشريعة الإسلامية وشمولها وصلاحيتها لكل زمان ومكان

- ‌رابعا: الإيمان بكمال الشريعة الإسلامية ومرونتها وصلاحها للخلود إلى يوم القيامة

- ‌خامسا: الإيمان بأن الشريعة الإسلامية ناسخة لجميع الشرائع السابقة

- ‌حاجة الناس إلى شرع الله تعالى

- ‌النسخ في القرآن الكريم

- ‌مقدمة:

- ‌الفصل الأولالنسخ لغة واصطلاحا

- ‌الفصل الثانيالفرق بين النسخ والتخصيص

- ‌الفصل الثالثشروط النسخ

- ‌الفصل الرابعالآراء في حكم النسخ ومناقشتها

- ‌شبهات المنكرين للجواز العقلي وإبطالها

- ‌شبهات المنكرين للنسخ سمعا

- ‌ شبهة العنانية والشمعونية:

- ‌ شبهة النصارى:

- ‌ شبهة العيسوية:

- ‌ شبهة أبي مسلم:

- ‌الفصل الخامستفسير تحليلي للآيات الدالة على النسخ في القرآن الكريم

- ‌الفصل السادسما يقع فيه النسخ في القرآن

- ‌الفصل السابعأنواع النسخ في القرآن

- ‌آراء العلماء في أنواع النسخ

- ‌الفصل الثامنأمثلة للنسخ وما قيل إنه نسخ وليس بنسخ

- ‌خاتمة البحث

- ‌تقديم

- ‌نحو مجتمع أفضل:من هنا يجب أن نبدأ

- ‌تربية الطفل قبل ولادته:

- ‌تصنيف الطلاب شرط أساسي للنجاح:

- ‌الابتعاث وأثره في وجودنا:

- ‌ الراجفة تتبعها الرادفة

- ‌عبرة من القافقاس:

- ‌الوافدون وما أدراك ما الوافدون:

- ‌الإعلام بين الهدم والبناء:

- ‌مع غواة الغناء والموسيقى:

- ‌في صيدلية الإسلام علاج كل داء:

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌ السنة التي تعتبر في مرور الزمن:

-‌

‌ السنة التي تعتبر في مرور الزمن:

تعتبر في مرور الزمن السنة العربية أي القمرية وليست السنة الشمسية؛ فلذلك يجب حساب مدة مرور الزمن بالسنة القمرية، مثلا إذا كان السند المحتوي الدين مؤرخا بتاريخ السنة الشمسية ولم يؤرخ بالسنة القمرية فيحسب مرور ذلك بالسنة القمرية.

مبدأ ومنتهى مرور الزمن:

إن مبدأ مرور الزمن يبتدئ من ثبوت الحق ومنتهاه إقامة الدعوى في حضور القاضي فلذلك يجب حساب مبدئه ومنتهاه على الوجه المشروح.

إذا أثبت من ادعى مرور الزمن مدعاه بالبينة فبها، أما إذا لم يثبت فهل له تحليف خصمه اليمين؟ أي إذا قال المدعى عليه: إنني متصرف في هذا العقار ست عشرة سنة بلا نزاع وأنت سكت وأنكر المدعي تصرف المدعى عليه هذه المدة ولم يثبت المدعى عليه بالبينة تصرفه هذا، فهل للمدعى عليه أن يحلف خصمه اليمين على عدم العلم بتصرفه ست عشرة سنة؟ لم أر صراحة في هذه المسألة إلا أن الفقهاء قد بينوا تحت قاعدة عمومية المسائل التي يجب فيها اليمين وهي: 4 - كل موضع يلزم فيه الخصم إذا أقر يستحلف إذا أنكر. ويستثنى من هذه القاعدة ثلاث مسائل ومرور الزمن ليس منها (صرة الفتاوى في الدعوى) فعلى ذلك يلزم اليمين في هذه المسألة حسب هذه القاعدة أن بينة مرور الزمن مرجحة.

ترجح بينة مرور الزمن على بينة أن المدة التي مرت أقل من مدة مرور الزمن، سواء كان المدعى به ملكا أو وقفا أو أرضا أميرية. مثلا إذا ادعى ذو اليد بأن الملك العقار المدعى به هو في تصرفه بلا نزاع زيادة عن خمس عشرة سنة، وأن دعوى المدعي غير مسموعة وادعى المدعي الخارج بأن مدة تصرف المدعى عليه هي عشر سنوات، وأن دعواه مسموعة وأقام البينة على

ص: 31

ذلك فترجح بينة ذي اليد (الطريقة الواضحة).

إذا أقام زيد على عمرو دعوى فادعى عمرو أنه مر خمس عشرة سنة وادعى زيد بأنه لم تمر خمس عشرة سنة وأقام البينة على ذلك، فأيهما كان مشهورا ومعروفا يعمل بها. أما إذا أثبت زيد أنه قدم الدعوى قبل مرور خمس عشر فيعمل بها (أبو السعود).

وإن صدور الحكم بالمدعى به لا يمنع وقوع مرور الزمن فلذلك لو استحصل أحد حكما بمطلوبه ولم يطلبه مدة خمس عشرة سنة، ولم يضع أعلام الحكم لأجل تنفيذه في الإجراء يحصل مرور الزمن في حالة تصرف المدعى عليه بلا نزاع، أما إذا كان معروفا ومشهورا أن تصرف المدعى عليه في ذلك العقار بالوكالة عن المدعي فلا يتحقق مرور الزمن.

مثلا إذا ادعى المدعي قائلا: إن العقار الفلاني الذي في يدك هو ملكي وبعد أن أنكر المدعى عليه ادعى أنه متصرف في العقار المذكور منذ خمس عشرة سنة بلا نزاع، فأجابه المدعي: نعم إنك متصرف منذ خمس عشرة سنة، ولكن إن تصرفك هذا بالوكالة عني وكان مشهورا ومعروفا أن تصرفه بالوكالة عن المدعي فيسقط ادعاء المدعى عليه بمرور الزمن؛ لأن التصرف كما يكون أصالة يكون نيابة كالوكالة (البحر وأبو السعود).

المادة (1660): (لا تسمع الدعاوى الغير العائدة لأصل الوقف أو للعموم كالدين والوديعة والعقار الملك والميراث والمقاطعة في العقارات الموقوفة أو التصرف بالإجارتين والتولية المشروطة والغلة بعد تركها خمس عشرة سنة).

لا تسمع الدعاوى الغير العائدة لأصل الوقف أو للعموم كالدين ولو كان دية، والوديعة والعارية والعقار الملك والملك الذي لم يكن عقارا كالحيوان والأمتعة الأخرى والميراث والقصاص والمقاطعة في العقارات الموقوفة ودعوى التصرف بالمقاطعة ودعوى التصرف بالإجارتين والتولية المشروطة والغلة بعد أن تركت خمس عشرة سنة.

ص: 32

أما مدة مرور الزمن في الدعاوى الأخرى كالطلاق والنكاح والوصية فالتفصيلات عنها مفقودة.

ولكن يمكن أن يقال: إن الخصومات التي لم يمنع استماع الدعاوى فيها بمرور الزمن يجب استماعها ما لم يقع مرور زمن اجتهادي.

مدد مرور الزمان: إن مدد مرور الزمن في الدعاوى الحقوقية في هذا الحال على خمسة أقسام:

القسم الأول: مرور زمن الست والثلاثين سنة، وهذا يكون في دعوى أصل الوقف وفي دعوى صاحب الأرض برقبة الأرض. انظر المادة (الـ1661) وشرح المادة (الـ1662).

القسم الثاني: مرور زمن الخمس عشرة سنة، وهذا قد عدد قسم منه آنفا وقسم منه مذكور في المادة (الـ1662).

القسم الثالث: مرور زمن العشر سنوات، وهذا مذكور في المادة (الـ1662).

القسم الرابع: مرور زمن السنتين، فحسب ذيل قانون الأراضي لا تسمع دعوى التصرف في الأراضي الخالية والمحلولة التي فوضت من طرف الحكومة للمهاجرين، والتي زرعت منهم أو أنشئت عليها أبنية بعد مرور سنتين بلا عذر.

القسم الخامس: مرور زمن شهر، انظر المادة (الـ134).

ولنبحث الآن في تفصيل مدد مرور الزمن في الأمور البينة آنفا.

الدين - مثلا لو ادعى أحد على آخر قائلا: أطلب منك أن تؤدي لي كذا مبلغا الذي أخذ أو ثمن المبيع الذي بعته لك فلا تسمع دعواه.

ويفهم من ذكر الدين مطلقا أنه يشمل جميع الديون، سواء كان عائدا للآحاد أي ديون الناس مع بعضهم البعض، أو كان ديون بيت المال من الآحاد

ص: 33

أو ديون الآحاد من بيت المال خمس عشرة سنة على هذه الديون يحصل فيه مرور الزمن؛ فلذلك قد صدرت إرادة سنية بتاريخ سنة 1300 وتشرين الثاني سنة 1898 بعد سماع دعوى دين بيت المال بعد مرور خمس عشرة سنة.

الوديعة: إذا ادعى أحد على آخر قائلا: إنني أطلب منك الوديعة التي أودعتها لك قبل خمس عشرة سنة وأنكر المدعى عليه فلا تسمع الدعوى.

العارية: إذا توفيت امرأة وادعت أمها على زوجها قائلة: إنني أعرت ابنتي المتوفاة كذا وكذا وأنكر الزوج فلا تسمع دعواها.

الميراث: إذا ادعى أحد الورثة على آخر قائلا: إنه قد بقي عندك كذا أشياء من مال مورثنا المتوفى قبل خمس عشرة سنة، فأطلب حصتي من تلك الأشياء وأنكر المدعى عليه ذلك فلا تسمع دعواه.

العقار الملك: إذا ادعى أحد بأن العقار كالدار والكرم الذي في تصرف شخص آخر مدة خمس عشرة سنة بلا نزاع بأنه ملكه أو له حصة فيه فلا تسمع دعواه.

كذلك إذا تصرف اثنان بكرم مدة خمس عشرة سنة بالاشتراك، ولم يدعيا على بعضهما البعض في تلك المدة، ثم ادعى أحدهما أن ذلك الكرم ملكه مستقلا فلا تسمع دعواه.

المقاطعة في العقارات الموقوفة - المقاطعة وهي العقار الذي يكون عرصته وقفا، وتكون الأبنية والأشجار والكروم التي عليها العرصة ملكا ويدفع من المتصرف فيها إجارة مقطوعة سنويا لجانب الوقف، وتسمى هذه أيضا إجارة الأرض ويجوز وقف هذا الملك أيضا، يعني إذا وقف أحد بإذن المتولي الذي أحدثه على العرصة الموقوفة أو الشجر الذي غرسه عليها لنفسه، فيصح الوقف سواء كان موقوفا في الجهة الموقوفة عليه العرصة الموقوفة أو وقف على جهة أخرى؛ لأنه وإن كان جهة القرب مختلفة إلا أنهم يجمعان في أصل القرب

ص: 34

واختلاف الجهة لا أوجب اختلاف الحكم (علي أفندي).

ويمكن تصوير دعوى التصرف في العقارات الموقوفة بمقاطعة على أربعة أوجه:

الوجه الأول: أن يكون المدعى به ملكا، مثلا لو ادعى أحد قائلا: إن داري المملوكة المنشأة على عرصة الوقف الفلاني والمربوطة بكذا مبلغا مقاطعة للوقف، يتصرف بها هذا المدعى عليه منذ خمس عشرة سنة، وحيث إنها ملكي فأطلب تسليمها فإذا أنكر المدعى عليه دعوى المدعي هذه فلا تسمع دعواه وتكون هذه الدعوى دعوى العقار الملك.

الوجه الثاني: يكون المدعى به وقفا، وهذا إما أن يكون بإجارة واحدة فلا يتصور فيه إقامة دعوى التصرف، والدعوى التي تقام من متولي الوقف تكون عائدة إلى أصل الوقف ويكون مرور زمن فيها ستا وثلاثين سنة.

وإما أن تكون بإجارتين وهذه تدخل تحت فقرة (أو التصرف بالإجارتين).

الوجه الثالث: تكون صورة الدعوى على الوجه الآتي يربط كلمة التصرف بكلمة المقاطعة، وهو إن ادعى زيد على عمرو قائلا: إن عرصة هذا الوقف هي تحت التصرف بالمقاطعة بكذا درهما. فإذا لم يمر خمس عشرة سنة فتسمع الدعوى وإلا فلا. أما إذا ادعى أحد قائلا: إن العرصة التي أخذتها من المتولي زيد هي للوقف الفلاني الذي أنا متولى عليه وهي بتصرفك بمقاطعة وادعى أن العرصة ملكه وأنكر المقاطعة فيما أن هذه الدعوى في هذه الصورة تتعلق برقبة الوقف فتسمع الدعوى فيها إلى ست وثلاثين سنة.

الوجه الرابع: إذا لم تربط كلمة تصرف بكلمة مقاطعة فتكون صورة الدعوى على هذا الوجه:

إن العرصة الفلانية التي أخذتها من المتولي زيد هي من مستغلات الوقف الذي تحت توليتي هي تحت تصرفك، وبما أنه يطلب للوقف منك كذا مبلغا بدل مقاطعة فأطلب منك أداء ذلك. وحقيقة هذه الدعوى دعوى دين

ص: 35

وتدخل في الدين فلذلك يجب أن يكون مقصودا من عبارة (دعوى التصرف في العقارات الموقوفة بالمقاطعة) الوجه الثالث.

دعوى التصرف بالإجارتين في العقارات الموقوفة تكون هذه الدعوى على وجهين:

الوجه الأول: تكون بين المتصرفين، مثلا إذا تصرف أحد بالإجارتين في عقار وقف في مواجهة آخر خمس عشرة سنة، وسكت بلا عذر هذه المدة ثم ادعى بعد ذلك أن العقار المذكور في تصرفه بالإجارتين قبل المدة المذكورة فلا تسمع دعواه، وكما أنه لا تسمع دعواه التصرف مرور خمس عشرة سنة لا تسمع دعواه الفراغ وفاء (جامع الإجارتين).

كذلك إذا تصرف اثنان بالاشتراك في عقار وقف بالإجارتين مدة خمس عشرة سنة، ولم يدع في هذه المدة أحدهما على الآخر وقام أحدهما وادعى على الآخر أن ذلك العقار كان في تصرفه بالإجارتين قبل السنين المذكورة مستقلا، فلا تسمع دعواه.

الوجه الثاني: تكون بين المتصرف والمتولي، مثلا إذا تصرف أحد في عقار وقف بطريق الإجارتين مدة خمس عشرة سنة في مواجهة المتولي ذلك الوقف، وسكت المتولي تلك المدة بلا عذر فإذا ادعى المتولي بعد ذلك قائلا للمدعي عليه: إن العقار المذكور لم يؤجر لك وإنك ضبطت ذلك العقار فضولا، فلا تسمع دعواه.

دعوى التولية المشروطة: إذا تصرف أحد بوقف بصفته متوليا بالمشروطة مدة خمس عشرة سنة، ثم ظهر شخص آخر وادعى بأن المتولي لذلك الوقف بالمشروطة هو نفسه لا تسمع دعواه.

والمتولي هو الشخص الذي عين بإدارة ورؤية أمور ومصالح الوقف حسب شروط الوقفية وهو على قسمين:

القسم الأول: المتولي الذي تكون توليته من اقتضاء شروط الوقفية ويقال له: متول بالمشروطة.

ص: 36

القسم الثاني: المتولي الذي لم يشرط من طرف الواقف شرط بأن يكون متوليا، بل هو متول ينصب القاضي له متوليا.

دعاوى الغلة: ومعنى غلة الوقف هي فائدة ومحصول الوقف، كربح النقود الموقوفة، وبدل إيجار العقار الموقوف، ومحصول المزرعة الموقوفة، وثمر الروضة الموقوفة، فعليه إذا تصرف عمرو بعد وفاة ولده بكر من أولاد أولاد الواقف في المزرعة الموقوفة المشروطة، غلتها على أولاد الواقف وأولاد أولاده في مواجهة بشر أربعين سنة مستقلا، وسكت بشر هذه المدة بلا عذر، وبعد ذلك ادعى بشر على بكر قائلا في دعواه: إنني من أولاد الواقف، وإن لي حق المشاركة في غلة المزرعة معك. فلا تسمع دعواه (علي أفندي).

فإذا استمع القاضي الدعوى التي وقع فيها مرور زمن على هذا الوجه وحكم فيها، فلا ينفذ حكمه؛ لأن الحكم والقضاء المخالف لأمر إمام المسلمين المشروع مردود (جامع الإجارتين).

المادة (1661): (تسمع دعوى المتولي والمرازقة في حق أصل الوقف إلى ست وثلاثين سنة، ولا تسمع بعد مرور ست وثلاثين سنة، مثلا إذا تصرف أحد في عقار على وجه الملكية ستا وثلاثين سنة، ثم ادعى متولي وقف قائلا: إن ذلك العقار هو من مستغلات وقفي فلا تسمع دعواه).

تسمع دعوى المتولي والمرازقة في حق أصل الوقف إلى ست وثلاثين سنة، وكل شيء يتعلق به صحة الوقف هو من أصل الوقف، وكل شيء لا يتوقف عليه صحة الوقف هو من شروط الوقف (جامع الإجارتين).

والمتولي - كما بينا آنفا - إما أن يكون بالمشروطة أو بنصب القاضي، والدعوى صحيحة من أيهما كان.

والمرازقة: هم الذين يأخذون معاشا وراتبا من غلة الوقف، ويسمى هؤلاء أهل الوظائف أيضا كإمام الجامع وخدمته.

ص: 37

يفهم من ظاهر المجلة بأن المرازقة هم خصم في دعوى الوقف، إلا أن هذه المسألة مختلف فيها بين الفقهاء، وبيان ذلك أن حق الدعوى في الأوقاف هو للمتولي عند بعض الفقهاء، ولا يكون المرازقة مدعين مدعى عليهم في الوقف، والقول المفتى به في ذلك الحين هو هذا القول. مثلا: إذا ادعى أحد على العقار الذي في يد آخر قائلا: إن سكن هذا العقار وغلته هي وقف مشروطة لي، وادعى ذو اليد بأن العقار المذكور ملكه، فإذا كان ذلك المدعي هو متولي الوقف فتعتبر خصومته ودعواه، وإذا كان غير ذلك فلا تعتبر على القول المختار (جامع الإجارتين والنتيجة والبحر في الدعوى والإسعاف ورد المحتار وأوائل الشهادة في الوقف).

أما إذا أولت هذه الفقرة (بأنه تسمع دعوى المرتزقة برأي القاضي فتكون موافقة للرأي المختار) مثلا إذا كان المتولي غائبا أو لم يدع، كما أنه لم يوكل الموقف عليه فتسمع دعوى الموقوف عليه بإذن القاضي.

وعند بعض الفقهاء إن للموقوف عليه أن يكون مدعيا في الأوقاف كما للمتولي حق بذلك؛ فلذلك إذا كان الوقف على معين فدعوى الموقوف عليه المعين صحيحة (الحموي).

ويرى أن المجلة قد اختارت هذا القول.

وأصل دعوى الوقف سواء كان عقارا، وقد ذكر في المجلة، أو كان منقولا كالنقود والدعاية التي تتعلق بأصل النقود الموقوفة تسمع إلى ست وثلاثين سنة.

مثلا إذا أتلف أحد كذا دينارا من النقود الموقوفة التي تحت توليته بصرفها على نفسه، ثم عين متول آخر على ذلك الوقف، ولم يدع ذلك المتولي تلك النقود، وبعد مرور خمس عشرة سنة نصب على الوقف متول آخر، وادعى على المتولي الأول بتلك النقود، فليس للمتولي الأول أن يقول للمتولي: لا تسمع دعواك حيث قد مر خمس عشرة سنة (علي أفندي).

ص: 38

أما الدعوى المتعلقة بربح النقود الموقوفة فتسمع إلى خمس عشرة سنة فقط، ولا تسمع دعوى المتولي والمرتزقة في حق أصل الوقف بعد مرور ست وثلاثين سنة. ومرور الزمن في ذلك هو مرور الزمن الذي هو حكم اجتهادي. والدعوى في حق أصل الوقف تكون على صورتين:

الصورة الأولى: تكون بين الملكية والوقفية، مثلا إذا تصرف أحد في عقار ستا وثلاثين سنة على وجه الملكية ثم ادعى متولي الوقف قائلا: إنه من مستغلات وقفي، فلا تسمع دعواه.

أما إذا كانت المدة التي مرت أقل من ست وثلاثين سنة، فتسمع الدعوى، فعليه لو ضبط أحد بضعة حوانيت، وتصرف فيها على وجه الملكية مدة خمس وعشرين سنة، ثم ادعى متولي وقف أن تلك الحوانيت هي وقف فلان، فتسمع دعواه (علي أفندي).

الصورة الثانية: تكون بين وقفين، مثلا لو أجر متولي وقف عقارا على أنه من مستغلات الوقف الذي تحت توليته مدة ست وثلاثين سنة في مواجهة متولي وقف آخر، وسكت متولي الوقف الثاني في هذه المدة بلا عذر، ثم ادعى على متولي الوقف الأول أن العقار المذكور من مستغلات وقفه، فلا تسمع دعواه.

المادة (1662): (إن كانت دعوى الطريق الخاص والمسيل وحق الشرب في عقار الملك، فلا تسمع بعد مرور خمس عشرة سنة، وإن كانت في عقار الوقف، فللمتولي أن يدعيها إلى ست وثلاثين سنة، وكما لا تسمع دعاوى الأرض الأميرية بعد مرور عشر سنوات، كذلك لا تسمع دعاوى الطريق الخاص والمسيل وحق الشرب في الأراضي الأميرية بعد أن تركت عشر سنوات).

إن كانت دعوى الطريق الخاص والمسيل وحق الشرب في عقار الملك فلا تسمع بعد مرور خمس عشرة سنة.

ويستعمل الطريق الخاص والمسيل في معنيين:

ص: 39

أولهما: بمعنى رقبة الطريق ورقبة المسيل، وقد مر في شرح المادة (الـ1213، والـ 1143) تعريف الطريق الخاص كما أنه قد ذكر في المادة (الـ1220) بأنه كالملك المشترك لمن لهم فيه حق المرور.

وقد ذكر في (144) أن المسيل هو محل جريان الماء والسيل (الهندية في باب البيع الفاسد في قوله وبيع الطريق وهبته).

وعلى هذا المعنى إذا كان الطريق والمسيل لعقار الملك فمدة مرور الزمن فيها خمس عشرة سنة، إذا كانا لعقار وقف فمدة مرور الزمن فيها ست وثلاثون سنة، وقد ذكر ذلك في مادتي (الـ1660، والـ 1661) فإذا كان يقصد في هذه المادة هذا المعنى، فيكون تكرارا، كما إن عبارة (في العقار الملك) مانعة من إرادة هذا المعنى؛ لأنه لا يصح أن يكون الشيء ظرفا لنفسه.

ثانيا: معنى حق المرور حق المسيل، وهذا المعنى مناسب لتعبير حق الشرب، وإذا قصد هذا المعنى فلا يكون الكلام تأكيدا، بل يكون تأسيسا، والتأسيس أولى من التأكيد.

مثال للمعنى الثاني: إذا ادعى أحد بأنه له حق مرور في العرصة التي في تصرف آخر مستقلا مدة خمس عشرة سنة، وإنه كان يمر منها قبل خمس عشرة سنة، فلا تسمع دعواه. وإذا كانت في العقارات الموقوفة للمتولي أن يدعي ذلك لست وثلاثين سنة. مثلا لو كان لحانوت وقف حق مسيل في عرصة موقوفة لجهة أخرى، فلمتولي الوقف الأول أن يدعي على متولي الوقف الثاني إلى ست وثلاثين سنة وفي ذلك ثلاث صور:

الصورة الأولى: أن يكون حق الطريق واقعا في العقارات الموقوفة، وأن يكون العقار الذي يرجع إليه حق الطريق وقفا كما في المثال المذكور آنفا.

الصورة الثانية: أن يكون حق الطريق واقعا في عقارات موقوفة، ويكون العقار الذي يرجع إليه حق الطريق ملكا، كادعاء أحد على متولي عرصة بقوله: إن لداري الملك حق طريق في العرصة التي أنت متول عليها ومدة

ص: 40

مرور الزمن في هذه الدعوى على الظاهر هي خمس عشرة سنة، تبعا للعقار الملك التي هي عائدة إليه.

الصورة الثالثة: أن يكون حق الطريق واقعا في العقارات المملوكة، ويكون العقار الذي يرجع إليه حق الطريق وقفا، كادعاء متولي وقف عقارا على آخر بقوله: إن للعقار الذي تحت توليتي حق مرور في العرصة التي هي ملكك. ومدة مرور الزمن في هذه الدعوى على الظاهر ست وثلاثون سنة تبعا للعقار الموقف التي هي عائدة إليه.

وكما أنه لا تسمع دعوى التصرف في الأراضي الأميرية بعد مرور عشر سنوات قمرية، كذلك لا تسمع دعاوى الطريق الخاص والمسيل وحق الشرب في الأراضي الأميرية بعد أن تركت عشر سنوات.

ص: 41

يوجد في هذه الفقرة أربع مسائل ويفصل كل منها على الوجه الآتي:

المسألة الأولى: دعاوى الأراضي الأميرية، والمقصد منها دعاوى التصرف في الأراضي الأميرية، سواء كانت الأميرية أميرية صرفة، أو أميرية موقوفة. مثلا إذا تصرف أحد في مزرعة في الأراضي الأميرية عشر سنوات في مواجهة آخر، وسكت ذلك الآخر تلك المدة بلا عذر، فأقام الدعوى قائلا: إن تلك المزرعة هي بتصرفي بموجب سند طابو قبل السنين المذكورة وأنكر المدعى عليه فلا تسمع دعواه.

وقد جاء في جامع الفصولين رجل تصرف في الأراضي الأميرية عشر سنين يثبت له حق القرار ولا تؤخذ من يده.

تكون دعوى التصرف في الأراضي الأميرية على صورتين:

الصورة الأولى: تكون بإقامة الدعوى من شخص على آخر وهو كما في المثال المتقدم الذكر.

الصورة الثانية: تكون بإقامة صاحب الأرض على شخص، مثلا إذا ادعى

ص: 41

صاحب الأرض الأراضي التي بتصرف أحد بموجب طابو محلولة من عهدة فلان، أو أنها من الأراضي الأميرية الخالية، وطلب ضبطها لبيت المال، مبينا أن تصرف المدعى عليه بها تصرف فضولي، فأنكر المدعى عليه التصرف الفضولي، وادعى تصرفه بها على كونها أراضي أميرية منذ عشر سنوات، وأثبت مدعاه فلا تسمع دعوى صاحب الأرض، أما إذا كانت المدة التي مرت أقل من عشر سنوات، فتسمع الدعوى. مثلا لو ترك أحد دعواه على آخر المتعلقة بأرض مسجلة بالطابو تسع سنوات وأحد عشر شهرا، فلا يمنع هذا الإهمال استماع الدعوى، كما أنه لو تركها تسع سنوات وأحد عشر شهرا وخمسة وعشرين يوما بلا عذر ولم تتم السنوات العشر تسمع دعواه.

كذلك لو تصرف أحد مع آخر في مزرعة من الأراضي الأميرية بالاشتراك السنوي عشر سنوات، وسكت ذلك الشخص هذه المدة بلا عذر، وادعى بعد مرور السنوات العشر بأن جميع المزرعة هي بتصرفه بموجب طابو فلا تسمع دعواه.

وقد صدرت إرادة سلطانية بتاريخ 22 محرم سنة 1300هـ، و 22 تشرين الثاني سنة 1298 بسماع دعوى مأمور الأرض المتعلقة برقبة الأرض الأميرية إلى ست وثلاثين سنة.

مثلا إذا تصرف أحد في أرض على كونها ملكه فتسمع دعوى مأمور الأراضي بأنها أراض أميرية إلى ست وثلاثين سنة.

كذلك إذا ادعى صاحب الأرض بأن الأرض من الأراضي الأميرية وادعى المتولي ذي اليد بأنها وقف فتسمع دعوى صاحب الأرض إذا لم يمر ست وثلاثون سنة. أما إذا مر ست وثلاثون سنة فلا تسمع دعواه.

المسألة الثانية: دعاوى الطريق الخاص في الأراضي الأميرية. إذا ادعى أحد قائلا: إن لمزرعتي التي تحت تصرفي بموجب طابو طريقا خاصا في المزرعة التي تحت تصرفك بموجب طابو فلا تسمع الدعوى فيها إذا مر عشر سنوات.

ص: 42

المسألة الثالثة: دعاوى المسيل في الأراضي الأميرية. إذا ادعى أحد قائلا: إن لهذه المزرعة التي تحت تصرفي بموجب طابو حق مسيل في المزرعة التي تحت تصرفك بموجب طابو فلا تسمع الدعوى فيها إذا مرت عشر سنوات.

إن الصور الثلاث التي ذكرت في شرح الفقرة الثانية من المادة الآنفة تلاحظ في هاتين المسألتين.

المسألة الرابعة: دعاوى حق الشرب في الأراضي الأميرية. إذا ادعى أحد قائلا إن لهذه المزرعة التي تحت تصرفي بموجب طابو حق شرب في النهر الموجود في المزرعة التي تحت تصرفك بموجب طابو فلا تسمع الدعوى فيها إذا مرت عشر سنوات وإلا فتسمع.

المادة (1663): (والمعتبر في هذا الباب أي في مرور الزمن المانع لاستماع الدعوى هو مرور الزمن الواقع بلا عذر فقط، وأما مرور الزمن الحاصل بأحد الأعذار الشرعية ككون المدعي صغيرا أو مجنونا أو معتوها، سواء كان له وصي أو لم يكن له أو كونه في ديار أخرى مدة السفر أو كان خصمه من المتغلبة فلا اعتبار له؛ فلذلك يعتبر مبدأ مرور الزمن من تاريخ زوال واندفاع العذر. مثلا لا يعتبر الزمن الذي مر حال جنون أو عته أو صغر المدعي، بل يعتبر مرور الزمن من تاريخ وصوله حد البلوغ. كذلك إذا كان لأحد مع أحد المتغلبة دعوى، ولم يمكنه الادعاء لامتداد زمن تغلب خصمه، وحصل مرور زمن لا يكون مانعا لاستماع الدعوى وإنما يعتبر مرور الزمن من تاريخ زوال التغلب).

والمعتبر في هذا الباب أي في مرور الزمن المانع لاستماع الدعوى هو مرور الزمن الواقع بلا عذر، أما الزمن الذي مر بعذر شرعي ككون المدعي أي صاحب الحق صغيرا أو مجنونا أو معتوها سواء كان له وصي أو لم يكن أو كان المدعي أو المدعى عليه في ديار أخرى مدة السفر، أو كان خصمه أي المدعى عليه من المتغلبة فلا يعتبر، فلذلك يعتبر مبدأ مرور الزمن من تاريخ زوال واندفاع العذر (علي أفندي).

ص: 43

فعلى هذه الصورة لو كان لزيد حق ثابت في ذمة عمرو، فتغيب عمرو بعد ثبوت ذلك الحق أربع عشرة سنة ثم حضر، فمبدأ مرور الزمن يعتبر من تاريخ حضور عمرو، فلو أقام زيد الدعوى بعد التاريخ المذكور بثلاث عشرة سنة تسمع دعواه.

والمدة التي تمر بأعذار كهذه لو بلغت أربعين أو خمسين سنة فتسمع الدعوى؛ لأن من المقرر أن الترك لا يتأتى من الغائب له أو عليه لعدم تأتي الجواب منه بالغيبة، والعلة خشية التزوير ولا لتالي بالغيبة الدعوى عليه (رد المحتار).

الأعذار الثلاثة، يطلق على الأعذار المبينة في هذه المادة الأعذار الثلاثة:

الأول: القاصرية وهو عبارة عن كون صاحب الحق صغيرا أو مجنونا أو معتوها فالمدة التي تمر أثناء القاصرية لا تدخل في حساب مرور الزمن سواء بلغت حد مرور الزمن أو لم تبلغ.

مثلا لو دامت القاصرية خمس سنوات وزالت في ابتداء السنة السادسة فيبتدئ مرور الزمن اعتبارا من السنة السادسة، كما أنه لو دامت القاصرية خمس عشرة سنة وزالت في ابتداء السنة السادسة عشرة، فيحسب مرور الزمن من ابتداء السنة السادسة عشرة، أما إذا بدأ مرور الزمن حينما لم تكن القاصرية موجودة وقبل اكتمال مرور الزمن، حصلت القاصرية ثم زالت بعد مدة، فهل يجب تنزيل المدة التي كان فيها في حالة القاصرية من مدة مرور الزمن؟ يعني مثلا لو باع زيد وهو أهل للتصرف مالا لعمرو بعشرين دينارا، وبعد خمس سنوات طرأ على عمرو قاصرية دامت عشر سنوات، ثم زالت ثم ادعى بعد زوال القاصرية بثماني سنوات، فإذا نزلت من المدة مدة القاصرية، فيكون مجموع المدة ثلاث عشرة سنة ويجب سماع الدعوى، وفي حالة عدم تنزيلها تكون المدة ثلاثا وعشرين سنة ويجب عدم سماع الدعوى؟

ص: 44

إن هذه المسألة محتاجة للحل ومن الموافق لسماع الدعوى لحين وجود مسألتها الصريحة.

الثاني: الغيبة، وهي أعم من غيبة الداعي أو المدعى عليه، فالمدة التي تمر في حالة الغيبة سواء بلغت حد مرور الزمن أو لم تبلغ، فلا تأثير لها في مرور الزمن إذا كان ثبوت الحق المدعى به في حالة الغياب.

مثال على كونه بالغا مدة مرور الزمن: إذا كان لأحد في ذمة آخر حق وهو مقيم في ديار بعيدة مدة السفر وتحقق في ذمة الغائب بطريق البيع أو الإجارة أو الإقراض بطريق المكاتبة أو المراسلة أو بإتلاف المال، ولم يتمكن من الادعاء بمطلوبه ثم بعد مرور خمس عشرة سنة حضر ذلك الشخص ثم بعد مرور أربع عشرة سنة من حضوره أقام صاحب الحق عليه الدعوى فتسمع دعواه.

مثال على عدم بلوغ مدة مرور الزمن: إذا ثبت لأحد في ذمة آخر حق وهو مقيم في ديار أخرى بعيدة مدة السفر ودامت غيبة المدين مدة خمس سنوات إلا أنه حضر في ابتداء السنة السادسة فبما أنه يبتدئ مرور الزمن من السنة السادسة فللمدعي أن يقيم الدعوى بعد تسع عشرة سنة اعتبارا من مبدأ ثبوت الحق.

يوجد بعض مسائل تحتاج للحل في عذر الغيبة:

1 -

إذا بدأ مرور الزمن في عدم وجود الغيبة وقبل أن يتم مرور الزمن تخللته الغيبة ثم زالت الغيبة بعد مدة، فهل يجب تنزيل مدة الغيبة من مرور الزمن أو لا يجب؟ فالظاهر أنه يجب تنزيلها، يعني لو أقرض زيد لعمرو عشرة دنانير وسلمها إياه ثم أقام الاثنان في بلدة واحدة خمس سنوات، ثم غاب عمرو وسافر إلى ديار بعيدة مدة السفر مدة عشر سنوات، ثم حضر فادعى المدعي بعد حضوره بأربع سنوات، فإذا نزلت مدة الغيبة يكون مر تسع سنوات فقط، وإذا لم تنزل يكون قد مر تسع عشرة سنة، والظاهر أنه يجب تنزيل مدة الغيبة.

ص: 45

2 -

إذا كان للمدعى عليه الغائب وكيل بالخصومة أو نائب له، يعني لو وكل المدعى عليه قبل غيبته وكيلا في الخصومة في الدعاوى التي تقام له أو عليه وكانت هذه الجهة معلومة للمدعي إلا أن المدعي لم يقم الدعوى لغيبة المدعى عليه فهل يقع مرور الزمن؟.

بما أنه في حالة غيبة المدعى عليه لا يمكن فصل بعض الدعاوى كأن لا يوجد لدى المدعي شهود، ويتوجه اليمين فيها على المدعى عليه، فالظاهر بأنه لا يحصل مرور الزمن في هذه المسألة.

3 -

إذا كان للمدعي مطلوب في تركة وكان بعض الورثة غائبا وبعضهم حاضرا، فلم يقم المدعي الدعوى على الحاضرين، ورجع الغائب بعد مرور خمس عشرة سنة، فأقام المدعي الدعوى عليه، فهل يقع مرور الزمن؟ فالظاهر أنه لا يقع مرور الزمن في حصة هذا الغائب.

الثالث: التغلب، وهو أن يكون المدعى عليه من المتغلبة فالمدة التي تمر في حالة التغلب سواء بلغت حد مرور الزمن أو لم تبلغ، فلا تأثير لها على مرور الزمن ما دام ثبوت الحق كان في زمن التغلب.

مثال على بلوغ مدة مرور الزمن: إذا غصب أحد في حالة غلبة أغنام شخص آخر، وامتد تغلبه خمس عشرة سنة، وزال في السنة السادسة عشرة وادعى المدعي بعد مرور ثماني سنوات من تاريخ زوال التغلب فتسمع دعواه.

مثال على عدم بلوغ مدة مرور الزمن: لو غصب أحد في حالة تغلبه مزرعة آخر وامتد تغلبه خمس سنوات، وزال تغلبه في السنة السادسة وادعى بعد ثماني سنوات من زوال التغلب فتسمع دعواه.

أما إذا ابتدأ مرور الزمن قبل وجود التغلب، وتخلل ذلك التغلب قبل انقضاء مدة مرور الزمن، ثم زاد التغلب بعد مدة، فهل يجب تنزيل مدة التغلب؟ يعني مثلا لو غصب أحد قبل أن يكون متغلبا عشرة دنانير من

ص: 46

آخر، ثم بعد مرور ثماني سنوات أصبح متغلبا ودام تغلبه سبع سنوات، ثم زال تغلبه فأقام المدعي بعد سنتين من زوال التغلب، فإذا تنزلت مدة التغلب تكون الدعوى مسموعة، وإذا لم تنزل فتكون غير مسموعة، والظاهر أنه يجب تنزيلها.

قيل في المجلة (ككون المدعي صغيرا إلخ) لأنه لا يوجد عذر رابع؛ حيث إذا منع الزوج زوجته صاحبة الحق من إقامة الدعوى منعا أكيدا، ولم تدع من أجل ذلك فهذا العذر معدود عذرا شرعيا، ولها إقامة الدعوى بعد زوال المنع، ولا تعتبر المدة التي مرت أثناء المنع، إلا أنه يجب أن يثبت منع الزوج لها (علي أفندي).

مثال على القاصرية: مثلا لا يعتبر الزمن الذي مر حال جنون أو عته أو صغر أحد، وإنما يعتبر من تاريخ وصوله إلى حد البلوغ أو تاريخ زوال الجنون أو العته، ففي هذه الصورة لو بلغ الصغير ومر تسع سنوات، فلا يمنع ذلك من سماع دعواه.

كذلك لو ترك المجنون أو المعتوه الدعوى تسع سنوات ونصفا، فلا يمنع ذلك من استماع دعواه. مثال لمدة السفر البعيدة: لو سافر أحد إلى ديار بعيدة مدة السفر، ولم يدع دائنه بالعشرة الدنانير المطلوبة له من ذمة الغائب، ثم عاد الغائب بعد أربع عشرة سنة، وبعد عودته بثماني سنوات أقام صاحب الدين عليه الدعوى، فليس للمدعى عليه أن يقول: إن الدعوى غير مسموعة لمرور الزمن.

مثال للتغلب: كذلك إذا كان لرجل مع أحد المتغلبة دعوى ولم يمكنه الادعاء لامتداد زمان تغلب خصمه ووجد مرور الزمن بترك الدعوى الأرض الأميرية خمس عشرة سنة، فلا يكون ذلك مانعا لاستماع الدعوى، وإنما يعتبر مرور الزمن من تاريخ زوال التغلب.

أما عدم العلم فليس من الأعذار الشرعية (فتاوى أبي السعود).

ص: 47

مثلا لو ضبط أحد مزرعة من الأراضي الأميرية وتصرف بها مدة عشر سنوات في مواجهة آخر، وسكت الآخر تلك المدة، ثم ادعى بقوله: إن المزرعة هي في تصرف والدي المتوفى بموجب طابو قبل السنين المذكورة بوفاته قد انتقلت المزرعة المذكورة حصرا لي، ولكن كنت أجهل بأن تلك المزرعة هي في تصرف والدي، فلذلك لم أقم الدعوى قبلا والآن علمت ذلك فادعى فلا تسمع دعواه.

والحكم على هذا المنوال في التصرف بالإجارتين. مثلا لو تصرف أحد في دكان وقف بالإجارتين مدة عشرين سنة في مواجهة آخر وسكت المذكور تلك المدة بلا عذر، ثم ادعى أن الدكان المذكورة هي لوالده المتوفى بكر، وقد انتقلت إليه بالانتقال العادي، وأنه سمع ذلك من بعض الناس، إلا أنه كان يجهل أن الحال كما ذكر، فلم يتقدم للدعوى وأنه يتقدم إليها الآن فلا تسمع دعواه (جامع الإجارتين).

ترجح بينة مرور الزمن الحاصل بعذر: مثلا لو ادعى طرف بأن مرور زمن حصل بعذر، وأقام البينة على ذلك وادعى الطرف الآخر بأنه وقع بغير عذر فترجح بينة كونه واقعا بعذر.

المادة (1664): (مدة السفر هي ثلاثة أيام أي مسافة ثماني عشرة ساعة بالسير المعتدل).

مدة السفر البعيدة هي ثلاثة أيام بالسير المعتدل أي راجلا أو راكبا حيوانا سيرا متوسطا مع الاستراحة المعتادة، وهو في الأيام القصيرة ثلاثة أيام أي مسافة ثماني عشرة ساعة؛ فلذلك إذا وصل إلى بلدة يسير البريد في يومين مع كونه يصل إليها بالسير المعتاد بثلاثة أيام فتعتبر أيضا مسافة سفر.

كذلك إذا وصل إلى بلدة بالقطار بيوم واحد أو بأقل من يوم وكانت مسافتها بالسير المعتدل ثلاثة أيام فتعد البلدة المذكورة بعيدة مدة السفر (الفتاوى الجديدة).

ص: 48

إذا ذهب المدعى عليه إلى بلدة من البلاد الأجنبية وكانت بالنسبة إلى البلدة التي يوجد فيها المدعي غير بعيدة مدة السفر، فحيث إنه لا يمكن للمدعي أن يذهب إلى البلدة التي يقيم فيها المدعى عليه؛ لاستحصال حقه حسب الأحكام المشروعة، فهل يعد ذلك عذرا في مرور الزمن؟ فالظاهر أنه يعد عذرا.

المادة (1665): (إذا اجتمع ساكنا بلدتين بينهما مسافة سفر مرة واحدة في بلدة في كل بضع سنوات ولم يدع أحدهما على الآخر شيئا مع أن محاكمتهما كانت ممكنة وبعدها وجد مرور الزمن بهذا الوجه، لا تسمع دعوى أحدهما على الآخر بتاريخ أقدم من المدة المذكورة).

ساكنا بلدتين بينهما مسافة سفر اجتمعا في بلدة وبتعبير آخر: إن المدعي قد علم بعودة خصمه ولم يدع أحدهما على الآخر وكانت محاكمتهما ممكنة فبعد ما وجد مرور الزمن المعتبر في نوع المدعى به، لا تسمع دعوى أحدهما على الآخر بتاريخ أقدم من المدة المذكورة، وبهذه الصورة لو تغيب عمرو بعد أن ثبت في ذمته حق لزيد مدة عشر سنوات في السنة الحادية عشرة، اجتمع بزيد مرة واحدة وفي الثانية عشرة مرة أخرى، وفي الثالثة عشرة مرة ثالثة، فإذا مر خمس عشرة سنة على مبدأ ثبوت الحق، فلا تسمع دعوى زيد. فعليه إذا أنكر المدعى عليه المدعى به، وادعى أنه قد اجتمع بالمدعي بضعة مرات في ظرف الخمس عشرة سنة، وأنه كان ممكنا جريان المحاكمة بينهما وأقر المدعي بذلك، أو أنكر وأثبت المدعى عليه ذلك فلا تسمع دعواه.

وقد ذكر في فتاوى علي أفندي في هذا المقام عبارة (مرة في كل سنتين أو ثلاث سنوات) ويفهم من ظاهر هذه العبارة بأنه يجب التكرر في الاجتماع ولا يكفي اجتماع واحد، وفي هذا الحال يجب حل أسئلة ثلاثة:

1 -

كم مرة يجب أن يتكرر هذا الاجتماع، بما أنه يكون الاجتماع الثاني تكرر، فهل يكفي ذلك أو يجب تكرره ثلاث أو أربع مرات؟

ص: 49

2 -

ما هو السبب في اختلاف الحكم بين الاجتماع الواحد وبين الاجتماعين أو الأكثر؟

3 -

إذا غاب أحد الطرفين في محل سفر بعيد تسع سنوات، واجتمع الطرفان في السنة العاشرة، وبعد ذلك غاب أحدهما في ديار بعيدة مدة السفر مدة أربع سنوات، ثم اجتمعا، فبموجب المادة (الـ1663) يكون مرور التسع سنوات الأولى بعذر، ومرور الزمن يبتدئ من بعده ويجب استماع الدعوى في الاجتماع الثالث، وفي هذا الحال تكون هذه المادة منافية لأحكام المادة (الـ1663)؟ وإذا أجيب على ذلك بأن المقصود من مرور الزمن في المادة (الـ1663) هو حد مرور زمن العشر سنوات أو الخمس عشرة سنة، أو الست والثلاثين سنة التي تمت، أما في هذه المسألة فالتسع سنوات الأولى لم تصل إلى حد مرور الزمن، ولا يكون صحيحا، والحقيقة أن حكم هذه المادة مناف لحكم المادة (الـ1663)؛ لأن مرور الزمن المانع لاستماع الدعوى حسب المادة (الـ1663) هو مرور الزمن الواقع بلا عذر.

مثلا: إذا تغيب عمرو بعد أن ثبت في ذمته حق لزيد مدة عشر سنوات، واجتمع بزيد في السنة الحادية عشرة مرة، وفي السنة الثانية عشرة مرة أخرى، وفي السنة الثالثة عشرة مرة ثالثة، ومر خمس عشرة سنة اعتبارا من مبدأ ثبوت الحق، فحسب هذه المادة لا تسمع الدعوى، والحال أنها تسمع بحسب المادة (الـ1663)؛ لأن المانع من سماع الدعوى هو مرور الزمن الواقع بلا عذر، وعلى ذلك فالعشر سنوات الأولى في المسألة الآنفة قد مرت بعذر.

ويرد إلى الخاطر أن يجاب على هذا السؤال الجواب الآتي وهو: إذا تكرر الاجتماع أثناء الغيبة فالغيبة الأولى لا تعد عذرا فلا تنزل من المدة؛ لأنه لو جرى تنزيل مدة الغيبة الأولى، يجب تنزيل الغيبة الثانية والثالثة والرابعة، وما بعد ذلك وفي هذا الحال لا يتحقق في هذه الدعاوى مرور الزمن مطلقا (وهو أنه لا يتحقق؛ إذ لا ضرورة لتحققه).

ص: 50

أما إذا لم يتكرر الاجتماع وكان الاجتماع واحدا، فيجب تنزيل مدة الغيبة الأولى؛ لأنه في هذه الصورة لا يوجد المحذور الذي بين:

المادة (الـ1666): (إذا ادعى أحد على آخر خصوصا في حضور القاضي في كل بضعة سنوات مرة، ولم تفصل دعواه، ومر على هذا الوجه خمس عشرة سنة، فلا يكون مانعا من استماع الدعوى، وأما الادعاء والمطالبة التي لم تكن في حضور القاضي فلا تدفع مرور الزمن، بناء عليه إذا ادعى أحد خصوصا في غير مجلس القاضي وطلب به، وعلى هذا الوجه وجد مرور الزمن فلا تسمع دعواه).

وإذا ادعى أحد على آخر خصوصا في حضور القاضي وفي مواجهة الخصم الشرعي في كل بضع سنوات مرة، ولم تفصل دعواه، وبقيت معطلة في المحاكم، وحصل أثناء ذلك مرور الزمن المعين لذلك المدعى به كمرور خمس عشرة سنة في دعوى الدين، فلا يمنع ذلك استماع الدعوى.

إلا أنه إذا بلغت المدة بين الدعويين إلى حد خمس عشرة سنة، فيمنع ذلك استماع الدعوى، مثلا إذا مرت بين دعوى الدين مدة خمس عشرة سنة، وبين دعوى الأراضي الأميرية عشر سنوات، فيمنع ذلك سماع الدعوى. أما الادعاء والمطالبة التي لم تكن في حضور القاضي واللذان حصلا في مجالس الإدارة أو غرف التجارة أو نقابة الصناع أو غيرها مما لم يكن لها صلاحية الفصل والحكم في الدعوى، فلا يدفع ذلك مرور الزمن، فعليه لو ادعى أحد بخصوص في غير حضور القاضي وحصل مرور الزمن المعين لنوع تلك الدعوى، فلا تسمع دعوى المدعي.

إن تقديم الاستدعاء والمعروض للقاضي، ولو اقترن بإرسال ورقة جلب، لا يقطع مرور الزمن حسب الأحكام الفقهية.

وبتعبير آخر الاستدعاء الذي يقدمه المدعي للمحكمة يطلب الحكم له على خصمه بحقه وطلب جلب خصمه للمحكمة، لا يقوم مقام الدعوى ولا يكفي لقطع مرور الزمن.

ص: 51

مثلا لو قدم المدعي قبل انتهاء مدة الخمس عشرة سنة بثمانية أيام استدعاء على هذا الوجه ودعا خصمه للمحاكمة وعند انتهاء مدة الثمانية أيام ترافعا أمام القاضي، فإذا كانت مدة الخمس عشرة سنة قد تمت يوم المرافعة في حضور القاضي، فلا تسمع الدعوى ولو كانت مدة مرور الزمن لم تتم حين تقديم الاستدعاء، أو وقت تبليغ جلب المحكمة؛ لأنه كما هو مصرح في متن هذه المادة: إن الذي يدفع مرور الزمن هو الدعوى. والدعوى حسب مادتي (1613، 1618) تقال للطلب الذي يقع في حضور القاضي وفي مواجهة الخصم وعليه فالطلب الذي لا يكون في مواجهة الخصم غير معدود من الدعوى.

المادة (1667): (يعتبر مرور الزمن من تاريخ وجود صلاحية الادعاء في المدعي، فمرور الزمن في دعوى الدين المؤجل إنما يعتبر من حلول الأجل؛ لأنه ليس للمدعي صلاحية دعوى ذلك الدين ومطالبته قبل حلول الأجل، مثلا لو ادعى أحد على آخر بقوله: لي عليك كذا دراهم من ثمن الشيء الفلاني الذي بعتك إياه قبل خمس عشرة سنة مؤجلا لثلاث سنين تسمع دعواه، كذلك لا يعتبر مرور الزمن في دعوى البطن الثاني في الوقف المشروط للأولاد بطنا بعد بطن إلا من تاريخ انقراض البطن الأول؛ لأنه ليس للبطن الثاني صلاحية الدعوى ما دام البطن الأول موجودا. وكذلك يعتبر مبدأ مرور الزمن في دعوى المهر المؤجل من وقت الطلاق ومن تاريخ موت أحد الزوجين؛ لأن المهر المؤجل لا يكون معجلا إلا بالطلاق أو الوفاة).

يعتبر مرور الزمن من تاريخ وجود صلاحية الادعاء في المدعي وصلاحية أخذه، فمرور الزمن في دعوى الدين المؤجل إنما يعتبر من حلول الأجل؛ لأنه ليس للمدعي صلاحية دعوى وأخذ ذلك الدين أو المطالبة به قبل حلول الأجل، حتى إنه لا يحبس المدين من أجل الدين المؤجل (رد المحتار).

إلا أنه يجوز إثبات الدين المؤجل قبل حلول الأجل وبما أن الإثبات وإقامة البينة مشروط بسبق الدعوى بحكم المادة (الـ1696) فعلى هذه الصورة يجوز الادعاء بالدين المؤجل قبل حلول الأجل.

ص: 52

مثلا يصح لأحد أن يثبت مطلوبه من ذمة آخر المؤجل لخمسة أشهر مثلا إلا أنه يؤخر الأخذ والاستيفاء لحلول الأجل (الأنقروي).

ص: 53

كذلك تقبل دعوى الزوجة بإثبات مهرها المؤجل على زوجها (الهندية).

أما إذا لم يثبت المدعي الدين المؤجل بالبينة، فلا يحلف المدعى عليه قبل حلول الأجل على أظهر القولين، حيث لم يكن للمدعي حق بالمطالبة والأخذ، فلا يترتب على المدعى عليه اليمين في حالة إنكاره.

مثلا لو ادعى أحد على آخر بقوله: لي عليك كذا دراهم من ثمن الشيء الفلاني الذي بعتك إياه أو أجرته لك قبل خمس عشرة سنة مؤجلا لثلاث سنين تسمع دعواه؛ لأنه لم يمر سوى اثنتي عشرة سنة من حلول الأجل والحالة أن دعوى الدين تسمع إلى خمس عشرة سنة، انظر المادة (الـ1660).

كذلك لا يعتبر مرور الزمن في دعوى البطن الثاني بالوقف المشروطة توليته وغلته للأولاد بطنا بعد بطن. مثلا لو شرط الواقف قائلا: قد شرطت تولية وغلة وقفي لأولادي وأولاد أولادي بطنا بعد بطن، فلا تسمع دعوى البطن الثاني إلا من تاريخ انقراض البطن الأول، فعلى هذه الصورة لو باع أحد أولاد الواقف من البطن الأول عقار الوقف لآخر وسلمه إياه وتصرف المشتري في ذلك العقار خمسا وثلاثين سنة، وانقرض البطن الأول بالكلية ونصب أحد الأولاد من البطن الثاني متوليا، وبعد مرور سنة ادعى العقار المذكور من المشتري على كونه وقفا فتسمع دعواه، حيث لم يمر على انقراض البطن الأول إلا سنة واحدة، والمدة التي مرت قبل ذلك لا تحسب في مرور الزمن، حيث إنه ليس للبطن الثاني صلاحية الدعوى ما دام البطن الأول موجودا؛ لأن أمثال هذا الوقف إذا كان البطن الأول موجودا لا يعطي حصة لأولاد البطن الثاني، ولا يكون لهم تولية كما أنه إذا كان البطن الثاني موجودا فلا يعطى لأولاد البطن الثالث حصة، ولا يكون لهم تولية على الوقف.

ص: 53

كذلك لو ضبط أجنبي تولية الوقف المشروطة لأولاد الواقف وأولاد أولاده بطنا بعد بطن في مواجهة أولاد الواقف من البطن الأول مدة أربع عشرة سنة، وانقرض البطن الأول فادعى أحد أولاد الواقف من البطن الثاني التولية المذكورة من ذلك الأجنبي، فليس للأجنبي أن يدفع دعواه بقوله: إن دعوى المدعي غير مسموعة لمرور خمس عشرة سنة.

سؤال: لو تصرف المشتري في مواجهة أولاد الواقف من البطن الأول خمسا وثلاثين سنة، وتصرف سنة في مواجهة أولاد البطن الثاني، فتبلغ مدة تصرفه ستا وثلاثين سنة، وبما أنه حسب المادة (الـ1620) لو ترك الدعوى الوارث مدة والمورث مدة، وبلغ مجموع المدتين حد مرور الزمن فيجب عدم استماع الدعوى؟

الجواب: إن توجيه التولية للبطن الثاني لم يكن بطريق الإرث، بل هو بمقتضى شرط الواقف، فإذا انتقلت التولية إلى البطن الثاني قبل تمام مدة مرور الزمن في مواجهة البطن الأول، فللبطن الثاني حق الدعوى إلى انتهاء مدة مرور الزمن اعتبارا من تاريخ انتقال التولية له، مع أن المدة التي تمر في زمن البطن الأول والبطن الثاني لا تضم إلى بعضها البعض، إلا أنه إذا بلغت المدة في زمن البطن الأول حد مرور الزمن انتقلت التولية إلى البطن الثاني، فهل للبطن الثاني حق الدعوى؟ فنظرا إلى المثال الثاني وإلى دليله يجب أن يكون له حق الدعوى، إلا أن دليل الفقهاء لا يثبت المسألة بالكلية، فيجب العثور على صراحة المسألة، والمناسب أن تستمع الدعوى لحين العثور على صراحتها.

مثلا لو تصرف أحد في عقار على وجه الملكية ستا وثلاثين سنة في مواجهة البطن الأول، فانقرض البطن الأول فتصرف أيضا بالعقار المذكور ستا وثلاثين سنة في مواجهة البطن الثاني، ثم انقرض البطن الثاني، فراجع البطن الثالث المحكمة، وادعى عليه بأن تولية وغلة ذلك العقار مشروطة لأولاد الواقف بطنا بعد بطن، وأنه وإن تصرف في العقار المذكور مدة اثنتين وسبعين سنة في مواجهة أولاد البطن الأول والبطن الثاني إلا أنهما انقرضا وأصبحت

ص: 54

تولية وغلة العقار المذكورة عائدة له، فهل تسمع دعواه؟ فإذا استمعت دعواه فلا يمكن أن يتحقق مرور زمن في نوع هذه الأوقاف.

وإن يكن بموجب المادة (الـ1675) لا يجري مرور الزمن في بعض الدعاوى إلا أن دعاوى التولية ليست من قبيل الدعاوى (وقد ورد في البهجة في هامش كتاب الشهادة أنه إذا استمع زيد القاضي دعوة التولية المشروطة التي تركت أربعين سنة بلا عذر، وحرر حجة بذلك فلا ينفذ حكمه ولا تعتبر حجته) وإن يكن أنه يفهم أن هذه الفتوى أنه إذا مر أربعون سنة على البطن الأول فلا تسمع دعوى البطن الأول، إلا أن هذه الفتوى لا تدل صراحة على عدم جواز استماع دعوى البطن الثاني.

وكذلك يعتبر مبدأ مرور الزمن في دعوى المهر المؤجل من وقت الطلاق أو من تاريخ موت أحد الزوجين؛ لأن المهر المؤجل لا يكون معجلا إلا بالطلاق أو الوفاة، وقد بين بأنه يجوز إثبات المهر المؤجل قبل حلول الأجل.

كذلك لو ادعى أحد الأراضي التي تحت يد آخر بقوله: إن هذه الأراضي هي بتصرفي، فأجابه المدعى عليه بقوله: إنك تفرغت لي بهذه الأراضي قبل عشر سنوات بإذن صاحب الأرض، فإذا أثبت الفراغ له على هذا الوجه، فيمنع المدعي من معارضته، ولا يقال بأنه حيث لم يثبت التفرغ بإذن صاحب الأرض منذ سنوات أنه وقع مرور زمن؛ لأنه لم يكن يوجد معارض له أثناء تصرفه بلا نزاع، فهو غير مطالب بإثبات الحق فلا يكون قد ترك الدعوى.

المادة (1668): (لا يعتبر مرور الزمن في دعوى الطلب من المفلس إلا من تاريخ زوال الإفلاس، مثلا لو ادعى أحد على من تمادى إفلاسه خمس عشرة سنة، وتحقق يساره بعد ذلك بقوله بأنه قبل خمس عشرة سنة كان لي في ذمتك كذا دراهم من الجهة الفلانية، ولم أستطع الادعاء عليك؛ لكونك كنت مفلسا مع ذلك التاريخ؛ ولاقتدارك الآن على أداء الدين أدعي عليك به تسمع دعواه).

ص: 55

لا يعتبر مرور الزمن في دعوى الطلب من المفلس إلا من تاريخ زوال الإفلاس؛ لأنه لا يمكن استحصال المطلوب من الشخص المفلس كما أنه لا يحبس المدين الثابت إفلاسه.

مثلا لو ادعى أحد على من تمادى إفلاسه خمس عشرة سنة، وتحقق يساره بعد ذلك بقوله: إنه قبل خمس عشرة سنة كان لي عليك من الجهة الفلانية كذا دراهم طلبي منك، ولم أستطع الادعاء عليك حيث كنت مفلسا من ذلك التاريخ، وحيث أصبحت الآن قادرا على أداء الدين فأدعي عليك به، تسمع دعواه.

أما إذا ثبت في ذمة أحد دين في حال يساره، ثم أفلس بعد ثماني سنوات، ودام إفلاسه ست سنوات، وبعدها أصبح في حالة يسار، وبعد مرور سنة ادعى الدائن عليه فهل تسمع الدعوى بتنزيل مدة الإفلاس، كالمدة التي تمر أثناء الصغر؟

المادة (1669): (إذا ترك أحد الدعوى بلا عذر على الوجه الآنف، ووجد مرور الزمن، فكما لا تسمع الدعوى في حياته، لا تسمع من ورثته بعد مماته أيضا).

أي إذا ادعى الورثة أن المال المدعى به هو موروث عن المورث؛ لأن الوارث يقوم مقام المورث بماله أو عليه، وحيث إنه ليس للمورث حق الدعوى، فليس للوارث أيضا حق فيها.

مثلا لو ادعى أحد على آخر قائلا: إن لمورثي الذي توفي في هذه المدة كذا دراهم قد أقرضها لك قبل خمس عشرة سنة فأطلبها منك، فلا تسمع دعواه.

والحكم في المسقفات الموقوفة والأراضي الأميرية على هذا الوجه، مثلا لو ترك أحد دعواه المتعلقة بالأراضي الأميرية أو بالمسقفات الموقوفة بلا عذر على الوجه السالف الذكر، ووجد مرور زمن فلا تسمع تلك الدعوى منه في

ص: 56

حياته، وكذلك لا تسمع من أصحاب حق الانتقال بعد وفاته.

مثلا لو ادعى أحد قائلا: إنك قد تصرفت بالأراضي الأميرية عشر سنوات بلا نزاع، التي هي في تصرف مورثي بموجب طابو قبل تلك المدة، وبوفاة والدي قد انتقلت تلك الأراضي لي، فلا تسمع دعواه.

المادة (1670): (إذا ترك المورث الدعوى مدة، وتركها الوارث أيضا مدة، وبلغ مجموع المدتين حد مرور الزمن فلا تسمع).

تضم مدة ترك المورث والوارث والمنتقل منه والمنتقل إليه إلى بعضها؛ فلذلك إذا ترك المورث الدعوى مدة وتركها الوارث أيضا مدة، وبلغ مجموع المدتين حد مرور الزمن، فلا تسمع دعوى الوارث. مثلا لو ترك أحد الدعوى بمطلوبه الذي في ذمة آخر مدة ثماني سنوات، وترك بعد وفاته وارثه الدعوى سبع سنوات فلا تسمع الدعوى بعد ذلك.

كذلك لو ترك أحد مطلوبه الذي في ذمة آخر خمس سنوات، ثم توفي وترك وارثه بالحصر ابنه الدعوى خمس سنوات أخرى، ثم توفي وترك وارثه بالحصر بنته الدعوى خمس سنوات أيضا، ثم ادعت بعد ذلك، فلا تسمع دعواها، كذلك لو ضبط أحد روضة مدة عشر سنوات على وجه الملكية في مواجهة زيد، وسكت زيد هذه المدة بلا عذر، ثم توفي زيد وترك بنتا، فتصرف المذكور أيضا في الروضة تسع سنوات في مواجهة البنت وسكتت تلك المدة بلا عذر، فادعت البنت بأن الروضة المذكورة هي ملك لوالدها زيد، وقد باعها لك وفاء، فلا تسمع دعواها (علي أفندي).

كذلك إذا تصرف أحد مدة في عقار وقف بالإجارتين، ثم توفي وتصرف فيه ورثته الذين هم من أصحاب الانتقال بالإجارتين، وبلغ مجموع المدتين حد مرور الزمن، فلا تسمع دعوى المدعي الذي سكت في تلك المدة بلا عذر، والأراضي الأميرية تقاس عليها.

المادة (1671): (البائع والمشتري والواهب والموهوب له كالمورث

ص: 57

والوارث، مثلا إذا تصرف أحد في عرصة مدة خمس عشرة سنة، وسكت صاحب الدار المتصلة بتلك العرصة تلك المدة، ثم باع الدار لآخر، فإذا ادعى المشتري أن تلك العرصة هي طريق خاص للدار التي اشتراها، فلا تسمع دعواه. كذلك إذا سكت البائع مدة وسكت المشتري مدة، وبلغ مجموع المدتين حد مرور الزمن، فلا تسمع دعوى المشتري).

البائع والمشتري والواهب والموهوب له كالمورث وبتعبير آخر تجري في حقهم أحكام مادتي (1669، 1670) السالفتي الذكر.

كذلك الفارغ والمفروغ له، كالمنتقل منه والمنتقل إليه.

مثال للبائع والمشتري: مثلا إذا تصرف أحد في عرصة ملك خمس عشرة سنة، وسكت صاحب الدار المتصلة بتلك العرصة تلك المدة بلا عذر، ثم باعها من آخر، فإذا ادعى المشتري بأن تلك العرصة هي طريق خاص للدار التي اشتراها، فلا تسمع دعواه كما لا تسمع في المادة (الـ1669).

كذلك إذا سكت البائع مدة وسكت المشتري مدة، وبلغ مجموع المدتين حد مرور الزمن، فلا تسمع دعوى المشتري، كما لا تسمع في المادة (الـ1670).

مثال للفارغ والمفروغ له في الأراضي الأميرية:

مثلا: إذا تصرف أحد في مزرعة عشر سنوات، وسكت صاحب المزرعة المتصلة بالمزرعة المذكورة تلك المدة بلا عذر، ثم تفرغ بمزرعته لآخر، فإذا ادعى المتفرغ له أن تلك المزرعة هي طريق خاص للمزرعة التي تفرغت إليه، فلا تسمع دعواه.

مثال للفارغ والمفروغ له في المسقفات الموقوفة:

مثلا لو تصرف أحد بالإجارتين مستقلا في دار وقف في مواجهة بنته

ص: 58

هند خمس عشرة سنة، وسكتت هذه المدة بلا عذر، ثم توفي ذلك الشخص وترك هندا المذكورة وبنته زينب من زوجة أخرى، وأرادت زينب أن تتصرف في تلك الدار بناء على الانتقال العادي مع هند بالسوية، فإذا ادعت هند بأن نصف الدار المذكورة قبل السنين المذكورة هي في تصرف والدتها خديجة بالإجارتين، فانتقل النصف لها، وإنه لذلك لها ثلاثة أرباع الدار، فلا تسمع دعواها (جامع الإجارتين).

إذا ضم مدة تصرف الوارث والمورث والبائع والمشتري والواهب والموهوب له والفارغ والمفروغ له إلى بعضهما، وبلغ مجموع المدتين حد مرور الزمن، فلا يجوز إقامة الدعوى عليهم من آخر، مثلا إذا تصرف المورث في عقار ملك مدة ثماني سنوات، وتصرف الوارث مدة ثماني سنوات أخرى بلا نزاع، فإذا ادعى من سكت هذه المدة بلا عذر أن ذلك العقار هو ملكه، فلا تسمع دعواه.

كذلك إذا تصرف البائع في عقار مدة تسع سنوات بلا نزاع، ثم باعه لآخر وسلمه، وتصرف المشتري ست سنوات بلا نزاع، فإذا ظهر أحد وادعى على المشتري أن ذلك العقار ملكه فلا تسمع دعواه.

ويقاس الواهب والموهوب له على ذلك.

كذلك إذا تصرف أحد مدة ثماني سنوات بلا نزاع في عقار موقوف، ثم أفرغه لآخر وتصرف المتفرغ له في ذلك مدة ثماني سنوات بلا نزاع، فإذا ادعى من سكت بلا عذر في هاتين المدتين على المتفرغ له بأن ذلك العقار تحت تصرفه بالإجارتين، فلا تسمع دعواه.

كذلك إذا تصرف أحد في مزرعة من الأراضي الأميرية ثماني سنوات بلا نزاع، ثم توفي فتصرف من أصحاب الانتقال ولده في تلك المزرعة مدة سنتين بلا نزاع، ثم ظهر شخص سكت في تينك المدتين بلا عذر، وادعى على الولد قائلا: إن المزرعة في تصرفي فلا تسمع دعواه.

ص: 59

كذلك إذا تصرف أحد بلا نزاع في أرض أميرية سبع سنين، ثم تفرغ بها لآخر بإذن صاحب الأرض، وتصرف المتفرغ له بها ثلاث سنوات، ثم ظهر شخص وادعى على المتفرغ له بأن تلك المزرعة هي في تصرفه قبل تلك السنين فلا تسمع دعواه.

المادة (1672): (لو وجد مرور الزمن في حق بعض الورثة في دعوى مال الميت الذي هو عند آخر، ولم يوجد في حق بعض الورثة لعذر كالصغر، وادعى به وأثبته يحكم بحصته في المدعى به، ولا يسري هذا الحكم إلى سائر الورثة).

يقبل مرور الزمن التجزئة؛ فلذلك لو وجد مرور الزمن في حق بعض الورثة في دعوى مال الميت الذي هو عند آخر، ولم يوجد في حق بعض الورثة لعذر كالصغر والجنون والعته والغيبة مدة السفر، وادعى به وأثبته يحكم بحصته في المدعى به، ولا يسري هذا الحكم إلى سائر الورثة.

مثلا لو كان لأحد في ذمة آخر عشرة دنانير، ثم توفي وترك ولدين، أحدهما بالغ، والآخر صغير في السنة الأولى من عمره، ولم يدع ولده البالغ مدة ست عشرة سنة، وعندما بلغ الولد الصغير أي بعد تاريخ وفاة والده بست عشرة سنة ادعى بحصته، فللولد المذكور أن يأخذ حصته الخمسة دنانير، وليس للولد الآخر أن يدعي بمشاركته فيما أخذه توفيقا للمادة (الـ110).

إذا كان المدعى به دينا ولم يكن عينا، فالحكم على هذا المنوال أيضا؛ فلذلك لو كان لرجلين بالغين مائة دينار في ذمة آخر، ولم يمر الزمن في حق أحدهما بسبب وجوده في ديار بعيدة مدة السفر، فادعى بمطلوبه وأثبته يحكم له بحصته في المدعى به، ولا يسري هذا الحكم على حصة الشريك الآخر.

المادة (1673): (وليس لمن كان مقرا بكونه مستأجرا في عقارات يملكه

ص: 60

لمرور زمن أزيد من خمس عشرة سنة، وأما إذا كان منكرا وادعى المالك بأنه ملكي وكنت أجرتك إياه قبل سنين، وما زلت أقبض أجرته، فتسمع دعواه إن كان إيجاره معروفا بين الناس، وإلا فلا).

ليس من كان مقرا بكونه مستأجرا أو مستعيرا أو مستودعا أو مرتهنا أو غاصبا أو مزارعا أو مساقيا في عقار أن يملكه لمرور زمن أزيد من خمس عشرة سنة؛ لأنه لا يسقط الحق بتقادم الزمان حسب المادة (الـ1674)، كما أن مرور الزمن ووضع اليد على مال مدة طويلة ليست معدودة من أسباب الملك، كما أن الاستئجار هو مانع لدعوى التملك كما جاء في المادة (الـ1583).

وأما إذا كان ذلك الشخص منكرا كونه مستأجرا ذلك العقار، وادعى المالك بأنه ملكي وكنت أجرتك إياه قبل سنين، وما زلت أقبض أجرته، ينظر فإذا كان إيجاره معروفا بين الناس فتسمع دعواه، وإذا كان غير معروف فلا تسمع، والمعروف بضم العين من العرف، والعرف هو ضد النكر.

ومعنى معروف حسب هذه الإيضاحات أي إذا كان معلوما، ولا يفيد هذا التعبير لزوم إثبات الإيجار بالتواتر والشهرة، وعدم جواز إثباته ودفع مرور الزمن بالبينة العادية، ومع ذلك لو اعتبر معنى معروف يعني مشهور هنا، فالمشهور على قسمين: أحدهما أن يكون مشهورا بالشهرة الحقيقية، ويدعى ذلك بالتواتر، والآخر أن يكون مشهورا شهرة حكمية، والشهرة الحكمية تحصل بإخبار شهود بنصاب الشهادة على طريق الشهادة، والاشتهار يطلق على العلم الذي يكون بالتواتر والشهرة، أو بإخبار مخبرين عدلين أو بمخبر عدل (التهتاني).

وهل أن هذا الحكم الذي يجري في حال معروفية الإيجار بين الناس، يجري أيضا في الإعارة والإيداع أو الرهن المعروف بين الناس؟ فالظاهر أنه يجري انظر مادة (1583).

ص: 61

والحكم على هذا المنوال أيضا في المسقفات والمستغلات الموقوفة وفي الأراضي الأميرية؛ فلذلك إذا تصرف أحد في عقار أكثر من ست وثلاثين سنة، وادعى بعد ذلك متولي وقف قائلا: إن هذا العقار هو من مستغلات الوقف الذي هو تحت توليتي، وقد أجرتك إياه في المدة المذكورة، وأنكر ذلك الشخص دعوى المتولي مدعيا ملكية ذلك العقار، فينظر: فإذا كان معروفا بين الناس أن العقار المذكور كان يؤجر من طرف الوقف لذلك الشخص، فتسمع دعوى المتولي وإلا فلا.

كذلك إذا تصرف أحد في مزرعة من الأراضي الأميرية أكثر من عشر سنوات، ثم ادعى شخص آخر قائلا: إن تلك الأرض هي في تصرفي بموجب طابو، وقد أجرتها لك المدة المذكورة، وأنكر ذلك الشخص دعوى المدعي، ينظر فإذا كان معروفا بين الناس أن تلك الأرض قد أجرت لذلك الشخص فتسمع دعواه، وإلا فلا.

المادة (1674): (لا يسقط حق بتقادم الزمن، بناء عليه إذا أقر واعترف المدعى عليه صراحة في حضور القاضي بأن للمدعي عنده حقا في الحال في دعوى وجد فيها مرور الزمن بالوجه الذي ادعاه المدعي، فلا يعتبر مرور الزمن ويحكم بموجب إقرار المدعى عليه، وأما إذا لم يقم المدعى عليه في حضور القاضي، وادعى المدعي بكونه أقر في محل آخر، فكما لا تسمع دعواه الأصلية، كذلك لا تسمع دعوى الإقرار، ولكن الإقرار الذي ادعى أنه كان قد ربط بسند حاو لخط المدعى عليه المعروف سابقا أو ختمه، ولم يوجد مرور الزمن من تاريخ السند إلى وقت الدعوى، تسمع دعوى الإقرار على هذه الصورة).

لا يسقط الحق بتقادم الزمن، ولو تقادم الزمن أحقابا كثيرة، وإن عدم استماع الدعوى بمرور الزمن المبين آنفا مبني على الأمر السلطاني بسبب امتناع الحكم عن سماع الدعوى خوف وقوع التزوير، ولقطع الحيل والتزوير والأطماع الفاسدة الفاشية بين الناس. انظر شرح عنوان الباب الثاني.

ص: 62

فلذلك لو أقام أحد الدعوى بمطلوبه الذي هو على آخر بعد مرور خمس عشرة سنة، ورد القاضي الدعوى بسبب مرور الزمن، فيبقى المدين مدينا ديانة، ولا يخلص من حق غرمائه، ما لم يؤد دينه أو يرض مدينه.

فلذلك إذا أقر واعترف المدعى عليه صراحة في حضور القاضي بأن للمدعي عنده حقا في الحال في دعوى وجد فيها مرور الزمن بالوجه الذي ادعاه المدعي، فلا يعتبر مرور الزمن ويحكم بموجب إقرار المدعى عليه.

والإقرار إما أن يكون شفاهيا وقد بين، وإما أن يكون بالإقرار بأن إمضاء أو ختم السند المبرز هو إمضاؤه وختمه، ويقال لهذا: الإقرار بالكتابة.

مثلا إذا ادعى أحد دينا من آخر مر عليه خمس عشرة سنة استنادا إلى سند معنون ومرسوم، فأقر المدعى عليه الإمضاء والختم الذي في السند، وادعى وجود مرور الزمن في الدعوى، فيلزمه كما بين في المادة (الـ1610) أن يؤدي المبلغ الذي يحتويه السند (الخالية في كتاب الدعوى).

وبما أنه لا يسقط الحق بمرور الزمن، فلا يكفي أن يكون جواب المدعى عليه على دعوى المدعي بقوله: إن في الدعوى مرور زمن، أما لو أجاب المدعى عليه على دعوى الدين بأنني لست مدينا، وفي دعوى العين: إن هذه العين لي. وأضاف إلى ذلك الادعاء بمرور الزمن، فيصح دفعه.

إن ذكر عبارة في الحال الواردة في هذه الفقرة، هي لكونها وردت في فتاوى مشائخ الإسلام، ولا يقصد بها الاحتراز من الإقرار للمدعي حقا عنده في الماضي؛ فلذلك لو ادعى المدعى عليه بأن المال المدعى به كان قبل ثلاثين سنة للمدعي، ولمورثه وأنه اشتراه منه، فيكون قد أقر بحق المدعي، فلذلك إذا لم يثبت المدعى عليه الشراء، وحلف المدعي اليمين عند تكليفه للحلف، يسلم المدعى به للمدعي؛ لأن من أقر بشيء لغيره أخذ بإقراره، ولو كان في يده أحقابا كثيرة لا تعد، وهذا مما لا يتوقف فيه (الخيرية في الدعوى)، والحكم في الدين وهو على هذا المنوال، فلو ادعى المدعي على المدعى عليه قائلا: إن لي

ص: 63

العشرين دينارا التي أقرضتها لك قبل خمس عشرة سنة، فإذا ادعى المدعى عليه أنه اقترض منه هذا المبلغ قبل خمس عشرة سنة، إلا أنه قد أدى ذلك للمدعي، فعليه إثبات ذلك، فإذا عجز عن الإثبات وحلف المدعي على عدم استيفائه الدين، فله أخذ ذلك المبلغ من المدعى عليه.

والمسقفات الموقوفة والأراضي الأميرية والموقوفة هي كالأملاك؛ فلذلك لو ادعى أحد على عقار وقف بالإجارتين، أو أرض أميرية جارية في تصرف آخر بلا نزاع مدة خمس عشرة سنة - بأن العقار المذكور هو تحت تصرفه من الوقف المذكور، أو أن الأرض تحت تصرفه، وأجاب المدعى عليه بأن العقار المذكور أو الأرض المذكورة كانت تحت تصرفك إلا أنك قد تفرغت بها لي قبل خمس عشرة سنة بإذن المتولي أو بإذن صاحب الأرض، وأنني متصرف بذلك العقار أو تلك الأرض من ذلك الوقت، فإذا أثبت المدعى عليه حصول الفراغ له أو نكل المدعي عن حلف اليمين، تندفع دعوى المدعي، أما إذا لم يثبت المدعى عليه الفراغ وحلف المدعي اليمين، فيحكم على المدعى عليه بالرد.

إن هذه المسألة قد كتبها أمين الفتوى الأسبق (عمر حلمي أفندي) في كتاب الأوقاف بغير هذا الوجه، إلا أنه لما كان ما كتبه بهذه المسألة مخالفا للشرع فهو غير معتبر.

وأما إذا لم يقر المدعى عليه في حضور القاضي وادعى بكونه أقر في محل آخر، وأنه لا يوجد مرور زمن اعتبارا من تاريخ الإقرار، فكما لا تسمع دعواه الأصلية، كذلك لا تسمع دعوى الإقرار؛ حيث إنه يوجد في هذه الصورة شبهة تزوير وتصنيع.

ولكن الإقرار الذي ادعى به كان قد ربط بسند حاو لخط وختم المدعى عليه المعروف سابقا بين التجار وأهل البلدة، ولم يوجد مرور الزمن من تاريخ السند إلى وقت الدعوى، ففي تلك الصورة تسمع دعوى الإقرار؛ لأنه يثبت الإقرار في هذا الحال بريئا من شبهة التزوير والتصنيع.

ص: 64

والإيضاحات عن كلمة وختمه قد مر ذكرها في المادة (الـ1609).

المادة (1675): (لا اعتبار لمرور الزمن في دعاوى المحال التي يعود نفعها للعموم، كالطريق العام والنهر والمرعى، مثلا لو ضبط أحد المرعى المخصوص بقرية وتصرف فيه خمسين سنة بلا نزاع، ثم ادعاه أهل القرية تسمع دعواهم).

لأنه يوجد بين العامة قاصرون كالصغار والمجانين والمعتوهين، ويوجد غائبون، وحيث لا يمكن إفراز حق هؤلاء من غيرهم؛ فلذلك لا يجري في المحال التي يعود نفعها للعموم مرور الزمن، مثلا إن لأهالي بغداد حقا في الطريق العام الكائنة في دمشق.

فلذلك لو ضبط أحد المرعى المخصوص بقرية وتصرف فيه خمسين سنة بلا نزاع، ثم ادعاه أهل القرية تسمع دعواهم.

أما إذا لم يكن المرعى عائدا للعموم أي عائدا لأهالي قرية أو قصبة أو عائدا لأهالي قرى أو قصبات متعددة بل كان عائدا لشخص مخصوص، فإذا كان ملكا فلا تسمع الدعوى فيه بعد خمس عشرة سنة، وإذا كان من الأراضي الأميرية فلا تسمع الدعوى فيه بعد مرور عشر سنوات.

كذلك لو أخذ أحد مقدارا من الطريق العام وألحقه بداره، فإذا ادعى أحد العامة بعد مرور خمسين سنة وأثبت دعواه، فله تفريغ الطريق.

والمقصود من النهر في المجلة هو النهر العائد لأهالي قرية أو قرى متعددة، أما النهر المملوك لشخص، فمرور الزمن فيه قد مر ذكره في المادة (الـ1661).

تاريخ الإرادة السنية 9 جمادى الآخرة سنة 1293هـ.

(تم بألطافه تعالى كتاب الدعوى ويليه كتاب البينات والتحليف).

ويرجع إلى كتاب قانون العدل والإنصاف للقضاء على مشكلات الأوقاف / 224 وما بعدها، وكتاب إتحاف الأخلاف في أحكام الأوقاف / 333 وما بعدها. وكتاب المعاملات في الشريعة الإسلامية 1/ 107، وما بعدها.

(يتبع)

ص: 65

صفحة فارغة

ص: 66

الفتاوى

إعداد

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

في هذه الزاوية تجيب اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما يرد إليها من أسئلة واستفتاءات تهم المسلمين في شئونهم الدينية والاجتماعية.

ص: 67

الفتوى رقم 2871

السؤال: ما حكم الصلاة خلف من يعتقد أن دعاء الرسول أو الأولياء أو علي بن أبي طالب رضي الله عنه مسموع مستجاب؛ حيث إن غالب الناس في باكستان يدعون الرسول أو عليا أو عبد القادر الجيلاني لجلب النفع ودفع الضرر؟

2 -

ما حكم من يعتقد حياة الرسول والأولياء والمشايخ أو يعتقد أن أرواح المشايخ حاضرة تعلم، وكذلك ما حكم من يعتقد أن الرسول نور وينفي عنه البشرية؟

الجواب: أولا: الدعاء عبادة من العبادات، والعبادات من حقوق الله جل وعلا المختصة به، وصرفها إلى غيره شرك به، وقد دل الكتاب والسنة والإجماع على تحريم دعاء غير الله؛ فأما الأدلة من القرآن فمنها قوله تعالى:{وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} (1) ففي هذه الآية وأمثالها بيان أن دعوة غير الله كفر وشرك وضلال.

وأما الأدلة من السنة: فمنها ما ثبت في السنن عن النعمان بن بشير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الدعاء هو العبادة وقرأ قوله سبحانه: (3)» وما رواه الطبراني بإسناده «أنه كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم منافق يؤذي المؤمنين فقال بعضهم: قوموا بنا نستغيث برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا المنافق، فقال النبي صلى الله

(1) سورة يونس الآية 106

(2)

الإمام أحمد جـ4 ص267، 271، 279، أبو داود ج2 ص161، الترمذي ج5 ص374، ابن ماجه ج2 ص1258.

(3)

سورة غافر الآية 60 (2){وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}

ص: 68

عليه وسلم: إنه لا يستغاث بي وإنما يستغاث بالله (1)» ففي هذا الحديث النص على أنه لا يستغاث بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولا بمن دونه. كره صلى الله عليه وسلم أن يستعمل هذا اللفظ في حقه، وإن كان مما يقدر عليه في حياته؛ حماية لجناب التوحيد، وسدا لذرائع الشرك وأدبا وتواضعا لربه، وتحذيرا للأمة من وسائل الشرك في الأقوال والأفعال، فإذا كان هذا فيما يقدر عليه صلى الله عليه وسلم في حياته، فكيف يجوز أن يستغاث به بعد وفاته؟! ويطلب منه أمور لا يقدر عليها إلا الله عز وجل، وإذا كان هذا في الرسول صلى الله عليه وسلم، فكيف بمن دونه؟ ! وأما الإجماع فالأمة مجمعة على أن الدعاء من خصائص الله جل وعلا وصرفه لغيره شرك.

ثانيا: سماع الأصوات من خواص الأحياء، فإذا مات الإنسان ذهب سمعه، فلا يدرك أصوات أهل الدنيا ولا يسمع حديثهم، قال الله تعالى:{وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} (2) فأكد تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم عدم سماع من يدعوهم إلى الإسلام بتشبيههم بالموتى، والأصل في المشبه به أنه أقوى من المشبه في الاتصاف بوجه الشبه وإذا فالموتى أدخل في عدم السماع، وأولى بعدم الاستجابة من المعاندين الذين صموا آذانهم عن دعوة الرسول عليه الصلاة والسلام، وعموا عنها وقالوا: قلوبنا غلف، وفي هذا يقول تعالى:{إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} (3) وأما سماع قتلى الكفار الذين ألقوا في قليب يوم بدر نداء رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم، وقوله لهم:«هل وجدتم ما وعد ربكم حقا، فإنا وجدنا ما وعدنا ربنا حقا (4)» وقوله لأصحابه: «ما أنتم بأسمع لما أقول منهم (5)» حينما استنكروا نداءه أهل

(1) ورواه الإمام أحمد ج5 ص317 وانظر فتح المجيد ص138.

(2)

سورة فاطر الآية 22

(3)

سورة فاطر الآية 14

(4)

صحيح البخاري المغازي (3976)، صحيح مسلم الجنة وصفة نعيمها وأهلها (2875)، سنن النسائي الجنائز (2074)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 145).

(5)

صحيح مسلم الجنة وصفة نعيمها وأهلها (2875)، سنن النسائي الجنائز (2075)، سنن أبو داود الجهاد (2681)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 104).

ص: 69

القليب (1) فذلك من خصوصياته التي خصه الله بها فاستثنيت من الأصل العام بالدليل.

ثالثا: دل القرآن على أن الرسول صلى الله عليه وسلم ميت ومن ذلك قوله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} (2) وقوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} (3) وهو صلى الله عليه وسلم داخل في هذا العموم، وقد أجمع الصحابة رضي الله عنهم وأهل العلم بعدهم على موته، وأجمعت عليه الأمة، وإذا انتفى ذلك عنه صلى الله عليه وسلم فانتفاؤه عن غيره من الأولياء والمشايخ أولى، والأصل في الأمور الغيبية اختصاص الله بعلمها، قال الله تعالى:{وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} (4) آية 59 من سورة الأنعام وقال تعالى: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} (5) آية 65 من سورة النمل، لكن الله تعالى يطلع من ارتضى من رسله على شيء من الغيب، قال الله تعالى:{عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا} (6){إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} (7) وقال تعالى: {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ} (8) آية 9 من سورة الأحقاف.

وثبت في حديث طويل من طريق أم العلاء أنها قالت: «لما توفي عثمان بن مظعون أدرجناه في أثوابه، فدخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: رحمة الله عليك أبا السائب شهادتي عليك فقد أكرمك الله عز وجل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما يدريك أن الله أكرمه؟ فقلت: لا أدري بأبي أنت وأمي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(1) البخاري ج2 ص101.

(2)

سورة الزمر الآية 30

(3)

سورة آل عمران الآية 185

(4)

سورة الأنعام الآية 59

(5)

سورة النمل الآية 65

(6)

سورة الجن الآية 26

(7)

سورة الجن الآية 27

(8)

سورة الأحقاف الآية 9

ص: 70

أما هو فقد جاءه اليقين من ربه، وإني لأرجو له الخير، والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي. فقلت: والله لا أزكي بعده أحدا أبدا (1)» رواه أحمد وأورده البخاري في كتاب الجنائز من صحيحه، وفي رواية له:«ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل به (2)» .

وقد ثبت في أحاديث كثيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أعلمه الله بعواقب بعض أصحابه، فبشرهم بالجنة. وفي حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه المخرج في صحيح مسلم «بأن جبريل سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة؟ فقال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل (3)» ثم لم يزد على أن أخبره بأماراتها، فدل على أنه علم من الغيب ما أعلمه الله به دونما سواه من المغيبات، وأخبره به عند الحاجة. كما أن الله سبحانه أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم أنه مغفور له في سورة الفتح، وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:«النبي في الجنة وأبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان في الجنة وعلي في الجنة وطلحة في الجنة والزبير في الجنة وعبد الرحمن بن عوف في الجنة وسعد بن مالك في الجنة (وهو ابن أبي وقاص) وسعيد بن زيد في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة (4)» رضي الله عنهم جميعا وهذا كله من علم الغيب الذي أطلع الله نبيه عليه.

رابعا: وصف الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه نور من نور الله، إن أريد به أنه نور أتى من نور الله، فهو مخالف للقرآن الدال على بشريته، وإن أريد بأنه نور باعتبار ما جاء به من الوحي الذي صار سببا لهداية من شاء من الخلق، فهذا صحيح وقد صدر منا فتوى في ذلك هذا نصها: للنبي صلى الله عليه وسلم نور هو نور الرسالة والهداية التي هدى الله بها بصائر من شاء من

(1) رواه الإمام أحمد ج6 ص436 والبخاري ج2 ص71، وج3 ص114، وج8 ص73.

(2)

صحيح البخاري الجنائز (1243)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 436).

(3)

البخاري ج1 ص18.

(4)

رواه الإمام أحمد من حديث سعيد بن زيد ج1، ص187، 188، وأبو داود ج5، ص37، 38، 39. والترمذي ج5 ص651. وابن ماجه ج1 ص49. ولم يذكر أبا عبيدة. كما رواه الإمام أحمد من حديث عبد الرحمن بن عوف ج1 ص193. وذكر أبا عبيدة ولم يذكر الرسول صلى الله عليه وسلم.

ص: 71

عباده ولا شك أن نور الرسالة والهداية من الله، قال تعالى:{وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} (1){وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (2){صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ} (3) آخر سورة الشورى.

وليس هذا النور مكتسبا من خاتم الأولياء كما يزعمه بعض الملاحدة، أما جسمه صلى الله عليه وسلم فهو دم ولحم وعظم. . . . . إلخ خلق من أب وأم ولم يسبق له خلق قبل ولادته، وما يروى أن أول ما خلق الله نور وجهه، وأن هذه القبضة هي محمد صلى الله عليه وسلم ونظر إليها فتقاطرت فيها قطرات فخلق من كل قطرة نبيا، أو خلق الخلق كلهم من نوره صلى الله عليه وسلم، فهذا وأمثاله لم يصح منه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم. ص366 وما بعدها من مجموع الفتاوى لابن تيمية الجزء الثامن عشر.

خامسا: القول بأن الرسول صلى الله عليه وسلم ليس بشرا مثلنا يحتمل حقا وباطلا، وقد صدر منا فتوى في ذلك هذا نصها: هذه الكلمة مجملة تحتمل حقا وباطلا، فإن أريد بها إثبات البشرية للنبي صلى الله عليه وسلم، وأنه ليس مماثلا للبشر من كل وجه، بل يشاركهم في جنس صفاتهم فيأكل ويشرب، ويصح ويمرض ويذكر وينسى ويحيا ويموت ويتزوج النساء ونحو ذلك، ويختص بما حباه الله به من الإيحاء إليه وإرساله إلى الناس بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، فهذا حق وهو الذي شهد به الواقع وأخبر به القرآن، قال الله تعالى:{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (4)

(1) سورة الشورى الآية 51

(2)

سورة الشورى الآية 52

(3)

سورة الشورى الآية 53

(4)

سورة الكهف الآية 110

ص: 72

فأمره أن يخبر أمته بأنه بشر مثلهم، إلا أن الله اصطفاه لتحمل أعباء الرسالة، وأوحى إليه بشريعة التوحيد والهداية. . . إلخ، وقال تعالى في بيان ما جرى من تحاور بين الرسل وأممهم {قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} (1){قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (2) فأقر الرسل بأنهم بشر مثلنا، ولكن الله من عليهم بالرسالة، فإن الله سبحانه يمن على من يشاء من عباده بما شاء ويصطفي منهم من أراد؛ ليخرج به الناس من الظلمات إلى النور. ومثل هذا في القرآن كثير.

وإن أريد به أن الرسول ليس بشرا أصلا أو أنه بشر لكنه لا يماثل البشر في جنس صفاتهم، فهذا باطل يكذبه الواقع وكفر صريح؛ لمناقضته لما صرح به القرآن من إثبات بشريتهم ومماثلتهم للبشر فيما عدا ما اختصهم الله به من الوحي والنبوة والرسالة والمعجزات.

وعلى كل حال لا يصح إطلاق هذه الكلمة نفيا ولا إثباتا مع التفصيل والبيان؛ لما فيها من اللبس والإجمال ولذا لم يطلقها القرآن إثباتا إلا مع بيان ما خص به رسله، كما في الآيات المتقدمة كما في قوله تعالى:{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ} (3){الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} (4).

وكما يخشى من التعبير بمماثلتهم للبشر بإطلاق انتقاص الرسل والتذرع إلى إنكار رسالتهم يخشى من النفي للمماثلة بإطلاق الغلو في الرسل وتجاوز الحد بهم إلى ما ليس من شأنهم بل من شئون الله سبحانه، فالذي ينبغي للمسلم

(1) سورة إبراهيم الآية 10

(2)

سورة إبراهيم الآية 11

(3)

سورة فصلت الآية 6

(4)

سورة فصلت الآية 7

ص: 73

التفصيل والبيان ليتميز الحق من الباطل والهدى من الضلال.

وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

الرئيس

نائب رئيس اللجنة

عضو

عضو

عبد العزيز بن عبد الله بن باز

عبد الرزاق عفيفي

عبد الله بن غديان

عبد الله بن قعود

ص: 74

من الفتوى رقم 4162

السؤال: جاءنا عالم من العلماء الأبرار فقال إن أولياء الله يقضون للناس حوائجهم عندما يسألونهم من دون الله، واستدل بقول الرسول صلى الله عليه وسلم:«إن لله عبادا يفزع الناس إليهم في حوائجهم هم الآمنون يوم القيامة (1)» .

الجواب: الاستعانة بالحي الحاضر القادر فيما يقدر عليه جائز، كمن استعان بشخص فطلب منه أن يقرضه نقودا، أو استعان به في يده أو جاهه عند سلطان لجلب حق أو دفع ظلم.

والاستعانة بالميت شرك، وكذلك الاستعانة بالحي الغائب شرك؛ لأنهم لا يقدرون على تحقيق ما طلب منهم؛ لعموم قوله تعالى:{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (2) وقوله سبحانه: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} (3) وقوله عز وجل: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} (4){إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} (5)

(1) مسند أحمد بن حنبل (5/ 343).

(2)

سورة الجن الآية 18

(3)

سورة يونس الآية 106

(4)

سورة فاطر الآية 13

(5)

سورة فاطر الآية 14

ص: 74

والآيات في هذا المعنى كثيرة والله المستعان.

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

الرئيس

نائب رئيس اللجنة

عضو

عضو

عبد العزيز بن عبد الله بن باز

عبد الرزاق عفيفي

عبد الله بن غديان

عبد الله بن قعود

ص: 75

الفتوى رقم 8377

السؤال: أود أن أطرح عليكم سؤالا كان محض خلاف بين عدد من الناس، وهو أنه كانت مكتوبة كلمة الله وكلمة محمد بشكل متداخل فيما بينهما في أعلى باب أحد المساجد في محافظة أدلب، وهي كما يلي: فمنهم من قال بأنه لا يجوز كتابتها على هذا الشكل، وبرهنوا على قولهم بأن محمدا صلى الله عليه وسلم أصبح بذلك في مرتبة الله، وهذا غير معقول. ومنهم من قال بأن كتابتها ليس فيها أية حرمانية؛ لأن الله عز وجل جعل اسمه بجانب اسم رسوله صلى الله عليه وسلم، فأرجو منكم الإرشاد الصحيح ولكم مني جزيل الشكر.

الجواب: ومما جاء في نصوص الشريعة القرن بين الشهادة لله بالتوحيد والشهادة لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة في مواضع، من ذلك القرن بينهما في الأذان للصلاة وفي الإقامة لها وفي حديث:«بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله (1)» وغير ذلك مع بيان

(1) صحيح البخاري الإيمان (8)، صحيح مسلم الإيمان (16)، سنن الترمذي الإيمان (2609)، سنن النسائي الإيمان وشرائعه (5001)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 93).

ص: 75

ما يجب الإيمان به على المكلفين بالنسبة لكل منهما مما هو أهله، كقول المكلف لا إله إلا الله محمد رسول الله.

أما مزجها كتابة فلم يأت في كتاب الله ولا في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك ففيه خطر عظيم؛ إذ فيه مشابهة لعقيدة النصارى الباطلة في التثليث، وأن الأب والابن وروح القدس إله واحد، وفيه أيضا رمز للعقيدة الباطلة، عقيدة وحدة الوجود، وفيه أيضا ذريعة إلى الغلو في الرسول صلى الله عليه وسلم وعبادته مع الله سبحانه، وعليه يجب أن يمنع كتابة اسم الله تعالى واسم رسوله محمد صلى الله عليه وسلم على هذا الشكل، شكل تداخل حروف اسميهما كتابة، وتقاطع حروف اسم كل منهما بحروف اسم الآخر، بل لا يجوز كتابة (الله محمد) على باب المسجد ولا على غيره؛ لما في ذلك من الإيهام والتلبيس لما ذكر من المحاذير وغيرها.

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

الرئيس

نائب رئيس اللجنة

عضو

عضو

عبد العزيز بن عبد الله بن باز

عبد الرزاق عفيفي

عبد الله بن غديان

عبد الله بن قعود

ص: 76

من الفتوى رقم 7701

السؤال: الكلمة الطيبة كما قال رسول الثقلين صلى الله عليه وسلم الحديث: «من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله دخل الجنة (1)» ، هذه الكلمة التامة مع الجزأين أي لا إله نفي وإلا الله إثبات، وذلك دال على وحدانية الله تعالى، والجزء الثاني الدال على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم في أي كتاب

(1) صحيح مسلم الإيمان (29)، سنن الترمذي الإيمان (2638)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 318).

ص: 76

أجدها وإن كانت مع الجزأين في كتاب الله تعالى علمه على حدة وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، لكن ما سواهما في أي كتاب ما جمعا مع الجزأين؟

الجواب: ورد الركن الأول من أركان الإسلام بجزأيه في القرآن كثيرا، فالجزء الأول كقوله تعالى:{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} (1) وقوله: {أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} (2) وقوله: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} (3) والجزء الثاني كقوله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} (4) وقوله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} (5)

وأما السنة ففي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «بني الإسلام على خمس شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت (6)» وفي صحيح مسلم عن عمر رضي الله عنه قال: «بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمد أخبرني عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا، قال: صدقت. قال: فعجبنا له يسأله ويصدقه. قال: فأخبرني عن الإيمان. قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره. قال: صدقت. قال: فأخبرني عن الإحسان. قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك. قال: صدقت. قال: فأخبرني عن الساعة. قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل. قال: فأخبرني عن أماراتها. قال: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان، ثم انطلق فلبث مليا، ثم قال لي: يا عمر، أتدري من السائل؟ قلت: الله

(1) سورة البقرة الآية 255

(2)

سورة محمد الآية 19

(3)

سورة الأنعام الآية 102

(4)

سورة الفتح الآية 29

(5)

سورة آل عمران الآية 144

(6)

صحيح البخاري الإيمان (8)، صحيح مسلم كتاب الإيمان (16)، سنن الترمذي الإيمان (2609)، سنن النسائي الإيمان وشرائعه (5001)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 26).

ص: 77

ورسوله أعلم. قال: هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم (1)».

وفي الصحيحين عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من شهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل (2)» وفي البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها وصلوا صلاتنا واستقبلوا قبلتنا وذبحوا ذبيحتنا، فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله (3)» .

وفي الصحيحين من حديث عتبان رضي الله عنه مرفوعا: «فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله (4)» .

وقد فسر أهل العلم هذه الأحاديث وما جاء في معناها بأن من تلفظ بهاتين الشهادتين، والتزم بحقهما من أداء الفرائض، وترك المحرم وإخلاص العبادة لله وحده، فإن الله يدخله الجنة من أول وهلة. أما من مات على شيء من المعاصي دون الشرك، ولم يتب منها، فهو تحت مشيئة الله، إن شاء سبحانه غفر له وأدخله الجنة على ما كان عليه من عمل، وإن شاء عذبه على قدر معصيته، ثم يدخله الجنة، كما تواترت بذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن القرآن يفسر بعضه بعضا وهكذا السنة.

قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (5) وهذه الآية في غير التائبين.

وأما قوله سبحانه: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} (6) فهي في التائبين بإجماع أهل العلم وهذا قول أهل السنة والجماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن

(1) صحيح مسلم الإيمان (8)، سنن الترمذي الإيمان (2610)، سنن النسائي الإيمان وشرائعه (4990)، سنن أبو داود السنة (4695)، سنن ابن ماجه المقدمة (63)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 52).

(2)

صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (3435)، صحيح مسلم الإيمان (28)، سنن الترمذي الإيمان (2638)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 314).

(3)

صحيح البخاري الصلاة (393)، سنن الترمذي الإيمان (2608)، سنن النسائي تحريم الدم (3967)، سنن أبو داود الجهاد (2641)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 225).

(4)

صحيح البخاري الصلاة (425)، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (33).

(5)

سورة النساء الآية 48

(6)

سورة الزمر الآية 53

ص: 78