الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النسخ في القرآن الكريم
إعداد: الشيخ عبد الله بن حمد بن عبد الله الشبانة (1)
الأمين العام المساعد لهيئة كبار العلماء
مقدمة:
الحمد لله الملك الحق المبين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله جل جلاله، وأحسن الحديث حديثه عز وجل، فلا غرو إذا أن يكون الاشتغال به تعلما وتعليما ودراسة وتفهما أشرف ما عمرت به الأوقات، وأعظم ما اشتغل به الأفراد والجماعات؛ ذلك أنه الدليل إلى كل خير، والعاصم من كل شر؛ لأنه حبل الله المتين الذي من تمسك به نجا وسعد في الدارين، ومن أعرض عنه فإن له معيشة ضنكا، ويحشر يوم القيامة أعمى، فيكون نصيبه والعياذ بالله خسارة الحال وخسارة المآل. وقد اشتغل بكتاب الله الكريم وتفسيره وسائر علومه نفر غير قليل من العلماء قديما وحديثا فألفوا في ذلك المؤلفات الكثيرة، وكتبوا البحوث المستفيضة في تفسير كلام الله تبارك وتعالى، وإيضاح مبهمه وتفصيل مجمله، وشرح ألفاظه وبيان معانيه، واستنباط الأحكام من آياته وبيان ناسخه
(1) انظر التعريف بالكاتب في آخر البحث.
ومنسوخه ومكيه ومدنيه، وغير ذلك مما يندرج تحت ما يسمى بعلوم القرآن الكريم.
وقد عد الدكتور حاتم صالح الضامن محقق كتاب (الناسخ والمنسوخ في كتاب الله تعالى) لقتادة بن دعامة السدوسي واحدا وسبعين مؤلفا في هذا الباب (1) مما يدل على عظم شأن هذا العلم من علوم كتاب الله العزيز، وأنه مدخل من أهم مداخل تفسيره، والبحث في لجته والغوص في أعماقه.
يدل على ذلك ما ذكره العلماء اتفاقا من أن معرفة هذا العلم واجبة على كل من تصدى لتفسير القرآن الكريم، أو استنباط الأحكام منه، أو تصدى للإفتاء أو للقضاء بين الناس؛ لئلا يوجب على خلق الله ما لم يوجبه الله عليهم، أو يسقط عنهم أمرا أوجبه عليهم. فقد روى ابن عبد البر بسنده عن يحيى بن أكثم قال:(ليس من العلوم كلها علم هو واجب على العلماء وعلى المتعلمين وعلى كافة المسلمين من علم ناسخ القرآن ومنسوخه؛ لأن الأخذ بناسخه واجب فرضا، والعمل به واجب ديانة، والمنسوخ لا يعمل به ولا ينتهى إليه، فالواجب على كل عالم علم ذلك؛ لئلا يوجب على نفسه وعلى عباد الله أمرا لم يوجبه الله، أو يضع عنهم فرضا أوجبه الله)(2) اهـ.
وقال الإمام العلامة مكي بن أبي طالب القيسي في كتابه (الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه) ص 45 (نشر دار المنارة): (وإن من آكد ما عني أهل العلم والقرآن بفهمه وحفظه والنظر فيه من علوم القرآن، وسارعوا إلى البحث عن فهمه وعلمه وأصوله علم ناسخ القرآن ومنسوخه، فهو علم لا يسع كل من تعلق بأدنى علم من علوم الديانة جهله). اهـ.
وقد قال علي رضي الله عنه: (لا يفتي الناس إلا من عرف الناسخ والمنسوخ)(3). وروي عنه رضي الله عنه أنه دخل المسجد فرأى رجلا يذكر
(1) كتاب الناسخ والمنسوخ في كتاب الله تعالى ص 10.
(2)
الناسخ والمنسوخ لعبد القاهر البغدادي ص 11.
(3)
الناسخ والمنسوخ لعبد القاهر ص 33.
الناس فقال له: أتعرف الناسخ والمنسوخ؟ قال: لا. قال: فاخرج من مسجدنا ولا تذكر فيه. وفي لفظ آخر أنه قال له: من أنت؟ قال: أنا أبو يحيى قال: بل أنت أبو اعرفوني (1) وجاء عنه في خبر آخر أنه رضي الله عنه مر بقاض فقال له: أتعرف الناسخ والمنسوخ؟ قال: لا، قال: هلكت وأهلكت (2) وقد روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن المراد بالحكمة في قوله تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ} (3) هو معرفة ناسخ القرآن ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه ومقدمه ومؤخره ونحو ذلك (4) وقال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي (ابن راهويه) رحمه الله: (من لم يعرف الصحيح والسقيم من الحديث والناسخ والمنسوخ من القرآن والسنة لم يكن عالما)(5) وقال أبو يوسف صاحب الإمام أبي حنيفة رحمهم الله فيمن يتصدر لمهمة الإفتاء: (لا يحل له أن يفتي حتى يعرف أحكام الكتاب والسنة والناسخ والمنسوخ وأقاويل الصحابة والمتشابه ووجوه الكلام)(6).
فمن ذلك تظهر لنا قيمة هذا العلم وأهميته البالغة لعموم المسلمين، ولمن تصدى منهم لتفسير كتاب الله أو للقضاء، أو لفتيا على وجه الخصوص؛ إذ حاجة هؤلاء إليه أمس، وضرورة إحاطتهم به أشد.
وسأحاول في هذه العجالة المتمثلة في هذا البحث المتواضع عن (النسخ في القرآن الكريم) أن ألم بكامل الموضوع إلمامة عجلى، فأوضح معنى النسخ في اللغة وفي الاصطلاح، ثم أذكر الفرق بينه وبين التخصيص. ثم أشير إلى
(1) مقدمة الدكتور حاتم الضامن في تحقيقه لـ (ناسخ القرآن العزيز ومنسوخه) لابن البارزي ص 5.
(2)
مقدمة الدكتور حاتم الضامن في تحقيقه لـ (ناسخ القرآن العزيز ومنسوخه) لابن البارزي ص 5.
(3)
سورة البقرة الآية 269
(4)
زاد المسير لابن الجوزي ج 1 ص 324.
(5)
الناسخ والمنسوخ للبغدادي ص 34.
(6)
هامش محقق الناسخ والمنسوخ ص 34.