الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في كيانه أولى البذور التي تمنحه المؤشر السليم إلى الاتجاه الأقوم، وقد رأينا ملامح ذلك الاتجاه في وصايا لقمان لابنه في صدر السورة التي تحمل اسمه من القرآن العظيم، وطبيعي أن الله لم يعرض لنا هذه الوصايا إلا لنعمل بها على أنها النموذج الأمثل للتربية التي يحبها الله. وقد رأينا مجمل هذه الملامح في دعاء امرأة عمران ربها في سورة آل عمران إذ قالت {رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا} (1) وهو عهد ترفعه هذه الأم الفاضلة إلي خالق السماوات والأرض بأنها ستتولى تنشئة مولودها القادم على النهج الذي يرضاه، حتى تكون حياته كلها خالصة له وحده. . . وفي هذا النهج المجمل كل ما فصله لقمان لابنه من أصول الخير والسلوك المفضل. . .
والولد غرس والديه، فإذا أحسنا رعايته وأحاطاه من صالح عملهما بالنماذج المختارة وفق التوجيه الإلهي، أخذ سبيله إلى التسامي حتى يكون هو النماذج الأمثل للإنسان الذي نكاد نفقد مثاله الحي في هذه الأيام. . . ذلك الإنسان الذي سلمت فطرته من الشوائب، وطهرت عقيدته من الزيغ، فاستقام سلوكه في الطريق المضاء بنور الله، لا يعرف انتماء إلا للإسلام، ولا ولاء إلا لله ولرسوله ولكتابه وجماعة المؤمنين. . .
(1) سورة آل عمران الآية 35
تصنيف الطلاب شرط أساسي للنجاح:
ولكن هذا الفرد الرباني لن يعيش في كنف المجهول بعيدا عن المجتمع البشري فسيخالط الناس عن طريق الحي والمدرسة والشارع، ولكل من هؤلاء أثره في الإنسان، وقد يعزل هذا الإنسان إلى حد ما عن مؤثرات الحي والشارع، وتبقى المدرسة التي لا غنى له عنها، وهي المجتمع الثاني الذي يجمع أخلاط الناس على اختلاف مشاربهم وخلفياتهم، ومعهم المدرسون الذين لن يكونوا على مستوى واحد من الفكر والمنطلق والسلوك، فمن يحمي هذا البريء من سلبيات هذا المجتمع الغريب؟
في المجتمعات الإسلامية المثالية تتقارب سلوكيات الأفراد ويقل بينهم التباين، فلا غرو أن يكون الطابع العام للمدرسة أقرب إلى الانسجام والتسامي، لوحدة التصور المهيمن على المدرسة كلها.
فإذا انتقلنا مع الزمن إلى واقع المدرسة اليوم نجد أنفسنا تلقاء شتيت من النفوس يقل فيه الانسجام الخلقي والنفسي، أشبه بسجن حشدت فيه أصناف النزلاء. . وضروب المستويات، من البرآء والصالحين، إلي الآخرين الذين ساقهم الإهمال والتخلف إلي أسوأ التصرفات. . . وليس من صلة بينهم سوى النظام الذي يفرض عليهم الاجتماع لسماع البلاغات وللقيام ببعض التمرينات.
إنها المساواة التي تفرضها " ديمقراطية التعليم " فلا مجال فيها للاختيار، والقيمة العليا فيها للموهبة المتفوقة والاجتهاد دون غيرهما، وهو وضع جميل لو خلا من التفاوت الكبير بين المستويات التربوية، أما والواقع على خلاف ذلك، فإن له سلبياته الخطيرة، إذ لا مندوحة عن تبادل المؤثرات بين التلاميذ، وقلما يكون الأفضل هو الغالب في مثل هذا الوسط، بل العكس هو الملموس في كل مكان، حتى في الحياة النباتية، حيث تكون التفاحة الفاسدة سببا لخراب صندوق من التفاح، ولم ير الناس قط تفاحة سليمة أصلحت أخرى مريضة.
ومن الأخبار التي نقلها الدكتور محمد أمين المصري رحمه الله عن أيام دراسته في أوروبا، ذلك التنظيم المنطقي الذي تقوم به المؤسسة التعليمية في بريطانيا، حيث تتولى هيئة علمية دراسة أحوال التلاميذ، فتختار منهم بعد تحقيق دقيق ذوي المواهب الفائقة، فتصنفهم حسب ميولهم الفطرية، ثم تتولى التدرج في سلم الدراسة، ومن هؤلاء تتخرج الفئة الحاكمة، وأصحاب الملامح العبقرية. . .
ولا جرم أن مثل هذا التنظيم المعقول جدير بأن يؤمن للأمة تقدمها العلمي واستقرارها السياسي، فلا تتعرض للانقلابات العسكرية، التي