المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌في صيدلية الإسلام علاج كل داء: - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٢٩

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌ثانيا: أدلة تحريم الاعتداء على أموال الناس:

- ‌ثالثا: تعريف الحيازة:

- ‌رابعا: موضوع البحث:

- ‌خامسا: ذكر آراء الفقهاء في إثبات الملكية بالتقادم

- ‌تمهيد:

- ‌النقول عن المذهب الحنفي:

- ‌تمهيد:

- ‌ أنواع مرور الزمن:

- ‌ الدعاوى الممنوع استماعها:

- ‌ السنة التي تعتبر في مرور الزمن:

- ‌ تفسير كلمة (لا إله إلا الله محمد رسول الله)

- ‌ حقيقة الإسلام

- ‌ مفهوم العبودية في الإسلام

- ‌معنى نقص العقل والدين عند النساء

- ‌حكم الأخطاء التي ارتكبت قبل الهداية

- ‌تربية ثلاث بنات

- ‌ معنى الإحسان إلى البنات

- ‌تبادل الزيارات بين المسلمات وغير المسلمات

- ‌مصرف المؤلفة قلوبهم

- ‌الوقاية من الجريمة في التشريع الجنائي الإسلامي

- ‌الجريمة:

- ‌الجناية:

- ‌ الطرق الوقائية

- ‌الرقابة الذاتية:

- ‌رقابة الفرد:

- ‌رقابة الأسرة:

- ‌رقابة المجتمع:

- ‌الطريقة الزجرية:

- ‌ حكمة العقوبات المفروضة في الإسلام

- ‌أولا: الإيمان بالله تعالى:

- ‌ثانيا: الإيمان برسالة محمد صلى الله عليه وسلم وأنه خاتم الأنبياء والمرسلين:

- ‌ثالثا: الإيمان بعموم الشريعة الإسلامية وشمولها وصلاحيتها لكل زمان ومكان

- ‌رابعا: الإيمان بكمال الشريعة الإسلامية ومرونتها وصلاحها للخلود إلى يوم القيامة

- ‌خامسا: الإيمان بأن الشريعة الإسلامية ناسخة لجميع الشرائع السابقة

- ‌حاجة الناس إلى شرع الله تعالى

- ‌النسخ في القرآن الكريم

- ‌مقدمة:

- ‌الفصل الأولالنسخ لغة واصطلاحا

- ‌الفصل الثانيالفرق بين النسخ والتخصيص

- ‌الفصل الثالثشروط النسخ

- ‌الفصل الرابعالآراء في حكم النسخ ومناقشتها

- ‌شبهات المنكرين للجواز العقلي وإبطالها

- ‌شبهات المنكرين للنسخ سمعا

- ‌ شبهة العنانية والشمعونية:

- ‌ شبهة النصارى:

- ‌ شبهة العيسوية:

- ‌ شبهة أبي مسلم:

- ‌الفصل الخامستفسير تحليلي للآيات الدالة على النسخ في القرآن الكريم

- ‌الفصل السادسما يقع فيه النسخ في القرآن

- ‌الفصل السابعأنواع النسخ في القرآن

- ‌آراء العلماء في أنواع النسخ

- ‌الفصل الثامنأمثلة للنسخ وما قيل إنه نسخ وليس بنسخ

- ‌خاتمة البحث

- ‌تقديم

- ‌نحو مجتمع أفضل:من هنا يجب أن نبدأ

- ‌تربية الطفل قبل ولادته:

- ‌تصنيف الطلاب شرط أساسي للنجاح:

- ‌الابتعاث وأثره في وجودنا:

- ‌ الراجفة تتبعها الرادفة

- ‌عبرة من القافقاس:

- ‌الوافدون وما أدراك ما الوافدون:

- ‌الإعلام بين الهدم والبناء:

- ‌مع غواة الغناء والموسيقى:

- ‌في صيدلية الإسلام علاج كل داء:

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌في صيدلية الإسلام علاج كل داء:

‌مع غواة الغناء والموسيقى:

ولو فسح لهؤلاء مجال التصحيح الحق لقدموا من الروائع ما يغني عن ذلك الإقبال المجنون على فنون الموسيقى، التي تشغل هذه الأيام معظم ساعات العرض الإذاعي، تقليدا للغرب الذي أقفرت نفوس أهليه من النشوات الروحية فراح يتطلبها في الآلات النحاسية والوترية وما إليها. . . . وليس أعلم بحقيقة هذا الجنون من صاحب الروك أندرول الذي استولى بأغانيه وموسيقاه على قلوب الملايين من أولئك الضائعين، ونال من وراء ذلك ملايينهم التي يشترون بها مسجلاته. . . . إنه يوسف إسلام الذي شاء الله أن يهديه للإسلام، فما إن لمست أشعة القرآن عقله وقلبه حتى نفض يده من ماضيه التافه؛ ليتحول إلى داعية متوهج الروح يسهم مع إخوانه من دعاة الإسلام بنشر أنواره في ظلمات الغرب نفسه وها هو ذا يصف تجاربه مع تفاهات الأمس بهذا القول السديد:(لقد نسيت الموسيقى إذ رأيتها تشغل عن ذكر الله وهذا خطر عظيم لقد رأيت شبابا يهجرون أهلهم ويعيشون في جو الأغاني والموسيقى وهذا لا يرضاه الإسلام الذي يحث على بناء الرجال ونحن معشر المسلمين في محنة وبحاجة إلى أن نبني أسرنا وأولادنا وأزواجنا كما يريد الله تعالى لا أن نهدم الأسر والأولاد والبنات بالموسيقى والغناء، الذي يلجئون إليه عندما تعجز المعتقدات الباطلة عن توفير الطمأنينة والسعادة في نفوسهم (1) وإن في ذلك لذكر لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

(1) مجلة (التربية الإسلامية) عدد المحرم 1407.

ص: 327

‌في صيدلية الإسلام علاج كل داء:

ولعلي لا أبعد عن أصل الموضوع حين أختم بحثي بلمحة موجزة عن الزواج الذي أسميته صمام الأمان، وهو الذي بلغ من التعقيد والتعسير غاية لم تكن لتتصور قبل هذه الأيام.

ص: 327

إن الذي قدر بحكمته مراحل الوجود الإنساني وفق أطوار محكمة لها مواعيدها ولها وقائعها وآثارها في سيرورة الحياة، قد حدد لتفتح الحاجة الجنسية زمنها الخاص، فما إن تبلغه حتى تدفع بصاحبها إلى البحث عن الرفيق المتمم. . . وطبيعي أن كل عقبة توضع في وجه هذا الاتجاه المشروع تعتبر عدوانا على حق الإنسان، الذي هيأته الحكمة الإلهية للإسهام في عملية البناء الإنساني. .

ولقد أدرك أسلافنا الصالحون هذه الحقيقة فيسروا لراغب الزواج سبيله بكل الممكنات حتى كان بين أوقافهم الخيرية مؤسسات خاصة لهذه الغاية، إلا أن التعقيدات الطارئة على حياة المسلمين جعلت من الزواج أخيرا إحدى المشكلات التي تستعصي على الحل. . .

وفي مثل هذه الأوضاع الشاذة لا مندوحة للمفكر المسلم من العودة إلي الأصول الإسلامية للبحث عن حلها الصحيح، ثقة منه بأن في صيدلية الإسلام علاج كل داء صغر أو كبر. .

ولقد كان من رحمة الله بالشباب أن جعل أمر الزواج في غاية اليسر حتى ليسقط المهر المالي عن المعسر مقابل أن يعلم زوجه آيات من القرآن الكريم، ويعير الموظف في دولة الإسلام عناية خاصة تتيح له فرصة التفرغ لواجباته، وذلك بما قرره له رسول الله من الحق لتأمين الزوجة والسكن والمطية. . بقوله في الحديث الشريف الذي أخرجه أحمد وأبو داود «من ولي لنا عملا وليس له منزل فليتخذ منزلا وليست له زوجة فليتزوج أو ليس له دابة فليتخذ دابة (1)» .

ومفهوم الحديث أن من واجب الموظف أن يؤمن لنفسه هذه المطالب الضرورية، فإذا أعجزه الفقر عن ذلك كان على الدولة أن توفرها له، حفاظا على الكرامة التي هي حق كل مسلم بل كل إنسان، وتحقيقا للأمن النفسي الذي لا سبيل للاطمئنان بدونه. . واعتبار الدابة إحدى الضروريات الأساسية لهذا الإنسان، عاملا أو موظفا يشمل السيارة والدراجة، وما إليهما من

(1) سنن أبو داود الخراج والإمارة والفيء (2945)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 229).

ص: 328

وسائل الانتقال الضرورية، سواء منها ما كان خاصا أو داخلا في نطاق النقل الجماعي.

هذا إلي ما سنه ثاني الخلفاء الراشدين من إعطاء كل مولود في الإسلام حقه في بيت المال وحقه في التعليم وحقه في الرعاية، التي تشق له الطريق إلي أقصى ما يؤهله له طموحه ومؤهلاته ومقوماته. . .

ولا يستقيم في منطق العقل أن ترى امرأ وفرت له الدولة كل هذه الفرص ثم يقدم على قبول الرشوة أو يمد عينيه إلي أعراض الناس فيغامر بحياته لتحقيق بعض نزواته إلا إذا غلبته الخسة على الكرامة، وهيهات أن تجد مثل هذا المخلوق الملوث بين ظهراني المجتمع الإسلامي القائم على النظافة والطهر في كل جزئية من كيانه العام.

وإنما تجد ذلك الانحدار الخلقي في ظلال الأنظمة القائمة على الإلحاد والأخرى القائمة على (حرية) الشهوات. . . . وما لف لفها من الأنظمة التي انسلخت من فضائل الإسلام ورضيت أن تكون ذيلا لهذا أو ذلك من الأنظمة الطاغية الباغية المضللة.

وأخيرا. . ليت شعري هل وفيت البحث حقه؟. . . . وهل قدمت في هذه العصارة المركزة من خبراتي الطويلة أي خير من شأنه أن ينفع الناس؟

ذلك ما أرجو والله وحده المسئول أن يقدر لما كتبته الرضى والقبول.

ص: 329

من قرارات المجامع

الفقهية

القرار السادس من قرارات مجلس المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي المنعقد في مكة المكرمة في الفترة من 7 إلى 17 من شهر ربيع الآخر سنة 1401 هـ في دورته الرابعة.

حول رسالة الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود

الموجهة إلى العلماء والحكام والقضاة في شأن رؤية الهلال.

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. . . أما بعد:

فقد اطلع مجلس المجمع الفقهي الإسلامي على الرسالة الموجهة إلي العلماء والحكام والقضاة في شأن رؤية الهلال والتي كتبها رئيس المحاكم بدولة قطر الشيخ عبد الله بن زيد بن محمود وبعد الاطلاع عليها تبين أنها قد اشتملت على أغلاط عظيمة وأخطاء واضحة:

ص: 331

أولا قوله: إن عيد الفطر من هذه السنة يعني سنة 1400 هـ قد وقع في غير موقعه الصحيح بناء على الشهادة الكاذبة برؤية الهلال ليلة الاثنين حيث لم يره أحد من الناس الرؤية الصحيحة لا في ليلة الاثنين ولا في ليلة الثلاثاء. . . إلخ.

فهذا الكلام الذي قاله مؤلف الرسالة تخرصا منه، جانب فيه الصواب وخالف فيه الحق، وكيف يحكم على جميع الناس أنهم لم يروه وهو لم يحط علما بذلك؟ ! والقاعدة الشرعية أن من علم حجة على من لم يعلم، ومن أثبت شيئا حجة على من نفاه. وكيف وقد ثبتت رؤيته ليلة الاثنين بشهادة الثقات المعدلين والمثبتة شهاداتهم لدى القضاة المعتمدين في بلدان مختلفة في المملكة وغيرها؛ وبذلك يعلم أن دخول شوال عام 1400 هـ ثبت ثبوتا شرعيا ليلة الاثنين مبنيا على أساس تعاليم الشرع المطهر المبلغ عن سيد البشر، فقد روى أبو داود في سننه بإسناد صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهرضي الله عنهما قال:«تراءى الناس الهلال فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أني رأيته فصام وأمر الناس بالصيام (1)» . قال الحافظ في التلخيص: وأخرجه الدارمي والدارقطني وابن حبان والحاكم والبيهقي وصححه ابن حزم.

وروى أهل السنن عن ابن عباس رضي الله عنهما «أن أعرابيا قال: يا رسول الله إني رأيت الهلال، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أتشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ قال: نعم. قال: فأذن في الناس يا بلال أن يصوموا غدا (2)» . وأخرجه أيضا ابن خزيمة وابن حبان والدارقطني والحاكم والبيهقي وروى الإمام أحمد والنسائي عن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب قال: جالست أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألتهم وإنهم حدثوني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته وانسكوا لها فان غم عليكم فأتموا ثلاثين فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا (3)» .

وعن الحارث بن حاطب الجمحي أمير مكة قال «عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننسك للرؤية فإن لم نر

(1) سنن أبو داود الصوم (2342)، سنن الدارمي الصوم (1691).

(2)

سنن الترمذي الصوم (691)، سنن النسائي الصيام (2113)، سنن أبو داود الصوم (2340)، سنن ابن ماجه الصيام (1652)، سنن الدارمي الصوم (1692).

(3)

صحيح البخاري الصوم (1909)، صحيح مسلم الصيام (1081)، سنن الترمذي الصوم (684)، سنن النسائي الصيام (2117)، سنن ابن ماجه الصيام (1655)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 497)، سنن الدارمي الصوم (1685).

ص: 332

وشهد شاهدا عدل نسكنا بشهادتهما (1)». رواه أبو داود والدارقطني وقال: إسناده متصل صحيح.

وعن أبي عمير بن أنس عن عمومة له من الأنصار قال: «غم علينا هلال شوال فأصبحنا صياما فجاء ركب من آخر النهار فشهدوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم رأوه بالأمس فأمر الناس أن يفطروا من يومهم وأن يخرجوا لعيدهم من الغد (2)» . رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه، قال الحافظ في التلخيص: صححه ابن المنذر وابن السكن وابن حزم.

وعن ربعي بن حراش عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اختلف الناس في آخر يوم من شهر رمضان فقدم أعرابيان فشهدا عند النبي صلى الله عليه وسلم بالله أنهما أهلا الهلال أمس عشية فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يفطروا (3)» .

رواه أحمد وأبو داود وزاد أبو داود في رواية وأن يفدوا إلي مصلاهم وهذه الأحاديث تدل على وجوب الأخذ بشهادة الشهود الثقات والاعتماد عليها وأنه يكفي الشاهدان العدلان في الصوم والإفطار ويكفي العدل الواحد في إثبات دخول شهر رمضان كما دل على ذلك حديث ابن عمر وحديث ابن عباس رضي الله عنهما كما تدل على أنه لا يلزم من ذلك أن يراه الناس كلهم أو يراه الجم منهم، كما تدل أيضا على أنه ليس من شرط صحة شهادة الشاهدين العدلين أو شهادة العدل الواحد في الدخول أن يراه الناس في الليلة الثانية؛ لأن منازله تختلف وهكذا أبصار الناس ليست على حد سواء ولأنه قد يوجد في الأفق ما يمنع الرؤية في الليلة الثانية ولو كانت رؤيته في الليلة الثانية شرطا في صحة شهادة لبينه النبي صلى الله عليه وسلم لأنه المبلغ عن الله والموضح لأحكامه عليه الصلاة والسلام وحكى الترمذي إجماع العلماء على قبول شهادة العدلين في إثبات الرؤية.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى ج 25 ص 186 بعد ما ذكر اختلاف أبصار الناس في الرؤية وأسباب ذلك ما نصه: لأنه لو رآه اثنان علق الشارع الحكم بهما بالإجماع وإن كان الجمهور لم يروه. اهـ. ولعل مراده بحكاية الإجماع وقت الغيم لأن خلاف أبي حنيفة رحمه الله في عدم إثبات دخول الشهر في وقت الصحو بأقل من الاستفاضة أمر معلوم لا

(1) سنن أبو داود الصوم (2338).

(2)

سنن النسائي صلاة العيدين (1557)، سنن أبو داود الصلاة (1157)، سنن ابن ماجه الصيام (1653)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 58).

(3)

سنن أبو داود الصوم (2339)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 363).

ص: 333

يحفى على مثله رحمه الله، وهذا كله إذا لم يحكم بذلك فإنه يرتفع الخلاف ويلزم العمل بشهادة المذكورة إجماعا كما ذكر ذلك العلامة أبو زكريا يحيى النووي في شرح المهذب ج / 6ص313 بعدما ذكر أسباب اختلاف أبصار الناس في الرؤية وهذا نص كلامه: ولهذا لو شهد برؤيته اثنان أو واحد وحكم به حاكم لم ينقض بالإجماع ووجب الصوم بالإجماع ولو كان مستحيلا لم ينفذ حكمه ووجب نقضه. ثم قال ابن محمود بعد كلام سبق ما نصه: يا معشر العلماء الكرام ويا معشر قضاة شرع الإسلام لقد وقعنا في صومنا وفطرنا في الخطأ المنكر كل عام اهـ. ولا يخفى ما في هذا الكلام من الخطأ العظيم والجرأة على القول بخلاف الحق فأين له تكرر الخطأ في كل عام في الصوم والإفطار والقضاة يحكمون في ذلك بما دلت عليه الأحاديث الصحيحة وأجمع عليه أهل العلم كما سبق بيانه.

ثم قال ابن محمود بعد كلام سبق: فمتى طلع يعني الهلال قبل طلوع الشمس من جهة المشرق فإنه يغيب قبلها فلا يراه أحد أو طلع مع الشمس فإنه يغيب معها ولا يراه أحد لشدة ضوء الشمس. اهـ. وهذا خطأ بين فقد ثبت بشهادة العدول أنه قد يرى قبل الشمس في صبيحة يوم التاسع والعشرين من المشرق ثم يرى بعد غروبها من المغرب ذلك اليوم لأن سير القمر غير سير الشمس فكل واحد يسبح في فلكه الخاص به كما يشاء الله عز وجل. وأما الآية التي استدل بها على ما ذكره من عدم إمكان رؤيته بعد الغروب إذا كان قد رئي صباح ذلك اليوم قبل طلوع الشمس وهي قوله تعالى في الآية (40) من سورة يس: {لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} (1) فلا حجة له في ذلك؛ لأن علماء التفسير أوضحوا معنى الإدراك المذكور وأنه لا سلطان للشمس في وقت سلطان القمر ولا سلطان للقمر في وقت سلطان الشمس.

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية ما نصه: قال مجاهد: لكل منهما حد لا يعدوه ولا يقصر دونه إذا جاء سلطان هذا ذهب هذا، وإذا ذهب سلطان هذا جاء هذا إلى أن قال: وقال الثوري عن إسماعيل بن خالد عن أبي صالح لا يدرك هذا ضوء هذا ولا هذا

(1) سورة يس الآية 40

ص: 334

ضوء هذا وقال عكرمة في قوله عز وجل {لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ} (1) يعني أن لكل منهما سلطانا فلا ينبغي للشمس أن تطلع بالليل. اهـ المقصود.

ثم قال ابن محمود بعد ما ذكر كلام فقهاء الأحناف في اشتراط الاستفاضة في الرؤية وقت الصحو وأنه لا يكتفي في رؤيته بشخص أو شخصين دون بقية الناس لاحتمال التوهم منهما إلى أن قال وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في رسائله المتعلقة بالهلال فقال: إنه يعتد برؤية الواحد والاثنين للهلال والناس لم يروه لاحتمال التوهم منهما في الرؤية ولو كانت الرؤية صحيحة لرآه أكثر الناس. اهـ. وهذا الكلام الذي نقله عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن عدم الاكتفاء بشهادة الواحد والاثنين بالهلال إذا لم يره غيرهم لا أساس له من الصحة وقد سبق كلامه رحمه الله الذي نقله عنه العارفون بكلامه وهو الموجود في الفتاوى ج 25 ص 186 ونقل الإجماع على تعلق حكم الشرع بشهادة الاثنين وفيه نقل الإجماع على تعلق حكم الشرع بشهادة الاثنين.

ثم قال: «تراءى الناس هلال رمضان فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أني رأيته فصام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر الناس بصيامه (2)» رواه أبو داود وصححه الحاكم وابن حبان ومثله حديث ابن عباس «أن أعرابيا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني رأيت الهلال قال: أتشهد أن لا إله إلا الله؟ قال: نعم قال: أتشهد أن محمدا رسول الله؟ قال: نعم قال: فأذن في الناس يا بلال أن يصوموا غدا (3)» . رواه الخمسة وصححه ابن خزيمة وابن حبان وصحح النسائي إرساله. فالجواب أنه ليس في الحديثين ما يدل على حصر الرؤية على هذين الشخصين؛ إذ من المحتمل أن يكونا أول من رأيا الهلال ثم رآه غيرهما. اهـ المقصود.

(1) سورة يس الآية 40

(2)

سنن أبو داود الصوم (2342)، سنن الدارمي الصوم (1691).

(3)

سنن الترمذي الصوم (691)، سنن النسائي الصيام (2113)، سنن أبو داود الصوم (2340)، سنن ابن ماجه الصيام (1652)، سنن الدارمي الصوم (1692).

ص: 335

ولا يخفى بطلان هذا الجواب وتعسفه لعدم الدليل عليه والأصل عدم وجود غيرهما إذ لو شهد غيرهما لنقل فلما لم ينقل ذلك علم عدم وقوعه لهذا احتج العلماء بهذين الحديثين على قبول شهادة الواحد في دخول شهر رمضان ووجوب العمل بها وهو أصح قولي العلماء كما تقدم بيان ذلك وقد تقدم أيضا أنه متى حكم بها حاكم شرعي وجب العمل بها إجماعا كما سبق نقل ذلك عن النووي رحمه الله في شرح المهذب فنعوذ بالله من القول عليهم بغير علم.

ثم قال ابن محمود في ختام رسالته ما نصه: ولقد تقدم مني القول برسالتي لاجتماع أهل الإسلام على عيد واحد كل عام فدعوت فيها الحكومة حرسها الله إلى تعيين لجنة عدلية استهلالية من العدول الذين لهم حظ من قوة البصر فيراقبون الهلال وقت التحري بطلوعه لخاصة شعبان وحتى إذا حصل غيم أو قتر حسبوا له ثلاثين ثم صاموا رمضان ثم يراقبون عند مستهل ذي الحجة لمعرفة ميقات الحج وهذه اللجنة لا ينبغي أن تقل عن عشرة أشخاص من العدول الثقات ولهم رئيس يرجعون إليه في لم شملهم. اهـ المقصود ولا يخفى ما في هذا الكلام من التكلف والتشريع الجديد الذي لم ينزل الله به من سلطان بل هو اقتراح في غاية الفساد لا يجوز التعويل عليه والالتفات إليه لأن الله سبحانه قد يسر وسهل وأجاز الحكم بشهادة عدلين اثنين في جميع الشهور وعدل واحد في شهر رمضان فلا يجوز لأحد أن يحدث في شرع الله ما لم يأذن به سبحانه ولم تأت به سنة نبيه صلى الله عليه وسلم. وقد قال الله عز وجل {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} (1)(21) من سورة الشورى. وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (2)» أخرجه

(1) سورة الشورى الآية 21

(2)

صحيح البخاري الصلح (2697)، صحيح مسلم الأقضية (1718)، سنن أبو داود السنة (4606)، سنن ابن ماجه المقدمة (14)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 256).

ص: 336

البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عائشة رضي الله عنها. وفي رواية مسلم عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (1)» . وهذا ما أردنا التنبيه عليه من الأخطاء الكثيرة التي وقعت في رسالة الشيخ عبد الله بن محمود ونسأل الله أن يهدينا وإياه سواء السبيل وأن يعيذنا وإياه وسائر المسلمين من القول على الله وعلى رسوله بغير علم ومن الإحداث في دين الله ما لم يأذن به الله والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على عبده ورسوله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين.

[توقيع]

**

[توقيع]

رئيس مجلس المجمع الفقهي

**

نائب الرئيس

عبد الله بن حميد

**

محمد علي الحركان

[توقيع]

[توقيع]

[توقيع]

محمد محمود الصواف

مصطفى الزرقاء

عبد العزيز بن عبد الله بن باز

[توقيع]

[توقيع]

[توقيع]

مبروك العوادي

محمد بن عبد الله السبيل

صالح بن عثيمين

[توقيع]

[توقيع]

[توقيع]

محمد رشيدي

عبد القدوس الهاشمي

محمد الشاذلي النيفر

[توقيع]

[توقيع]

غائب عن التوقيع

حسنين محمد مخلوف

أبو بكر محمود جومي

أبو الحسن علي الحسني الندوي

[غائب]

[غائب]

[توقيع]

محمد سالم عدود

محمود شيت خطاب

محمد رشيد قباني

(1) صحيح مسلم الأقضية (1718)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 180).

ص: 337

القرار السابع من قرارات مجلس المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي المنعقد في مكة المكرمة

في الفترة من 7 إلى 17 من شهر ربيع سنة 1401 هـ في دورته الرابعة

بيان توحيد الأهلة من عدمه

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. . . أما بعد:

لقد درس المجمع الفقهي الإسلامي مسألة اختلاف المطالع في بناء الرؤية عليها فرأى أن الإسلام بني على أنه دين يسر وسماحة تقبله الفطرة السليمة والعقول المستقيمة لموافقته للمصالح. ففي مسألة الأهلة ذهب إلى إثباتها بالرؤية البصرية لا على اعتمادها على الحساب كما تشهد به الأدلة الشرعية القاطعة كما ذهب إلى اعتبار اختلاف المطالع لما في ذلك من التخفيف على المكلفين مع كونه هو الذي يقتضيه النظر الصحيح فما يدعيه القائلون من وجوب الاتحاد في يومي الصوم والإفطار مخالف لما جاء شرعا وعقلا.

أما شرعا فقد أورد أئمة الحديث حديث كريب «وهو أن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشام قال: فقدمت الشام فقضيت حاجتها فاستهل علي شهر رمضان وأنا بالشام فرأيت الهلال ليلة الجمعة ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني عبد الله بن عباس رضي الله عنهما. ثم ذكر

ص: 338

الهلال فقال: متى رأيتم الهلال؟ فقلت: رأيناه ليلة الجمعة فقال: أنت رأيته؟ فقلت نعم، ورآه الناس وصاموا وصام معاوية فقال: لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه فقلت: أولا نكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: لا، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (1)» (رواه مسلم في صحيحه).

وقد ترجم الإمام النووي على هذا الحديث في شرحه على مسلم بقوله (باب بيان أن لكل بلد رؤيتهم وأنهم إذا رءوا الهلال لبلد لا يثبت حكمه لما بعد عنهم ولم يخرج عن هذا المنهج من أخرج هذا الحديث من أصحاب الكتب الستة أبي داود والترمذي والنسائي في تراجمهم له).

وناط الإسلام الصوم والإفطار بالرؤية البصرية دون غيرها لما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فاقدروا له (2)» . رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما. فهذا الحديث علق الحكم بالسبب الذي هو الرؤية وقد توجد في بلد كمكة والمدينة ولا توجد في بلد آخر فقد يكون زمانها نهارا عند آخرين فكيف يؤمرون بالصيام أو الإفطار أفاده في بيان الأدلة في إثبات الأهلة. وقد قرر العلماء من كل المذاهب أن اختلاف المطالع هو المعتبر عند كثير، فقد روى ابن عبد البر الإجماع على ألا تراعى الرؤية فما تباعد من البلدان كخراسان من الأندلس أو لكل بلد حكم يخصه. وكثير من كتب أهل المذاهب الأربعة طافحة بذكر اعتبار اختلاف المطالع للأدلة القائمة من الشريعة بذلك وتطالعك الكتب الفقهية بما يشفي الغليل.

وأما عقلا فاختلاف المطالع لا اختلاف لأحد من العلماء فيه لأنه من الأمور المشاهدة التي يحكم بها العقل فقد توافق الشرع والعقل على ذلك فهما متفقان على بناء كثير من الأحكام على ذلك التي منها أوقات الصلاة ومراجعة الواقع تطالعنا أن اختلاف المطالع من الأمور الواقعية. وعلى ضوء

(1) صحيح مسلم الصيام (1087)، سنن الترمذي الصوم (693)، سنن النسائي الصيام (2111)، سنن أبو داود الصوم (2332).

(2)

صحيح البخاري الصوم (1906)، صحيح مسلم الصيام (1080)، سنن النسائي الصيام (2121)، سنن أبو داود الصوم (2319)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 63)، موطأ مالك الصيام (634)، سنن الدارمي الصوم (1684).

ص: 339

ذلك قرر مجلس المجمع الفقهي الإسلامي أنه لا حاجة إلى الدعوة إلى توحيد الأهلة والأعياد في العالم الإسلامي لأن توحيدها لا يكفل وحدتهم كما يتوهمه كثير من المقترحين لتوحيد الأهلة والأعياد. وأن تترك قضية إثبات الهلال إلى دور الإفتاء والقضاء في الدول الإسلامية لأن ذلك أولى وأجدر بالمصلحة الإسلامية العامة وأن الذي يكفل توحيد الأمة وجمع كلمتها هو اتفاقهم على العمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في جميع شئونهم. والله ولي التوفيق.

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

[توقيع]

[توقيع]

رئيس مجلس المجمع الفقهي

نائب الرئيس

عبد الله بن حميد

محمد علي الحركان

الأعضاء

[توقيع]

[توقيع]

[توقيع]

محمد محمود الصواف

مصطفى الزرقاء

عبد العزيز بن عبد الله بن باز

[توقيع]

[توقيع]

[توقيع]

مبروك العوادي

محمد بن عبد الله السبيل

صالح بن عثيمين

[توقيع]

[توقيع]

[توقيع]

محمد رشيدي

عبد القدوس الهاشمي

محمد الشاذلي النيفر

[توقيع]

[توقيع]

غائب عند التوقيع

حسنين محمد مخلوف

أبو بكر محمود جومي

أبو الحسن علي الحسني الندوي

[غائب]

[غائب]

[توقيع]

محمد سالم عدود

محمود شيت خطاب

محمد رشيد قباني

ص: 340

القرار السادس من قرارات مجلس مجمع الفقه الإسلامي لمنظمة المؤتمر الإسلامي بشأن "توحيد بدايات الشهور القمرية"

إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي في دورة انعقاد مؤتمره الثالث بعمان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية من 8 - 13 صفر 1407 هـ / 11 إلى 16 أكتوبر 1986 م بعد استعراضه في قضية " توحيد بدايات الشهور القمرية " مسألتين:

الأولى: مدى تأثير اختلاف المطالع على توحيد بداية الشهور.

الثانية: حكم إثبات أوائل الشهور القمرية بالحساب الفلكي.

وبعد استماعه إلى الدراسات المقدمة من الأعضاء والخبراء حول هذه المسألة قرر:

1 -

في المسألة الأولى:

إذا ثبتت الرؤية في بلد وجب على المسلمين الالتزام بها ولا عبرة لاختلاف المطالع لعموم الخطاب بالأمر بالصوم والإفطار.

2 -

في المسألة الثانية:

وجوب الاعتماد على الرؤية، ويستعان بالحساب الفلكي والمراصد مراعاة للأحاديث النبوية والحقائق العلمية. والله أعلم.

ص: 341

قرار هيئة كبار العلماء رقم 108 وتاريخ 2/ 11 / 1403 هـ بشأن إنشاء مراصد يستعان بها عند رؤية الهلال

الحمد لله والصلاة والسلام على عبد الله ورسوله محمد وعلى آله وصحبه وبعد:

ففي الدورة الثانية والعشرين لمجلس هيئة كبار العلماء المنعقدة بمدينة الطائف ابتداء من العشرين من شهر شوال حتى الثاني من شهر ذي القعدة عام 1403 هـ بحث المجلس موضوع إنشاء مراصد يستعان بها عند تحري رؤية الهلال بناء على الأمر السامي الموجه إلى سماحة الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد برقم 4 / ص / 19524 وتاريخ 18/ 8 / 1403 هـ والمحال من سماحته إلى الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم 2652/ 1 / د وتاريخ 1/ 9 / 1403 هـ واطلع على قرار اللجنة المشكلة بناء على الأمر السامي رقم 6/ 2 وتاريخ 2/ 1 / 1403هـ والمكونة من أصحاب الفضيلة الشيخ عبد الرزاق عفيفي عضو هيئة كبار العلماء وأعضاء الهيئة الدائمة بمجلس القضاء الأعلى والشيخ محمد بن عبد الرحيم الخالد ومندوب جامعة الملك سعود والدكتور فضل أحمد نور محمد والتي درست موضوع الاستعانة بالمراصد على تحري رؤية الهلال وأصدرت في ذلك قرارها

ص: 342

المؤرخ في 16/ 5 / 1403 هـ المتضمن أنه اتفق رأي الجميع على النقاط الست التالية:

إنشاء المراصد كعامل مساعد على تحري رؤية الهلال لا مانع منه شرعا.

إذا رئي الهلال بالعين المجردة فالعمل بهذه الرؤية وإن لم ير بالمرصد.

إذا رئي الهلال بالمرصد رؤية حقيقية بواسطة المنظار تعين العمل بهذه الرؤية ولو لم ير بالعين المجردة؛ وذلك لقول الله تعالى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (1) ولعموم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تصوموا حتى تروه ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فاكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما (2)» ولقوله عليه الصلاة والسلام «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم (3)» . . الحديث حيث يصدق أنه رئي الهلال سواء كانت الرؤية بالعين المجردة أم بها عن طريق المنظار ولأن المثبت مقدم على النافي.

يطلب من المراصد من قبل الجهة المختصة عن إثبات الهلال لتحري رؤية الهلال في ليلة مظنته بغض النظر عن احتمال وجود الهلال بالحساب من عدمه.

يحسن إنشاء مراصد متكاملة الأجهزة للاستفادة منها في جهات المملكة الأربع تعين موقعها وتكاليفها بواسطة المختصين في هذا المجال.

تعميم مراصد متنقلة لتحري رؤية الهلال في الأماكن التي تكون مظنة رؤية الهلال مع الاستعانة بالأشخاص المشهورين بحدة البصر وخاصة الذين سبق لهم رؤية الهلال. اهـ.

وبعد أن قام المجلس بدراسة الموضوع ومناقشته ورجع إلى قراره رقم (2) الذي أصدره في دورته الثانية المنعقدة في شهر شعبان من عام 1394 هـ في موضوع الأهلة قرر بالإجماع الموافقة على النقاط

(1) سورة البقرة الآية 185

(2)

صحيح البخاري الصوم (1907)، صحيح مسلم الصيام (1080)، سنن النسائي الصيام (2122)، سنن أبو داود الصوم (2320)، سنن ابن ماجه الصيام (1654)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 5)، موطأ مالك الصيام (634)، سنن الدارمي الصوم (1684).

(3)

صحيح البخاري الصوم (1909)، صحيح مسلم الصيام (1081)، سنن الترمذي الصوم (684)، سنن النسائي الصيام (2119)، سنن ابن ماجه الصيام (1655)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 497)، سنن الدارمي الصوم (1685).

ص: 343

الست التي توصلت إليها اللجنة المذكورة أعلاه بشرط أن تكون الرؤية بالمرصد أو غيره ممن تثبت عدالته شرعا لدى القضاء كالمتبع وألا يعتمد على الحساب في إثبات دخول الشهر أو خروجه.

وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

ص: 344

بطلان ما يعتقده بعض الناس من تحريم أو كراهة تزويج الهاشميات بغير الهاشميين

أو بعبارة أخرى: تزويج الشريفات بغير الأشراف

لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه. أما بعد: فإن من الأمور المنكرة أن بعض من يدعي أنه من بني هاشم يقولون إنه لا يكافئهم أحد فهم لا يزوجون غيرهم ولا يتزوجون من غيرهم وهذا خطأ عظيم وجهل كبير وظلم للمرأة وتشريع لم يشرعه الله ورسوله.

قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (1) وقال سبحانه {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (2) وقال {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} (3) وقال: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} (4) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا

(1) سورة الحجرات الآية 13

(2)

سورة الحجرات الآية 10

(3)

سورة التوبة الآية 71

(4)

سورة آل عمران الآية 195

ص: 345

فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأبيض على أسود ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى، الناس من آدم وآدم من تراب (1)» وقال صلى الله عليه وسلم «إن آل بني فلان ليسوا لي بأولياء إنما وليي الله وصالح المؤمنين (2)» متفق عليه وقال النبي صلى الله عليه وسلم:«إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض (3)» أخرجه الترمذي وغيره بإسناد حسن.

وقد زوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش الأسدية من زيد بن حارثة مولاه وزوج فاطمة بنت قيس القرشية من أسامة بن زيد وهو وأبوه عتيقان. وتزوج بلال بن رباح الحبشي بأخت عبد الرحمن بن عوف الزهرية القرشية. وزوج أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة القرشي ابنة أخيه الوليد سالما مولاه وهو عتيق لامرأة من الأنصار، وقد قال الله تعالى {وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} (4).

وكذا زوج النبي صلى الله عليه وسلم ابنتيه رقية وأم كلثوم عثمان وزوج أبا العاص بن الربيع ابنته زينب وهما من بني عبد شمس وليسا من بني هاشم وزوج علي عمر بن الخطاب ابنته أم كلثوم وهو عدوي لا هاشمي وتزوج عبد الله بن عمرو بن عثمان فاطمة بنت الحسين بن علي وهو أموي لا هاشمي وتزوج مصعب بن الزبير أختها سكينة وليس هاشميا بل أسدي من أسد قريش وتزوج المقداد بن الأسود ضباعة ابنة الزبير بن عبد المطلب الهاشمية ابنة عم النبي صلى الله عليه وسلم وهو كندي لا هاشمي وهذا شيء كثير.

والمقصود بيان بطلان ما يدعيه بعض الهاشميين من تحريم تزويج الهاشمية بغير الهاشمي أو كراهة ذلك وإنما الواجب في ذلك اعتبار كفاءته في الدين فالذي أبعد أبا طالب وأبا لهب عدم الإسلام والذي قرب سلمان الفارسي وصهيبا الرومي وبلالا الحبشي إنما هو الإيمان والصلاح والتقوى واتباع الشرع والسير على النهج المستقيم ومما ينجم عن هذا الجهل والتصرف الباطل حبس النساء

(1) مسند أحمد بن حنبل (5/ 411).

(2)

صحيح البخاري الأدب (5990)، صحيح مسلم الإيمان (215)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 203).

(3)

سنن الترمذي النكاح (1084)، سنن ابن ماجه النكاح (1967).

(4)

سورة النور الآية 26

ص: 346

الهاشميات وتعطيلهن من الزواج أو تأخيره فيحصل ما لا تحمد عقباه من الفساد وتعطيل النسل أو تقليله. وقد قال تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (1) فأمر بإنكاح الأيامى أمرا مطلقا ليعم الغني والفقير وسائر أصناف المسلمين.

وإذا كانت الشريعة الإسلامية قد رغبت في الزواج وحثت عليه فإن على المسلمين أن يبادروا إلى امتثال أمر الله وأمر رسوله حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء (2)» متفق على صحته فعلى الأولياء أن يتقوا الله في مولياتهم فإنهن أمانة في أعناقهم وأن الله سائلهم عن هذه الأمانة فعليهم أن يبادروا إلى تزويج بناتهم وأخواتهم وأبنائهم حتى يؤدي كل دوره في هذه الحياة ويقل الفساد والجرائم. ومن المعلوم أن حبس النساء عن الزواج سبب في فشو الجرائم الأخلاقية وانتشارها التي هي من معاول الهدم والدمار فيا عباد الله اتقوا الله في أنفسكم وفيمن ولاكم الله عليهن من البنات والأخوات وغيرهن وفى إخوانكم المسلمين واسعوا جميعا إلى تحقيق الخير والسعادة في المجتمع وتيسير سبل نموه وتكاثره وإزالة أسباب انتشار الجرائم.

واعلموا أنكم مسئولون ومحاسبون ومجزيون على أعمالكم، قال الله تعالى:{فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} (3){عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (4) وقال عز وجل {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} (5).

وبادروا إلى تزويج بناتكم وأبنائكم مقتدين بنبيكم صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضي الله عنهم والسائرين على هديهم وطريقتهم وأوصيكم بتقليل مؤن الزواج وعدم المغالاة في المهور واقتصدوا في

(1) سورة النور الآية 32

(2)

صحيح البخاري النكاح (5066)، صحيح مسلم النكاح (1400)، سنن الترمذي النكاح (1081)، سنن النسائي الصيام (2240)، سنن أبو داود النكاح (2046)، سنن ابن ماجه النكاح (1845)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 378)، سنن الدارمي النكاح (2166).

(3)

سورة الحجر الآية 92

(4)

سورة الحجر الآية 93

(5)

سورة النجم الآية 31

ص: 347

تكاليف الزواج والولائم واجتهدوا في اختيار الأزواج الصالحين الأتقياء ذوي الأمانة والعفة. رزق الله الجميع الفقه في الدين والثبات عليه وأعاذنا وإياكم وسائر المسلمين من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا وجنبنا وإياكم مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، كما نسأله أن يصلح ولاة أمور المسلمين ويصلح بهم إنه على ذلك قدير، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.

الرئيس العام

لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد

عبد العزيز بن عبد الله بن باز

ص: 348

بيان هيئة كبار العلماء في تأييد ما اتخذه ولي الأمر من استقدام قوات مؤهلة لرد العدوان على هذه البلاد

الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه ولزم سنته إلى يوم الدين وبعد:

فإنه لم يغب عن علم هيئة كبار العلماء وغيرهم في المملكة العربية السعودية ما حدث على حدودها من حشود قوات كبيرة وعدوان على دولة مجاورة لدولة العراق وقد بلغ الهيئة ما تناقلته وكالات الأنباء وبثته وسائل الإعلام ونقله الفارون من الدولة المعتدى عليها " الكويت " من أمور فظيعة وجرائم خطيرة واستهتار بالقيم وانتهاك لحرمة الجوار مما واقعة أعظم من وصفه والسعيد من وعظ بغيره وهذا هو الذي حدا بولاة الأمر في المملكة العربية السعودية إلى أن يأخذوا بأسباب حماية بلادهم وأهلها ومقوماتها من التعرض لمثل ما تعرضت له جارتهم الكويت وأن يطلبوا إعانة الدول العربية وغير العربية لدفع الخطر المتوقع والوقوف بوجه العدوان المرتقب ممن يريد مداهمة البلاد وقد حققت وقائع الأحوال في الكويت أن هذا العدو لا يوثق بوعده ولا تؤمن خيانته.

ولذا فإن بيان الحكم الشرعي في هذه المسألة أمر حتمي ليكون الناس في هذه البلاد وفى غيرها على بصيرة من الأمر ويجلى لهم الواقع عن طريق علمائهم لهذا قرر مجلس كبار العلماء عقد جلسة خاصة لإصدار هذا

ص: 349

البيان ليوضح للناس فيه ضرورة الدفاع عن الأمة ومقوماتها بجميع الوسائل الممكنة وأن الواجب على ولاة أمرها المبادرة لاتخاذ كل وسيلة تصد الخطر وتوقف زحف الشر وتؤمن للناس سلامة دينهم وأموالهم وأعراضهم ودمائهم وتحفظ لهم ما ينعمون به من أمن واستقرار. .

لذا فإن مجلس هيئة كبار العلماء يؤيد ما اتخذه ولي الأمر وفقه الله من استقدام قوات مؤهلة بأجهزة قادرة على إخافة وإرهاب من أراد العدوان على هذه البلاد وهو أمر واجب عليه تمليه الضرورة في الظروف الحاضرة ويحتمه الواقع المؤلم، وقواعد الشريعة وأدلتها توجب على ولي أمر المسلمين أن يستعين بمن تتوافر فيه القدرة وحصول المقصود وقد دل القرآن والسنة النبوية على لزوم الاستعداد وأخذ الحذر قبل فوات الأوان وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

ص: 350