الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شروط النسخ التي ذكرها العلماء، ثم أعرج على بيان آراء العلماء في حكم النسخ ووقوعه أصلا من عدمه، مع مناقشتها وترجيح ما يترجح لدي منهما. بعد ذلك سأورد تفسيرا تحليليا للآيات الدالة على النسخ في القرآن الكريم. ثم أبين ما يقع فيه النسخ في القرآن، ثم أتحدث عن أنواع النسخ في القرآن الكريم، مختتما ذلك بإيراد أمثلة للنسخ في القرآن، وأمثلة لما قيل أنه نسخ وليس كذلك، جاعلا الحديث عن كل قسم من ذلك في فصل مستقل إيضاحا له، وتركيزا عليه، وفي نهاية البحث سأورد خاتمة له تتضمن نتائج البحث وخلاصة له.
وأرجو من الله سبحانه العون وأستمد التوفيق. وهو المسئول سبحانه أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا من لدنه علما.
سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الفصل الأول
النسخ لغة واصطلاحا
قال الجوهري في الصحاح: نسخت الشمس الظل وانتسخته: أزالته ونسخت الريح آثار الدار: غيرتها ونسخت الكتاب وانتسخته واستنسخته كله بمعنى. والنسخة بالضم: اسم المنتسخ منه، ونسخ الآية بالآية إزالة مثل حكمها، فالثانية ناسخة والأولى منسوخة، والتناسخ في الميراث: أن يموت ورثة بعد ورثة، وأصل الميراث قائم لم يقسم (1) اهـ.
وقال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة: النون والسين والخاء أصل واحد إلا أنه مختلف في قياسه. قال قوم: قياسه رفع شيء وإثبات غيره
(1) الصحاح ج 1 ص 433.
مكانه وقال آخرون: قياسه تحويل شيء إلى شيء: قالوا: النسخ: نسخ الكتاب والنسخ: أمر كان يعمل به من قبل ثم ينسخ بحادث غيره كالآية ينزل فيها أمر ثم تنسخ بآية أخرى. وكل شيء خلف شيئا فقد انتسخه وانتسخت الشمس الظل والشيب الشباب. وتناسخ الورثة: أن يموت ورثة بعد ورثة وأصل الإرث قائم لم يقسم، ومنه تناسخ الأزمنة والقرون.
قال السجستاني: النسخ: أن تحول ما في الخلية من العسل والنحل في أخرى قال ومنه نسخ الكتاب (1) اهـ.
وجاء في المعجم الوسيط الذي وضعه مجمع اللغة العربية بالقاهرة في مادة نسخ: نسخ الشيء نسخا أزاله يقال: نسخت الريح آثار الديار ونسخت الشمس الظل ونسخ الشيب الشباب. ويقال: نسخ الله الآية: أزال حكمها وفي التنزيل العزيز {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} (2) ويقال: نسخ الحاكم الحكم أو القانون: أبطله. والكتاب: نقله وكتبه حرفا بحرف.
انتسخ الشيء: نسخه والكتاب نسخه وتناسخ الشيئان: نسخ أحدهما الآخر يقال: أبلاه تناسخ الملوين. وتناسخت الأشياء: تداولت فكان بعضها مكان بعض. . . (3) إلى آخر ما قال في ذلك مما لا يعنينا إيراده هنا.
وجاء في المصباح المنير للمقري الفيومي في مادة نسخ. قوله: نسخت الكتاب نسخا من باب نفع: نقلته، وانتسخته كذلك، ثم نقل عن ابن فارس قوله المتقدم: إن كل شيء خلف شيئا فقد انتسخه. إلى أن قال المقري: و (النسخ) الشرعي إزالة ما كان ثابتا بنص شرعي، ويكون في اللفظ والحكم وفي أحدهما، سواء فعل كما في أكثر الأحكام أو لم يفعل كنسخ ذبح إسماعيل بالفداء؛ لأن الخليل عليه السلام أمر بذبحه ثم (نسخ) قبل وقوع الفعل. (4) إلى آخر ما أورده مما مر ذكره فيما قدمنا.
(1) معجم مقاييس اللغة ج 5 ص 424.
(2)
سورة البقرة الآية 106
(3)
المعجم الوسيط ج 2 ص 917.
(4)
المصباح المنير ج 2 ص 602.
وعلى هذا فيكون معنى النسخ في اللغة دائرا حول ثلاثة أوجه:
أولها: أن يكون بمعنى النقل (نسخت الكتاب) أي نقلت ما فيه إلى كتاب آخر فهذا لم يغير المنسوخ منه وإنما صار نظيرا له أي نسخة ثانية منه، وهو بهذا المعنى لا يدخل في النسخ الذي هو موضوع بحثنا.
وثانيها: أن يكون بمعنى الإزالة وحلول المزيل محل المزال كقولهم (نسخت الشمس الظل) إذا أزالته وحلت محله، وهذا المعنى هو الذي يدخل في موضوع ناسخ القرآن ومنسوخه الذي هو مدار بحثنا.
وثالثها: أن يكون بمعنى الإزالة مع عدم حلول المزيل محل المزال فكأنه بمعنى المحو كقولهم (نسخت الريح الآثار) إذا أزالتها فلم يبق منها عوض ولا حلت الريح محل الآثار فهذا هو معنى النسخ في اللغة وأما في الاصطلاح فإن معناه (رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر)، فالحكم المرفوع يسمى (المنسوخ) والدليل الرافع له يسمى (الناسخ)، ويسمى الرفع (النسخ)، فالنسخ إذا يقتضي (منسوخا) وهو الحكم الذي كان مقررا سابقا وهو الدليل اللاحق (1).
وعرف الإمام العلامة مكي بن أبي طالب النسخ في الاصطلاح بأنه (إزالة حكم المنسوخ كله بغير حرف متوسط ببدل حكم آخر أو بغير بدل في وقت معين فهو بيان الأزمان التي انتهى إليها العمل بالفرض الأول، ومنها ابتدأ الفرض الثاني الناسخ للأول)(2) وعرفه العلامة عبد القاهر البغدادي بقوله (وقال أصحابنا: إن النسخ بيان انتهاء مدة التعبد)(3) وعرفه ابن حزم في الإحكام بأنه بيان انتهاء
(1) مقدمة الدكتور حاتم الضامن في تحقيق كتاب (الناسخ والمنسوخ في كتاب الله تعالى) لقتادة السدوسي ص 6.
(2)
الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه ص85.
(3)
الناسخ والمنسوخ ص 40.