الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مردودة. قال صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (1)» فإذا صح عزم المرء وخلصت نيته في التوجه إلى الله، فإن في أحكام الشريعة دليلا له إلى معالم الصراط المستقيم قال تعالى:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (2)
(1) رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها صحيح مسلم ج 3/ 1343 رقم الحديث 1718، باب8 كتاب 30.
(2)
سورة الأنعام الآية 153
خامسا: الإيمان بأن الشريعة الإسلامية ناسخة لجميع الشرائع السابقة
إن ثمة حقيقة لا ريب فيها وهي: (إن دين الله واحد، جاءت به الرسل جميعا، وتعاقبت عليه الرسل جميعا، وعهد الله واحد، أخذه على كل رسول من لدن آدم عليه الصلاة والسلام إلى خاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم. ولكن كما كان دين الأنبياء والمرسلين دينا واحدا، وأمتهم أمة واحدة، كان لكل واحد منهم شرعة ومنهاج. قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} (1).
فهذه الحقيقة أعلنها القرآن وهي تدحض شبه المارقين والماديين الذين ينكرون الأديان بسبب اختلافها في جوهرها وأصولها، ويدعون وهم الظالمون بأن كل نبي يأتي من عنده بدين يناقض سابقيه، وهذا ادعاء كاذب مجاف للواقع، ولا يمت إلى حقيقة الأديان بصلة، فالدين واحد في أصوله،
(1) سورة المائدة الآية 48
ولكن تختلف الأديان في تشريعاتها لاختلاف أحوال الأمم الاجتماعية ودرجة استعدادها العقلي. لقد كانت الرسالات قبل الرسالة المحمدية رسالات محلية، قومية، محدودة بفترة من الزمان - ما بين عهدي رسولين - وكانت كل رسالة تتضمن تعديلات وتحويرا في الشريعة، يناسب تدرج البشرية، وكانت البشرية تخطو على هدى هذه الرسالات خطوات محدودة، حتى جاءت رسالة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم إلى الإنسانية كلها، وختم الله سبحانه بها جميع الرسالات السماوية، وجعلها ناسخة لها، وأتم بها نعمته على العالمين، واختار الأمة المسلمة؛ لتتلقى تراث الرسالة كله، وتقوم على دين الله في الأرض) (1).
قال تعالى: {وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} (2) الآية وروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت، ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار (3)» .
وقال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} (4){فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (5)
(1) انظر الرسل والرسالات لعمر سليمان الأشقر ص 239 ط الثالثة 1405 هـ مكتبة الفلاح بالكويت.
(2)
سورة الحج الآية 78
(3)
صحيح مسلم ج 1/ 134 باب 70 حديث رقم 153 مسلسل 240.
(4)
سورة آل عمران الآية 81
(5)
سورة آل عمران الآية 82
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية:
(يخبر تعالى أنه أخذ ميثاق كل نبي بعثه من لدن آدم عليه الصلاة السلام إلى عيسى عليه الصلاة والسلام لما آتى الله أحدهم من كتاب وحكمة، وبلغ أي مبلغ، ثم جاء رسول من بعده - ليؤمنن به ولينصرنه، ولا يمنعه ما هو فيه من العلم والنبوة من اتباع من بعث بعده ونصرته؛ ولهذا قال تعالى وتقدس: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ} (1) الآية وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه وابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما: ما بعث الله نبيا من الأنبياء إلا أخذ عليه الميثاق لئن بعث محمد صلى الله عليه وسلم وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه. وقال طاوس والحسن البصري وقتادة: أخذ الله ميثاق النبيين أن يصدق بعضهم بعضا، وهذا لا يضاد ما قاله علي وابن عباس ولا ينفيه بل يستلزمه ويقتضيه) (2).
ويروي الإمام أحمد في مسنده بسنده عن عبد الله بن ثابت قال: «جاء عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال يا رسول الله: إني مررت بأخ لي من قريظة، فكتب لي جوامع من التوراة، ألا أعرضها عليك؟ قال: فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر: رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا، قال: فسري عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: والذي نفسي بيده لو أصبح فيكم موسى عليه السلام ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم، إنكم حظي من الأمم، وأنا حظكم من النبيين (3)» .
وللحافظ أبي يعلى: «لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء، فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا، وإنكم إما أن تصدقوا بباطل، وإما أن تكذبوا بحق، وإنه والله لو كان موسى بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعني (4)» .
(1) سورة آل عمران الآية 81
(2)
تفسير القرآن العظيم للإمام ابن كثير رحمه الله تعالى ج 1/ 377، 378.
(3)
مسند الإمام أحمد ج 3 ص 471.
(4)
مسند أحمد بن حنبل (3/ 338).
وروى الإمام أحمد رحمه الله بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الأديان أحب إلى الله؟ قال: الحنيفية السمحة (1)» .
نعم، لقد جمعت الشريعة الخاتمة محاسن الرسالات السابقة، وفاقتها كمالا وجلالا. قال الحسن البصري رضي الله عنه:(أنزل الله مائة وأربعة كتب، أودع علومها أربعة: التوراة، والإنجيل، والزبور، والفرقان (القرآن) ثم أودع علوم الثلاثة الفرقان) (2) وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
(إن القرآن قرر ما في الكتب المتقدمة من الخبر عن الله وعن اليوم الآخر، وزاد ذلك بيانا وتفصيلا، وفصل الأدلة والبراهين على ذلك، وقرر نبوة الأنبياء كلهم ورسالة المرسلين، وقرر الشرائع الكلية التي بعث بها الرسل كلهم، وجادل المكذبين بالكتب والرسل بأنواع الحجج والبراهين، وبين عقوبات الله لهم، ونصره لأهل الكتب المتبعين لها، وبين ما حرف منها وبدل، وما فعله أهل الكتاب في الكتب المتقدمة. وبين أيضا ما كتموه مما أمر الله ببيانه، وكل ما جاءت به النبوات بأحسن الشرائع والمناهج، التي نزل بها القرآن، فصارت له الهيمنة على ما بين يديه من الكتب من وجوه متعددة، فهو شاهد بصدقها وشاهد بكذب ما حرف منها، وهو حاكم بإقرار ما أقره الله، ونسخ ما نسخه، فهو شاهد في الخبريات حاكم في الأمريات، ومن تأمل ما تكلم به الأولون والآخرون في أصول الدين والعلوم الإلهية، وأمور المعاد والنبوات والأخلاق والسياسات والعبادات، وسائر ما فيه كمال النفوس وصلاحها وسعادتها ونجاحها، لم يجد عند الأولين والآخرين من أهل النبوات ومن أهل الرأي كالمتفلسفة وغيرهم إلا بعض ما جاء به القرآن)(3).
(1) مسند الإمام أحمد ج1 ص 236.
(2)
أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن ج3/ 336.
(3)
انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله ج17/ 44، 45.
نستخلص مما سبق أن الإسلام هو آخر الشرائع الإلهية إلى البشر، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، وأن شريعة الإسلام ودعوته خالدتان، فليست شريعة الإسلام موقوتة بوقت مستقبل محدود، يقف عنده وجوب تطبيقها لإصلاح الحياة البشرية، بل هي رسالة عامة للبشرية كلها، رسالة خاتمة أنزلت على خاتم الأنبياء والرسل. رسالة تخاطب فطرة الإنسان التي لا تتبدل ولا تتحور، ولا ينالها التغيير {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} (1) وقد فصلت هذه الرسالة شريعة تتناول حياة الإنسان من جميع أطرافها، وفي كل جوانب نشاطها تحتوى على كل ما يحتاج إليه، منذ تلك الرسالة إلى آخر الزمان.
وبرهان آخر على نسخ الشريعة الإسلامية للشرائع السابقة، قال تعالى:{يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} (2){وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} (3) الآية.
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ} (4) الآية.
فأهل الكتاب مأمورون بالإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، وبالكتاب الذي أنزل عليه، وألا يسارعوا إلى الكفر به، فيصبحوا أول الكافرين، وكان ينبغي أن يكونوا أول المؤمنين. ولا يحكم عليهم بالكفر إلا إذا كانت الشريعة الإسلامية ناسخة لشرائعهم، وقد أمر الله تعالى بقتالهم حتى يؤمنوا بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم. يقول تعالى:
(1) سورة الروم الآية 30
(2)
سورة البقرة الآية 40
(3)
سورة البقرة الآية 41
(4)
سورة النساء الآية 47
وبعد فتلك ملامح شريعتنا الغراء بوجهها المشرق الوضيء، وآثارها الطيبة في سعادتنا وعزنا ومرضاة ربنا جل وعلا.
فإيمان بالله يتخلل كل وجود المؤمن، ويتغلغل في سويداء قلبه، فيتذوق حلاوته، ولا يرضى به بديلا، وعقيدة راسخة في القلب، يعبر عنها اللسان، وتسري في دم الإنسان المسلم، وتخالط وجدانه وتمتزج بمشاعره، وعمل ينبثق من صدق الإيمان وبواعثه؛ مسارعة إلى الخير وإذعانا لله وانقيادا لشريعته، فيرى الناس فيه الواقع الحي للإيمان ومقتصياته.
وإيمان بأن محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه خاتم الأنبياء والمرسلين، فلا نبي بعده، قد اصطفاه ربه لإبلاغ آياته وحمل رسالته، وأن أقواله وأفعاله وتقريراته وأخلاقه بل ونواحي حياته كلها تعد ركنا في الدين وشريعة للمؤمنين، والمسلم مكلف بأن يبذل وسعه في معرفة ما جاء به والعمل به، وتقديمه على غيره، ورد كل ما سواه، وإيمان بأن الشرعية الإسلامية هي الرسالة الأخيرة إلى البشر، بل إلى الثقلين جميعا، أراد بها منزلها جل وعلا أن تكون كذلك شريعة عامة خالدة، وشريعة مثالية محكمة، قد أتت بالمبادئ التشريعية والخلقية، التي تسمو بالإنسان إلى أعلى درجات الكمال، وتضمن له إن هو عمل بمقتضاها وسار على منهجها خيري الدنيا والآخرة.
وإيمان بأن الشريعة الإسلامية نظم متكامل متسق، لا يعتوره نقص ولا يشوبه خلل، شامل لشعب الحياة كلها: في العقيدة والعبادة والسياسة والسلوك، وحتى أمور الغيب، ومشاهد القيامة وأحوالها، والتطبيق العملي لأحكامها ومبادئها، والوقوف عند حدودها، والالتزام بما جاءت به هو المحور المحرك لعوامل النصر والثبات والسعادة والاستقرار، وإيمان بأن الشريعة
(1) سورة التوبة الآية 29