الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال العوفي عن ابن عباس في تفسير هذه الآية: يقول تعالى: إذا ما العبد أطاعني فيما أمرته به من الحلال، ونهيته عنه من الحرام فلا يضره من ضل بعده، إذا عمل بما أمرته به. وعندما سئل أبو ثعلبة الخشني عن دلالة هذه الآية قال: أما والله لقد سألت عنها خبيرا، سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:«بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحا مطاعا، وهوى متبعا، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بخاصة نفسك، ودع العوام (1)» . . . الحديث. رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح (2).
(1) سنن الترمذي تفسير القرآن (3058)، سنن ابن ماجه الفتن (4014).
(2)
تفسير ابن كثير 2: 109.
رقابة الأسرة:
والأسرة عندما يدرك أفرادها ما يجب عليهم فهمه من نصوص شرعهم، ودلالات دينهم، ويحرصون على ذلك عملا، فإن نتيجة ذلك الالتزام بالأخلاق، ومراقبة الأعمال لتزنها من منطلق الفهم الصحيح، حتى توجه الأبناء منذ حداثة أعمارهم التوجيه السليم، وتغرس في نفوسهم حب الفضيلة لفضلها، وعمق أثرها، وكراهية الرذيلة لسوئها، وآثار نتائجها؛ لأن الرذيلة يتمثل فيها شبح الجريمة التي يحسن بالأسرة تجسيمها لدى الناشئة، وإيصاد الطرق المؤدية إليها؛ ليكبر هذا الإحساس معهم، فيرونها شبحا مخيفا، وعملا رذيلا، تكبر أحاسيسهم حياله مع الأيام، حتى إذا كبروا، وصاروا في موطن المسئولية، وعمق الفهم، أدركوا بالدليل الشرعي سر ما رسخ في قلوبهم، ودور ما أنشئوا عليه من أعمال وأفكار، حيث أدرك ذلك المفهوم التربوي الشاعر العربي في قوله:
وينشأ ناشئ الفتيان منا
…
على ما كان عوده أبوه
وأسوة المسلمين في ذلك منهج الصحابة، وفهم التابعين في حسن توجيههم لأبنائهم، وتلقينهم الفضيلة طبعا وخلقا وتعويدهم الأعمال الحميدة
ترويضا ومتابعة، حيث تابعوا التطبيق مع أقرب الناس إليهم، ونشئوا محبين لكل عمل مستحسن، آلفين كل منهج سليم، سائرين على الفطرة السليمة، التي هي تعاليم الإسلام الصحيحة؛ لأن كل مولود يولد على الفطرة، والإسلام وتشريعاته هي الفطرة التي فطر الله الناس عليها، فالأسرة المسلمة في كل عصر ومصر عندما يهتم أربابها بأبنائهم تربية وحسن خلق، وإنكارا للمنكر، وتحذيرا من الصغائر، التي حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله:«إياكم ومحقرات الذنوب (1)» أي ما تحتقره النفس ويصغر في العين. فإن هذا من أسباب توفر البيئة الصالحة، التي تبغض الجريمة، وتنكر الجنوح إليها؛ لأن صلاح الأحداث، وتعظيمهم شرائع الله، والوقوف عند حدوده، دافعه الزاجر الإيماني، والتربية السليمة التي حرصت الأسرة على تمكينه في جوانب البيت، ضمن التربية الأولية التي يلقنها الآباء والأمهات لأبنائهم، فالكبير يمتثل ويوجه ويضرب النموذج الصالح بالقدوة والالتزام، أما الصغار فيبين لهم أن ذلك العمل ما هو إلا استجابة لشرع الله الذي جاء به الإسلام تربية وتوجيها وتعليما وتطبيقا. فالصغير عندما يتعود ذلك عملا، وتنطبع به أخلاقه سلوكا، فإن الأمر سيعظم في قلبه، والمصدر الذي جاء منه وهو كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، الذي استجاب من أجلها، سيكون له مكانة راسخة في أعماقه؛ لأن هذا من تعظيم حرمات الله، كما قال تعالى:{ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} (2).
وقوله سبحانه: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} (3) إن الأسرة التي تحرص على غرس الروح الإيمانية في قلوب أبنائها، منذ تفتح براعمهم، فإنما تحصنهم لمجابهة الحياة، والاستعداد لإدراك المخاطر؛ لأن
(1) مسند أحمد بن حنبل (1/ 403).
(2)
سورة الحج الآية 30
(3)
سورة الحج الآية 32