الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويحقق العدل المطلق في حياة البشر: قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (1).
ويشمل الوجود كله والحياة بعقيدة كلية تنبثق عنها مبادئ الشريعة وأحكامها الفرعية فتعم الحياة بمنطق عملي واحد.
(1) سورة المائدة الآية 50
رابعا: الإيمان بكمال الشريعة الإسلامية ومرونتها وصلاحها للخلود إلى يوم القيامة
إن شريعة الله تعالى تمثل منهجا متكاملا شاملا لشعب الحياة الإنسانية كلها في العقيدة والعبادة والسياسة والسلوك وحتى أمور الغيب ومشاهد القيامة وأحوالها والتطبيق العملي لأحكامها، والالتزام بما جاءت به، والوقوف على حدودها وامتثال أوامرها واجتناب نواهيها، هو المحرك لعوامل النصر والثبات والسعادة والاستقرار.
وأحكام الشريعة نظم متكامل متسق، لا يعتوره التخليط أو التناقض، بل يشتمل على مصالح كلية في الجملة، وعلى مصلحة جزئية في كل مسألة على وجه الخصوص، ولا مكان لعنصر ناشز غريب فيه من ابتداع أهواء البشر، بل خطة ثابتة أبدا يعتنقها المرء على وجه القطع لا التجريب، ويتخذها منهجا دائما لا تدبيرا موقوتا لبعض مراحل حياته أو ظروفها.
أما المصالح الكلية فهي أن يكون كل مكلف تحت قاعدة معينة من تكاليف الشرع في جميع حركاته وأقواله واعتقاداته؛ إذ ليس الإنسان كالبهيمة المسيبة تعمل بهواها، بل هو مكلف يرتاض بلجام الشرع، فإذا سار المكلف تبعا لهواه فقد خلع ربقة التقوى من عنقه، وتمادى في متابعة هواه، ونقض ما أبرمه الشارع وأخر ما قدمه وقدم ما أخره، وأما المصلحة الجزئية فما يعرب عنها كل دليل لحكم في خاصته.
وقد توافرت نصوص كثيرة من القرآن والسنة؛ لتدل على وحدة الشريعة ووحدة العقيدة، وأنها السبيل القاصد إلى رب العالمين، وكل سبيل غيره
جائر. قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (1).
قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله في قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} (2) بتمام النصر، وتكميل الشرائع الظاهرة والباطنة، والأصول والفروع؛ ولهذا كان الكتاب والسنة كافيين كل الكفاية في أحكام الدين وأصوله وفروعه، فكل متكلف يزعم أنه لا بد للناس في معرفة عقائدهم وأحكامهم إلى علوم، غير علم الكتاب والسنة من علم الكلام وغيره، فهو جاهل مبطل في دعواه، قد زعم أن الدين لا يكمل إلا بما قاله ودعا إليه (3).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} (5) قال: إن القرآن الكريم قرر ما في الكتب المتقدمة من الخبر عن الله، وعن اليوم الآخر، وزاد ذلك بيانا وتفصيلا، وبين الأدلة والبراهين على ذلك، وقرر نبوة الأنبياء كلهم ورسالة المرسلين، وقرر الشرائع الكلية التي بعث بها الرسل كلهم. . . ومن تأمل ما تكلم به الأولون والآخرون في أصول الدين والعلوم الإلهية وأمور
(1) سورة المائدة الآية 3
(2)
سورة المائدة الآية 3
(3)
تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للشيخ عبد الرحمن السعدي ج 2/ 242 ط الدجوي بالقاهرة.
(4)
سورة المائدة الآية 48
(5)
سورة المائدة الآية 48
المعاد، والنبوات، والأخلاق والسياسات والعبادات، وسائر ما فيه كمال النفوس وصلاحها وسعادتها ونجاتها، لم يجد عند الأولين والآخرين من أهل النبوات، ومن أهل الرأي كالمتفلسفة وغيرهم إلا بعض ما جاء به القرآن. . .؛ ولهذا لم تحتج الأمة مع رسولها وكتابها إلى نبي آخر وكتاب آخر فضلا عن أن تحتاج إلى شيء لا يستقل بنفسه غيره (1).
نعم إن القرآن الكريم الذي أنزله الله على نبيه عليه أفضل الصلاة والسلام هو منبع الخير كله، ومطلع الهداية التي أشرق نورها على قلوب الناس، فبدد منها الظلمات وأستأصل منها الضلالات، فمن تمسك به فقد استمسك بالعروة الوثقى، التي لا انفصام لها، فهو كلام الله رب العالمين. {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ} (2).
فما أحوج من لم يحكم بما أنزل الله اليوم إلى عودة حميدة إلى القرآن من جديد وبناء هيكل حياته على أسس أصيلة متينة من تعاليمه، سواء ما يتصل منها بالعقيدة أو العبادات أو الأخلاق أو المعاملات أو السياسة والاقتصاد، أو الأدب أو الثقافة، أو الاجتماع، فالقرآن الذي أنزله الله؛ ليسطع على العالم ما بقي الدهر، وليقود الإنسانية إلى الرشد، لا يضيق بأي شيء من أطوار الزمن، ولا بأية مشكلة تفرزها الحياة، وصدق الله العظيم إذ يقول:{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} (3) الآية.
فهذه الآية خوطب بها جميع العالم؛ لبيان أن القرآن الكريم من عند الله، وأنه موعظة للعالمين، وشفاء للمؤمنين، وأنه اشتمل على ما لهم، وما عليهم
(1) انظر فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ج 17/ 44، 45.
(2)
سورة فصلت الآية 42
(3)
سورة الأنعام الآية 38
(4)
سورة يونس الآية 57
وأنه من عند الله تعالى لم يختلقه محمد صلى الله عليه وسلم ولا غيره، بل هو من عند الله عز وجل، فيه دواء لما في الصدور من العقائد الفاسدة والشكوك الواهية.
قال الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى:
فلرسالته صلى الله عليه وسلم عمومان محفوظان، لا يتطرق إليهما تخصيص: عموم بالنسبة إلى المرسل إليهم، وعموم بالنسبة إلى كل ما يحتاج إليه من بعث إليه في أصول الدين وفروعه، فرسالته كافية شافية عامة، لا تحوج إلى سواها، ولا يتم الإيمان به إلا بإثبات عموم رسالته في هذا وهذا، فلا يخرج أحد من المكلفين عن رسالته، ولا يخرج فرع من أنواع الحق الذي تحتاج إليه الأمة في علومها وأعمالها عما جاء به.
وقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر للأمة منه علما، وعلمهم كل شيء حتى آداب التخلي وآداب الجماع والنوم والقيام والقعود، والأكل والشرب، والركوب والنزول والسفر والإقامة والصمت والكلام والعزلة والخلطة، والغنى والفقر والصحة والمرض، وجميع أحكام الحياة والموت، ووصف لهم العرش والكرسي، والملائكة والجن والجنة والنار ويوم القيامة وما فيه، حتى كأنه رأي عين، وعرفهم معبودهم وإلههم أتم تعريف، حتى كأنهم يرونه ويشاهدونه بأوصاف كماله، ونعوت جلاله، وعرفهم الأنبياء وأممهم وما جرى إليهم، وما جرى عليهم معهم، حتى كأنهم كانوا بينهم، وعرفهم من طرق الخير والشر دقيقها وجليلها، ما لم يعرفه نبي لأمته قبله. . . وكذلك عرفهم صلى الله عليه وسلم من أمور معايشهم ما لو علموه وعملوه؛ لاستقامت لهم دنياهم أعظم استقامة، وبالجملة فقد جاءهم بخير الدنيا والآخرة برمته ولم يحوجهم الله إلى أحد سواه.
فكيف يظن أن
شريعته الكاملة التي ما طرق العالم شريعة أكمل منها - ناقصة تحتاج إلى سياسة خارجة عنها تكملها، أو إلى قياس أو حقيقة أو معقول خارج عنها؟ ومن ظن ذلك فهو كمن ظن أن بالناس حاجة إلى رسول آخر بعده، وسبب هذا كله خفاء ما جاء به على من ظن ذلك وقلة نصيبه من الفهم، الذي وفق الله له أصحاب نبيه، الذين اكتفوا بما جاء به، واستغنوا به عما سواه، وفتحوا به القلوب والبلاد، وقالوا: هذا عهد نبينا إلينا وهو عهدنا إليكم. . . وقد قال الله تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (1).
إن القرآن الكريم الذي تعبدنا الله بتلاوته وأمرنا باتباعه ولزوم أحكامه تناول في نحو خمسمائة آية جملة القواعد والأصول التشريعية وبعض الأحكام العقدية والخلقية والعملية وعكف العلماء على تفصيل آياته هذه وقسموها باعتبار موضوعها إلى قسمين رئيسين:
القسم الأول: العبادات وتشمل نحوا من أربعين ومائة آية:
القسم الثاني: المعاملات: وتتفرع إلى سبعة أقسام:
القسم الأول: يمكن إدراجه في الفقه العام وهو:
1 -
الأحكام الدستورية الضابطة لنظام الحكم وأصوله، المحددة للعلاقة بين الحاكمين والمحكومين، والمقررة لحقوق الأفراد والجماعة وهي عشر آيات تقريبا.
2 -
الأحكام الدولية المنظمة للعلاقة بين الدولة الإسلامية، وبين غيرها من الدول في حالتي السلم والحرب، وهي خمس عشرة آية تقريبا.
(1) سورة العنكبوت الآية 51
القسم الثاني:
النظم الاقتصادية التي شرعها الإسلام أو ما يتصل بها مما يسمى عند الفقهاء بالمعاملات وهي:
1 -
الأحكام الاقتصادية والمالية القائمة على تنظيم العلاقة المالية من موارد وطرق إنفاق وغيرها وهي نحو عشر آيات تقريبا.
2 -
الأحكام المتعلقة بمعاملات الأفراد ومبادلاتهم من بيع وإجارة ورهن وكفالة وشركة ومداينة وغير ذلك وهي نحو من سبعين آية.
القسم الثالث:
الحدود والقصاص: وهي الأحكام الجنائية المتعلقة بما يصدر عن المكلفين من جنايات وجرائم، وما يترتب على ذلك من عقوبات تحفظ على الناس أنفسهم وأعراضهم وحقوقهم، وهي نحو من ثلاثين آية تقريبا.
القسم الرابع:
نظام الأسرة وما يتصل بوضع الأفراد فيها: كالأحوال الشخصية المتناولة للزواج والطلاق والإرث والوصية والحجر وغير ذلك مما يتصل بأحكام الأسرة، ويشمل هذا القسم نحوا من سبعين آية تقريبا.
القسم الخامس:
الأحكام الشرعية المتصلة بالقضاء والشهادة واليمين وغير ذلك من الإجراءات الشرعية والترتيبات التي تمكن كل ذي حق من حقه ويشمل القسم نحوا من ثلاث عشرة آية.
القسم السادس:
الآيات الدالة على التيسير ورفع الحرج عن المكلفين وهي كثيرة كقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (1) وكقوله تعالى:
(1) سورة البقرة الآية 185
{يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} (1) وكقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (2).
القسم السابع:
القواعد العامة الكلية والأصول الثابتة الشرعية ومنها:
1 -
الآيات الواردة بشأن التصرفات المالية كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} (3) وكقوله: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} (4).
2 -
الآيات المتعلقة بلزوم العدل وتقوى الله عند رد العدوان مثل قوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ} (5).
3 -
الآيات المحددة للمسئولية وما ينتج عنها من جزاء كقوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (6) وغيرها من الآيات الدالة على ذلك.
4 -
الآيات المتعلقة بالتكليف بما في الطاقة والوسع مثل قوله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} (7) وغيرها من الآيات الدالة على ذلك.
5 -
الآيات الدالة علي الوفاء بالعهد والعدل. كقوله تعالى: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} (8) وقوله تعالى {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} (9).
(1) سورة النساء الآية 28
(2)
سورة البقرة الآية 286
(3)
سورة النساء الآية 29
(4)
سورة النساء الآية 4
(5)
سورة البقرة الآية 194
(6)
سورة فاطر الآية 18
(7)
سورة الطلاق الآية 7
(8)
سورة الحج الآية 29
(9)
سورة النحل الآية 91
6 -
الآيات الدالة على رفع الحرج ودفع الأذى ومنها قوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} (1) وغير ذلك من الآيات الدالة على ذلك وجميع الآيات الواردة فيما سبق جئنا بها على سبيل الاستشهاد لا الحصر.
هذا ومن الأمور المقررة شرعا أن السنة هي المصدر الثاني للتشريع وعلى هذا لا ينبغي أن يفوتنا أن النبي صلى الله عليه وسلم بين جميع أصول الدين وفروعه وظاهره وباطنه علمه وعمله، وجاءت سنته صلى الله عليه وسلم وافية شافية كافية فيها كل ما يحتاج إليه البشر في دينهم ودنياهم. فقد جاءت إما مؤكدة لأحكام القرآن فيما هو قطعي الدلالة من نصوص لا تقبل التغيير والتبديل والتعميم والتخصيص. مثل إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والصوم والحج، والنهي عن الشرك بالله وعقوق الوالدين وشهادة الزور وقتل النفس بغير حق، وغير ذلك من النواهي.
وإما: مفسرة ومفصلة كبيان صفة الصلاة، ومقادير الزكاة، وتقييد المطلق كبيان أن الحد في السرقة القطع من الرسغ، وتخصيص العام كمنع الولد القاتل لأبيه من الميراث.
وإما قواعد عامة اعتبرت أساسا تشريعيا وأصلا من أصول الدين اعتمده الفقهاء في ضبط الأحكام وتفريعها عنه وتلك أقوال كثيرة من كلامه صلى الله عليه وسلم منها.
«لا ضرر ولا ضرار (2)» ، و «الولد للفراش (3)» ، و «إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه (4)» وغير ذلك.
(1) سورة البقرة الآية 173
(2)
انظر المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري ج 2/ 57 ط بيروت / لبنان.
(3)
انظر سنن النسائي ج 6/ 180 حديث رقم 3484 بترتيب عبد الفتاح أبو غدة الطبعة الأولى بيروت لبنان 1406 هـ.
(4)
انظر سنن ابن ماجه ج 1/ 659 حديث رقم 2043 باب 16 كتاب 10 طبع دار إحياء التراث العربي سنة 1395 هـ.
ومن السنة ما ليس تفسيرا ولا تأكيدا، وإنما مرجعه إما وحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم عند البعض، وإما اجتهاد منه صلى الله عليه وسلم عند البعض الآخر؛ كتحريمه صلى الله عليه وسلم الحمر الأهلية وكل ذي ناب من السباع، وتحريم نكاح المرأة على عمتها أو خالتها، وجواز خيار الشرط وجواز الرهن وما إلى ذلك مما أساسه القرآن، أو مرجعه تطبيق الأحكام العامة والمبادئ الأساسية لشريعة القرآن، التي ملأت نفسه صلى الله عليه وسلم، وكانت له أصلا يقيس عليه ويعتمده فيما يأمر به أو ينهى عنه، وصدق الله إذ يقول {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} (1){إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (2)، {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (3).
ومع الإيمان المطلق بكمال هذا الدين، وفهم هذه الحقيقة بجانب الإيمان بقاعدة الوجود الكبرى وفهمها وهي قوله تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (4) يتلخص مما سبق أن الإطار العام للشريعة، والدائرة الشاملة للحياة البشرية لا تزيد على ثلاثة أقسام:
القسم الأول:
جوانب ثابتة متعلقة بحقيقة الإنسان أنى وجد في أي زمان ومكان، تلك الحقيقة التي لا تتغير ولا تتبدل على الإطلاق، وهذه جاءت الشريعة لها بأحكام تفصيلية ثابتة كثباتها، وقد فصلها الله تفصيلا كالشعائر التعبدية من صلاة وصيام وحج وكأحكام الطهارة، وأحكام الأسرة، والمحرمات الرئيسة من زنا وخمر وسرقة وخيانة. . إلخ فهذه فصلت بمقتضى الحكمة والهداية الربانية التي لا يملكها البشر ولو وكل إليهم منها شيء لضلوا وتاهوا.
(1) سورة النجم الآية 3
(2)
سورة النجم الآية 4
(3)
سورة الحشر الآية 7
(4)
سورة الذاريات الآية 56
القسم الثاني:
جوانب ثابتة الجوهر والهدف، لكنها متجددة الصورة متغيرة الأساليب، حسب سنة الله في الكون: مثل نوع الحكم وطريقته ومنهج الحياة الاقتصادية والخطط التعليمية وغيرها، وهذه وضعت لها الشريعة قواعد وضوابط عامة، لا يصح أن تخرج عنها، ولكن تركت تفصيلاتها - رحمة من غير نسيان - إلى اجتهاد الأمة في حدود تلك القواعد وتيك الضوابط الشرعية.
القسم الثالث:
الأمور الدنيوية المحضة وقد اقتضت حكمة الله أن توكل إلى سعي الإنسان وخبرته كي يحقق بنفسه معنى استخلافه في الأرض واستعماره فيها، كالضرب في الأرض وشئون الزراعة والصناعة والعمارة، وكل مظاهر الحياة المادية.
وبما أنه ليس في الحياة البشرية شيء يبقى بعد هذه الأقسام أو يخرج عنها، فلم يعد هنالك ما يبرر أية شبهة حول إسلام الحياة كلها لله خالصة له وحده، مستقيمة على حكمه وشرعه.
وبعد فإن منهج الإسلام كل متكامل يشد بعضه بعضا، ونظم متناسق تتحد معانيه، وتلتقي فيما يحقق سعادة البشرية، قال تعالى:{أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} (1).
وكل زيادة أو إضافة يتكلفها المرء ليست من الشريعة، بل هي بدعة
(1) سورة البقرة الآية 85