الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحرقت الأخضر واليابس في الأمم المحرومة منها. . ولعل الشعوب المسلمة على إطلاقها أكثر الأمم شعورا بهذا الحرمان، وأكثرها معاناة تحت كابوس الاستبداد، الذي يوشك أن يحيل جماهيرها مجموعات من الهتافين والمصفقين والمحرومين.
وفي يقيني أن تصنيف الطلاب ذكورا وإناثا حسب مواهبهم، ووفق مستوياتهم التربوية، شرط أساسي للحصول على الثمرات المنشودة من التربية والتعليم، إذ المفروض أن يصحب هذا التصنيف تصنيف لا مندوحة عنه في خطط الدراسة والتوجيه، فيكون لكل مستوى مدرسوه ومشرفوه المتخصصون، وبذلك يتم الارتفاع بسوية الجميع، بدلا من تعريض الجميع للفوضى التي تضيع معها الجهود، وتقل بها فرص النجاح الصحيح. .
وإني إذ أعرض هذه الأفكار المباينة لواقعنا التعليمي في مختلف أرجاء الوطن الإسلامي لواثق أنها لاقية القبول عند ذوي الفكر الأصيل من رجال التربية والتعليم، وإن قوبلت بالسخرية من الآخرين الذين لا يستطيعون التخلي عن طريقة أسلافهم القائلين:{إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} (1).
ولكن مجرد قبول الفكرة نظريا لا يكفي للإفادة منها، بل لا بد من التحرك في محاولة صادقة لترجمة الفكر إلي واقع عملي، وليس ذلك على ذوي العزائم والمعرفة والإخلاص بعزيز إن شاء الله.
(1) سورة الزخرف الآية 22
الابتعاث وأثره في وجودنا:
والحديث في موضوع التعليم يقود إلي الكلام عن شئون الابتعاث والمبتعثين، وتأثرهم بالمجتمعات الدخيلة، ثم تأثيرهم في مجتمعاتهم الأصيلة.
وأول ما يذكر في هذا الصدد هو أن المبتعث مهاجر يفارق قوما ألفهم وألف مشاربهم على تنوعها، إلي أقوام لا عهد له بهم إلا من خلال ما يقرؤه عنهم وما يشاهده من ألوان حياتهم، عن طريق المنشورات ووسائل الإعلام المنظورة والمسموعة. . . ومهما يكن فللإقامة بين ظهراني هؤلاء الأقوام طوال سني الدراسة أثره الخاص الذي يختلف عن كل ما عرفه عنهم من قبل. . وقد أكدت تجاربنا في هذا المضمار أن تغيرا كبيرا سيعتري شخصية المبتعث فيفقد الكثير من خصائصها الأولى، ليخلي مكانها للكثير من خصائص البيئة الجديدة، حتى إذا عاد إلى أهله عاد شيئا جديدا حائرا بين الماضي والحاضر، لا يجد سبيلا للتخلص من موحيات البيئة الغربية، ولا قدرة على الانسلاخ التام من هويته الموروثة.
ولقد كتبت في أحد الفصول من مذكراتي خبر ذلك الطالب الذي كنت أحسن الظن بتصوراته الإسلامية أثناء دراسته الثانوية بطرطوس، ثم تخرج وغاب عن عيني مدة دراسته العسكرية في فرنسا، فلما عاد من رحلته تلك عجلت لزيارته، وكان مما ألقيته عليه من الاستفسارات قولي له: كيف كانت انطباعاتك وأنت تطأ أرض وطنك بعد أربع سنوات من الغربة؟ فكان جوابه العفوي (كانت انطباعاتي حزينة؛ لأني وجدت المرأة المسلمة لا تزال حبيسة التقاليد التي تحول بينها وبين السباحة المختلطة).
وأنا لا أذكر هذا المشهد لاتهام مبتعثينا كلهم بالانحدار إلي هذا الحضيض. . . معاذ الله، فأنا أعرف بينهم شبابا عادوا خيرا منهم يوم ذهابهم، ولكنهم قلة لا يكادون يظهرون بجانب الكثرة الغالبة، وقد أسلفت مثل التفاحة الفاسدة وآثارها في إفساد الكثير، فعلى هذا المثل أعرض لذكر هؤلاء الأحبة الضائعين المضيعين.
ومن العجائب، وما أكثر العجائب في حياتنا. . . أن المؤتمرات التي تعقد في ديار المسلمين تكاد تفوت الإحصاء، وهي تكاد تتناول كل شيء، وليس بينها واحد - فيما أذكر - خصص لتقييم نتائج هذا الابتعاث في وجودنا