المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل السادسما يقع فيه النسخ في القرآن - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٢٩

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌ثانيا: أدلة تحريم الاعتداء على أموال الناس:

- ‌ثالثا: تعريف الحيازة:

- ‌رابعا: موضوع البحث:

- ‌خامسا: ذكر آراء الفقهاء في إثبات الملكية بالتقادم

- ‌تمهيد:

- ‌النقول عن المذهب الحنفي:

- ‌تمهيد:

- ‌ أنواع مرور الزمن:

- ‌ الدعاوى الممنوع استماعها:

- ‌ السنة التي تعتبر في مرور الزمن:

- ‌ تفسير كلمة (لا إله إلا الله محمد رسول الله)

- ‌ حقيقة الإسلام

- ‌ مفهوم العبودية في الإسلام

- ‌معنى نقص العقل والدين عند النساء

- ‌حكم الأخطاء التي ارتكبت قبل الهداية

- ‌تربية ثلاث بنات

- ‌ معنى الإحسان إلى البنات

- ‌تبادل الزيارات بين المسلمات وغير المسلمات

- ‌مصرف المؤلفة قلوبهم

- ‌الوقاية من الجريمة في التشريع الجنائي الإسلامي

- ‌الجريمة:

- ‌الجناية:

- ‌ الطرق الوقائية

- ‌الرقابة الذاتية:

- ‌رقابة الفرد:

- ‌رقابة الأسرة:

- ‌رقابة المجتمع:

- ‌الطريقة الزجرية:

- ‌ حكمة العقوبات المفروضة في الإسلام

- ‌أولا: الإيمان بالله تعالى:

- ‌ثانيا: الإيمان برسالة محمد صلى الله عليه وسلم وأنه خاتم الأنبياء والمرسلين:

- ‌ثالثا: الإيمان بعموم الشريعة الإسلامية وشمولها وصلاحيتها لكل زمان ومكان

- ‌رابعا: الإيمان بكمال الشريعة الإسلامية ومرونتها وصلاحها للخلود إلى يوم القيامة

- ‌خامسا: الإيمان بأن الشريعة الإسلامية ناسخة لجميع الشرائع السابقة

- ‌حاجة الناس إلى شرع الله تعالى

- ‌النسخ في القرآن الكريم

- ‌مقدمة:

- ‌الفصل الأولالنسخ لغة واصطلاحا

- ‌الفصل الثانيالفرق بين النسخ والتخصيص

- ‌الفصل الثالثشروط النسخ

- ‌الفصل الرابعالآراء في حكم النسخ ومناقشتها

- ‌شبهات المنكرين للجواز العقلي وإبطالها

- ‌شبهات المنكرين للنسخ سمعا

- ‌ شبهة العنانية والشمعونية:

- ‌ شبهة النصارى:

- ‌ شبهة العيسوية:

- ‌ شبهة أبي مسلم:

- ‌الفصل الخامستفسير تحليلي للآيات الدالة على النسخ في القرآن الكريم

- ‌الفصل السادسما يقع فيه النسخ في القرآن

- ‌الفصل السابعأنواع النسخ في القرآن

- ‌آراء العلماء في أنواع النسخ

- ‌الفصل الثامنأمثلة للنسخ وما قيل إنه نسخ وليس بنسخ

- ‌خاتمة البحث

- ‌تقديم

- ‌نحو مجتمع أفضل:من هنا يجب أن نبدأ

- ‌تربية الطفل قبل ولادته:

- ‌تصنيف الطلاب شرط أساسي للنجاح:

- ‌الابتعاث وأثره في وجودنا:

- ‌ الراجفة تتبعها الرادفة

- ‌عبرة من القافقاس:

- ‌الوافدون وما أدراك ما الوافدون:

- ‌الإعلام بين الهدم والبناء:

- ‌مع غواة الغناء والموسيقى:

- ‌في صيدلية الإسلام علاج كل داء:

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌الفصل السادسما يقع فيه النسخ في القرآن

‌الفصل السادس

ما يقع فيه النسخ في القرآن

قال بدر الدين الزركشي في (البرهان): الجمهور على أنه لا يقع النسخ إلا في الأمر والنهي وزاد بعضهم الأخبار وأطلق وقيدها آخرون بالتي يراد بها الأمر والنهي (1).

وقال أبو محمد مكي بن أبي طالب القيسي في (الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه) اعلم أنه جائز أن ينسخ الله جل ذكره جميع القرآن بأن يرفعه من صدور عباده ويرفع حكمه بغير عوض وقد جاءت في ذلك أخبار كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم دليله قوله تعالى {وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} (2). وقد كان من ذلك بعضه على ما روي من سورة الأحزاب، وإنما يؤخذ ما كان من ذلك من طريق الأخبار والله أعلم بصحته ومنه ما رفع لفظه أن يتلى وبقي حفظه غير متلو على أنه قرآن وثبت حكمه بالإجماع كآية الرجم فالرواية المشهورة أنه كان فيما يتلى (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة) فرفع رسم ذلك من المصحف المجمع عليه ولم تثبت تلاوته وبقي حكمه ولم ينس لفظه.

والذي هو عمدة هذا الباب هو ما يزيل الله جل ذكره حكمه ويبدله بغيره من حكم متلو ويبقى المنسوخ متلوا غير معمول به وقد ذكرنا مثاله، أو يزيل حكمه ولفظه بحكم آخر متلو، وهذا كله إنما يجوز في الأحكام والفرائض والأوامر والنواهي والحدود والعقوبات من أحكام الدنيا فهذا قول عامة العلماء وعليه العمل عند فقهاء الأمصار وهو الذي لا يجوز في النظر غيره، فأما ما لا يجوز نسخه فهو كل ما أخبرنا الله تعالى عنه أنه سيكون أو أنه كان أو وعدنا به أو قص علينا من أخبار الأمم الماضية وما قص علينا من

(1) البرهان ج2 ص23.

(2)

سورة الإسراء الآية 86

ص: 251

أخبار الجنة والنار والحساب والعقاب والبعث والحشر وخلق السماوات والأرضين وتخليد الكفار في النار والمؤمنين في الجنة هذا كله وشبهه من الأخبار لا يجوز نسخه؛ لأنه يتعالى أن يخبر عن الشيء على غير ما هو به. وكذلك ما أعلمنا به من صفاته لا يجوز في ذلك كله أن ينسخ ببدل منه فأما جواز أن ينسخ ذلك كله بإزالة حفظه من الصدور -ونعوذ بالله من ذلك- فذلك جائز في قدرته تعالى يفعل ما يشاء (1) وقال الزرقاني في مناهل العرفان: إن تعريف النسخ بأنه (رفع حكم شرعي بدليل شرعي) يفيد في وضوح أن النسخ لا يكون إلا في الأحكام وذلك موضع اتفاق بين القائلين بالنسخ لكن في خصوص ما كان من فروع العبادات والمعاملات أما غير هذه الفروع من العقائد وأمهات الأخلاق وأصول العبادات والمعاملات. . . ومدلولات الأخبار المحضة فلا نسخ فيها على الرأي السديد الذي عليه جمهور العلماء.

أما العقائد فلأنها حقائق صحيحة ثابتة لا تقبل التغير والتبديل فبدهي ألا يتعلق بها نسخ، وأما أمهات الأخلاق فلأن حكمة الله في شرعها ومصلحة الناس في التخلق بها أمر ظاهر لا يتأثر بمرور الزمن ولا يختلف باختلاف الأشخاص والأمم حتى يتناولها النسخ بالتبديل والتغيير. وأما أصول العبادات والمعاملات فلوضوح حاجة الخلق إليها باستمرار لتزكية النفوس وتطهيرها ولتنظيم علاقة المخلوق بالخالق والخلق على أساسهما فلا يظهر وجه من وجوه الحكمة في رفعها بالنسخ.

وأما مدلولات الأخبار المحضة فلأن نسخها يؤدي إلى كذب الشارع في أحد خبرية الناسخ أو المنسوخ وهو محال عقلا ونقلا. أما عقلا فلأن الكذب نقص والنقص عليه تعالى محال. وأما نقلا فلمثل قوله سبحانه {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} (2). {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا} (3).

(1) الإيضاح ص65، 66.

(2)

سورة النساء الآية 122

(3)

سورة النساء الآية 87

ص: 252

نعم إن نسخ لفظ الخبر دون مدلوله جائز بإجماع من قالوا بالنسخ ولذلك صورتان: إحداهما: أن تنزل الآية مخبرة عن شيء ثم تنسخ تلاوتها فقط.

والأخرى: إن يأمرنا الشارع بالتحدث عن شيء ثم ينهانا أن نتحدث به.

وأما الخبر الذي ليس محضا بأن كان في معنى الإنشاء ودل على أمر ونهي متصلين بأحكام فرعية عملية فلا نزاع في جواز نسخه والنسخ به؛ لأن العبرة بالمعنى لا باللفظ، مثال الخبر بمعنى الأمر {تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا} (1) فإن معناه ازرعوا. ومثال الخبر بمعنى النهي قوله سبحانه:{الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} (2) فإن معناه لا تنكحوا مشركة ولا زانية (بفتح التاء) ولا تنكحوا زانيا ولا مشركا (بضم التاء) لكن على بعض وجوه الاحتمالات دون بعض والفرق بين أصول العبادات والمعاملات وبين فروعها أن فروعها هي ما تتعلق بالهيئات والأشكال والأمكنة والأزمنة والعدد أو هي كمياتها وكيفياتها وأما أصولها فهي ذوات العبادات والمعاملات بقطع النظر عن الكم والكيف.

واعلم أن ما قررناه هنا من قصر النسخ على ما كان من قبيل الأحكام الفرعية العلمية دون سواها هو الرأي السائد الذي ترتاح إليه النفس ويؤيده الدليل وقد نازع في ذلك قوم لا وجه لهم فلنضرب عن كلامهم صفحا.

ويتصل بما ذكرنا أن الأديان الإلهية لا تناسخ بينها فيما بيناه من الأمور التي لا يتناولها النسخ بل هي متحدة في العقائد وأمهات الأخلاق وأصول العبادات والمعاملات وفي صدق الأخبار المحضة فيها صدقا لا يقبل النسخ

(1) سورة يوسف الآية 47

(2)

سورة النور الآية 3

ص: 253

والنقض (1) اهـ. فالذي يقع عليه النسخ إذا هو الحكم الشرعي العملي الذي لم يلحقه تأبيد ولا توقيت كالأحكام التكليفية من وجوب وندب وإباحة وتحريم وكراهة (2).

وقال صاحب التقرير والتحبير: (محل النسخ عند الحنفية حكم شرعي فرعي يحتمل في نفسه الوجود والعدم وعند طائفة منهم غير مقيد بتأبيد ولا توقيت قبل مضيه خلافا للآخرين)(3) وقد اتفقت كلمة القائلين بالنسخ المجيزين لوقوعه على عدم وقوعه في الأحكام العقلية كلمة القائلين بالنسخ المجيزين لوقوعه على عدم وقوعه في الأحكام العقلية وهي الأحكام التي يدركها العقل بنور البصيرة ويأتي الشرع مؤيدا لها كالإيمان بواحدانية الله تعالى وحسن الصدق والوفاء بالعهد وقبح الكفر والكذب وإخلاف الوعد (4).

وفي معرض حديثه عن نسخ الأخبار يقول الآمدي في الإحكام: (إن الخبر إما أن تنسخ تلاوته أو تكليفنا بأن نكون قد كلفنا أن نخبر بشيء فينسخ عنا التكليف بذلك الإخبار)(5) ويقول البدخشي في ذلك أيضا (لا خلاف في أن التكليف بالأخبار بشيء من عقلي أو عادي أو شرعي ثم نسخه بعد ذلك جائز)(6).

وقد ذهب ابن حزم رحمه الله إلى أن النسخ لا يقع إلا في الأوامر والنواهي فأما الأخبار فلا يقع فيها النسخ إطلاقا ولا يصح أن يقع في مدلول الخبر إلا إن كان المراد من الخبر والأخبار الأمر والنهي. وقد قسم حين تكلم عن نسخ الأخبار الكلام إلى أربعة أقسام أمر ورغبة وخبر واستفهام وبين أن

(1) مناهل العرفان ج2 ص 211 - 212.

(2)

النسخ في دراسات الأصوليين. د. نادية شريف العمري ص 363.

(3)

التقرير والتحبير على تحرير الكمال بن الهمام 3/ 57.

(4)

النسخ في دراسات الأصوليين ص363، 365.

(5)

الأحكام للآمدي 3/ 144.

(6)

شرح البدخشي مع شرح الإسنوي على منهاج الأصول للبيضاوي 2/ 176.

ص: 254

القسم الأول هو الذي يقع فيه النسخ أما ما سواه فلا يقع فيها. وقد سمى الرجوع عن الأمر بإحداث أمر غيره نسخا وإذا ورد لفظ الكلام كلفظ الخبر ومعناه معنى الأمر جاز النسخ فيه مثل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} (1) وقوله تعالى: {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} (2)(3).

وإذا كان مضمون الخبر مما يتغير جاز نسخه مطلقا وإليه يذهب أبو عبد الله البصري والقاضي عبد الجبار وأبو الحسين البصري وهو المختار عند الآمدي، سواء كان ماضيا أو مستقبلا وقد علل هذا الاختيار بقوله:(وذلك لأنه إذا ما دل عليه كان الإخبار متكررا والخبر عام فيه فأمكن أن يكون الناسخ مبينا لإخراج بعض ما تناوله اللفظ وأن المراد بعض ذلك المذكور كما في الأوامر والنواهي)(4) واختار هذا القول ابن تيمية أيضا (5) وذهب فخر الدين الرازي إلى جواز النسخ في مدلول الخبر الذي يتغير. أما أبو الحسين البصري فيجيز نسخ تلاوة الخبر كنسخ تلاوة أخبار التوراة كما يجيز نسخ الابتداء بالخبر نحو أن يأمرنا الله سبحانه أن نخبر عن شيء فيجوز أن ينسخ عنا وجوب الإخبار عنه سواء كان الخبر مما يجوز أن يتغير أو مما لا يجوز أن يتغير كالإخبار عن صفات الله سبحانه؛ لأنه لا يمتنع أن يكون في الإخبار عن ذلك مفسدة كما كان في تلاوة الجنب والحائض للقرآن مفسدة (6) أما ابن أمير الحاج صاحب (التقرير والتحبير على تحرير الكمال بن الهمام) فيقسم مدلول الخبر إلي قسمين:

(1) سورة البقرة الآية 240

(2)

سورة آل عمران الآية 97

(3)

انظر الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم 4/ 448 - 449.

(4)

انظر الإحكام للآمدي 3/ 145.

(5)

انظر المسودة لشيخ الإسلام ابن تيمية ص 197.

(6)

المعتمد لأبي الحسين البصري 1/ 421.

ص: 255

الأول: إن ترتب على جواز نسخه الكذب والخلف في حق من لا يجوز عليه ذلك فلا يجوز نسخه ويلحق هذا القسم بالأخبار التي يوجبها العقل في عدم جواز نسخها.

الثاني: أنه إن لم يترتب على نسخه الكذب فلا يكون خبرا ويجوز نسخه.

ولقد لخص ابن أمير الحاج موقف العلماء من وقوع النسخ في الأخبار بقوله:

قال الجمهور: لا يجري النسخ في الأخبار سواء كانت ماضية أو مستقبلة؛ لأن النسخ فيها هو الكذب والشارع منزه عنه والحد فيه أن النسخ لا يجري في واجبات العقل بل في جائزاتها وتحقق المخبر به في خبر من لا يجوز عليه الكذب والخلف من الواجبات والنسخ فيه يؤدي إلى الكذب فلا يجوز. ثم ذكر أن هناك من العلماء من قال بجواز نسخ الأخبار مطلقا سواء كانت ماضية أو مستقبلة وعدا أو وعيدا ونسب هذه القول إلى الإمام الرازي والآمدي إذا كان مدلول الخبر مما يتغير. كما ذكر أن صاحب (كشف الأسرار) قد أسند هذا القول إلى بعض المعتزلة والأشعرية إذا كان مدلوله متكررا والإخبار عنه عاما. وهناك من العلماء من فرق بين أخبار الوعد وأخبار الوعيد فمنع النسخ في خبر الوعد؛ لأن فيه إخلافا في الإنعام والخلف في الإنعام محال على الله تبارك وتعالى. وأما الوعيد ففي جواز وقوع النسخ فيه حكمة بالغة وهو دليل على عفو الله وكرمه لا على خلفه (1) وخلاصة القول فيما يقع فيه النسخ في القرآن الكريم أنه يقع في الأحكام والفرائض والأوامر والنواهي والحدود والعقوبات من أحكام الدنيا باتفاق عامة العلماء وهو الذي عليه العمل عند فقهاء الأمصار وأما الأخبار فإن لعلماء الأصول في وقوع النسخ فيها من عدمه ثلاثة مذاهب:

(1) التقرير والتحبير 3/ 55 - 56.

ص: 256