الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأن دلالة العام على عمومه قطعية عندهم وخبر الآحاد ظني، أما الحديث المشهور فهو عندهم قطعي الثبوت كالمتواتر، فيجوز تخصيص الكتاب به وتقييد مطلقه) (1) اهـ.
(1) انظر دراسات في الإحكام والنسخ ص 129.
الفصل الثالث
شروط النسخ
للنسخ شروط لا بد من توافرها لكي يعتبر من قبيل النسخ لا من قبيل غيره كتخصيص العام أو تقييد المطلق أو الاستثناء. . . إلخ. وكل ما لم تتوافر فيه هذه الشروط التي سنذكرها هنا أرجع إلى نوع من تلك الأنواع التي ذكرناها أو إلى غيرها.
وما توافرت فيه تلك الشروط اعتبر نسخا. وشروط النسخ نوعان:
أحدهما: شروط متفق عليها والنوع الثاني: شروط مختلف فيها.
فأما الشروط المتفق عليها فمنها:
1 -
أن يكون المنسوخ حكما شرعيا؛ لأن الأمور العقلية التي مستندها البراءة الأصلية لم تنسخ وإنما ارتفعت بإيجاب العبادات.
2 -
أن يكون النسخ بخطاب شرعي لا بموت المكلف؛ لأن الموت مزيل للحكم لا ناسخ له.
3 -
ألا يكون الحكم السابق مقيدا بزمان مخصوص نحو قوله عليه الصلاة والسلام «لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس (1)» .
فإن الوقت الذي يجوز فيه أداء النوافل التي لا سبب لها مؤقت، فلا يكون نهيه عن هذه النوافل في الوقت المخصوص نسخا لما قبل ذلك من الجواز؛ لأن التوقيت يمنع النسخ.
(1) صحيح البخاري الحج (1864)، سنن النسائي المواقيت (567).
4 -
أن يكون الناسخ متراخيا عن المنسوخ.
وأما الشروط المختلف فيها فمنها:
1 -
أن يكون الناسخ مثل المنسوخ في القوة أو أقوى منه لا دونه؛ لأن الضعيف لا ينسخ القوي.
2 -
أن يكون ناسخ القرآن قرآنا وناسخ السنة سنة.
3 -
أن يكون قد ورد الخطاب الدال على بيان انتهاء الحكم بعد التمكن من الفعل.
4 -
أن يكون الناسخ مقابلا للمنسوخ مقابلة الأمر للنهي والمضيق للموسع.
5 -
أن يكون الناسخ والمنسوخ نصين قاطعين.
6 -
أن يكون النسخ ببدل مساو أو مما هو أخف منه.
7 -
أن يكون الخطاب المنسوخ حكمه مما لا يدخله الاستثناء أو التخصيص.
وقد نقل صاحب كتاب (نظرية النسخ في الشرائع السماوية) عن الآمدي في الإحكام والزرقاني في مناهل العرفان أن الراجح كونه لا داعي لهذه الشروط السبعة (1).
وقد عد صاحب (الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه) من شروط الناسخ (2) أن يكون منفصلا من المنسوخ منقطعا منه، فإن كان متصلا به غير منقطع عنه لم يكن ناسخا لما قبله مما هو متصل به، نحو قوله تعالى:{وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} (3) فليس قوله {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ} (4) ناسخا لقوله {حَتَّى يَطْهُرْنَ} (5) في قراءة من خفف {يَطْهُرْنَ} (6)؛ لأنه متصل به، فالأول يراد به ارتفاع الدم والثاني التطهير بالماء.
(1) نظرية النسخ في الشرائع السماوية ص 123.
(2)
ص108 وما بعدها.
(3)
سورة البقرة الآية 222
(4)
سورة البقرة الآية 222
(5)
سورة البقرة الآية 222
(6)
سورة البقرة الآية 222
كما عد من شروط المنسوخ أن يكون غير متعلق بوقت معلوم لا يعلم انتهاء وقت فرضه إلا بنص ثان يبين أن فرض الأول إلى الوقت الذي فرض فيه الثاني ولذلك قيل في قوله تعالى {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} (1): إنه غير منسوخ بالأمر بالقتال في (براءة)؛ لأن الله جعل له أجلا ووقتا وهو إتيان أمره بالقتال وترك الصفح والعفو، وإنما كان يكون منسوخا بالقتال لو قال: فاعفوا واصفحوا أمرا غير مؤقت، كما قال: فاعف عنهم واصفح. فهذا منسوخ بالقتال وقيل: إنه منسوخ بالقتال؛ لأن الأجل غير معلوم، ولو قال: فاعفوا واصفحوا إلى وقت كذا. وذكر الأمر لكان النسخ غير جائز فيه، ولكنه أبهم الوقت ولم يحده، فالنسخ فيه جائز وعلى ذلك أكثر العلماء.
ومضى صاحب الإيضاح يعدد شروطا للنسخ فقال: ومن شروط الناسخ أن يكون موجبا للعلم والعمل كالمنسوخ ومن هاهنا منع نسخ القرآن بخبر الآحاد؛ لأن أخبار الآحاد توجب العمل ولا توجب العلم والقرآن يوجبهما جميعا. وإنما وقع الاختلاف في جواز نسخ القرآن بالأخبار المتواترة التي توجب العلم والعمل كالقرآن.
وقد عد الإمام العلامة مكي بن أبي طالب جواز نسخ الأثقل بالأخف من شروط الناسخ، ومثل لذلك بتخفيف قوله تعالى {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} (2) بقوله سبحانه:{فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} (3) وأنه لذلك قال تعالى: {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} (4) أي بأخف منها عليكم أو مثلها في الثقل وأعظم في الأجر.
وكذلك نسخ الأخف بالأثقل نحو نسخ صيام يوم عاشوراء أو صيام ثلاثة أيام من كل شهر بصوم شهر رمضان
(1) سورة البقرة الآية 109
(2)
سورة الأنفال الآية 65
(3)
سورة الأنفال الآية 66
(4)
سورة البقرة الآية 106