الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوقاية من الجريمة في التشريع الجنائي الإسلامي
بقلم الدكتور: محمد بن سعد الشويعر
الحمد لله الذي شرع لعباده ما تستقيم به أحوال معاشهم، ويسعدهم في معادهم بالجزاء الأوفى، الذي حد الحدود لتبعث في النفوس اطمئنانا، يمنع من الجريمة، وواقيا يحمي المجتمعات من تسلط المجرمين، والصلاة والسلام على البشير النذير، الذي أرسله ربه مقيما للعدل وموضحا للحق وحريصا على تنفيذ حدود الله، حتى لا تفسد الأمة، وعلى آله وصحابته الذين أقاموا سنته، ونشروا راية الإسلام في أرجاء المعمورة، رمزا للعدل، وتمكينا لحق لا إله إلا الله.
أما بعد: فإنها حدود وزواجر، وترغيب وترهيب، منها الوازع الديني ومراقبة النفوس، ومنها الوازع السلطاني وردع المعتدي بالقوة، حكمة أرادها الله لتحدث توازنا في المجتمع ككفتي الميزان، فالشرعة المحددة
للعدالة هي شريعة الله، التي توازن بين الحالين، فتبين الحق وتردع الظالم، وتعين المظلوم. فالإسلام قد كفل بتعاليمه، والشرع الذي أبانه الله فيه للمجتمع الراحة والأمان، وللفرد فيه الهدوء والاستقرار بما جاء في كتاب الله. وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإن فهم الصفوة الأولى من هذه الأمة للشريعة وما تدل عليه، وما اشتملت عليه من أوامر وزواجر، لمما يتلاءم مع النفس البشرية وما يردعها، وهو الدين الذي ارتضاه الله جل وعلا لخير أمة أخرجت للناس؛ لأنه المصلح لأحوال البشر والمنظم لمعيشتهم، والحال لكل معضلة تعترض مسيرتهم، فهو دين الفطرة، وهو الدين الحق، الذي لا يقبل سبحانه من البشر سواه؛ لأن سعادتهم باتباعه {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (1).
وهو الدين الذي بعث الله به الرسل، وأنزلت به الكتب، ودعا إليه أنبياء الله أممهم، منذ خلق الله آدم حتى أتم جل وعلا الرسالة بمحمد صلى الله عليه وسلم.
فهذا نبي الله نوح عليه السلام يقول: {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (2) وإبراهيم الخليل قال عنه سبحانه:
{مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا} (3)، ويوسف عليه السلام دعا ربه قائلا:{أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} (4) وموسى عليه السلام قال لقومه: {يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ} (5).
(1) سورة آل عمران الآية 85
(2)
سورة يونس الآية 72
(3)
سورة آل عمران الآية 67
(4)
سورة يوسف الآية 101
(5)
سورة يونس الآية 84
فما من نبي إلا وقد كان الإسلام هو معتقده، وهو ما يدعو قومه إليه، وقد خص الله أمة محمد صلى الله عليه وسلم بهذا الدين؛ ليكون سمة لهم بين الأمم، وامتثالا لإرادة الله جل وعلا التي جاءت على لسان أبي الأنبياء إبراهيم الخليل عليه السلام، عندما سمى خير الأمم وخاتمها أمة محمد صلى الله عليه وسلم بالمسلمين فقال عز وجل:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ} (1)، وعندما بنى الكعبة هو وابنه إسماعيل، عليهما السلام دعا ربه قائلا:{رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ} (2).
ذلك أن الإسلام مع كونه دين الفطرة، وهو دين العدالة الاجتماعية، وهو دين التوازن، وأمة حباها الله بالإسلام، وشرفها بالانتماء إليه، عليها أمانة الفهم، ودراية التطبيق، وفتح الصدور لإدراك ما تنطوي عليه شريعة هذا الدين من مصالح يؤمر المرء بها، ومفاسد يدرؤها الله عن البشر بزواجر هذا الدين، وحدوده الرادعة.
والجريمة واحدة من المفاسد الاجتماعية التي جاءت تعاليم الإسلام، ترسم للناس- قادة ومرءوسين - طريقا ممهدا، تحمي به المجتمعات من آفاتها، ومن تسلط ضعفاء النفوس على الآخرين مستغلين قدرتهم وحيلهم، وغفلة الناس أو ضعفهم أمامهم، فكان لولي الأمر، وبما أعطاه الله من سلطان في التتبع والإصلاح، وبما أيد به من حكم صادر عن شرع الله - أن يعمل جاهدا في حصر نطاق الجريمة بأضيق الحدود، وأن يتابع ببذل الطاقة للقضاء عليها، في منهجين مستمدين من تربية الإسلام، وحسن رعايته للفرد والجماعة، حيث اهتم التشريع الجنائي في الإسلام بذلك، وهما:
- الطرق الوقائية.
- أسلوب المكافحة.
(1) سورة الحج الآية 78
(2)
سورة البقرة الآية 128