الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصلوات المخترعة التي تضم إلى ألفاظ الأذان في كثير من بقاع الأرض، ولا إكنان حبه يكون بتأليف مدائح وقصائد يتلوها العاشقون ويتأوهون ويتوجعون، وهم عن شرعه واتباع أمره ناكبون!! كلا كلا: إن رباط المسلم برسوله صلى الله عليه وسلم أقوى وأعمق من هذه الروابط المكذوبة الملفقة على الدين، وأنه رباط ينهض المرء فيه إلى تقويم نفسه وإصلاح شأنه، حتى يكون على هدى من سنة محمد صلى الله عليه وسلم في معاشه ومعاده وحربه وسلمه وعلمه وعمله وعاداته وعباداته (1)
(1) انظر فقه السيرة للغزالي ص 5 مطابع علي بن علي على الدوحة / قطر
ثالثا: الإيمان بعموم الشريعة الإسلامية وشمولها وصلاحيتها لكل زمان ومكان
إن التشريع الإسلامي تشريع مثالي محكم وعام وخالد أتى بالمبادئ التشريعية والخلقية، التي تسمو بالإنسان إلى أعلى درجات الكمال، جاء من عند الله لكل أجناس البشر جنهم وإنسهم، لا يختص بقوم دون قوم أو جيل دون جيل، موجه إلى الناس كافة، باعتبار إنسانيتهم التي ميزهم الله بها عن سائر الحيوان، يحقق مصالحهم في كل عصر ومصر، ويفي بحاجتهم ولا يضيق بها ولا يتخلف عن أي مستوى عال يبلغه أي مجتمع من المجتمعات، ومع عمومية التشريع الإسلامي، فإنه شامل كذلك لكل جوانب الحياة ومناحي الاجتماع، لم يترك شاردة ولا واردة إلا ذكر فيها خبرا أو شملها حكما، أو أدرجها تحت أصل أو قاعدة، فالشريعة الإسلامية منذ نشأتها الأولى كذلك رسالة العالمين، طبيعتها عالمية شاملة، ووسائلها وسائل إنسانية كاملة، وغايتها نقل هذه البشرية كلها من عهد إلى عهد، ومن نهج إلى نهج عن طريق مصدرين أساسين هما: القرآن الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد تضافرت النصوص على تأكيد عمومها وشمولها، فالآيات القرآنية والأحاديث النبوية الدالة على ذلك كثيرة ومنها. قال تعالى:{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} (1) نعم: لقد وسعت الشريعة الإسلامية بمبادئها وأحكامها الفرعية جميع شئون الحياة، واستوعبت حاجات الإنسان كافة، ووفقت بين مقاصده جميعا، وبينت تحديد الغاية من خلقه قال تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (2) وقال تعالى: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} (3){وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ} (4) وتناولت بيان وظيفته في الحياة ومركزه في هذا الكون الفسيح قال تعالى: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ} (5) وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} (6) ونظمت علاقة الإنسان بربه وصلته بإخوانه والمجتمع الذي يعيش فيه، وحددت الحقوق والواجبات، ووضعت أصولا لفض المنازعات وإيصال كل ذي حق حقه، وأرست قواعد العدل بين الناس في كل جانب من جوانب حياتهم ونشاطاتهم وأعمالهم، فهي عامة في جميع المكلفين، وجارية على مختلف أحوالهم، وإليها يرد كل أمر جاءنا ظاهرا أو باطنا، ولا نبالغ إذا قلنا: إن الشريعة الإسلامية تعد منهج حياة كلي، جمع بين الدنيا والدين والعمل والعبادة، وبين الظاهر والباطن، فضمن بذلك للإنسان خيري الدنيا والآخرة.
(1) سورة الأعراف الآية 158
(2)
سورة الذاريات الآية 56
(3)
سورة الزمر الآية 11
(4)
سورة الزمر الآية 12
(5)
سورة هود الآية 61
(6)
سورة الملك الآية 15
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
فإنه قد علم بالاضطرار من دين الإسلام أن رسالة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم لجميع الناس: عربهم وعجمهم، وملوكهم وزهادهم وعلمائهم وعامتهم، وأنها باقية دائمة إلى يوم القيامة، بل عامة للثقلين الجن والإنس، وأنه ليس لأحد من الخلائق الخروج عن متابعته وطاعته، وملازمة ما يشرعه لأمته من الدين. وما سنه لهم من فعل المأمورات وترك المحظورات، بل لو كان الأنبياء المتقدمون قبله أحياء لوجب عليهم متابعته ومطاوعته (1).
إن القرآن الكريم يحكي رسالات الأنبياء السابقين بعنوان القومية الخاصة قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرهُ} (2) وقال تعالى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُُهُ} (3) وقال تعالى: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرهُ} (4) وقال تعالى: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ} (5) وقال تعالى: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرهُ} (6) وقال تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ} (7) ويقول تعالى في عيسى: {وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} (8)
(1) فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ج 11/ 422، 423.
(2)
سورة الأعراف الآية 59
(3)
سورة الأعراف الآية 65
(4)
سورة الأعراف الآية 73
(5)
سورة الأعراف الآية 80
(6)
سورة الأعراف الآية 85
(7)
سورة الأعراف الآية 103
(8)
سورة آل عمران الآية 49
ولكن رسولنا محمدا صلى الله عليه وسلم يعلن عالمية دعوته ونبوته للعالمين وختمه للنبيين. قال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} (1) وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (2).
ففي ذلك دليل على إثبات عالمية هذه الرسالة منذ أيامها الأولى لا كما يدعي بعض المؤرخين - غير المسلمين - أن الدعوة الإسلامية نشأت محلية.
ثم طمحت بعد اتساع رقعة الفتوحات الإسلامية أن تكون عالمية، كلا إنها عالمية منذ نشأتها الأولى، رسالة عامة موجهة إلى جميع الناس، مهما اختلفت ألسنتهم وألوانهم وأجناسهم في كل زمان وفي كل مكان، ابتداء من بعثة محمد صلى الله عليه وسلم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ويقوم الناس لرب العالمين. قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (3).
ومن الأحاديث الدالة على عموم بعثته صلى الله عليه وسلم:
ما رواه البخاري في صحيحه عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة (4)» .
وما رواه الإمام أحمد في مسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الرسالة والنبوة قد انقطعت فلا
(1) سورة الفرقان الآية 1
(2)
سورة الأنبياء الآية 107
(3)
سورة سبأ الآية 28
(4)
صحيح البخاري، كتاب التيمم باب 1 ج 1/ 86
رسول بعدي ولا نبي (1)». . . الحديث (2).
وروى مسلم في صحيحه: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فضلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت الغنائم، وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون (3)» .
ولمسلم أيضا عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي: كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى كل أحمر وأسود وأحلت لي الغنائم (4)» . . . الحديث (5).
ولأحمد في مسنده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي: بعثت إلى الأحمر والأسود وكان النبي إنما يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة (6)» الحديث (7) ولأحمد أيضا عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعطيت خمسا: بعثت إلى الأحمر والأسود (8)» . . . الحديث.
وغير ذلك من الأحاديث الدالة على عموم رسالته صلى الله عليه وسلم وبعد: فإن شرع الله الذي حواه كتابه وبينه رسوله صلى الله عليه وسلم هديا جامعا، يفصل كل قضية ويبين كل شيء. قال تعالى:{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} (9).
(1) صحيح البخاري التعبير (6983)، صحيح مسلم الرؤيا (2264)، سنن الترمذي كتاب الرؤيا (2272)، سنن ابن ماجه تعبير الرؤيا (3893).
(2)
مسند الإمام أحمد ج 3/ 267.
(3)
صحيح مسلم ج 1/ 371، كتاب المساجد ومواضع الصلاة حديث رقم 523.
(4)
صحيح البخاري التيمم (335)، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (521)، سنن النسائي الغسل والتيمم (432)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 304)، سنن الدارمي الصلاة (1389).
(5)
صحيح مسلم ج 1/ 370، حديث 521 كتاب المساجد.
(6)
صحيح البخاري التيمم (335)، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (521)، سنن النسائي الغسل والتيمم (432)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 304)، سنن الدارمي الصلاة (1389).
(7)
مسند الإمام أحمد ج 3/ 3046.
(8)
مسند أحمد بن حنبل (4/ 416).
(9)
سورة النحل الآية 89