الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خاتمة البحث
وهكذا يتبين لنا بعد التجوال في ميدان هذا العلم من علوم القرآن الكريم أعني (الناسخ والمنسوخ) أنه علم من آكد العلوم وأوجبها تعلما وحفظا وبحثا وفهما وخاصة لمن أراد أن يخوض غمار تفسير كتاب الله تعالى وأن يغوص في لجته لاستخراج الدرر الثمينة والجواهر النفيسة. بل إنه علم لا يسع كل من تعلق بأدنى علم من علوم الديانة جهله كما قال ذلك مكي بن أبي طالب القيسي رحمه الله تعالى.
وإن مما يدل على عظم شأن هذا العلم وجليل خطره أن الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه عداه شرطا لكون الإنسان عالما. وأن أبا يوسف صاحب أبي حنيفة اعتبره شرطا للإفتاء بل قال: إنه لا يحل لأحد أن يفتي حتى يعرفه.
وتبين لنا من خلال بحثنا أن النسخ في اللغة معناه الإزالة والتغيير تقول (نسخت الشمس الظل) أي أزالته (ونسخت الريح آثار الدار) أي غيرتها كما يأتي بمعنى النقل كقولك (نسخت الكتاب) إذا نقلت ما فيه. وهو بهذا دائر في ثلاثة أوجه هي: النقل، والإزالة مع حلول المزيل محل المزال، والإزالة مع عدم حلول المزيل محل المزال فكأنه بمعنى المحو.
وأنه في الاصطلاح (رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر) كما هو عند جمهور المحققين.
وهنالك تعريفات اصطلاحية أخرى للنسخ أثبتناها في موضعها لا تخرج في جملتها عن مضمون هذا التعريف.
كما بينا في ثنايا هذا البحث الفرق بين النسخ والتخصيص وقلنا: إن هنالك فروقا سبعة بينهما ذكرناها في موضوعها بالتفصيل مع أمثلتها التي توضحها.
ثم عرجنا على ما يتعلق بشروط النسخ فبينا في الفصل الثالث أن شروط النسخ نوعان: نوع متفق عليه. ونوع مختلف فيه وذكرنا أربعة من الشروط المتفق عليها وسبعة من الشروط المختلف فيها وذكرنا أن صاحب (نظرية النسخ في الشرائع السماوية) قد نقل عن الآمدي في (الأحكام) والزرقاني في (مناهل العرفان) أن الراجح كونه لا داعي لهذه الشروط السبعة المختلف فيها.
ونقلنا عن كل من مكي بن أبي طالب وعبد القاهر بن طاهر البغدادي عددا من الشروط التي يشترطانها لتحقيق النسخ.
ثم انتقلنا إلى استعراض آراء العلماء أفرادا وطوائف في حكم النسخ مع مناقشة تلك الآراء وتفنيد ما تستدعي الحال تفنيده منها وبيان وجه الحق في ذلك مستعرضين أدلة وحجج المجيزين والمانعين له على السواء وقد رأينا أن أدلة المجيزين له هي الأظهر وأن حجتهم هي الأبلغ والأقوى لانطلاقها من كون الله تعالى هو الفعال لما يريد يأمر عباده بما شاء وينهاهم عما يشاء يبقي من أحكامه على ما يشاء وينسخ منها ما يشاء بناء على اختياره ومشيئته وكبريائه وعظمته سبحانه إذ لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه ولا ملزم يلزمه جل وعلا.
وقلنا: إن مذهب هؤلاء المنكرين للنسخ هو أخطر المذاهب وأشنعها في هذا الباب وأبعدها عن الحق وأكثرها مجانبة للصواب وولوغا في الباطل.
واتضح لنا أن هنالك إجماعا على جواز النسخ عقلا ووقوعه سمعا لم يخرج عليه سوى من لا يعتد به كالشمعونية إحدى فرق اليهود الثلاث وبعض نصارى هذا الزمان وأبي مسلم الأصفهاني ومن شايعه الذي يرى أن
النسخ جائز عقلا ممتنع سمعا في حين يرى بعض النصارى المعاصرين وكذلك الشمعونيون من اليهود استحالة النسخ وامتناعه عقلا وسمعا.
ورأينا كيف يثير المانعون شبها كثيرة تولى العلماء المختصون رحمهم الله ردها وتفنيدها وإبطالها بكل جلد وقوة وعلم.
أما في الفصل الخامس فقد قمنا بتفسير تحليلي للآيات الدالة على النسخ في القرآن الكريم معتمدين في ذلك على النقل عن بعض التفاسير المعتمدة والمعتبرة مشيرين إلى الاختلاف الواقع في قراءة الآية إن وجد موضحين دلالة كل آية منها على النسخ مشيرين إلى الأوجه اللغوية وما حكاه أئمة اللغة وأئمة التفسير معا في إيضاح وبيان معاني تلك الآيات بتفصيل واف لكافة وجوهها وناقشنا بعد ذلك ما يقع فيه النسخ في القرآن الكريم فخلصنا إلى أنه لا يقع إلا في الأوامر والنواهي والأحكام والفرائض والحدود والعقوبات من أحكام الدنيا وهو قول عامة العلماء والذي عليه العمل عند فقهاء الأمصار. وأما الأخبار المحضة وما قص الله علينا من أخبار الجنة والنار والحساب والعقاب والبعث والحشر ونحو ذلك من الأخبار فلا يجوز نسخه؛ لأن الله سبحانه يتعالى أن يخبر عن الشيء على غير ما هو به.
وقد أطلنا في بيان عدم وقوع النسخ في الأخبار المحضة وذكرنا آراء من شذ عن الإجماع فأجاز النسخ في الأخبار سواء من قيد ذلك بما إذا كان مدلول الخبر مما يتغير كالرازي والآمدي. أو من لم يقيد ذلك بشيء بل أجاز وقوعه فيها مطلقا كأبي الحسين البصري.
وفي الفصل السابع من هذا المبحث تناولنا أنواع النسخ في القرآن وتقرر أنها ثلاثة هي:
ما - نسخ تلاوة وبقي حكما.
ما - نسخ تلاوة وحكما.
ما - نسخ حكما وبقي تلاوة.
كما استعرضنا تقسيما للنسخ باعتبار آخر هو اعتبار المنسوخ فرأينا أن مكي بن أبي طالب قد عد بهذا الاعتبار ستة أقسام.
وكذلك قسم رحمه الله النسخ باعتبار الناسخ إلى ثلاثة أقسام:
وختمنا هذا الفصل ببيان أراء العلماء في أنواع النسخ حيث اتفق سائر مجيزي النسخ على نسخ التلاوة والحكم معا بينما منع بعض المعتزلة نسخ الحكم وبقاء التلاوة وهو النوع الذي يراه الجمهور وكذلك يرى الجمهور أيضا نسخ التلاوة مع بقاء الحكم في الوقت الذي نجد الشيخ محمد الخضري في كتابه (الأصول) يخالف رأي الجمهور في ذلك قائلا: (إن ذلك غير مفهوم وفي رأيي ليس هناك ما يلجئني إلى القول به) ورد حجة الجمهور في إثبات ذلك النوع بأنها أخبار آحاد لا تقوم برهانا على ذلك.
وقد نقلنا رد الشيخ محمد حمزة في كتابه (دراسات في الإحكام والنسخ) على ما أورده الشيخ الخضري.
وأخيرا ختمنا هذا البحث بإيراد أمثلة للنسخ في كتاب الله تعالى وكذلك لما توهم أنه نسخ وليس بنسخ فذكرنا للنسخ ثلاثة عشر مثالا ولما توهموه نسخا وليس كذلك ستة أمثلة.
وأشرنا إلى أن ابن خزيمة ممن وهم في كتابه (الناسخ والمنسوخ) فأورد شيئا كثيرا مما عده نسخا وليس به لاشتباه التخصيص والاستثناء لديه بالنسخ.
وأنهينا الفصل الثامن والأخير الذي اشتمل على الأمثلة للنسخ الصحيح والنسخ المتوهم بذكر أبرز أسباب توهم النسخ وقد عددنا منها ستة أسباب رئيسة وأشرنا إلى أن الحيز يضيق عن استقصاء جميع أسباب ذلك التوهم.
والخلاصة أن علم الناسخ والمنسوخ أحد علوم القرآن الكريم التي ينبغي العناية بها وأنه غير التخصيص وأن له شروطا وأنواعا وأن الناس قد اختلفوا حوله بين مجيز ومانع وأن ما عليه جمهور العلماء المحقيقين أنه لا يقع إلا في
الأمر والنهي لا في الخبر المحض وأن من توهم في النسخ ما ليس منه إنما توهم ذلك بسبب من أسباب عديدة بينها أهل الاختصاص. . .
وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
المراجع
1 -
كتاب الناسخ والمنسوخ في كتاب الله تعالى لقتادة بن دعامة السدوسي تحقيق د / حاتم صالح الضامن، الطبعة االثانية 1406هـ الناشر مؤسسة الرسالة.
2 -
الناسخ والمنسوخ من كتاب الله عز وجل لهبة الله بن سلامة بن نصر المقري تحقيق زهير الشاويش ومحمد كنعان الطبعة الثانية 1406هـ الناشر المكتب الإسلامي.
3 -
الناسخ والمنسوخ للإمام أبي منصور عبد القاهر بن طاهر البغدادي تحقيق د / حلمي كامل أسعد عبد الهادي. الطبعة الأولى سنة 1407هـ الناشر دار العدوي عمان الأردن.
1 -
الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه لمكي بن أبي طالب. الطبعة الأولى سنة 1406هـ تحقيق الدكتور أحمد حسن فرحات. الناشر دار المنارة بجدة.
2 -
ناسخ القرآن العزيز ومنسوخه لابن البارزي. تحقيق د / حاتم الضامن. الطبعة الثالثة 1405 هـ مؤسسة الرسالة.
3 -
الموافقات للشاطبي. نشر المكتبة التجارية الكبرى بمصر.
4 -
البرهان في علوم القرآن للزركشي. الطبعة الثالثة. نشر وتوزيع الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
5 -
الإتقان في علوم القرآن للسيوطي تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم. الطبعة الثالثة 1405 هـ. نشر وتوزيع دار التراث بالقاهرة.
6 -
مناهل العرفان في علوم القرآن للزرقاني. الطبعة الثالثة مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه.
10 -
مباحث العرفان في علوم القرآن للشيخ مناع القطان. الطبعة التاسعة عشرة 1406 هـ مؤسسة الرسالة.
11 -
نظرية النسخ في الشرائع السماوية لشعبان إسماعيل. مطابع الدجوي القاهرة. عابدين.
12 -
دراسات في الإحكام والنسخ لمحمد حمزة. الطبعة الأولى. نشر دار قتيبة.
13 -
تفسير ابن الجوزي (زاد المسير) الطبعة الثالثة 1404هـ. المكتب الإسلامي.
14 -
تفسير القرآن العظيم لابن كثير نشر دار المعرفة. بيروت. لبنان سنة 1401هـ.
15 -
تفسير أبي السعود. الناشر مكتبة الرياض الحديثة سنة 1401هـ نشر وتوزيع الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
16 -
فتح القدير للشوكاني. الناشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع سنة 1401هـ.
17 -
تفسير القرآن الحكيم الشهير بتفسير المنار لمحمد رشيد رضا. الطبعة الثانية. الناشر دار المعرفة للطباعة والنشر. بيروت. لبنان.
18 -
تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لابن سعدي. طبع ونشر الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد. الرياض سنة 1404هـ.
19 -
معجم مقاييس اللغة لابن فارس. تحقيق وضبط عبد السلام محمد هارون. الناشر دار الفكر سنة 1399هـ.
20 -
الصحاح للجوهري. الطبعة الثانية 1399هـ. الناشر دار العلم للملايين بيروت.
21 -
المصباح المنير للمقري الفيومي. نشر المكتبة العلمية. بيروت. لبنان.
22 -
المعجم الوسيط من وضع وإعداد مجمع اللغة العربية بالقاهرة الطبعة الثانية. مطابع دار المعارف بمصر 1393 هـ. توزيع دار الباز بمكة.
23 -
التقرير والتحبير على تحرير الكمال بن الهمام.
24 -
شرح البدخشي على شرح الإسنوي على منهاج الأصول للبيضاوي. مطبعة محمد علي صبح بمصر.
25 -
الإحكام للآمدي. الطبعة الأولى 1378هـ.
26 -
الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم. تحقيق أحمد شاكر. مطبعة العاصمة بالقاهرة.
27 -
المسودة لابن تيمية. مطبعة المدني بالقاهرة 1384 هـ تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد.
28 -
المعتمد لأبي الحسين البصري تحقيق محمد حميد الله طبع دمشق 1384 هـ.
29 -
النسخ في دراسات الأصوليين. الطبعة الأولى 1405هـ الناشر مؤسسة الرسالة.
عبد الله بن حمد بن عبد الله الشبانة.
- من مواليد مدينة المجمعة عام 1367 هـ.
- حصل على شهادة الابتدائية في الرياض عام 1379 هـ.
- تخرج من معهد الرياض العلمي عام 1384 هـ.
- تخرج من كلية اللغة العربية عام 1389هـ.
- عمل بالتدريس في المعاهد العلمية مدة ثلاث سنوات، ثم التحق بديوان الموظفين العام (ديوان الخدمة المدنية - حاليا - عام 1393هـ، ثم التحق بوزارة الإعلام عام 1394هـ، ثم التحق للعمل في مجال الدعوة بالرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، مديرا لمركز الدعوة والإرشاد بظفار في المنطقة الجنوبية لسلطنة عمان عام 1399هـ ثم مديرا لمركز الدعوة والإرشاد بالفجيرة بدولة الإمارات العربية المتحدة عام 1401هـ، ثم رشح مديرا عاما للرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد عام 1403هـ، ثم عين أمينا عاما مساعدا لهيئة كبار العلماء عام 1406هـ وهو عمله الحالي.
له من المؤلفات:
1 -
كتاب: موجز القول.
2 -
كتاب: يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء.
3 -
كتاب: خطرات ونظرات.
4 -
كتاب: المسلمون وظاهرة الهزيمة النفسية.
5 -
الزفرات الحرى " ديوان شعر ".
6 -
تحية للوطن " ديوان شعر ".
كما أن له بعض البحوث والمقالات المنشورة في الصحف والمجلات المحلية والإسلامية.