الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكم من قال لصديقه الذي لا يصلي أنت كافر
(1)
س: حدث حوار بيني وبين صديق لي عن الإسلام حيث قال هذا الصديق: إنه لا يصلي على الإطلاق، فقلت له: أنت كافر؛ لأن الله تعالى يقول: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ} (2) وقال لي: أنت أيضا كذلك، وذكر لي القول: أن من كفر مسلما فقد كفر، وبعد ذلك تركته وذهبت حتى لا يحتدم النقاش إلى أكثر مما وصل إليه. فما حكم كلامنا هذا الذي تم بيننا وهل نأثم عليه؟
ج: الصواب: أن من ترك الصلاة فهو كافر، وإن كان غير جاحد لها، هذا هو القول المختار والمرجح عند المحققين من أهل العلم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:«العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (3) » خرجه الإمام أحمد، وأهل السن، عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه بإسناد صحيح؛ ولقوله أيضا صلى الله عليه وسلم:«بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة (4) » خرجه الإمام مسلم في صحيحه، ولقوله أيضا عليه الصلاة والسلام:«رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة (5) » خرجه الإمام أحمد، والإمام
(1) من برنامج نور على الدرب، الشريط رقم (109) .
(2)
سورة البقرة الآية 85
(3)
سنن الترمذي الإيمان (2621) ، سنن النسائي الصلاة (463) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1079) ، مسند أحمد بن حنبل (5/346) .
(4)
صحيح مسلم الإيمان (82) ، سنن الترمذي الإيمان (2620) ، سنن أبو داود السنة (4678) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1078) ، مسند أحمد بن حنبل (3/370) ، سنن الدارمي الصلاة (1233) .
(5)
سنن الترمذي الإيمان (2616) ، سنن ابن ماجه الفتن (3973) ، مسند أحمد بن حنبل (5/231) .
الترمذي رحمة الله عليهما بإسناد صحيح، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه؛ ولأحاديث أخرى جاءت في الباب.
فالواجب على من ترك الصلاة أن يتوب إلى الله، وأن يبادر بفعلها، ويندم على ما مضى من تقصيره، ويعزم ألا يعود، هذا هو الواجب عليه.
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يكون عاصيا معصية كبيرة، وجعلوا هذا كفرا أصغر، واحتجوا بما جاء في الأحاديث الصحيحة من فضل التوحيد، وأن من مات عليه فهو من أهل الجنة إلى غير هذا، لكنها لا تدل على المطلوب، فإن ما جاء في فضل التوحيد ومن مات عليه فهو من أهل الجنة إنما يكون بالتزامه أمور الإسلام، ومن ذلك أمر الصلاة، من التزم بها حصل له ما وعد به المتقون، ومن أبى حصل عليه ما توعد به غير المتقين، ولو أن إنسانا قال: لا إله إلا الله، ووحد الله ثم جحد وجوب الصلاة كفر، ولا ينفعه قوله: لا إله إلا الله، أو توحيده لله مع جحده وجوب الصلاة، فهكذا من تركها تساهلا وعمدا وقلة مبالاة حكمه حكم من جحد وجوبها في الصحيح من قولي العلماء، ولا تنفعه شهادته بأنه لا إله إلا الله؛ لأنه ترك حقها؛ لأن من حقها أن يؤدي المرء الصلاة، وهكذا لو وحد الله وأقر بأنه لا إله إلا الله، ولكنه استهزأ بشيء من دين الله فإنه يكفر، كما قال الله عز وجل:{قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} (1){لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} (2)
(1) سورة التوبة الآية 65
(2)
سورة التوبة الآية 66
وهكذا لو قال: لا إله إلا الله ووحد الله وجحد وجوب الزكاة، أو جحد وجوب صوم رمضان، أو جحد وجوب الحج مع الاستطاعة، أو جحد تحريم الزنا، أو جحد تحريم السرقة، أو جحد تحريم اللواط، أو ما أشبه ذلك، فإن من جحد وجوبها كفر إجماعا، ولو أنه يصلي ويصوم، ولو أنه يقول: لا إله إلا الله؛ لأن هذه النواقض تفسد عليه دينه، وتجعله بريئا من الإسلام بهذه النواقض، فينبغي للمؤمن أن ينتبه لهذا الأمر، وهكذا من ترك الصلاة وتساهل بها يكون كافرا، وإن لم يجحد وجوبها في الأصح من أقوال العلماء؛ للأحاديث السابقة وما جاء في معناها، فنسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين، وأن يرد كافرهم وعاصيهم من الناس إلى التوبة، ومن ذلك من ترك الصلاة، فنسأل الله أن يهديه للإسلام، وأن يرده إلى ما أوجب الله عليه من إقامة الصلاة، ويمن عليه بالتوبة الصادقة النصوح.
أما الحديث: «من كفر مسلما فقد كفر (1) » فإن المراد به: إذا كان التكفير في غير محله، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«من قال لأخيه يا عدو الله أو قال يا كافر وليس كذلك إلا حار عليه (2) » لكن هذا الذي قال: أنت كافر بترك الصلاة، قد وقعت في محلها فلا يرجع التكفير إلى القائل، ولا يكون القائل كافرا؛ لأن القائل قد نفذ أمر الله، وأدى حق الله، وبين ما أوجبه الله من تكفير هذا الصنف من الناس، فهو مأجور وليس بكافر؛ لأن كلامه وقع في محله، وإنما الكافر هو الذي ترك الصلاة وعاند وكابر. نسأل الله العافية لنا ولجميع المسلمين.
(1) صحيح البخاري الأدب (6104) ، صحيح مسلم الإيمان (60) ، سنن الترمذي الإيمان (2637) ، سنن أبو داود السنة (4687) ، مسند أحمد بن حنبل (2/142) ، موطأ مالك الجامع (1844) .
(2)
صحيح مسلم الإيمان (61) ، مسند أحمد بن حنبل (5/166) .