الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم (1) » .
(1) رواه أبو داود في (البيوع) باب في بيع الطعام قبل أن يستوفى برقم (3499) .
حكم الزيادة في ثمن السلعة مقابل الأجل
س 70: رجل استدان مع رجل آخر مبلغ عشرة آلاف ريال على أن يردها بعد مضي سنة من العقد بزيادة ألفي ريال، والعملية كالآتي: اشترى صاحب الدين سلعة بمبلغ عشرة آلاف ريال وباعها على المدين باثني عشر ألف على أن يسددها كاملة بعد سنة من العقد، والشخص الثاني باعها على صاحب المحل بتسعة آلاف وثمانمائة ريال. علما بأن الدائن استحوذ على البضاعة أولا ثم اتفق مع المدين على سداد المبلغ السابق. هل تصح طريقة الدائن مع المدين؟ وهل تصح طريقة المدين مع صاحب المحل؟ هل هذه المسألة تسمى التورق؟ أم هي حيلة من حيل الربا؟ أعاذنا الله وإياكم من شره. أفتونا جزاكم الله خير الجزاء (1) .
(1) نشر في كتاب (فتاوى إسلامية) من جمع الشيخ محمد المسند ج2 ص 339.
ج: هذه المسألة تسمى عند أهل العلم مسألة التورق وهي أن يبيع الرجل غيره سلعة قد ملكها وحازها بثمن معلوم، إلى أجل معلوم ثم يقبضها المشتري ويتصرف فيها بعد قبضه لها.
والغالب أن ذلك من أجل حاجته للنقود، وهذا البيع على هذا الوجه جائز شرعا في أصح قولي العلماء، داخل في قوله تعالى:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (1) وفي قوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} (2) الآية.
وليس للدائن أن يبيع على الراغب في الشراء سلعة عند التجار لم يشترها ولم يقبضها، بل ذلك باطل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«لا يحل سلف وبيع ولا بيع ما ليس عندك (3) » ، وقوله صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام: «لا
(1) سورة البقرة الآية 275
(2)
سورة البقرة الآية 282
(3)
رواه الإمام أحمد في (مسند المكثرين من الصحابة) مسند عبد الله بن عمرو بن العاص برقم (6633) والترمذي في (البيوع) باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك برقم (1234) والنسائي في (البيوع) باب بيع ما ليس عند البائع برقم (4611) .
تبع ما ليس عندك (1) » ، وإنما يجوز البيع في هذه المسألة - أعني: مسألة التورق- بشرط أن يكون المال موجودا لدى البائع وفي حوزته؛ ثم لا يجوز للمشتري أن يبيعه وهو عند الدائن حتى يحوزه إلى ملكه أو إلى السوق، وليس له أن يبيعه على الدائن بأقل مما اشتراه منه؛ لأن ذلك يتخذ حيلة للربا، وبيعه على الدائن بأقل مما اشتراه به منه غير صحيح، ويسمى هذا البيع بيع العينة وهو من بيوع الربا، والله ولي التوفيق.
(1) رواه الإمام أحمد في (مسند المكيين) مسند حكيم بن حزام برقم (14887) والترمذي في (البيوع) باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك برقم (1232) وابن ماجه في (التجارات) باب النهي عن بيع ما ليس عندك برقم (2187) .
س 71: إذا كان عند رجل بضاعة وطلب منه بعض الناس شراءها بأكثر من سعرها الحاضر إلى أجل معلوم فما الحكم الشرعي في ذلك؟ (1) .
ج: يجوز عند أكثر العلماء؛ لقول الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} (2) الآية، ولم يشترط سبحانه أن تكون المداينة بسعر الوقت الحاضر،
(1) نشر في كتاب (فتاوى البيوع في الإسلام) من نشر جمعية إحياء التراث الإسلامي بالكويت ص 38.
(2)
سورة البقرة الآية 282
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وأهلها يسلمون في الثمار السنة والسنتين: «من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم (1) » ، متفق على صحته. ولم يشترط عليه الصلاة والسلام أن يكون ذلك بسعر الوقت الحاضر، وخرج الحاكم والبيهقي بإسناد جيد عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما:«أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يجهز جيشا فنفدت الإبل فأمره أن يشتري البعير بالبعيرين إلى إبل الصداقة (2) » ، والأدلة في هذا المعنى كثيرة؛ ولأن أمر التجارة في المداينة لا يستقيم إلا على ذلك؛ لأن التاجر لا يمكنه غالبا أن يبيع السلع إلى أجل بسعر الوقت الحاضر؛ لأن ذلك يكلفه خسائر كثيرة، ولأن البائع ينتفع بالربح والمشتري ينتفع بالإمهال والتيسير، إذ ليس كل أحد يستطيع أن يشتري حاجته بالثمن الحال، فلو منعت الزيادة في المداينة لنتج عن ذلك ضرر المجتمع، والشريعة الكاملة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها،
(1) رواه البخاري في (السلم) باب السلم في وزن معلوم برقم (2241) ومسلم في (المساقاة) باب السلم برقم (1604) .
(2)
رواه الإمام أحمد في (مسند المكثرين من الصحابة) مسند عبد الله بن عمرو بن العاص برقم (6557) وأبو داود في (البيوع) باب في الرخصة في ذلك برقم (3357) .
ولا أعلم في هذه المسألة خلافا يعول عليه بل المعروف في كلام العلماء هو الجواز والإباحة. وهذا فيما إذا كان الشراء لحاجة الاستعمال والانتفاع، أما إذا كان المشتري اشترى السلعة إلى أجل ليبيعها بنقد بسبب حاجته إلى النقد في قضاء الدين أو لتعمير مسكن أو للتزويج ونحو ذلك، فهذه المعاملة إذا كانت من المشتري بهذا القصد ففي جوازها خلاف بين العلماء، وتسمى عند الفقهاء مسألة (التورق) ويسميها بعض العامة (الوعدة) والأرجح فيها الجواز وهو الذي نفتي به؛ لعموم الأدلة السابقة، ولأن الأصل في المعاملات الجواز والإباحة إلا ما خصه الدليل بالمنع، ولأن الحاجة تدعو إلى ذلك كثيرا؛ لأن المحتاج في الأغلب لا يجد من يساعده في قضاء حاجته بالتبرع ولا بالقرض فحينئذ تشتد حاجته إلى هذه المعاملة حتى يتخلص مما قد شق عليه في قضاء دين ونحوه.
ولكن إذا أمكن المسلم الاستغناء عنها والاقتصاد في كل ما يحتاج إليه إلى أن يأتي الله بالفرج ومن عنده فهو أحسن وأحوط.
ومما ينبغي التنبيه إليه أنه ليس للبائع أن يبيع السلع التي ليست في حوزته بل لا تزال في حوزة التجار حتى ينقلها إلى بيته، أو إلى السوق ونحو ذلك؛ لما ثبت في الحديث الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «كنا نشتري الطعام جزافا
على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فيبعث إلينا النبي صلى الله عليه وسلم من يأمرنا ألا نبيعه حتى ننقله إلى رحالنا (1) » ، أخرجه البخاري.
وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم (2) » ، أخرجه أحمد وأبو داود وصححه ابن حبان والحاكم «وعن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله يأتيني الرجل يريد السلعة ليست عندي أفأبيعها عليه ثم أذهب فأشتريها فقال صلى الله عليه وسلم: لا تبع ما ليس عندك (3) » ، أخرجه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه بإسناد صحيح.
(1) رواه البخاري في (البيوع) باب من رأى إذا اشترى طعاما جزافا أن لا يبيعه برقم (2137) ومسلم في (البيوع) باب بطلان بيع المبيع قبل القبض برقم (1526) .
(2)
رواه أبو داود في (البيوع) باب في بيع الطعام قبل أن يستوفى برقم (3499) .
(3)
رواه الإمام أحمد في (مسند المكيين) مسند حكيم بن حزام برقم (14887) والترمذي في (البيوع) باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك برقم (1232) وابن ماجه في (التجارات) باب النهي عن بيع ما ليس عندك برقم (2187) .
س 72: لي زبون يشتري مني بالدين إلى أجل فإذا زدت عليه أكثر من ثمن المشترى بالحاضر، فهل يكون هذا من الربا أم لا؟ (1)
ج: ليس هذا من الربا؛ لأن بيع التأجيل غير بيع الحاضر، وقد أجمع العلماء فيما نعلم على أنه يجوز بيع السلعة إلى أجل معلوم بأكثر من ثمنها الحالي إذا كان المشتري يشتريها لحاجته إلى ذاتها لا ليبيعها بالنقد من بائعها عليه، أو شخص آخر، وأمثلة ذلك كثيرة منها: أن يشتري السيارة أو الدابة ليستعملها، أو الطعام ليأكله، أو الثياب ليلبسها، أو ما أشبه ذلك، ومن أدلة ذلك قوله سبحانه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} (2) الآية، ولم يشترط سعرا معلوما. ومن أدلة ذلك بيع السلم، وقد قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة والناس يسلفون في الثمار السنة والسنتين والثلاث فقال صلى الله عليه وسلم:«من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم (3) » ، ولم
(1) استفتاء أجاب عنه سماحته عندما كان نائبا لرئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
(2)
سورة البقرة الآية 282
(3)
رواه البخاري في (السلم) باب السلم في وزن معلوم برقم (2241) ومسلم في (المساقاة) باب السلم برقم (1604) .
يقل بسعر الحاضر، ومعلوم أن المسلم يسلم ماله أهل الحرث رجاء الربح في المستقبل، فالمسلم ينتفع في المستقبل والمسلم إليه ينتفع بالنقود في الحال، ولو اشترط في السلم أن يكون ذلك بالسعر الحالي لم يقدم أحد إلى ذلك غالبا، فتتعطل مصلحة الجميع، ومن ذلك حديث عبد الله بن عمر:«أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يجهز جيشا فنفدت الإبل، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يشتري البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة (1) » ، ولأن الربا إنما جاءت به الشريعة في أحوال مخصوصة ومعاملات مخصوصة فلا يجوز أن يلحق بها غيرها إلا بنص خاص، وليس من معاملة الربا ولا من أحوال الربا أن نبيع السلعة من السيارات والدواب أو الملابس أو الأواني أو الطعام بنقد معلوم إلى أجل بأكثر من السعر الحالي فيما نعلمه من الشرع المطهر، ولا فيما قرره أهل العلم، وإنما اشتبه الأمر في هذا على بعض الناس من المتأخرين فظن أن هذه المعاملة من ربا النسيئة وليس الأمر كذلك وإنما ربا النسيئة: بيع الربوي بالربوي إلى أجل، أو من غير قبض، وإن لم يكن هناك ربح، كبيع النقود بالنقود من غير
(1) رواه الإمام أحمد في (مسند المكثرين من الصحابة) مسند عبد الله بن عمرو بن العاص برقم (6557) وأبو داود في (البيوع) باب في الرخصة في ذلك برقم (3357) .
قبض، وكبيع الطعام بالطعام من غير قبض، وما أشبه ذلك من أحوال الربا، وأما بيع السلعة إلى أجل ثم شرؤاها بأقل من ذلك نقدا فهذه مسألة (العينة) والصحيح الذي عليه الجمهور تحريمها، وذلك مثل أن تبيع سلعة بمائة إلى أجل معلوم ثم تشتريها من مشتريها منك بثمانين نقدا؛ لأن هذا في الحقيقة بيع ثمانين حاضرة بمائة إلى أجل، والسلعة حيلة بينهما وهذا عين الربا، فأما إذا كان المشتري إنما اشترى السلعة منك ليبيعها على غيرك بالنقد لحاجته إليه فهذه تسمى مسألة (التورق) وقد ذهب الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رحمه الله وجماعة إلى تحريمها ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وذهب آخرون وهم الأكثر فيما أعلم إلى حلها؛ لأنها داخلة في المداينة التي أباحها الله، ولأنها ليست وسيلة إلى الربا؛ لأن المشتري لا يبع السلعة على الذي اشتراها منه، وإنما يبيعها على غيره وليس هناك تواطؤ بين الثلاثة على هذه المعاملة، فأما إن كان هناك تواطؤ فإنها تحرم كمسألة (العينة) ولأن الفقير قد تدعوه الحاجة إلى هذه المعاملة بل قد يضطر إليها لفقره وعدم من يقرضه، أو يتصدق عليه، وهذا القول أرجح إن شاء الله عند الحاجة إليها، أما عند الاستغناء عنها فالأولى تركها خروجا من خلاف العلماء واحتياطا للدين وابتعادا عن إشغال الذمة بما قد يشق تخليصها منه، وهذه مسائل مهمة
أحببت بسطها لك لمسيس الحاجة إلى ذلك، وكثرة خوض الناس فيها بعلم وبغير علم، وأسأل الله لي ولكم ولسائر المسلمين التوفيق لما يرضيه والفقه في دينه إنه خير مسئول، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه.
س 73: أنا صاحب بقالة أبيع لأجل " يعني إلى نهاية الشهر" فأزيد على ثمن السلعة قدرا بسيطا نظير البيع لأجل. فما حكم ذلك؟ (1)
ج: لا حرج في الزيادة المناسبة على الثمن في بيع الأجل عن الثمن الحاضر؛ لعموم قول الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} (2) الآية، ولما ورد من الأحاديث الصحيحة المطلقة في ذلك، ولأن المعنى يقتضي ذلك، لأن البيع الحاضر ليس كالبيع المؤجل، فأجاز الله سبحانه الزيادة المناسبة في البيع إلى أجل حتى يتمكن المحتاج العاجز عن الثمن النقد من شراء حاجته إلى أجل مسمى، وهذا من رحمة الله سبحانه وإحسانه إلى عباده، والله ولي التوفيق.
(1) من ضمن الأسئلة المقدمة لسماحته من جريدة (المسلمون) .
(2)
سورة البقرة الآية 282
س 74: السيارات التي تباع عن طريق التقسيط يزاد في سعرها إذا اشتريتها عن طريق التقسيط بحيث إذا كان سعر السيارة "15 " ألف ريال نقدا تباع على إنسان بأكثر من هذه القيمة عن طريق التقسيط. هل هذا البيع ربا؟
ج: البيع بالتقسيط لا حرج فيه، إذا كانت الآجال معلومة والأقساط معلومة، ولو كان البيع بالتقسيط أكثر ثمنا من البيع نقدا؛ لأن البائع والمشتري كلاهما ينتفعان بالتقسيط. فالبائع ينتفع بالزيادة والمشتري ينتفع بالمهلة.
وقد ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: "أن بريرة رضي الله عنها باعها أهلها بالتقسيط تسع سنوات، لكل سنة أربعون درهما"، فدل ذلك على جواز بيع التقسيط، ولأنه بيع لا غرر فيه ولا ربا ولا جهالة، فكان جائزا كسائر البيوع الشرعية إذا كان المبيع في ملك البائع وحوزته حين البيع.