الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رابعا- التفسير في مرحلة المصنفات الجامعة:
ازدادت مادة التفسير بعد عصر التابعين، وبدأت تظهر المصنفات التي جمع مؤلفوها أقوال الصحابة والتابعين في التفسير، وذكر الداودي في كتابه (طبقات المفسرين) في ترجمة الإمام مالك بن أنس (ت 179 هـ) أنه «هو أول من صنف تفسير القرآن على طريقة الموطأ، تبعه الأئمة، فقلّ حافظ إلا وله تفسير مسند» (1).
وتحدث السيوطي عن حركة التأليف في مجال التفسير بعد عصر التابعين، فقال بعد أن ذكر المفسرين من الصحابة والتابعين: «ثم بعد هذه الطبقة ألّفت تفاسير تجمع أقوال الصحابة والتابعين، كتفسير سفيان بن عيينة (ت 198 هـ)، ووكيع بن الجراح (ت 197 هـ)، وشعبة بن الحجاج (ت 160 هـ)، ويزيد بن هارون (ت 206 هـ)، وعبد الرزاق (ت 211 هـ)، وآدم بن أبي إياس (ت 211 هـ)، وإسحاق بن راهويه (ت 238 هـ)، وروح بن عبادة (ت 250 هـ)، وعبد بن حميد (ت 249 هـ)، وسنيد (ت 226 هـ)، وأبي بكر بن أبي شيبة (ت 235 هـ)، وآخرين.
وبعدهم ابن جرير الطبري، وكتابه أجل التفاسير وأعظمها، ثم ابن أبي حاتم، وابن ماجة، وابن مردويه، وأبو الشيخ بن حيان، وابن المنذر، في آخرين، وكلها مسندة إلى الصحابة والتابعين وأتباعهم، وليس فيها غير ذلك إلا ابن جرير، فإنه يتعرض لتوجيه الأقوال وترجيح بعضها على بعض، والإعراب والاستنباط، فهو يفوقها بذلك» (2).
وتحدث أبو حيان الأندلسي عن تطور التأليف في التفسير بعد عصر التابعين
(1) طبقات المفسرين 2/ 299. وذكر الشيخ محمد الفاضل بن عاشور في كتابه (التفسير ورجاله ص 33) أن عبد الملك بن جريج (ت 150 هـ) كان أول من ألف في التفسير. لكني وجدت الداودي يذكر أن ابن جريج كان أول من صنف الكتب في الحجاز (طبقات المفسرين 1/ 357).
(2)
الإتقان 4/ 211 - 212.
وظهور الحاجة إلى التعمق في الكشف عن معاني القرآن، فقال: «ثم تتابع الناس في التفسير وألفوا فيه التآليف. وكانت تآليف المتقدمين أكثرها إنما هي في شرح اللغة، ونقل سبب ونسخ وقصص، لأنهم كانوا قريبي عهد بالعرب وبلسان العرب، فلما فسد اللسان وكثرت العجم، ودخل في دين الإسلام أنواع الأمم المختلفو الألسنة
…
احتاج المتأخرون إلى إظهار ما انطوى عليه كتاب الله تعالى من غرائب التراكيب، وانتزاع المعاني، وإبراز النكت البيانية، حتى يدرك ذلك من لم تكن في طبعه، ويكتسبها من لم تكن نشأته عليها
…
» (1).
وتطورت الحياة العلمية في الأمة الإسلامية تطورا سريعا، وتنوعت المعارف والثقافات، وبرزت المذاهب الفقهية، والاتجاهات الفكرية، وانعكس ذلك على تفسير القرآن الكريم، فتأثرت التفاسير بثقافة المفسر وتوجهاته الفكرية، فتنوعت تبعا لذلك. وكان السيوطي، رحمه الله، قد تحدث عن هذا التطور في التأليف في علم التفسير، فقال بعد أن ذكر التفاسير الجامعة لأقوال الصحابة والتابعين وتابعيهم، فقال:
«ثم ألّف في التفسير خلائق! فاختصروا الأسانيد، ونقلوا الأقوال بترا، فدخل من هنا الدخيل، والتبس الصحيح بالعليل. ثم صار كل من يسنح له قول يورده، ومن يخطر بباله شيء يعتمده، ثم ينقل ذلك عنه من يجيء بعده ظانّا أن له أصلا، غير ملتفت إلى تحرير ما ورد عن السلف الصالح، ومن يرجع إليهم في التفسير، حتى رأيت من حكى في تفسير قوله تعالى: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)[الفاتحة] نحو عشرة أقوال. وتفسيرها باليهود والنصارى هو الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم وجميع الصحابة والتابعين وأتباعهم، حتى قال ابن أبي حاتم: لا أعلم في ذلك اختلافا بين المفسرين.
(1) البحر المحيط 1/ 13.
ثم صنّف بعد ذلك قوم برعوا في علوم، فكان كل منهم يقتصر في تفسيره على الفن الذي يغلب عليه:
فالنحوي تراه ليس له همّ إلا الإعراب، وتكثير الأوجه المحتملة فيه، ونقل قواعد النحو ومسائله وفروعه وخلافياته، كالزجّاج، والواحدي في «البسيط» ، وأبي حيّان في «البحر» و «النهر» .
والأخباري ليس له شغل إلا القصص واستيفاءها والإخبار عمّن سلف، سواء كانت صحيحة أو باطلة، كالثعلبي.
والفقيه يكاد يسرد فيه الفقه من باب الطهارة إلى أمهات الأولاد، وربما استطرد إلى إقامة أدلة الفروع الفقهية التي لا تعلق لها بالآية، والجواب عن أدلة المخالفين، كالقرطبي.
وصاحب العلوم العقلية، خصوصا فخر الدين، قد ملأ تفسيره بأقوال الحكماء والفلاسفة وشبهها، وخرج من شيء إلى شيء، حتى يقضي الناظر فيه العجب من عدم مطابقة المورد للآية، قال أبو حيان في «البحر» (1): جمع الإمام الرازي في تفسيره أشياء كثيرة طويلة لا حاجة بها في علم التفسير، ولذلك قال بعض العلماء: فيه كل شيء إلا التفسير.
والمبتدع ليس له قصد إلا تحريف الآيات وتسويتها على مذهبه الفاسد، بحيث إنه متى لاح له شاردة من بعيد اقتنصها، أو وجد موضعا فيه أدنى مجال سارع إليه
…
» (2).
(1) البحر المحيط 1/ 341.
(2)
الإتقان 4/ 212 - 213.