الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع تفسير القرآن الكريم
تدل كلمة «التفسير» على بيان معاني الألفاظ أو الكشف عن علل الظواهر، وغلب استخدامها مضافة إلى «القرآن» لتدل على ما كتب في بيان معاني كلمات القرآن الكريم وآياته. والمعنى اللغوي للكلمة لم يكن بعيدا عن هذا الاستخدام، فكلمة التفسير هي مصدر فسّر، من الفسر وهو البيان، يقال: فسر الشيء يفسره فسرا أبانه، ومثله: فسّره- بتشديد السين- تفسيرا، فالتفسير في أصل اللغة يقصد به كشف المراد عن اللفظ المشكل (1).
ولم يكن مصطلح (تفسير القرآن) المصطلح الوحيد المستخدم للدلالة على ما كتب في بيان معاني كلمات القرآن الكريم وآياته. فقد استخدم إلى جانبه مصطلح (معاني القرآن)(2)، ومصطلح (تأويل القرآن)(3)، لكن غلب استخدام
(1) ينظر: ابن منظور: لسان العرب 6/ 361 (فسر)، والزركشي: البرهان 2/ 146. وكان قد ذهب بعض المتقدمين إلى أن التفسير مقلوب من (سفر)، يقال: سفرت المرأة سفورا إذا ألقت خمارها عن وجهها، وأسفر الصبح أضاء (ينظر: الزركشي: البرهان: 2/ 147)، لكن الآلوسي قال (روح المعاني 1/ 4): «والقول إنه مقلوب السّفر مما لا يسفر له وجه».
(2)
المعنى: هو القصد والمراد، يقال: عنيت بالكلام كذا، أي قصدت وعمدت، ومعنى كل كلام مقصده (ابن منظور: لسان العرب 19/ 341: عنا). وحمل عدد من التفاسير كلمة (معاني) في عنوانه، خاصة التفاسير اللغوية، مثل (معاني القرآن) للفراء والأخفش والزجاج والنحاس.
(3)
التأويل مشتق من الأوّل، وهو الرجوع، يقال: أوّل الكلام وتأوّله: دبّره وقدّره وفسّره، فالتأويل هو تفسير ما يؤول إليه الشيء (ابن منظور: لسان العرب 13/ 34: أول). وحمل عدد من التفاسير القديمة كلمة (التأويل) في عنوانه، مثل تفسير الطبري المسمى (جامع البيان عن تأويل آي القرآن)، وتفسير البيضاوي المسمى (أنوار التنزيل وأسرار التأويل).
لكن كلمة (التأويل) تطورت دلالتها، فبينما كانت تعني التفسير وبيان المعنى، كما قال
مصطلح (تفسير القرآن) على ما عداه منذ زمن بعيد، وصارت عبارة (علم التفسير) تطلق على المباحث والجهود التي كتبها العلماء في توضيح دلالة كلمات القرآن الكريم ومعاني آياته.
والتعريفات المنقولة عن علماء السلف لمصطلح «التفسير» لا تخرج عن كونه كشفا لمعاني القرآن، قال أبو حيان الأندلسي:«التفسير علم يبحث فيه عن كيفية النطق بألفاظ القرآن، ومدلولاتها وأحكامها الإفرادية والتركيبية، ومعانيها التي تحمل عليها حالة التركيب، وتتمات لذلك» (1). والملاحظ هنا أن أبا حيان أدرج (علم القراءة) ضمن علم التفسير، لكن عددا من العلماء الذين جاءوا بعده أخرجوا هذا العلم من مباحث علم التفسير، لأنه علم له مباحثه وقضاياه التي لا تندرج في موضوع الكشف عن معاني القرآن الكريم، كما أن له كتبه الخاصة به.
قال الزركشي: «التفسير علم يعرف به فهم كتاب الله المنزّل على نبيّه محمد صلى الله عليه وسلم وبيان معانيه واستخراج أحكامه وحكمه» (2). وقال في موضع آخر:
«هو علم نزول الآية وسورتها وأقاصيصها، والإشارات النازلة فيها، ثم ترتيب
ثعلب: «التأويل والمعنى والتفسير واحد» (لسان العرب 13/ 34) صارت تدل على حمل الكلام على المعنى غير المتبادر من ظاهر اللفظ. وقد قال ابن جزيّ الغرناطي في كتابه التسهيل (1/ 11): فإن قيل ما الفرق بين التفسير والتأويل؟ فالجواب أن في ذلك ثلاثة أقوال:
الأول: أنهما بمعنى واحد.
الثاني: أن التفسير للفظ، والتأويل للمعنى.
الثالث: أن التفسير هو الشرح، والتأويل هو حمل الكلام على معنى غير المعنى الذي يقتضيه الظاهر، بموجب اقتضى أن يحمل على ذلك، ويخرج عن ظاهره».
(1)
البحر المحيط 1/ 3، وينظر: السيوطي: الإتقان 4/ 169.
(2)
البرهان 1/ 13.
مكيّها ومدنيّها، وناسخها ومنسوخها، وخاصّها وعامّها، ومطلقها ومقيّدها، ومجملها ومفسرها» (1).
وقال الشريف الجرجاني: «التفسير في الأصل هو الكشف والإظهار، وفي الشرع: توضيح معنى الآية، وشأنها، وقصتها، والسبب الذي نزلت فيه، بلفظ يدل عليه دلالة واضحة» (2).
ولعل علم التفسير من أقدم العلوم الإسلامية نشأة وتدوينا، فقد ارتبطت نشأته بنزول القرآن الكريم وتعلمه وتلاوته، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أول مفسر للقرآن، ثم خلفه من بعده العلماء من أصحابه، لا سيما عبد الله بن عباس الملقب بترجمان القرآن، ثم يأخذ التابعون العلم عن الصحابة، وظهر منهم مفسرون مشهورون، ظلت جهودهم في التفسير موضع تقدير العلماء من بعدهم.
وتوسّع التفسير في عصر تابعي التابعين، ثم تعددت مناهج المفسرين بعد ذلك، فنجد من المفسرين من اعتنى بجمع التفسير المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين، ومن المفسرين من اعتنى بالجانب اللغوي من القرآن على نحو ما نجد في كتب (معاني القرآن)، ومن المفسرين من اعتنى بآيات الأحكام الفقهية، كما في كتب (أحكام القرآن). وهكذا تعددت مناهج المفسرين وكثرت التفاسير، وهي تعكس في ذلك تنوع ثقافة العلماء في العصور الإسلامية، وتنوع اهتماماتهم العلمية أيضا.
ولم ينقطع جهد علماء المسلمين في توضيح معاني القرآن في أي عصر من العصور، إلا أن طبقة العصر وثقافة أهله كانت تنعكس على مناهج المفسرين، ومن ثم فلا غرابة أن نجد في العصر الحديث نزعات تجديدية في تفسير القرآن،
(1) البرهان 2/ 148.
(2)
التعريفات ص 40.