الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 - موافقة العربية:
كانت القراءات القرآنية موجودة قبل تدوين قواعد اللغة وظهور كتب النحو في القرن الثاني الهجري، فالقراءات ترجع إلى عصر النبوة حين تلقى الصحابة القرآن من
رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت شروط القراءة الصحيحة تقتصر على أن تكون مروية وموافقة لخط المصحف، ولكن بعد أن استقرت قواعد النحاة أضاف بعض العلماء شرطا ثالثا للقراءة الصحيحة، وهو أن تكون موافقة للعربية، ولا شك في أن هذا الشرط متحقق في القراءات القرآنية لكن عددا محدودا جدا من الكلمات التي قرأها بعض القراء قراءة لا توافق القواعد اللغوية العامة، وعدّها بعض النحاة شاذة مخالفة لقياس العربية.
والذي أجمع عليه علماء القراءة وعلماء العربية هو أن القراءة لا تجوز بالقياس ولا بالاجتهاد، ولا بد فيها من صحة النقل أولا وموافقة خط المصحف ثانيا، لكن النحاة اشترطوا أن تكون القراءة موافقة للكثير من كلام العرب، ولا يكتفون بصحة الرواية، ومن ثم وصفوا بعض القراءات بالضعف أو الشذوذ، وهو موقف لا يرتضيه علماء القراءة، لأن القواعد التي وضعها النحاة جاءت لاحقة، ووضعت لغرض تعليمي يستند إلى الظواهر المطردة ولا يعنى كثيرا بالظواهر المنفردة، والقراءات مهما كان موقف النحويين منها فإنها أكثر تعبيرا عن واقع العربية في فترة ظهور الإسلام، من حيث الأصوات والمفردات والتراكيب.
وقد قال الداني كلمة موجزة تعبر عن موقف القراء من هذه القضية، وهي قوله:«وأئمة القراءة لا تعمل في شيء من حروف القرآن على الأفشى في اللغة والأقيس في العربية، بل على الأثبت في الأثر والأصح في النقل، والرواية إذا ثبتت لا يردّها قياس عربية ولا فشوّ لغة، لأن القراءة سنّة متبعة يلزم قبولها والمصير إليها» (1).
(1) جامع البيان ورقة 171 و.
وحاول ابن الجزري (ت 833 هـ) أن يصوغ شرط موافقة القراءة لقواعد العربية صياغة فيها مرونة فقال: «كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه» (1) ثم شرح ذلك بقوله: «وقولنا في الضابط (ولو بوجه) نريد به وجها من وجوه النحو سواء كان أفصح أم فصيحا، مجمعا عليه أم مختلفا فيه اختلافا لا يضر مثله، إذا كانت القراءة مما شاع وذاع، وتلقاه الأئمة بالإسناد الصحيح، إذ هو الأصل الأعظم والركن الأقوم، وهذا هو المختار عند المحققين في ركن موافقة العربية» (2).
وبجانب ذلك فإن العلماء مجمعون على أن القراءة لا تصح مهما كانت قوتها في العربية إذا لم تكن مروية، وفي قصة ابن محيصن، وعيسى بن عمر، وابن مقسم العطار، دليل قاطع على أن القراءات لا مجال فيها للاجتهاد والرأي.
أما ابن محيصن (وهو محمد بن عبد الرحمن بن محيصن ت 123 هـ) فإنه كان أحد قراء مكة في زمانه، وكان أعلمهم بالعربية، وقال ابن مجاهد:«كان لابن محيصن اختيار في القراءة على مذهب العربية، فخرج به عن إجماع أهل بلده، فرغب الناس عن قراءته وأجمعوا على قراءة ابن كثير لاتباعه» (3).
وكان عيسى بن عمر الثقفي النحوي البصري (ت 149 هـ) له اختيار في القراءة على قياس العربية (4)، وقال أبو عبيد:«وكان عيسى بن عمر عالما بالنحو، غير أنه كان له اختيار في القراءة على مذاهب العربية، يفارق قراءة العامة، ويستنكرها الناس» (5).
وأما ابن مقسم العطار (وهو محمد بن الحسن البغدادي ت 354 هـ) فإنه
(1) النشر 1/ 9.
(2)
المصدر نفسه 1/ 10.
(3)
ابن الجزري: غاية النهاية 2/ 167.
(4)
المصدر نفسه 1/ 613.
(5)
السخاوي؛ جمال القراء 2/ 430.