الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فمات بها (سنة 34 هـ)، وأما أبو الدرداء فلم يزل بدمشق حتى مات (سنة 32 هـ)، رضي الله عنهم (1).
وفي خلافة عثمان، رضي الله عنه، تم نسخ المصاحف وإرسالها إلى الأمصار، فتوحدت المصاحف التي يقرأ فيها المسلمون جميعا، ورافق إرسال المصاحف تعيين معلمين للقراءة في تلك المصاحف، وقد روى الجعبري أن عثمان، رضي الله عنه، أمر زيد بن ثابت (ت 45 هـ) أن يقرأ في المصحف المدني، وبعث عبد الله بن السائب (ت في حدود 70 هـ) مع المصحف المكي، والمغيرة بن [أبي] شهاب (ت 91 هـ) مع المصحف الشامي، وأبا عبد الرحمن (ت 73 هـ) مع المصحف الكوفي، وعامر بن عبد قيس (ت 55 هـ) مع المصحف البصري (2).
وكانت جهود الصحابة الأوائل الذين تصدوا لتعليم القرآن، وجهود من سار على نهجهم من الصحابة والتابعين، قد حققت أكبر حملة عرفتها البشرية لتعليم القراءة، فصار يلهج بالقرآن ملايين الناس آناء الليل وأطراف النهار، وكانت تلك الجهود قد أرست أسس مدارس القراءة في الأمصار الإسلامية، خاصة المدن الخمس الكبيرة: مكة والمدينة والكوفة والبصرة والشام (دمشق)، حيث واصل تلامذة الصحابة من التابعين ومن جاء بعدهم من تابعي التابعين عملهم في تعليم قراءة القرآن الكريم.
ثالثا- بروز ملامح مدارس القراءة:
وبرزت في عصر الصحابة والتابعين بصورة واضحة معالم مدارس الإقراء في الأمصار الإسلامية، وترسخت آداب تعلم القرآن وقراءته، وقد كانت ظروف الدعوة في عصر النبوة تقتضي السرعة في الحركة واستغلال كل الإمكانات، فكان
(1) ابن سعد: الطبقات الكبرى 2/ 356، والذهبي: سير أعلام النبلاء 2/ 248.
(2)
جميلة أرباب المراصد 67 ظ، وينظر: المارغني: دليل الحيران ص 17.
علماء الصحابة يعلّمون في البيوت إضافة إلى المسجد، وكان الواحد يتنقل من بلد إلى آخر كما فعل معاذ بن جبل حيث خرج من المدينة، وعلّم في مكة، وذهب إلى اليمن، ثم رجع إلى المدينة ليخرج بعدها إلى الشام. لكن تعليم القراءة بعد عصر النبوة صار يأخذ شكل التعليم المنظم، في المكان والطريقة، وصار المعلمون أكثر استقرارا، على نحو يجعل من كل واحد منهم مدرسة لها تميزها وأثرها بعد ذلك في رواية القراءات وتعليمها. فكان أبو الدرداء، قاضي دمشق وسيد القراء فيها، يجعل الناس حين
يجتمعون عليه بعد صلاة الغداة للقراءة عشرة عشرة، وعلى كل عشرة عريف أو ملقن، حتى بلغ الذين يقرءون القرآن عنده أزيد من ألف رجل، وهو يقف في المحراب يرمقهم ببصره، وقد يطوف عليهم قائما، فإذا أحكم الرجل منهم تحول إلى أبي الدرداء يعرض عليه، وكان عبد الله بن عامر عريفا على عشرة، فلما مات أبو الدرداء خلفه ابن عامر (1).
وكان أبو الدرداء هو الذي سنّ الحلق للقراءة (2).
وكان أبو موسى الأشعري يعلّم الناس القرآن في مسجد البصرة وكان يجلسون إليه حلقا حلقا (3)، وكان يعلّم القرآن خمس آيات خمس آيات (4).
وجاء أبو عبد الرحمن السلمي إلى الكوفة مع المصحف الذي أرسله عثمان إلى أهلها، فجلس في المسجد الأعظم فيها لتعليم الناس القرآن، ولم يزل يقرئ بها أربعين سنة (5). فكان يقرئهم عشرين آية بالغداة وعشرين آية بالعشي، ويخبرهم بموضع العشور والخموس، وكان يقرأ خمس آيات خمس آيات (6).
(1) السخاوي: جمال القراء 2/ 454.
(2)
الذهبي: سير أعلام النبلاء 2/ 249، والحلق بفتحتين، أو بكسر وفتح، جمع حلقة.
(3)
الحاكم: المستدرك 2/ 220.
(4)
ابن الجزري: غاية النهاية 1/ 604.
(5)
ابن مجاهد: كتاب السبعة ص 68.
(6)
ابن سعد: الطبقات الكبرى 6/ 172، والذهبي: معرفة القراء 1/ 46.