الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مصاحف متعددة غير موحدة بسبب اختلاف القراءات، وربما بسبب تفاوت الحفظ وتباين الدقة في الكتابة. وكانت هذه المشكلة موضع اهتمام الخليفة الثالث عثمان، وألهمه الله تعالى القيام بعمل عظيم جمع الأمة على المصحف الذي كتبه زيد بن ثابت من الرقاع التي كتبت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثانيا- نسخ الصحف في المصاحف:
قرر عثمان بن عفان، رضي الله عنه، جمع المسلمين على مصحف موحد في رسمه وترتيبه، يعتمد على قراءة واحدة، وهي القراءة العامة التي كان الصحابة يقرءون بها في المدينة، والتي كتب زيد بن ثابت القرآن بها زمن النبي صلى الله عليه وسلم وجمعه في الصحف في خلافة الصديق. وكان أول ما بدأ به الخليفة الثالث لتحقيق ذلك العمل العظيم هو استشارة الصحابة الذين في المدينة، في جمع الناس على مصحف واحد، فقالوا: نعم ما رأيت (1).
والرواية المشهورة التي تحكي خطوات ذلك العمل الكبير هي التي رواها كثير من المحدّثين والمؤرخين (2)، ونص هذه الرواية كما نقلها البخاري عن أنس ابن مالك هو: «إن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان، وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا
أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف، ننسخها في المصاحف، ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان.
فأمر زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن
(1) ابن أبي داود: المصاحف ص 22.
(2)
الترمذي: كتاب السنن 5/ 265، وابن أبي داود: كتاب المصاحف ص 18، وابن النديم:
الفهرست ص 27، والداني: المقنع، وابن الأثير: الكامل 3/ 55، والزركشي: البرهان 1/ 236، والسيوطي: الإتقان 1/ 169.
ابن الحارث بن هشام، فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل القرآن بلسانهم.
حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق» (1).
والناظر في هذه الرواية يجد أنها بينت جملة أمور هي:
أ- السبب الذي حمل عثمان على القيام بنسخ الصحف في المصاحف، وهو الاختلاف الذي حصل في قراءة القرآن، وعدم وجود المصاحف الموحدة بأيدي الناس لكي يرجعوا إليها في ضبط قراءتهم.
ب- المصدر الذي اعتمد عليه في كتابة المصاحف، وهو الصحف التي جمع فيها زيد بن ثابت القرآن في خلافة أبي بكر الصديق، معتمدا على القطع التي كتب عليها القرآن في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبذلك تكون المصاحف التي نسخت في خلافة عثمان تمثل نسخة مرتبة للقرآن الذي كتب بإملاء النبي صلى الله عليه وسلم.
ج- وسائل حسم الخلاف بين المسلمين وهي:
1 -
نشر المصاحف الموحدة في الأمصار الإسلامية.
2 -
وكتابة المصاحف على لغة من نزل القرآن بلسانهم، وهي لغة قريش، ليكون موافقا في رسمه لنطق النبي صلى الله عليه وسلم.
3 -
إحراق ما سوى المصاحف التي كتبها الصحابة في المدينة من الصحف، سواء كانت صحفا أو مصاحف كاملة، مهما كانت، ولولا هذه الخطوة لما أعطى ذلك العمل ثماره ولا حقق أهدافه.
(1) صحيح البخاري 6/ 226.
د- وذكرت الرواية أسماء الذين قاموا بالعمل وهم أربعة من شباب الصحابة، زيد بن ثابت الأنصاري، كاتب الوحي للرسول صلى الله عليه وسلم الذي كان عمره عند وصول النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة مهاجرا إحدى عشرة سنة (1). وكان معه ثلاثة من قريش هم: عبد الله بن الزبير، الذي ولد في السنة الأولى من الهجرة (2)، وسعيد بن العاص الذي ولد عام الهجرة أيضا (3)، وعبد الرحمن بن الحارث الذي كان عمره عشر سنين حين توفي النبي صلى الله عليه وسلم. (4) فكان هؤلاء الأربعة في سن يتمتعون فيها بالقوة البدنية والنضج العقلي الذي يتطلبه عمل كبير مثل انتساخ المصاحف.
وروى ابن سعد، وابن أبي داود، أن محمد بن سيرين قال: جمع عثمان- لمّا أراد أن يكتب المصاحف- اثني عشر رجلا من قريش والأنصار، فيهم أبي ابن كعب وزيد بن ثابت (5)، وكأن ابتداء الأمر كان للجماعة الأربعة الذين انتدبهم عثمان أولا، ثم احتاجوا إلى من يساعدهم في الكتابة (6)، نظرا لكثرة المصاحف التي كان عليهم كتابتها.
هـ- لم تحدد الرواية عدد المصاحف التي كتبت، لكنها أشارت إليها بهذه العبارة «حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف أرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا» وهي عبارة تدل على أن عدد المصاحف لم يكن قليلا. وجاء في بعض الروايات أن عدد المصاحف أربعة، وفي رواية أخرى أنها سبعة،
(1) ابن عبد البر: الاستيعاب 2/ 537.
(2)
المصدر نفسه 3/ 905.
(3)
المصدر نفسه 2/ 621.
(4)
المصدر نفسه 2/ 857.
(5)
الطبقات الكبرى 3/ 502، وكتاب المصاحف ص 25.
(6)
القسطلاني: لطائف الإشارات 1/ 63.