الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثالثا- إعجاز القرآن في العصر الحديث:
لم يكن الدارسون المحدثون أقلّ عناية ببحث وجوه إعجاز القرآن الكريم من السابقين، بل إن العصر الحديث أظهر معطيات جديدة للإعجاز، وأثار نقاشات وسّعت
مفهوم الإعجاز وعمقت من دلالاته، وتنوعت مناهج المحدثين في تناول الموضوع، وتباينت مواقفهم منه، وكثرت البحوث والمؤلفات فيه، ويمكن أن نشير إلى الاتجاهات البارزة لديهم في معالجة الموضوع، دون الخوض في تفصيلاته، وهي:
الاتجاه الأول: يقدّم عددا من وجوه الإعجاز، كثير منها ذكره السابقون، وقد أوصلها الشيخ محمد عبد العظيم الزرقاني إلى أربعة عشر وجها، فصّل القول فيها، وأكتفي هنا بإيراد عناوينها (1):
الوجه الأول: لغته وأسلوبه.
الوجه الثاني: طريقة تأليفه.
الوجه الثالث: علومه ومعارفه.
الوجه الرابع: وفاؤه بحاجات البشر.
الوجه الخامس: موقف القرآن الكريم من العلوم الكونية.
الوجه السادس: سياسته في الإصلاح.
الوجه السابع: أنباء الغيب فيه.
الوجه الثامن: آيات العتاب.
الوجه التاسع: ما نزل بعد طول انتظار.
الوجه العاشر: مظهر النبي صلى الله عليه وسلم عند هبوط الوحي عليه.
(1) مناهل العرفان 2/ 228 - 308.
الوجه الحادي عشر: آية المباهلة.
الوجه الثاني عشر: عجز الرسول عن الإتيان ببدل له.
الوجه الثالث عشر: الآيات التي تجرد الرسول من نسبته إليه.
الوجه الرابع عشر: تأثير القرآن ونجاحه.
الاتجاه الثاني: حاول عدد من الدارسين المحدثين حصر وجوه الإعجاز في عناوين رئيسية تنضوي تحتها معظم تلك الوجوه، فجعلوا الإعجاز منقسما على ثلاث نواح، هي (1):
1 -
الإعجاز اللغوي (أو البياني): وهو يشمل كل ما يتعلق بالتعبير القرآني من الكلمة، والجملة، والأسلوب. والتعبير القرآني تعبير فنيّ مقصود في جوانبه الثلاثة، بالغ الغاية القصوى فيها.
2 -
الإعجاز العلمي: وهو يتناول دراسة الآيات التي وردت فيها إشارة إلى قضايا علمية تتعلق بالفلك أو الطب أو علمي النبات والحيوان، ونحوها، وهذا الجانب من أكثر جوانب الإعجاز بحثا وتأليفا في الوقت الحاضر.
3 -
الإعجاز التشريعي: ويستند هذا النوع من البحث في إعجاز القرآن على أساس أنه معجزة تشريعية، من حيث الشمول، والمرونة، وتحقيق العدالة، وذلك بالاستناد إلى مصدره الإلهي الذي صانه من قصور الفكر البشري عن الإحاطة بواقع الحال، وإدراك متغيرات المستقبل.
الاتجاه الثالث: يقصر الإعجاز على الجانب البياني من القرآن، فهو «كائن في رصف القرآن وبيان نظمه، ومباينة خصائصه للمعهود من خصائص كل نظم
(1) ينظر: محمد عبد الله دراز: النبأ العظيم 79، ومناع القطان: مباحث في علوم القرآن ص 264.
وبيان في لغة العرب» ثم «إن ما في القرآن من مكنون الغيب ومن دقائق التشريع ومن عجائب آيات الله في خلقه، كل ذلك بمعزل عن هذا التحدي المفضي إلى الإعجاز، وإن كان ما فيه من ذلك كله يعد دليلا على أنه من عند الله تعالى
…
» (1).
الاتجاه الرابع: يقصر الإعجاز على ما في القرآن من معان سامية وتشريع حكيم، فإعجازه «في رسالته العليا النافعة للناس كافة
…
هذه الرسالة لو نقلت بأمانة إلى أي لغة من لغات العالم لكان لها في ناطقيها وقع مثل وقعها في العربية
…
ولو كان إعجاز القرآن في فصاحته وبلاغته في العربية فحسب كيف آمن غير العرب به؟ فالقرآن معجزة لما في رسالته من تعليمات عليا، وإرشادات سامية، وغايات نبيلة، وأغراض شريفة، وأهداف قيمة، تزيد الإيمان وتحث المؤمنين على الأعمال الصالحة ومكارم الأخلاق
…
» (2).
الاتجاه الخامس: الإعجاز العددي، وهو نوع جديد من البحث في إعجاز القرآن، وتعددت وجهات الدارسين له، واختلفت آراء الباحثين فيه، ويمكن أن نذكر هنا ثلاثة مناهج لهذا الاتجاه:
المنهج الأول: يقوم على جعل العدد (19) أساسا للأعداد في القرآن، وكان الدكتور محمد رشاد خليفة صاحب هذا المنهج والمبشر به، ولكن دراسات لاحقة ظهرت أثارت الشكوك حول أمانته في الأرقام التي قدمها في دراسته (3)، وحول هدفه منها، بعد أن ظهر أنه كان ذا علاقة بالنحلة البهائية في أمريكا، التي تقدس العدد (19).
المنهج الثاني: يقوم على أساس وجود تناظر عددي بين مجموعات كبيرة من
(1) محمود محمد شاكر: فصل في إعجاز القرآن، (وهو تقديم لكتاب الظاهرة القرآنية لمالك بن نبي) ص 24 - 25.
(2)
عبد الرحمن الطاهر بن محمد السورتي: مقدمة تحقيق تفسير مجاهد ص 12 - 15.
(3)
ينظر: إدريس الكلاك: ليس في الإسلام تقديس للأرقام.