الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث التفسير في العصر الحديث
أولا- العودة إلى كتابة التفاسير الكبيرة:
مرت على المسلمين قرون خمدت فيها جذوة البحث العلمي في مختلف علوم الشريعة الإسلامية، وركدت حركة التأليف، وانتهت إلى صورة تتمثل بكتابة الحواشي والمختصرات للمشهور من كتب العلوم. ودخل التفسير في هذه المرحلة، فظهرت التفاسير المختصرة مثل (تفسير الجلالين) لجلال الدين المحلي وجلال الدين السيوطي، كما كتبت عشرات الحواشي، مثل ما كتب من حواش على تفسير الجلالين، وتفسير الزمخشري، وتفسير القاضي البيضاوي، وغيرها.
وتقدّم الزمن وازداد اتصال بلدان العالم الإسلامي بدول الغرب، كما كانت دول الغرب تسعى حثيثا لبسط سيطرتها على الشعوب الإسلامية ونهب خيراتها، وتحقق ذلك بعد الحرب العالمية الأولى وسقوط الخلافة العثمانية. وصحا المسلمون على حالة من التناقض بين ماضيهم المزدهر وقيمهم الأصيلة، وما صاروا عليه من التخلف العلمي والانحطاط الحضاري، وكان ذلك مبعث يقظة في بلاد المسلمين، اختلفت وجهتها بين التمسك بالدين الإسلامي واتخاذه أساسا لتقدم المسلمين كما كان أساسا لتقدمهم من قبل، وبين الاستسلام للغرب ومحاكاته في قيمه ومثله وطريقة حياته.
ووجد دعاة الإصلاح ورواد النهضة الإسلامية الحديثة أن الناس بهم حاجة إلى الفهم الصحيح للدين، فنشطت حركة التأليف في العلوم الإسلامية من جديد، خاصة بعد انتشار المطابع في البلاد الإسلامية، وحاول العلماء كتابة تفسير القرآن بأسلوب يناسب حاجة الأمة إلى اتخاذ القرآن منار هداية ومصدر تشريع، وتوالت المحاولات، فكان من التفاسير الأولى في هذا العصر، التي ظلت تحمل طابع التفاسير القديمة، مع نزعات إلى التجديد في بعض الجوانب:
1 -
فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية في التفسير. للقاضي محمد بن علي الشوكاني الصنعاني المتوفى سنة 1250 هـ 1834 م.
2 -
روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني (1). لأبي الثناء شهاب الدين محمود بن عبد الله الآلوسي، المتوفى سنة 1230 هـ 1854 م.
3 -
محاسن التأويل (2). لمحمد جمال الدين القاسمي، المتوفى سنة 1332 هـ 1914 م.
4 -
فتح البيان في مقاصد القرآن (3). لصديق حسن خان، ألفه في بلدة بهوبال في الهند سنة 1289 هـ 1872 م (4).
وظهرت تفاسير أخرى كانت أكثر نزوعا إلى التجديد، وإثارة قضايا تعكس تأثر كاتبيها بضغط الواقع المحزن للمسلمين، وتفوق أعدائهم العلمي والصناعي، فغلبت على بعض التفاسير النزعة العلمية بإدخال النظريات العلمية الحديثة في تفسير القرآن، وتكلف بعض المفسرين العثور على أصل لتلك النظريات في آيات القرآن. وغلب على بعضها النظرة العقلية والتأثر بروح الحضارة الغربية، فأدى ذلك بكاتبيها إلى رفض الأخذ بالتفسير المأثور واعتباره مما يصدّ عن فهم القرآن، واعتمادهم النظرة العقلية المجردة في تفسير القرآن، مما أدى بهم أحيانا إلى التعسف في تأويل بعض الآيات القرآنية، مع حرصهم على تضييق دائرة الغيبيات ومحاولة تفسيرها بالنظرة العقلية.
وعلى الرغم من ذلك فإنه ينبغي عدم إغفال الجوانب الأخرى النافعة في هذه التفاسير من سهولة العبارة والتخفف من استخدام مصطلحات العلوم القديمة،
(1) طبع الطبعة الأولى في مطبعة بولاق بمصر سنة 1301 هـ في تسعة مجلدات ضخام (ينظر:
محسن عبد الحميد: الآلوسي مفسرا ص 164).
(2)
شرع القاسمي في كتابة تفسيره سنة 1316 هـ (ينظر: محاسن التأويل 1/ 6).
(3)
صدر الجزء الأول منه في القاهرة سنة 1965 م وهو في عشرة مجلدات.
(4)
ينظر: فتح البيان 1/ 4.