الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني تدوين القرآن الكريم
المبحث الأول كتابة القرآن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم
أولا- القرآن يمحو أميّة العرب:
نزل القرآن الكريم على رسول الله صلى الله عليه وسلم والعرب تغلب عليهم الأمية، قال البلاذري وهو يتحدث عن الكتابة في مكة:«دخل الإسلام وفي قريش سبعة عشر رجلا كلهم يكتب» . وقال عن الكتابة في يثرب: إن الإسلام جاء وفيهم عدّة يكتبون، وذكر منهم أحد عشر رجلا (1). ومن ثم قال ابن قتيبة:«وكانت الكتابة في العرب قليلا» (2).
وقد وصف الله تعالى العرب في القرآن بالأميين، ووصف رسوله صلى الله عليه وسلم بالنبي الأمي، قال الله تعالى: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (2)[الجمعة]. وقال سبحانه:
الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ
…
(157)
…
فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158)[الأعراف]، والتفسير الذي يذهب إليه أكثر المفسرين لكلمة الأمي هو أنه الذي لا يكتب ولا يقرأ، ومعنى كلمة الأميين هم الذين لا يكتبون ولا يقرءون، وقد وصف القرآن النبي صلى الله عليه وسلم بالأمي لأنه لم يقرأ
(1) فتوح البلدان ص 477 و 479.
(2)
المعارف ص 130.
كتابا، ولا تعلم الكتابة، ووصف العرب بالأميين لأن أكثرهم كانوا لا يكتبون ولا يقرءون (1).
وكان بزوغ شمس الإسلام في بلاد العرب إيذانا بنهضة شاملة، كان أحد مظاهرها انتشار الكتابة واستخدامها في أغراض الحياة المتعددة على الرغم من قلة الكاتبين في بدء الدعوة، وصعوبة وسائل الكتابة، ولا يخفى على القارئ أن الأمر بالقراءة وذكر التعليم بالقلم في أول آيات أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء ذو دلالة أكيدة على عناية الدعوة الجديدة بالكتابة والعلم، كما أن تسمية القرآن بالكتاب في آيات كثيرة أمر يدل على استشرافها لآفاق المستقبل الذي يجمع فيه القرآن في كتاب.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أميّا، وكانت الأميّة في حقه فضيلة (2)، لأنها أدلّ على صدق ما جاء به، قال الله تعالى: وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ (48)[العنكبوت]، لكنه مع ذلك اعتنى بموضوع الكتابة كثيرا، واتخذ له كتّابا يكتبون له الوحي، ويكتبون رسائله وعهوده وما كان يأمر به، حتى بلغ عدد كتّابه من صحابته أكثر من أربعين كاتبا (3). وشجّع على تعلم الكتابة، حتى إنه جعل فداء أسرى بدر ممن لم يكن له مال أن يعلّم صبيان الأنصار الكتابة (4)، فيعلّم كلّ واحد عشرة من المسلمين الكتابة (5)، فقلّت الأمية بين العرب بعد انتشار الإسلام بينهم، وقد فسر ابن عباس كلمة (الكتاب) الواردة
(1) الطبري: جامع البيان 9/ 83 و 28/ 94، والقرطبي: الجامع لأحكام القرآن 7/ 298 و 18/ 91، والبيضاوي: أنوار التنزيل 1/ 362 و 2/ 492.
(2)
ينظر: ابن عبد ربه: العقد الفريد 4/ 160.
(3)
ينظر: ابن عبد البر: الاستيعاب 1/ 69، والهوريني: المطالع النصرية ص 13.
(4)
ينظر: أبو عبيد: كتاب الأموال ص 128، ومسند الإمام أحمد 1/ 247.
(5)
ابن سعد: الطبقات الكبرى 2/ 22.