الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الألفاظ التي بينها علاقة من نوع ما، وكان الأستاذ عبد الرزاق نوفل هو الذي تنبه إلى هذه القضية وفصّلها في سلسلة متتابعة من كتابه (الإعجاز العددي للقرآن الكريم)، وذلك مثل ورود كل من لفظ الدنيا والآخرة (115) مرة في القرآن، والملائكة والشياطين (68) مرة، والحياة والموت (71) مرة، وهكذا في ألفاظ كثيرة (1).
المنهج الثالث: يقوم على أساس اكتشاف علاقات عددية بين حروف القرآن وكلماته وآياته وسوره، من جانب، وعلى ما في العدد (7) من إعجاز كما يدل على ذلك ما ورد في القرآن الكريم من جانب آخر، وصاحب هذه النظرة الأستاذ عمر النجدي في كتابه (معجزة القرآن الجديدة: بنية الآيات والسور) (2)، ويصعب على القارئ الوقوف على أسس مشتركة لقوانين التنزيل كما يسميها المؤلف في كتابه.
رابعا- نظرة في مناهج العلماء في دراسة إعجاز القرآن:
إن كثرة الوجوه التي ذكرها العلماء في بيان إعجاز القرآن الكريم قديما وحديثا تساعد قراء القرآن في كثير من الأحيان في الوقوف على جوانب من جامعية هذا القرآن الخارقة، لكنها قد تكون أيضا سببا في حجب بعض أسراره الباهرة، وذلك حين يقف المرء على بعض الأقوال المتعارضة في تحديد وجوه الإعجاز، وقد جعل ذلك السيوطي يقول:«وقد خاض الناس في ذلك كثيرا، فبين محسن ومسيء» (3).
ولا شك في أن كثرة تلك الوجوه وتباينها في بعض الأحيان لا تغير من
(1) صدر الكتاب في ثلاثة أجزاء صغيرة، ثم صدر في طبعة جديدة في مجلد واحد.
(2)
دار ابن قتيبة، الكويت 1994 م.
(3)
الإتقان 4/ 6.
حقيقة إعجاز القرآن، وإنما هي تعكس تفاوت العلماء في إدراك ذلك الإعجاز، وقد أخبر كل واحد منهم بما عرف، لأن أمر القرآن عجيب «يراه الأديب معجزا، ويراه اللغوي معجزا، ويراه أرباب القانون والتشريع معجزا، ويراه علماء الاقتصاد معجزا، ويراه المربون معجزا، ويراه علماء النفس والمعنيون بالدراسات النفسية معجزا، ويراه علماء الاجتماع معجزا، ويراه المصلحون معجزا، ويراه كل راسخ في علمه معجزا» (1).
كما أن تلك الوجوه يمكن أن تسلك في منهج يزيل ما قد يبدو بينها من تعارض، ويكون كل وجه منها كاشفا عن جانب من أسرار القرآن، أو مقدما الدليل على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم في ما أخبر به من أنه يتلقى القرآن من لدن حكيم عليم، وتتلخص ملامح هذا المنهج في أمرين:
الأول: تحديد الوجه الذي أعجز العرب عن الإتيان بمثل القرآن، ومنعهم من الإقدام على معارضته، في عصر النبوة.
الثاني: تحديد ما جاء في القرآن من الأمور التي تدل على أنه لا يمكن أن يكون من عند أحد سوى الله تعالى.
وهذا المنهج ليس جديدا، فقد ورد مضمونه في كلام علم الدين السخاوي (ت 643 هـ) الذي كان أول عالم يفرق بين الأمرين السابقين في دراسة الإعجاز فيما اطلعت عليه، وسبق أن ألمحت إلى رأيه. وتحدث الأستاذ محمود محمد شاكر عن ذلك أيضا في (فصل في إعجاز القرآن) وهو تقديم لكتاب (الظاهرة القرآنية)، ودعا إلى التمييز بين أمرين:
الأول: إن إعجاز القرآن كما يدل عليه لفظه وتاريخه إنما هو تحدّ بلفظ القرآن ونظمه وبيانه، لا بشيء خارج عن ذلك.
(1) فاضل صالح السامرائي: التعبير القرآني ص 22، طبع دار عمار/ الأردن.
والثاني: إن إثبات دليل النبوة، وتصديق دليل الوحي، وأن القرآن من عند الله تعالى ليس من الإعجاز في شيء (1).
واتخذ الشيخ محمد أبو زهرة موقفا مقاربا لذلك، فقال بعد أن عرض وجوه الإعجاز التي ذكرها العلماء السابقون: «وعلى ذلك تنقسم وجوه الإعجاز التي اشتمل عليها القرآن إلى قسمين:
أولهما: ما يتعلق بالمنهاج البياني، وهذا النوع من الإعجاز أول من يخاطب به العرب.
القسم الثاني: الإعجاز بما اشتمل عليه من ذكر لأخبار السابقين، ولأخبار مستقبلة وقعت كما ذكر، واشتماله على علوم كونية وحقائق لم تكن معروفة في عصر محمد صلى الله عليه وسلم وقد أتى بها القرآن وتقررت حقائقها من بعد، وكذلك ما اشتمل عليه من شرائع أثبت الوجود الإنساني أنها أصلح من غيرها، وأنها وحدها العادلة، وأن هذا النوع معجزة للأجيال كلها» (2).
وننتهي من هذا العرض إلى نتيجة ملخصها أن إعجاز القرآن في عصر النبوة الذي أعجز العرب هو في نظمه وبيانه، وأن ما أدركه العلماء بعد ذلك من وجوه أخرى جاء معززا للإعجاز ومؤكدا صدق النبوة، وأن هذا القرآن تنزيل من الرحمن الرحيم.
إن هذا التصور لمنهج دراسة الإعجاز لا يهمل التراث الكبير الذي خلفه العلماء السابقون في موضوع الإعجاز، لكنه يعيد تنظيمه على نحو أكثر تناسقا ووضوحا، في إطار واحد شامل، يضم ما كان أصلا سر الإعجاز، وما ظهر بعد
(1) راجع رقم (7) من الفقرة (ثانيا) من هذا المبحث.
(2)
المعجزة الكبرى ص 90 - 91.
ذلك من دلائل صدق النبوة وربانية القرآن، وبهذا تصبح كلمة الإعجاز ذات دلالة أوسع مما وضعت له في أول الأمر من بيان سر عجز العرب عن محاكاته، لتدل على ذلك، ثم على ما وقف عليه العلماء بعد ذلك من أسرار القرآن التشريعية والعلمية والتاريخية.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.