الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكان ابن عباس يقول: «الذي يقرأ القرآن ولا يحسن تفسيره كالأعرابي يهذّ الشعر هذّا» (1)، وأخذ سعيد بن جبير عن أستاذه ابن عباس هذا المعنى فكان يقول:«من قرأ القرآن ثم لم يفسره كان كالأعمى أو كالأعرابي» (2).
وقال شيخ المفسرين محمد بن جرير الطبري: «إني لأعجب ممن قرأ القرآن ولم يعلم تأويله، كيف يلتذ بقراءته؟!» (3). ومن ثمّ كانت: «حاجة الأمة ماسّة إلى فهم القرآن» (4).
والحاجة إلى تفسير القرآن كانت تزداد بتقدم الزمان والابتعاد عن عصر النبوة المبارك، قال السيوطي (ت 911 هـ): «إن القرآن نزل بلسان عربي في زمن أفصح العرب، وكانوا يعلمون ظواهره وأحكامه، أما دقائق باطنه فإنما كان يظهر لهم بعد البحث والنظر: مع سؤالهم النبي صلى الله عليه وسلم في الأكثر
…
ونحن محتاجون إلى ما كانوا يحتاجون إليه وزيادة على ذلك مما لم يحتاجوا إليه من أحكام الظواهر، لقصورنا عن مدارك أحكام اللغة بغير تعلم، فنحن أشد الناس احتياجا إلى التفسير» (5). وما قاله السيوطي، رحمه الله، عن حاجة أهل زمانه إلى التفسير ينطبق على أهل زماننا إن لم يكونوا أكثر منهم حاجة إليه.
ثانيا- ثقافة المفسر وأدواته:
إن قارئ القرآن إذا كان على قدر مناسب من المعرفة والثقافة اللغوية فإنه سوف يدرك كثيرا من معاني آيات القرآن الكريم، ولا شك في أن إدراكه ذاك سوف
(1) السيوطي: الإتقان 4/ 172. والهذ: سرعة القراءة والقطع.
(2)
الطبري: جامع البيان 1/ 35.
(3)
نقل ذلك ياقوت في معجم الأدباء 8/ 63.
(4)
ابن تيمية: الفتاوى الكبرى 13/ 330.
(5)
الإتقان 4/ 170 - 171.
يزداد إذا نظر في كتب التفسير المختلفة، وكلما أطال النظر في تلك الكتب وأمعن التفكير في معاني الآيات اتسعت آفاق إدراكه معاني الذكر الحكيم، لكن من أراد أن يكتب للآخرين فهمه وتفسيره للقرآن الكريم فإن ذلك يقتضي منه أن يكون على قدر كبير من العلم والفهم لعلوم كثيرة تؤهله للقيام بتلك المهمة الجليلة.
وذكر علماء السلف العلوم التي يلزم المفسر الإلمام بها حتى يتمكن من تفسير القرآن، فبلغت خمسة عشر علما، لخصها السيوطي بقوله (1): يجوز تفسيره لمن كان جامعا للعلوم التي يحتاج المفسر إليها، وهي خمسة عشر علما:
أحدها: اللغة، لأنها بها يعرف شرح مفردات الألفاظ ومدلولاتها
…
الثاني: النحو، لأن المعنى يتغير ويختلف باختلاف الإعراب
…
الثالث: التصريف، لأن به تعرف الأبنية والصيغ
…
الرابع: الاشتقاق، لأن الاسم إذا كان اشتقاقه من مادتين مختلفتين اختلف المعنى باختلافهما
…
الخامس والسادس والسابع: المعاني والبيان والبديع، لأنه يعرف بالأول خواص تراكيب الكلام من جهة إفادتها المعنى، وبالثاني خواصها من حيث اختلافها بحسب وضوح الدلالة وخفائها، وبالثالث وجوه تحسين الكلام، وهذه العلوم الثلاثة هي علوم البلاغة، وهي من أعظم أركان المفسر، لأنه لا بد له من مراعاة ما يقتضيه الإعجاز، وإنما يدرك بهذه العلوم
…
الثامن: علم القراءات، لأن به يعرف كيفية النطق بالقرآن، وبالقراءات يترجح بعض الوجوه المحتملة على بعض.
التاسع: أصول الدين بما في القرآن من الآيات الدالة بظاهرها على ما لا
(1) على مذهب المتأخرين من علماء الكلام، أما السلف فإنهم كانوا لا يؤولون من ذلك شيئا، ويقولون: آمنا به كّل من عند ربنا.
يجوز على الله تعالى، فالأصولي يؤوّل ذلك (1)، ويستدل على ما يستحيل، وما يجب، وما يجوز.
العاشر: أصول الفقه، إذ به يعرف وجه الاستدلال على الأحكام والاستنباط.
الحادي عشر: أسباب النزول والقصص، إذ بسبب النزول يعرف معنى الآية المنزلة فيه بحسب ما أنزلت فيه.
الثاني عشر: الناسخ والمنسوخ (2)، ليعلم المحكم من غيره.
(1) على مذهب المتأخرين من علماء الكلام، أما السلف فإنهم كانوا لا يؤولون من ذلك شيئا، ويقولون؛ آمنا به كل من عند ربنا.
(2)
النسخ في اللغة يأتي بمعنى الإزالة، ومعنى نقل الشيء من مكان إلى آخر، ومنه نسخ الكتب (ابن منظور: لسان العرب مادة نسخ). وفي الاصطلاح النسخ هو: «رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر عنه» (مصطفى زيد: النسخ في القرآن الكريم 1/ 105).
والنسخ في القرآن أحد العلوم التي درسها المشتغلون بعلوم القرآن (ينظر: الزركشي:
البرهان 2/ 28، والسيوطي: الإتقان 3/ 59) وكتبت فيه كتب مستقلة، مثل:(الناسخ والمنسوخ) للنحاس، وغيره.
وقال العلماء إن النسخ في القرآن الكريم لا يقع إلا في آيات الأحكام، في الأمر والنهي والحدود والعقوبات في أحكام الدنيا، ولا يقع فيما أخبر الله تعالى عنه من أمور العقيدة وأخبار خلق آدم وأخبار الأنبياء والامم الماضية، مما وقع، أو مما سيقع من قيام الساعة والبعث والجزاء (ينظر: الحارث المحاسبي: فهم القرآن ص 223، والنحاس:
الناسخ والمنسوخ ص 258، ومكي: الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه ص 56).
والنسخ في القرآن ليس من قبيل البداء، وهو استصواب شيء علم بعد أن كان غير معلوم، لأن ذلك على الله غير جائز (ابن منظور: لسان العرب مادة بدو) وإنما هو نوع من التدرج في تطبيق الأحكام الشرعية خاصة تلك التي أخذت شكل عادات شعورية في المجتمع، ويضربون مثالا تحريم الخمر، فقد جاء في القرآن أولا أن الخمر والميسر فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ (219)[البقرة]، ثم نزل يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ (43)[النساء]، ثم نزل التحريم في سورة المائدة رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ (90)[المائدة]، ومعرفة المفسر بموضوع الناسخ والمنسوخ أمر.
الثالث عشر: الفقه.
الرابع عشر: الأحاديث المبيّنة لتفسير المجمل والمبهم.
الخامس عشر: علم الموهبة، وهو علم يورثه الله تعالى لمن عمل بما علم، وإليه الإشارة بحديث (من عمل بما علم ورّثه الله علم ما لم يعلم)
…
» (1).
ولاحظ علماء السلف أمورا أخرى رأوها ضرورية لمن يقدم على تفسير القرآن، حتى يكون تفسيره مقبولا، فنقل الإمام السيوطي عن أبي طالب الطبري، وهو يتحدث عن أدوات المفسر قوله: «اعلم أن من شرطه:
1 -
صحة الاعتقاد أولا، ولزوم سنة الدين، فإن من كان مغموصا عليه في دينه لا يؤتمن على الدنيا فكيف على الدين، ثم لا يؤتمن من الدين على الإخبار عن عالم، فكيف يؤتمن في الإخبار عن أسرار الله تعالى، ولأنه لا يؤمن إن كان متهما بالإلحاد أن يبغي الفتنة، ويغوي الناس بليّه وخداعه، كدأب الباطنية وغلاة الرافضة، وإن كان متهما بهوى لم يؤمن أن يحمله هواه على ما يوافق بدعته، كدأب القدرية، فإن أحدهم يصنف الكتاب في التفسير ومقصوده منه الإيضاح بين المسلمين (2) ليصدهم عن اتباع السلف ولزوم طريق الهدى.
2 -
ويجب أن يكون اعتماده على النقل عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه ومن عاصرهم، ويجتنب المحدثات.
3 -
ومن شرطه صحة المقصد فيما يقول ليلقى التسديد، فقد قال تعالى:
وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا (69)[العنكبوت] وإنما يخلص له القصد إذا
ضروري حتى لا يقع في الخطأ في تفسير الآيات المنسوخة.
(1)
الإتقان 4/ 185 - 188.
(2)
في الأصل: المساكين.