الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لغته، بل المرعي في ذلك السماع من النبي صلى الله عليه وسلم» (1). قال الداني:«وهذه القراءات كلها والأوجه بأسرها من اللغات هي التي أنزل القرآن عليها، وقرأ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقرأ بها وأباح الله تعالى لنبيه القراءة بجميعها وصوّب الرسول صلى الله عليه وسلم من قرأ ببعضها» (2).
فأصل القراءات القرآنية يرجع- إذن- إلى رخصة الأحرف السبعة التي يسّر الله تعالى بها على الصحابة في قراءاتهم للقرآن، فكل القراءات القرآنية ترجع إلى قراءات الصحابة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد علّم الصحابة القرآن، وسمع منهم قراءتهم وأقر لهم اختلافهم في النطق، كما جاء في عدد من روايات حديث الأحرف السبعة، وكما ورد في رواية أبي العالية الرياحي (رفيع بن مهران ت 92 هـ) التي نقلها الطبري، وقال فيها:«قرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم من كلّ خمس رجل، فاختلفوا في اللغة، فرضي قراءاتهم كلهم» (3). وروي عن معاذ بن جبل أنه قال: عرضنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يعب أحدا منا (4). وكان صلى الله عليه وسلم يقول للصحابة: «اقرءوا كما علّمتم» وينهاهم عن الجدال في القرآن وقراءته (5).
المبحث الرابع نشأة مدارس القراءة
أولا- قراءة القرآن في عصر النبوة:
إن هدف النبوات والرسالات هو هداية الناس وتعليمهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، ورسالته خاتمة الرسالات الإلهية، وكان إيصال هذه الرسالة
(1) السيوطي: الاتقان 1/ 136.
(2)
جامع البيان في القراءات السبع 8 ظ.
(3)
جامع البيان عن تأويل آي القرآن 1/ 19، وينظر: أبو شامة: المرشد الوجيز ص 130.
(4)
علم الدين السخاوي: الوسيلة ص 119.
(5)
ينظر: الطبري: جامع البيان 1/ 12، وأبو شامة: المرشد الوجيز ص 84 - 85.
إلى الناس يستلزم التبليغ والتعليم، وقد قال الله تعالى: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ
…
(2)[الجمعة]، وقال سبحانه: اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ (45)[العنكبوت]، وقال عزّ من قائل: وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا (106)[الإسراء]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما بعثت معلّما» (1). فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم معلّم هذه الأمة الأوّل، علّمها القرآن وتلاوته، وبيّن لها الأحكام والسنن والآداب.
وكانت قراءة القرآن أول شيء يأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم كلّ من يدخل في الإسلام، قال علم الدين السخاوي:«كان صلى الله عليه وسلم إذا أسلم الرجل يأمره بقراءة القرآن قبل كل شيء» (2). وكان يتولى تعليم أصحابه ما ينزل عليه من الوحي، ويتدارس معهم ما نزل من القرآن، ويعلّم من يدخل في الدين القرآن والفرائض، وكانت البيوت في أول عهد الدعوة أماكن للتعليم، وكانت دار الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي في مكة مركزا للدعوة وتعليم الصحابة القرآن (3).
وازدادت الحاجة إلى تعليم القرآن بانتشار الإسلام وصار رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجد ما يكفي من الوقت لتعليم كل من يدخل في الدين، لا سيما أهل القرى والبوادي خارج المدينة المنورة، فكان يكل تعليم القرآن إلى عدد من أصحابه الذين تميزوا بحفظ القرآن وضبط قراءته، وكان يرسل المعلمين إلى من نأى عنه من المسلمين، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل رجل في الإسلام قال:«فقّهوا أخاكم في دينه، وأقرئوه وعلّموه القرآن» (4). وقال عبادة بن الصامت، وكان أحد علماء الصحابة بالقرآن: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشغل، فإذا قدم رجل مهاجر على
(1) سنن ابن ماجة 1/ 83.
(2)
الوسيلة ص 119.
(3)
ينظر: ابن عبد البر، الاستيعاب 1/ 131.
(4)
تاريخ الطبري 2/ 474.
رسول الله صلى الله عليه وسلم دفعه إلى رجل منا يعلّمه القرآن، فدفع إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا، وكان معي في البيت، أعشّيه عشاء أهل البيت، فكنت أقرئه القرآن» (1).
وكان أبي بن كعب أحد فقهاء الصحابة وأقرأهم لكتاب الله، روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أقرأ أمتي أبيّ (2). فلما قدمت وفود العرب إلى المدينة بعد فتح مكة، كان أبي بن كعب يعلّمهم القرآن، وممن ذكرت الروايات أنهم تعلموا القرآن من أبي وفد أهل البحرين، ووفد بني حنيفة، ووفد قبيلة غامد (3).
أما المعلمون الذين بعث بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لتعليم القرآن، فكان أوّلهم مصعب بن عمير الذي بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة قبل الهجرة بعد العقبة الثانية، يقرئهم القرآن ويفقههم في الدين، وكان يدعى القارئ والمقرئ (4).
وكان معاذ بن جبل الأنصاري أحد فقهاء الصحابة وعلمائهم بالقرآن، وقد ذكر ابن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلّف معاذ بن جبل بمكة بعد الفتح، حين توجه إلى الطائف، يفقه أهل مكة ويقرئهم القرآن (5). وبعد دخول أهل اليمن في الإسلام بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هناك، يعلّم القرآن وشرائع الإسلام، كما بعث إلى بعض أنحاء اليمن الأخرى أبا موسى الأشعري للغاية ذاتها (6).
وبذلك اشتهر عدد من الصحابة في عصر النبوة بحفظ القرآن وإجادة قراءته،
(1) الساعاتي: الفتح الرباني 18/ 9، وقال: أخرجه أبو داود في سننه، وابن ماجة، والحاكم في المستدرك، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وأقره الذهبي.
(2)
ينظر: ابن سعد: الطبقات الكبرى 2/ 341، وابن عبد البر: الاستيعاب 1/ 66.
(3)
ينظر: ابن سعد: الطبقات الكبرى 1/ 336 و 345 و 5/ 557.
(4)
ينظر: ابن هشام: السيرة النبوية 1/ 434، وصحيح البخاري (فتح الباري) 8/ 699، وابن عبد البر، الاستيعاب 4/ 1473.
(5)
الطبقات الكبرى 2/ 348، والخزاعي: تخريج الدلالات السمعية ص 81.
(6)
ينظر ابن سعد: الطبقات الكبرى 3/ 585 و 4/ 108، وابن عبد البر: الاستيعاب 3/ 1403.