الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وحمل العلماء الحديث الأول على من يتصدى لتفسير القرآن من غير علم ولا دليل، لا سيما أنه قد جاء في بعض روايات الحديث:(من قال في القرآن بغير علم)، قال ابن عطية:«وليس يدخل في هذا الحديث أن يفسر اللغويون لغته، والنحاة نحوه، والفقهاء معانيه، ويقول كل واحد باجتهاده المبني على قوانين علم ونظر، فإن هذا القائل ليس قائلا بمجرد رأيه» (1).
وقال القرطبي: «وإنما النهي يحمل على أحد وجهين:
أحدهما: أن يكون له في الشيء رأي، وإليه ميل من طبعه وهواه، فيتأول القرآن على وفق رأيه وهواه، ليحتج على تصحيح غرضه، ولو لم يكن له ذلك الرأي والهوى لكان لا يلوح له من القرآن ذلك المعنى.
الوجه الثاني: أن يتسارع إلى تفسير القرآن بظاهر العربية، من غير استظهار بالسماع والنقل
…
والنقل والسماع لا بد له منه في ظاهر التفسير أولا، ليتقي به مواضع الغلط، ثم بعد ذلك يتسع الفهم والاستنباط» (2).
وحمل العلماء الحديث الثاني على أن «القائل في ذلك برأيه، وإن أصاب الحق فيه، فمخطئ فيما كان من فعله بقيله فيه برأيه، لأن إصابته ليست إصابة موقن أنه محق، وإنما إصابة خارص وظانّ، والقائل في دين الله بالظن قائل على الله ما لم يعلم» .
خامسا- أحسن طرق التفسير:
بعد أن يحقق من يريد أن يفسر القرآن ما يتطلبه الإقدام على هذا العمل من مؤهلات علمية وفكرية، عليه أن يحدد المنهج الذي يحقق له هدفه من غير أن يؤدي به ذلك إلى تفريط أو شطط، وكان عدد من علماء السلف، رحمهم الله
(1) مقدمة تفسير ابن عطية ص 262.
(2)
الجامع لأحكام القرآن 1/ 33.
تعالى، قد تحدثوا عن أحسن طرق التفسير، وبينوا الخطوات التي يجب على المفسر أن يخطوها، والموقف الذي عليه أن يقفه من التراث التفسيري الذي أنتجته أجيال علماء الأمة السابقين. فقالوا (1):
فإن قال قائل فما أحسن طرق التفسير؟ فالجواب:
1 -
إن أصح الطرق في ذلك أن يفسّر القرآن بالقرآن، فما أجمل في مكان فإنه قد فسّر في موضع آخر، وما اختصر في مكان فإنه قد بسط في موضع آخر.
2 -
فإن أعياك ذلك فعليك بالسنة، فإنها شارحة للقرآن وموضحة له، قال الطبري:
«فرسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بما أنزل الله عليه، وليس لأحد مع قوله، الذي يصح عنه، قول» (2). وقال ابن تيمية: «إن القرآن والحديث إذا عرف تفسيره من جهة النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتج في ذلك إلى أقوال أهل اللغة
…
ولا غيرهم» (3).
3 -
فإذا لم نجد التفسير في القرآن ولا في السنة رجعنا في ذلك إلى أقوال الصحابة، فإنهم أدرى بذلك لما شاهدوه من القرائن والأحوال التي اختصّوا بها، ولما لهم من الفهم التام، والعلم الصحيح، والعمل الصالح، لا سيما علماءهم وكبراءهم، كالأئمة الأربعة الخلفاء الراشدين، والأئمة المهديين مثل عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس، رضي الله عنهم، وغيرهم.
4 -
وإذا لم تجد التفسير في القرآن ولا في السنّة، ولا وجدته عن الصحابة، فقد رجع كثير من الأئمة في ذلك إلى أقوال التابعين، كمجاهد بن جبر المكي، وسعيد بن جبير، وعكرمة مولى ابن عباس، وعطاء، والحسن البصري، وأبي العالية، والربيع بن أنس، وقتادة، والضحاك، وغيرهم من التابعين وتابعيهم،
(1) ينظر: ابن تيمية: مجموع الفتاوى 13/ 363 - 370، وابن كثير: تفسير القرآن العظيم 1/ 4، والزركشي: البرهان 175.
(2)
جامع البيان ج 25، سورة الدخان، آية 10.
(3)
مجموع الفتاوى 13/ 27.
فإذا أجمعوا على الشيء، فلا يرتاب في كونه حجة، فإن اختلفوا فلا يكون قول بعضهم حجة على بعض، ولا على من بعدهم، ويرجع في ذلك إلى لغة القرآن، أو السنة، أو عموم لغة العرب، أو أقوال الصحابة في ذلك (1).
5 -
فأما تفسير القرآن بمجرد الرأي فحرام، وأما من تكلم في القرآن بما يعلم من ذلك لغة وشرعا فلا حرج عليه، كما أشرنا في الفقرة السابقة، وثمة ملاحظتان تتعلقان بهذا الموضوع هما:
الملاحظة الأولى: على المفسر المعاصر الذي يتحرى الدقة في تفسيره أن يطيل النظر في تفاسير الأجيال الأولى من علماء الأمة، من الصحابة والتابعين وتابعيهم، وأن يتخذ من فهمهم للقرآن منطلقا لتوضيح معاني الآيات الكريمة التي يفسرها، ولا يعني هذا أن عليه أن يأخذ بكل ما روي في التفسير المأثور، فقد سبق أن أشرنا إلى ما في بعض المرويات من ضعف، وما شاب بعضها الآخر من الروايات الإسرائيلية، ولكن وراء ذلك علم بالقرآن دقيق، وفهم لآياته أصيل لا يستغني عنه المفسر.
والملاحظة الثانية: على المفسر المعاصر ألّا يعرض أيضا عن التفاسير التي كتبها علماء الأمة بعد عصر تابعي التابعين إلى وقتنا الحاضر، ففيها ثروة تفسيرية
(1) قال ابن تيمية (مجموع الفتاوى 13/ 333، 343): «الخلاف بين السلف في التفسير قليل، وخلافهم في الأحكام أكثر من خلافهم في التفسير، وغالب ما يصح عنهم من الخلاف يرجع إلى اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد
…
وجمع عبارات السلف في مثل هذا نافع جدا، فإن مجموع عباراتهم أدل على المقصود من عبارة أو عبارتين، ومع هذا فلا بد من اختلاف محقق بينهم». وقال في موضع آخر (13/ 368): «فأما من حكى خلافا ولم يستوعب أقوال الناس فيها فهو ناقص، إذ قد يكون الصواب في الذي تركه. أو يحكي الخلاف ويطلقه، ولا ينبه على الصحيح من الأقوال، فهو ناقص أيضا، فإن صحح غير الصحيح عامدا فقد تعمد الكذب، أو جاهلا فقد أخطأ. كذلك من نصب الخلاف فيما لا فائدة تحته، أو حكى أقوالا متعددة لفظا، ويرجع حاصلها إلى قول أو قولين معنى، فقد ضيّع الزمان، وتكثر بما ليس بصحيح
…
».