الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني دراسة موجزة لأشهر التفاسير القديمة
إن دراسة التفاسير التي كتبها علماء السلف دراسة وافية تكشف عن حال كاتبيها، وتبين منهجهم في التفسير، أمر يحتاج إلى مجال أوسع مما تسمح به طبيعة هذه المحاضرات (1)، إلا أن ذلك لا يمنع من معرفة أسماء أشهر التفاسير القديمة، والاتجاهات العامة التي كتبت في إطارها، ودراسة تفاسير تمثل تلك الاتجاهات، حتى يتعرف الطالب عليها وتكون لديه فكرة عنها، تساعده في الرجوع إليها والاستفادة منها، عند الرغبة في ذلك أو الحاجة إليه.
أولا- من كتب التفسير بالمأثور: «جامع البيان للطبري»
الطبري هو محمد بن جرير، أبو جعفر، ولد بآمل سنة 224 هـ، ورحل في طلب العلم، وسمع بالعراق ومصر والشام من خلق كثير، واستوطن بغداد، وأقام فيها حتى وفاته سنة 310 هـ (2).
قال عنه الخطيب البغدادي: «أحد أئمة العلماء، يحكم بقوله، ويرجع إلى رأيه ومعرفته وفضله، وقد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره، وكان حافظا لكتاب الله، عارفا بالقراءات، بصيرا بالمعاني، فقيها بأحكام القرآن، عالما بالسنن وطرقها، وصحيحها وسقيمها، وناسخها ومنسوخها، عارفا بأقوال الصحابة والتابعين، ومن بعدهم من الخالفين، في الأحكام ومسائل الحلال والحرام، عارفا بأيام الناس وأخبارهم، وله الكتاب المشهور في (تاريخ
(1) أوسع كتاب في تراجم المفسرين: (طبقات المفسرين) للداودي، وهو مطبوع في جزءين، وأوسع كتاب في اتجاهات التفسير ومناهج المفسرين: كتاب (التفسير والمفسرون) لمحمد حسين الذهبي، وهو مطبوع في جزءين.
(2)
ينظر ترجمة الطبري في طبقات المفسرين للداودي 2/ 106 - 114.
الأمم والملوك) وكتاب في (التفسير) لم يصنّف أحد مثله، وكتاب سماه (تهذيب الآثار) لم أر سواه في معناه، إلا أنه لم يتمه، وكتاب حسن في القراءات سماه (الجامع)، وله في أصول الفقه وفروعه كتب كثيرة، واختار من أقاويل الفقهاء، وتفرد بمسائل حفظت عنه» (1).
وتفسير الطبري المسمى (جامع البيان عن تأويل آي القرآن) عظيم القدر، عرف قيمته القدماء والمعاصرون. قال عنه أبو حامد الأسفراييني:«لو رحل رجل إلى الصين في تحصيله لم يكن كثيرا» (2). ووصف ابن تيمية تفسير الطبري بأنه من أجل التفاسير وأعظمها قدرا (3). وقال السيوطي: «فإن قلت: فأي التفاسير ترشد إليه، وتأمر الناظر أن يعوّل عليه؟ قلت: تفسير الإمام أبي جعفر بن جرير الطبري، الذي أجمع العلماء المعتبرون على أنه لم يؤلف في التفسير مثله» (4).
وتفسير الطبري من أكبر كتب التفسير، يقع في ثلاثين جزءا، وهو مطبوع عدة طبعات. وهو تفسير شامل فسّر فيه الطبري القرآن الكريم آية آية، وكلمة كلمة. وهو يقسّم السورة إلى مجموعات، تضم كل مجموعة آية أو أكثر، ويبدأ تفسير كل مجموعة بقوله:(القول في تأويل (5) قوله تعالى
…
)، ثم يبيّن المعنى في إيجاز بأسلوبه وعبارته، ثم يقول:(وبمثل الذي قلنا في تأويل الآية قال جماعة من أهل التأويل)، ويعقب ذلك مباشرة بقوله:(ذكر من قال ذلك) فيذكر الروايات المنقولة في الآية أو الكلمة التي يفسرها عن النبي صلى الله عليه وسلم أو مفسري الصحابة والتابعين وتابعيهم. وإذا كان هناك اختلاف في تفسير شيء من القرآن
(1) تاريخ بغداد 2/ 163.
(2)
السيوطي: طبقات الحفاظ ص 307.
(3)
مقدمة في أصول التفسير ص 90، ومجموع الفتاوى (له) 13/ 361.
(4)
الإتقان 4/ 213.
(5)
يستخدم الطبري كلمة (التأويل) مرادفة لكلمة (التفسير).
بين أهل التفسير فإنه يقول: (وقد اختلف أهل التأويل في تأويل قوله
…
فقال بعضهم
…
وقال آخرون).
والطبري لا يقف عند حدود النقل، فكثيرا ما يرجح بين الروايات، أو ينقدها، ويختار من ذلك ما يراه أقوى حجة وأوضح دليلا، ويقول:(والصواب عندنا في ذلك). وهو
يذكر وجوه القراءات ويوجهها، ويذكر وجوه الإعراب ويبين آراء النحويين فيها، ويشير إلى الأحكام الفقهية عند تفسيره آيات الأحكام فيبين مذاهب الفقهاء فيها (1).
ويأتي تفسير الطبري على رأس مجموعة من التفاسير التي التزمت بنقل الروايات المأثورة في التفسير عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين خاصة، ولعل أشهر التفاسير في هذا الاتجاه بعد تفسير الطبري (2) ما يأتي (3):
1 -
بحر العلوم- للسمرقندي، وهو أبو الليث نصر بن محمد بن إبراهيم، المتوفى سنة 375 هـ.
2 -
الكشف والبيان عن تفسير القرآن- للثعلبي، وهو أبو إسحاق أحمد بن إبراهيم، المتوفى سنة 427 هـ.
3 -
معالم التنزيل- للبغوي، وهو أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد المعروف بالفراء، المتوفى سنة 510 هـ.
4 -
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز- لابن عطية، وهو أبو محمد عبد الحق بن غالب الأندلسي، المتوفى سنة 546 هـ.
(1) ينظر تفصيل منهج الطبري في التفسير: محمد حسين الذهبي: التفسير والمفسرون 1/ 173 - 174.
(2)
ألّف يحيى بن سلام البصري الإفريقي (ت 200 هـ) كتابا جامعا في التفسير، بناه على إيراد الأخبار مسندة، وتعقبها بالنقد والاختيار، ولا يزال مخطوطا (ينظر: محمد الفاضل ابن عاشور: التفسير ورجاله ص 43).
(3)
ينظر: محمد حسين الذهبي: التفسير والمفسرون 1/ 204.