الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول نزول القرآن الكريم
المبحث الأول: مصدر القرآن
لقد علم الناس أجمعون علما لا يخالطه شك أن القرآن الكريم جاء على لسان رجل عربي أميّ ولد بمكة في القرن السادس الميلادي، اسمه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب صلى الله عليه وسلم وأن البشرية لم تعرف هذا الكتاب إلا عن طريقه، لا خلاف في ذلك بين مؤمن وملحد، لأن شهادة التاريخ المتواترة لا يماثلها ولا يداخلها شهادته لكتاب غيره، ولا لحادث غيره ظهر على وجه الأرض. ولكن من أين جاء به محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، أمن عند نفسه ومن وحي ضميره، أم من عند معلّم؟ ومن هو ذلك المعلم (1)؟
إن الناس في الإجابة عن هذا السؤال ينقسمون إلى قسمين، قسم يعتقدون أن هذا الكتاب كلام الله تعالى أوحاه إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وقسم ينكرون ذلك ولكنهم كانوا متحيرين في نسبته إلى مصدر معين، وقد حكى القرآن الكريم أقاويل كفار مكة بشأن القرآن وردّ عليها ردا ساحقا، مؤكدا مصدره الإلهي.
قال الله تعالى: وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ وَقالُوا ما هذا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرىً وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (43)[سبأ].
(1) ينظر: محمد عبد الله دراز: النبأ العظيم ص 20.
وقال تعالى: بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (5) ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ (6) وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (7) وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَما كانُوا خالِدِينَ (8) ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْناهُمْ وَمَنْ نَشاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ (9) لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ (10)[الأنبياء].
وقال تعالى: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً (4) وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5) قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (6) وَقالُوا مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً (7)[الفرقان].
وفي القرآن آيات أخرى حكت أقوال المشركين وبينت موقفهم من القرآن والدعوة الجديدة (1)، لكن القرآن بيّن في مقابل ذلك بيانا واضحا أن هذا القرآن من عند الله، وأنه وحي أوحاه الله إلى رسوله صلى الله عليه وسلم، كما أوحى إلى النبيين من قبله، قال تعالى: قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ وَما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (9)[الأحقاف]. وقال تعالى:* إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (163) وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً (164) رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (165) لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (166)[النساء].
وبيّن القرآن أيضا أن الرسول صلى الله عليه وسلم ليس له في القرآن من عمل إلا الحفظ
(1) ينظر: سورة الطور الآيات: 30 - 34، وسورة الحاقة الآيات: 39 - 52.
والتبليغ، قال الله تعالى: وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (16)[يونس].
وقد أكدت آيات القرآن الكريم على أن الله تعالى هو الذي أنزل القرآن على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ونكتفي بإيراد أمثلة منها تذكّر القارئ بهذه الحقيقة الأساسية في العقيدة الإسلامية، فمنها:
قوله تعالى: اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (3)[آل عمران].
وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ
…
(48)[المائدة].
إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2)[يوسف].
لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ (10)[الأنبياء].
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا (23)[الإنسان].
وإذا كانت الآيات الكريمة قد أكّدت على هذا المعنى فإن الأحاديث النبوية الشريفة قد أكدت عليه أيضا، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلن أن هذا القرآن الذي يتلوه على الناس ليس من تأليفه، وإنما هو وحي أوحاه الله عليه ليبلغه للناس، وأنه المعجزة الخالدة التي أيده الله تعالى بها، فمن ذلك قوله:«ما من الأنبياء نبيّ إلا أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إليّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة» (1). قال ابن حجر في شرحه:
(1) رواه البخاري (فتح الباري 9/ 3)، وصحيح مسلم بشرح النووي 2/ 186.