الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كلّ الفقه حتى يجعل للقرآن وجوها»، وهذا عبد الله بن مسعود يقول:«من أراد علم الأولين والآخرين فليثوّر (1) القرآن» (2).
ومن ينظر في التفاسير الكبيرة التي حرص مؤلفوها على نقل أقوال الصحابة في التفسير مثل الطبري وابن كثير والسيوطي يجد أسماء كبار الصحابة من مفسري القرآن تتردد في تفسير كل آية تقريبا، خاصة علي بن أبي طالب، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن مسعود، وكان ابن عباس أكثر الثلاثة، بل أكثر الصحابة تفسيرا للقرآن الكريم، ومن ثم سوف نكتفي بالحديث عن جهوده في التفسير من هذه الفترة.
1 - تميّز ابن عباس بالتفسير:
ولد عبد الله بن عباس بن عبد المطلب قبل الهجرة بثلاث سنين، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث عشرة سنة، وكانت وفاته سنة 68 هـ- بالطائف (3).
وكان رسول الله قد دعا لعبد الله بالفقه والعلم مرتين، فذكر ابن سعد عن طاوس عن ابن عباس أنه قال: دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح على ناصيتي، وقال:«اللهم علّمه الحكمة وتأويل الكتاب» . وذكر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه كان في بيت خالته ميمونة، ووضع لرسول الله صلى الله عليه وسلم وضوءا من الليل، فقالت: يا رسول الله وضع لك هذا عبد الله بن عباس، فقال:«اللهم فقّهه في الدين وعلّمه التأويل» (4).
وقد أصابت ابن عباس بركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له بالعلم، فكان أعلم الصحابة
(1) يثوّر القرآن: أي ينقّر عنه ويفكر في معانيه (ينظر: ابن الأثير: النهاية في غريب الحديث 1/ 239).
(2)
الزركشي: البرهان 2/ 154، والسيوطي: الإتقان 4/ 197.
(3)
الداودي: طبقات المفسرين 1/ 233.
(4)
الطبقات الكبرى 2/ 356، وينظر: ابن حجر: فتح الباري 1/ 169 و 7/ 100.
بتفسير القرآن، فهو بحر التفسير وحبر الأمة، الذي لم يكن على وجه الأرض في زمانه أعلم منه» (1).
وكان ابن عباس إلى جانب ذكائه وفطنته حريصا على أخذ العلم عن كبار الصحابة، فكان في شبابه يسأل الصحابة ويكابد من أجل ذلك المشاق (2)، وذكر أبو ليث السمرقندي:«أنه كان إذا أشكل عليه شيء من التفسير سأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين من أهل الكتاب الذين قرءوا الكتب مثل كعب الأحبار ووهب بن منبه وغيرهما» (3)، فاشتهر ابن عباس بالعلم والفطنة والذكاء.
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه من أوائل من عرف ما كان لابن عباس من علامات الفطنة والذكاء وحسن تأويل القرآن، فكان يقدمه على صغر سنّه، ويجلسه مع أشياخ بدر (4).
وعرف ذلك أيضا عبد الله بن مسعود، فكان يقول:«نعم ترجمان القرآن عبد الله بن عباس» (5)، وقد عاش ابن عباس بعد عبد الله بن مسعود ستا وثلاثين سنة، فذاع صيته واشتهر أمره، وسلّم له علماء الصحابة بتقدمه وعلمه، روي أن عبد الله بن عمر سمع تفسير ابن عباس لقوله تعالى: أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما (30)[الأنبياء] فقال: «قد كنت أقول: ما يعجبني جراءة ابن عباس على تفسير القرآن، فالآن قد علمت أنه أوتي علما» (6).
(1) ابن الجزري: غاية النهاية 1/ 425.
(2)
ينظر ابن سعد: الطبقات الكبرى 2/ 371.
(3)
بستان العارفين ص 361.
(4)
ابن حجر: فتح الباري 8/ 734، والسيوطي: الاتقان 4/ 206.
(5)
ابن سعد: الطبقات الكبرى 2/ 366، والسيوطي: الاتقان 4/ 205.
(6)
ينظر: الطبري: جامع البيان 1/ 40، والسيوطي: الاتقان 4/ 206.