الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{بَأْسٍ} [الإسراء: 5] ذوي بطش، {شَدِيدٍ} [الإسراء: 5] في الحرب، {فَجَاسُوا} [الإسراء: 5] أَيْ: فَطَافُوا وَدَارُوا، {خِلَالَ الدِّيَارِ} [الإسراء: 5] وسطها يطلبونكم، وَالْجَوْسُ: طَلَبُ الشَّيْءِ بِالِاسْتِقْصَاءِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: جَاسُوا قَتَلُوكُمْ بَيْنَ بُيُوتِكُمْ، {وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا} [الإسراء: 5] قَضَاءً كَائِنًا لَا خُلْفَ فِيهِ.
[6]
{ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ} [الإسراء: 6] يَعْنِي: الرَّجْعَةَ وَالدَّوْلَةَ، {عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا} [الإسراء: 6] عَدَدًا، أَيْ: مَنْ يَنْفِرُ مَعَهُمْ وَعَادَ الْبَلَدُ أَحْسَنَ مِمَّا كَانَ.
[7]
{إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ} [الإسراء: 7] أَيْ: لَهَا ثَوَابُهَا، {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7] أَيْ: فَعَلَيْهَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَسَلَامٌ لَكَ} [الْوَاقِعَةِ: 91] أَيْ: عَلَيْكَ. وَقِيلَ: فَلَهَا الْجَزَاءُ وَالْعِقَابُ، {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ} [الإسراء: 7] أَيِ: الْمَرَّةُ الْأَخِيرَةُ مِنْ إِفْسَادِكُمْ وَذَلِكَ قَصْدُهُمْ قَتْلَ عِيسَى عليه السلام حِينَ رُفِعَ وَقَتْلُهُمْ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا عليهما السلام، فَسَلَّطَ الله عليهم الفرس والروم حَتَّى قَتَلُوهُمْ وَسَبَوْهُمْ وَنَفَوْهُمْ عَنْ دِيَارِهِمْ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:{لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ} [الإسراء: 7] أَيْ: تَحْزَنُ وُجُوهُكُمْ وَسُوءُ الْوَجْهِ بِإِدْخَالِ الْغَمِّ وَالْحُزْنِ. قَرَأَ الْكِسَائِيُّ وَيَعْقُوبُ: (لِنَسُوءَ) بِالنُّونِ وَفَتْحِ الْهَمْزَةِ عَلَى التَّعْظِيمِ، كَقَوْلِهِ (وَقَضَيْنَا) وَ (بَعَثْنَا) وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَأَبُو بَكْرٍ بِالْيَاءِ وَفَتْحِ الْهَمْزَةِ عَلَى التَّوْحِيدِ، أَيْ لِيَسُوءَ اللَّهُ وُجُوهَكُمْ، وَقِيلَ: لِيَسُوءَ الْوَعْدُ وُجُوهَكُمْ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ وَضَمِّ الْهَمْزَةِ عَلَى الْجَمْعِ، أَيْ لِيَسُوءَ الْعِبَادُ أولوا البأس الشديد {وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ} [الإسراء: 7] يَعْنِي: بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَنَوَاحِيَهُ، {كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا} [الإسراء: 7] وليهلكوا، {مَا عَلَوْا} [الإسراء: 7] أَيْ: مَا غَلَبُوا عَلَيْهِ مِنْ بلادكم {تَتْبِيرًا} [الإسراء: 7]
[8]
{عَسَى رَبُّكُمْ} [الإسراء: 8] يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، {أَنْ يَرْحَمَكُمْ} [الإسراء: 8] بَعْدَ انْتِقَامِهِ مِنْكُمْ فَيَرُدَّ الدَّوْلَةَ إليكم، {وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا} [الإسراء: 8] أَيْ: إِنْ عُدْتُمْ إِلَى الْمَعْصِيَةِ عُدْنَا إِلَى الْعُقُوبَةِ. قَالَ قَتَادَةُ: فَعَادُوا فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم فَهَمَّ يُعْطُونَ الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ، {وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا} [الإسراء: 8] سِجْنًا وَمَحْبِسًا مِنَ الْحَصْرِ وَهُوَ الْحَبْسُ. قَالَ الْحَسَنُ: حَصِيرًا أَيْ: فِرَاشًا. وَذَهَبَ إِلَى الْحَصِيرِ الَّذِي يبسط ويفرش.
[قوله تعالى إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ]
. . . .
[9]
{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9] أَيْ: إِلَى الطَّرِيقَةِ الَّتِي هِيَ أَصْوَبُ. وَقِيلَ: الْكَلِمَةُ الَّتِي هِيَ أَعْدَلُ وَهِيَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إله إلا الله، {وَيُبَشِّرُ} [الإسراء: 9] يَعْنِي: الْقُرْآنُ، {الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ} [الإسراء: 9] بأن لهم، {أَجْرًا كَبِيرًا} [الإسراء: 9] وَهُوَ الْجَنَّةُ.
[10]
{وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [الإسراء: 10] وهو النار.
[11]
وقوله تعالى: {وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ} [الإسراء: 11] حذف الواو لفظا لاستقلال اللَّامِ السَّاكِنَةِ كَقَوْلِهِ: {سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} [الْعَلَقِ: 18] وَحُذِفَ فِي الْخَطِّ أَيْضًا وَهِيَ غَيْرُ مَحْذُوفَةٍ
فِي الْمَعْنَى، وَمَعْنَاهُ: وَيَدْعُو الْإِنْسَانُ عَلَى مَالِهِ وَوَلَدِهِ وَنَفْسِهِ، {بِالشَّرِّ} [الإسراء: 11] فَيَقُولُ عِنْدَ الْغَضَبِ: اللَّهُمَّ الْعَنْهُ وأهلكه ونحوهما، {دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ} [الإسراء: 11] أَيْ: كَدُعَائِهِ رَبَّهُ بِالْخَيْرِ أَنْ يهب له النعمة والعافية لو اسْتَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَهُ عَلَى نَفْسِهِ لَهَلَكَ، وَلَكِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ بفضله، {وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا} [الإسراء: 11] بِالدُّعَاءِ عَلَى مَا يَكْرَهُ أَنْ يُسْتَجَابَ لَهُ فِيهِ. قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ضَجِرًا لَا صَبْرَ لَهُ عَلَى السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ.
[12]
قَوْلُهُ عز وجل: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ} [الإسراء: 12] أَيْ: عَلَامَتَيْنِ دَالَّتَيْنِ عَلَى وُجُودِنَا وَوَحْدَانِيِّتِنَا وَقُدْرَتِنَا، {فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ} [الإسراء: 12] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: جَعَلَ اللَّهُ نُورَ الشَّمْسِ سَبْعِينَ جُزْءًا وَنُورَ الْقَمَرِ كَذَلِكَ فَمَحَا مِنْ نُورِ الْقَمَرِ تِسْعَةً وَسِتِّينَ جُزْءًا فَجَعَلَهَا مع نور الشمس، {وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} [الْإِسْرَاءُ: 12] مُنِيرَةً مُضِيئَةً، يَعْنِي يُبْصَرُ بِهَا. قَالَ الْكِسَائِيُّ: تَقُولُ الْعَرَبُ: أَبْصَرَ النهار إذا أضاءت بِحَيْثُ يُبْصَرُ بِهَا، {لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} [الإسراء: 12] أَيْ: لَوْ تَرَكَ اللَّهُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كَمَا خَلَقَهُمَا لَمْ يُعْرَفِ اللَّيْلُ مِنَ النَّهَارِ وَلَمْ يَدْرِ الصَّائِمُ مَتَى يُفْطِرُ وَلَمْ يُدْرَ وَقْتُ الْحَجِّ وَلَا وَقْتُ حُلُولِ الْآجَالِ وَلَا وَقْتُ السُّكُونِ وَالرَّاحَةِ. {وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا} [الإسراء: 12]
[13]
قَوْلُهُ عز وجل: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} [الْإِسْرَاءِ: 13] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: عَمَلُهُ وَمَا قُدِّرَ عَلَيْهِ فَهُوَ مُلَازِمُهُ أَيْنَمَا كَانَ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ: خَيْرُهُ وَشَرُّهُ مَعَهُ لَا يُفَارِقُهُ حَتَّى يُحَاسِبَهُ بِهِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: يُمْنُهُ وَشُؤْمُهُ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ: مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا فِي عُنُقِهِ وَرَقَةٌ مَكْتُوبٌ فِيهَا شَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ. وَقَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي: أَرَادَ بِالطَّائِرِ مَا قَضَى اللَّهُ عَلَيْهِ أَنَّهُ عَامِلُهُ وَمَا هُوَ صَائِرٌ إِلَيْهِ مِنْ سَعَادَةٍ أَوْ شَقَاوَةٍ سُمِّيَ طَائِرًا عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ فِيمَا كَانَتْ تَتَفَاءَلُ وَتَتَشَاءَمُ بِهِ مِنْ سَوَانِحِ الطَّيْرِ وَبَوَارِحِهَا. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَالْقُتَيْبِيُّ: أَرَادَ بِالطَّائِرِ حَظَّهُ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ مِنْ قَوْلِهِمْ طار سهم فلان بكذا وكذا، وَخُصَّ الْعُنُقُ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الْقَلَائِدِ وَالْأَطْوَاقِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا يَزِينُ أَوْ يَشِينُ، فَجَرَى كَلَامُ الْعَرَبِ بِتَشْبِيهِ الْأَشْيَاءِ اللَّازِمَةِ إِلَى الْأَعْنَاقِ، {وَنُخْرِجُ لَهُ} [الإسراء: 13] يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: وَنَحْنُ نُخْرِجُ له، {يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا} [الإسراء: 13] وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَيَعْقُوبُ: (وَيَخْرُجُ لَهُ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الرَّاءِ، مَعْنَاهُ: وَيَخْرُجُ لَهُ الطَّائِرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ (يُخْرَجُ) بِالْيَاءِ وَضَمِّهَا وَفَتَحِ الرَّاءِ، {يَلْقَاهُ} [الإسراء: 13] قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ (يُلَقَّاهُ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْقَافِ، يَعْنِي: يَلْقَى الْإِنْسَانُ ذَلِكَ الْكِتَابَ، أَيْ: يُؤْتَاهُ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِفَتْحِ الْيَاءِ خَفِيفَةً أَيْ يراه {مَنْشُورًا} [الإسراء: 13] وَفِي الْآثَارِ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَأْمُرُ الْمَلَكَ بِطَيِّ الصَّحِيفَةِ إِذَا تَمَّ عُمْرُ الْعَبْدِ فَلَا تُنْشَرُ إلا في يوم القيامة.
[14]
{اقْرَأْ كِتَابَكَ} [الإسراء: 14] أَيْ: يُقَالُ لَهُ: اقْرَأْ كِتَابَكَ، قَوْلُهُ تَعَالَى:{كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الإسراء: 14] مُحَاسِبًا. قَالَ الْحَسَنُ: لَقَدْ عَدَلَ عَلَيْكَ مَنْ جَعَلَكَ حَسِيبَ نَفْسِكَ. قَالَ قَتَادَةُ: سَيَقْرَأُ يَوْمَئِذٍ مَنْ لَمْ يَكُنْ قَارِئًا فِي الدُّنْيَا.
[15]
{مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ} [الإسراء: 15] لَهَا ثَوَابُهُ، {وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} [الإسراء: 15] لِأَنَّ عَلَيْهَا عِقَابَهُ، {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الإسراء: 15] أَيْ: لَا تَحْمِلُ حَامِلَةٌ حِمْلَ أُخْرَى مِنَ الْآثَامِ، أَيْ: لَا يؤخذ أحد بذنب أحد. {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الإسراء: 15] إقامة للحجة وقطعا لعذر، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا وَجَبَ وَجَبَ بِالسَّمْعِ لَا بِالْعَقْلِ.
[16]
{وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} [الإسراء: 16] قَرَأَ مُجَاهِدٌ: (أَمَّرْنَا) بِالتَّشْدِيدِ أَيْ: سَلَّطْنَا شِرَارَهَا فَعَصَوْا، وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَيَعْقُوبُ (آمَرْنَا) بِالْمَدِّ، أَيْ: أكثرنا. وقرأ الباقون بالقصر مختلفا، أَيْ أَمَرْنَاهُمْ بِالطَّاعَةِ فَعَصَوْا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ جَعَلْنَاهُمْ أُمَرَاءَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى