الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْقُرْآنُ، وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: فَضْلُ اللَّهِ الْقُرْآنُ، وَرَحْمَتُهُ أَنْ جَعَلَنَا مِنْ أَهْلِهِ، وَقَالَ ابْنُ عمر: فضل الله: الإسلام، رحمته: تَزْيِينُهُ فِي الْقَلْبِ، وَقَالَ خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ: فَضْلُ اللَّهِ: الْإِسْلَامُ، وَرَحْمَتُهُ: السُّنَنُ، وَقِيلَ: فَضْلُ اللَّهِ: الْإِيمَانُ، وَرَحْمَتُهُ: الْجَنَّةُ. {فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} [يونس: 58] أَيْ: لِيَفْرَحَ الْمُؤْمِنُونَ أَنْ جَعَلَهُمُ اللَّهُ مِنْ أَهْلِهِ، {هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58] أَيْ مِمَّا يَجْمَعُهُ الْكُفَّارُ مِنَ الْأَمْوَالِ، وَقِيلَ: كِلَاهُمَا خَبَرٌ عَنِ الكفار، وقيل: عن المؤمنين، وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَابْنُ عَامِرٍ:{فَلْيَفْرَحُوا} [يونس: 58] بالياء وتجمعون بالتاء، وقرأ يعقوب كلاهما بالتاء، ووجه هذه القراءة أن المراد: فبذلك فليفرح المؤمنون فهو خير مما يجمعونه من الأموال مُخْتَلِفٌ عَنْهُ خِطَابًا لِلْمُؤْمِنِينَ.
[59]
{قُلْ} [يونس: 59] يَا مُحَمَّدُ لِكَفَّارِ مَكَّةَ، {أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ} [يونس: 59] عَبَّرَ عَنِ الْخَلْقِ بِالْإِنْزَالِ؛ لِأَنَّ مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ خَيْرٍ، فَمِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ رِزْقٍ، مِنْ زَرْعٍ وَضَرْعٍ، {فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا} [يونس: 59] هُوَ مَا حَرَّمُوا مِنَ الْحَرْثِ وَمِنَ الْأَنْعَامِ كَالْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالِحَامِ، قَالَ الضَّحَّاكُ: هُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا} [الْأَنْعَامِ: 136]{قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ} [يونس: 59] فِي هَذَا التَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ، {أَمْ} [يونس: 59] بل، {عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} [يونس: 59] هو قولهم: {وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا} [الأعراف: 28]
[60]
{وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [يونس: 60] أَيَحْسَبُونَ أَنَّ اللَّهَ لَا يُؤَاخِذُهُمْ بِهِ وَلَا يُعَاقِبُهُمْ عَلَيْهِ، {إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ} [يونس: 60]
[61]
قَوْلُهُ عز وجل: {وَمَا تَكُونُ} [يونس: 61] يا محمد، {فِي شَأْنٍ} [يونس: 61] عمل من الأعمال، وجمعه شؤون، {وَمَا تَتْلُو مِنْهُ} [يونس: 61] من الله، {مِنْ قُرْآنٍ} [يونس: 61] وَقِيلَ: مِنْهُ أَيْ مِنَ الشَّأْنِ مِنْ قُرْآنٍ، نَزَلَ فِيهِ ثُمَّ خَاطَبَهُ وَأُمَّتَهُ فَقَالَ:{وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} [يونس: 61] أَيْ: تَدْخُلُونَ وَتَخُوضُونَ فِيهِ، الْهَاءُ عَائِدَةٌ إِلَى الْعَمَلِ، وَالْإِفَاضَةُ: الدُّخُولُ فِي الْعَمَلِ، وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: تندفعون فيه، وقيل: تكثرون، وَالْإِفَاضَةُ: الدَّفْعُ بِكَثْرَةٍ، {وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ} [يونس: 61] يَغِيبُ عَنْ رَبِّكَ، وَقَرَأَ الْكِسَائِيُّ (يعزب) بكسر الزاي، وكذلك في سورة سبأ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِضَمِّهَا وَهُمَا لُغَتَانِ {مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ} [يونس: 61] مِثْقَالِ ذَرَّةٍ، أَيْ: مِثْقَالِ ذَرَّةٍ، و (مِنْ) صِلَةٌ وَالذَّرَّةُ هِيَ النملة الحمراء الصَّغِيرَةُ. {فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ} [يونس: 61] أَيْ: مِنَ الذَّرَّةِ، {وَلَا أَكْبَرَ} [يونس: 61] قَرَأَ حَمْزَةُ وَيَعْقُوبُ بِرَفْعِ الرَّاءِ فِيهِمَا عَطْفًا عَلَى مَوْضِع الْمِثْقَالِ قَبْلَ دُخُولِ (مِنْ) ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بنصبهما، أراد للكسر عَطْفًا عَلَى الذَّرَّةِ فِي الْكَسْرِ. {إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [يونس: 61] وَهُوَ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ.
[قَوْلُهُ تَعَالَى أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ]
وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ. . . . .
[62]
قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس: 62] اختلفوا فِيمَنْ يَسْتَحِقُّ هَذَا الِاسْمَ، قَالَ بَعْضُهُمْ: هُمُ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ، فَقَالَ:
[63]
{الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس: 63] وَقَالَ قَوْمٌ: هُمُ الْمُتَحَابُّونَ فِي الله.
[64]
{لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [يونس: 64] اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْبُشْرَى، رُوِيَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [يونس: 64] قَالَ: «هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا المسلم أو ترى له» (1) وَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَمْ يبقَ مِنَ النُّبُوَّةِ إِلَّا الْمُبَشِّرَاتِ "، قَالُوا: وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ؟ قَالَ: "الرُّؤْيَا الصالحة» (2) وقيل: البشرى في
(1) أخرجه الترمذي في الرؤيا 6 / 554 وابن ماجه في الرؤيا رقم 3898- 2 / 1283 وصححه الحاكم ووافقه الذهبي 2 / 340 و 4 / 391 والدارمي في الرؤيا 2 / 123 والإمام أحمد في المسند 5 / 315.
(2)
أخرجه البخاري في التعبير 12 / 375 والمصنف في شرح السنة 12 / 202.
الدُّنْيَا هِيَ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ، وَفِي الآخرة: الجنة، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةُ: هِيَ نُزُولُ الملائكة بالبشارة مع اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ الْمَوْتِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فُصِّلَتْ: 30] وَقَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: البشرى في الدنيا عِنْدَ الْمَوْتِ تَأْتِيهِمُ الْمَلَائِكَةُ بِالْبِشَارَةِ، وَفِي الْآخِرَةِ عِنْدَ خُرُوجِ نَفْسِ المؤمن من يُعْرَجُ بِهَا إِلَى اللَّهِ، وَيُبَشَّرُ بِرِضْوَانِ اللَّهِ، وَقَالَ الْحَسَنُ: هِيَ مَا بَشَّرَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ فِي كِتَابِهِ مِنْ جَنَّتِهِ وَكِرِيمِ ثَوَابِهِ، كَقَوْلِهِ:{وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [البقرة: 25]{وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [البقرة: 223]{وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ} [فُصِّلَتْ: 30] وَقِيلَ: بَشَّرَهُمْ في الدنيا بالكتاب والرسول أنهما أَوْلِيَاءُ اللَّهِ، وَيُبَشِّرُهُمْ فِي الْقُبُورِ وَفِي كُتُبِ أَعْمَالِهِمْ بِالْجَنَّةِ، {لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ} [يونس: 64] لا تغير لقول، وَلَا خُلْفَ لِوَعْدِهِ، {ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [يونس: 64]
[65]
{وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ} [يونس: 65] يعني: قول المشركين، قرأ نافع (ولا يُحْزِنُكَ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الزَّايِ، وقرأ الآخرون (يحزنك) بفتح الياء وضم الزاي، وهم لغتان، يقال: حزنه الشيء يحزنه وأحزنه، تم الكلام ههنا ثُمَّ ابْتَدَأَ، فَقَالَ:{إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ} [يونس: 65] يَعْنِي: الْغَلَبَةَ وَالْقُدْرَةَ لِلَّهِ {جَمِيعًا} [يونس: 65] هُوَ نَاصِرُكَ وَنَاصِرُ دِينِكَ وَالْمُنْتَقِمُ مِنْهُمْ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا يَعْنِي أَنَّ اللَّهَ يُعِزُّ مَنْ يَشَاءُ، كَمَا قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى:{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [الْمُنَافِقُونَ: 8] وَعِزَّةُ الرَّسُولِ وَالْمُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ فَهِيَ كُلُّهَا لِلَّهِ، {هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [يونس: 65]
[66]
{أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ} [يونس: 66] هو إما اسْتِفْهَامٌ مَعْنَاهُ: وَأَيُّ شَيْءٍ يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ؟ وَقِيلَ: وَمَا يَتَّبِعُونَ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُمْ يَعْبُدُونَهَا عَلَى ظَنٍّ أَنَّهُمْ شُرَكَاءُ فَيَشْفَعُونَ لَنَا وَلَيْسَ عَلَى مَا يَظُنُّونَ. {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ} [يونس: 66] يَظُنُّونَ أَنَّهَا تُقَرِّبُهُمْ إِلَى اللَّهِ، {وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} [يونس: 66]
يَكْذِبُونَ.
[67]
{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا} [يونس: 67] مُضِيئًا يُبْصَرُ فِيهِ، كَقَوْلِهِمْ: لَيْلٌ نَائِمٌ، وَعِيشَةٌ رَاضِيَةٌ، قَالَ قُطْرُبٌ: تَقُولُ الْعَرَبُ: أَظْلَمَ اللَّيْلُ وَأَضَاءَ النَّهَارُ وَأَبْصَرَ، أَيْ: صَارَ ذَا ظُلْمَةٍ وَضِيَاءٍ وَبَصَرٍ، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} [يونس: 67] سَمْعَ الِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مِمَّا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا عَالِمٌ قَادِرٌ.
[68]
{قَالُوا} [يونس: 68] يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ {اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا} [يونس: 68] وَهُوَ قَوْلُهُمُ الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ {سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ} [يونس: 68] عَنْ خَلْقِهِ، {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [يونس: 68] عبيدا وملكا {إِنْ عِنْدَكُمْ} [يونس: 68] ما عندكم، {مِنْ سُلْطَانٍ} [يونس: 68] حُجَّةٍ وَبُرْهَانٍ، و (مِنْ) صِلَةٌ تقديره ما عندكم سُلْطَانٍ، {بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [يونس: 68]