الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ: الزَّبُورُ جَمِيعُ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ، وَالذِّكْرُ أُمُّ الْكِتَابِ الَّذِي عِنْدَهُ، وَالْمَعْنَى مِنْ بَعْدِ مَا كَتَبَ ذِكْرَهُ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكُ: الزَّبُورُ التَّوْرَاةُ وَالذِّكْرُ الْكُتُبُ الْمُنَزَّلَةُ مِنْ بَعْدِ التَّوْرَاةِ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: الزَّبُورُ كِتَابُ دَاوُدَ، وَالذِّكْرُ التَّوْرَاةُ، وَقِيلَ: الزَّبُورُ زَبُورُ دَاوُدَ وَالذِّكْرُ الْقُرْآنُ، وَبَعْدُ بِمَعْنَى قَبْلَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ} [الكهف: 79] أي أمامهم {أَنَّ الْأَرْضَ} [الأنبياء: 105] يَعْنِي أَرْضَ الْجَنَّةِ، {يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء: 105] قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم دَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ} [الزُّمَرِ: 74] وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَرَادَ أَنَّ أَرَاضِي الْكُفَّارِ يَفْتَحُهَا الْمُسْلِمُونَ وَهَذَا حُكْمٌ مِنَ اللَّهِ بِإِظْهَارِ الدِّينِ وَإِعْزَازِ الْمُسْلِمِينَ. وَقِيلَ: أَرَادَ بِالْأَرْضِ الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ.
[106]
{إِنَّ فِي هَذَا} [الأنبياء: 106] أَيْ فِي هَذَا الْقُرْآنِ، {لَبَلَاغًا} [الأنبياء: 106] وُصُولًا إِلَى الْبُغْيَةِ أَيْ مَنِ اتَّبَعَ الْقُرْآنَ وَعَمِلَ بِهِ وَصَلَ إِلَى مَا يَرْجُوهُ مِنَ الثَّوَابِ. وَقِيلَ: بَلَاغًا أَيْ كِفَايَةً. يُقَالُ في هذا الشيء بلاغ وبلغة أَيْ كِفَايَةٌ، وَالْقُرْآنُ زَادُ الْجَنَّةِ كبلاغ المسافر، {لِقَوْمٍ عَابِدِينَ} [الأنبياء: 106] أَيِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْبُدُونَ اللَّهَ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: عَالِمِينَ وَقَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ: هُمْ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم أَهْلُ الصلوات الخمس وصوم شهر رَمَضَانَ.
[107]
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107] قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: يَعْنِي رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ خَاصَّةً فَهُوَ رَحْمَةٌ لَهُمْ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ عَامٌّ فِي حَقِّ مَنْ آمَنَ وَمَنْ لم يؤمن، فمن آمن رَحْمَةٌ لَهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؟ وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ فَهُوَ رَحْمَةٌ لَهُ فِي الدُّنْيَا بِتَأْخِيرِ الْعَذَابِ عَنْهُمْ وَرَفْعِ الْمَسْخِ وَالْخَسْفِ وَالِاسْتِئْصَالِ عَنْهُمْ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ» (1) .
[108]
{قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [الأنبياء: 108] أَيْ أَسْلِمُوا.
[109]
{فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ} [الأنبياء: 109] أَيْ أَعْلَمْتُكُمْ بِالْحَرْبِ وَأَنْ لَا صلح بيننا، {عَلَى سَوَاءٍ} [الأنبياء: 109] يعني إنذارا بينا نستوي فِي عِلْمِهِ لَا اسْتِيذَانًا بِهِ دُونَكُمْ لِتَتَأَهَّبُوا لِمَا يُرَادُ بِكُمْ، يعني آذَنْتُكُمْ عَلَى وَجْهٍ نَسْتَوِي نَحْنُ وَأَنْتُمْ فِي الْعِلْمِ بِهِ، وَقِيلَ: لتستووا في الإيمان به {وَإِنْ أَدْرِي} [الأنبياء: 109] يعني وَمَا أَعْلَمُ. {أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ} [الأنبياء: 109] يَعْنِي الْقِيَامَةَ.
[110]
{إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ} [الأنبياء: 110]
[111]
{وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ} [الأنبياء: 111] يعني لَعَلَّ تَأْخِيرَ الْعَذَابِ عَنْكُمْ كِنَايَةٌ عن غير مذكور، {فِتْنَةٌ} [الأنبياء: 111] اختبار، {لَكُمْ} [الأنبياء: 111] لِيَرَى كَيْفَ صَنِيعُكُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ، {وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} [الأنبياء: 111] يعني تَتَمَتَّعُونَ إِلَى انْقِضَاءِ آجَالِكُمْ.
[112]
{قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ} [الأنبياء: 112] قَرَأَ حَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ: {قَالَ رَبِّ احْكُمْ} [الأنبياء: 112] وقرأ الآخرون: قُل رَبِّ احْكُم يعني افْصِلْ بَيْنِي وَبَيْنَ مَنْ كَذَّبَنِي بِالْحَقِّ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ قَالَ: احكم بالحق؟ قيل: الحق ههنا بمعنى العذاب لأنه اسْتَعْجَلَ الْعَذَابَ لِقَوْمِهِ فَعُذِّبُوا يَوْمَ بَدْرٍ، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:{رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ} [الأعراف: 89] قال أَهْلُ الْمَعَانِي: مَعْنَاهُ رَبِّ احْكُمْ بِحُكْمِكَ الْحَقِّ فَحُذِفَ الْحُكْمُ وَأُقِيمَ الْحَقُّ مَقَامَهُ وَاللَّهُ تَعَالَى يَحْكُمْ بالحق طلب منه أَوْ لَمْ يَطْلُبْ، وَمَعْنَى الطَّلَبِ ظُهُورُ الرَّغْبَةِ مِنَ الطَّالِبِ فِي حكمه من الْحَقِّ، {وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [الأنبياء: 112] مِنَ الْكَذِبِ وَالْبَاطِلِ.
[سُورَةُ الْحَجِّ]
[قَوْلُهُ تَعَالَى يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ]
السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ. . . .
(1) أخرجه الدارمي عن أبي صالح مرسلا 1 / 9 ووصله الحاكم 1 / 35 وصححه على شرط الشيخين. قال الهيثمي في المجمع 8 / 257: (رواه البزار والطبراني في الصغير، ورجال البزار رجال الصحيح) .
(22)
سورة الحج [1]{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ} [الحج: 1] أَيْ: احْذَرُوا عِقَابَهُ بِطَاعَتِهِ، {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} [الحج: 1] وَالزَّلْزَلَةُ وَالزِّلْزَالُ شِدَّةُ الْحَرَكَةِ عَلَى الْحَالَةِ الْهَائِلَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الزَّلْزَلَةِ فَقَالَ عَلْقَمَةُ وَالشَّعْبِيُّ: هِيَ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ. وَقِيلَ: قِيَامُ الساعة. وقال الحسن والسدي: هده الزَّلْزَلَةُ تَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: زَلْزَلَةُ السَّاعَةِ قِيَامُهَا فتكون معها.
[2]
{يَوْمَ تَرَوْنَهَا} [الحج: 2] يَعْنِي السَّاعَةَ، وَقِيلَ: الزَّلْزَلَةُ، {تَذْهَلُ} [الحج: 2] ابْنُ عَبَّاسٍ: تُشْغَلُ، وَقِيلَ: تَنْسَى، يقال ذهلت عن كذا إذا تركته واشتغلت بغيره عنه {كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ} [الحج: 2] أَيْ: كُلُّ امْرَأَةٍ مَعَهَا وَلَدٌ تُرْضِعُهُ، يُقَالُ: امْرَأَةٌ مُرْضِعٌ بِلَا هَاءٍ إِذَا أُرِيدَ بِهِ الصِّفَةُ مِثْلَ حَائِضٍ وَحَامِلٍ، فَإِذَا أَرَادُوا الْفِعْلَ أَدْخَلُوا الْهَاءَ. {وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا} [الحج: 2] أَيْ: تُسْقِطُ وَلَدَهَا مِنْ هَوْلِ ذَلِكَ الْيَوْمِ قَالَ الْحَسَنُ: تَذْهَلُ الْمُرْضِعَةُ عَنْ وَلَدِهَا بِغَيْرِ فِطَامٍ وَتَضَعُ الْحَامِلُ مَا فِي بَطْنِهَا بِغَيْرِ تَمَامٍ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الزَّلْزَلَةَ تَكُونُ فِي الدُّنْيَا لِأَنَّ بَعْدَ الْبَعْثِ لَا يَكُونُ حَمْلٌ. وَمَنْ قَالَ. تَكُونُ فِي الْقِيَامَةِ قَالَ: هَذَا عَلَى وَجْهِ تَعْظِيمِ الْأَمْرِ لَا عَلَى حقيقته كقولهم أصابني أمر يشيب منه الوليد يريد به شِدَّتَهُ. {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى} [الحج: 2] قَالَ الْحَسَنُ. مَعْنَاهُ وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى مِنَ الْخَوْفِ وَمَا هُمْ بِسُكَارَى مِنَ الشَّرَابِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَتَرَى النَّاسَ كَأَنَّهُمْ سُكَارَى {وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج: 2]
[3]
قوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الحج: 3] نَزَلَتْ فِي النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ، وكان كَثِيرَ الْجَدَلِ وَكَانَ يَقُولُ: الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ، وَالْقُرْآنُ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ، وَكَانَ يُنْكِرُ الْبَعْثَ وَإِحْيَاءَ مَنْ صَارَ تُرَابًا. قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَيَتَّبِعُ} [الحج: 3] أَيْ: يَتَّبِعُ فِي جِدَالِهِ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، {كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ} [الحج: 3] والمريد المتمرد الغالي العاتي الْمُسْتَمِرُّ فِي الشَّرِّ.
[4]
{كُتِبَ عَلَيْهِ} [الحج: 4] قُضِيَ عَلَى الشَّيْطَانِ، {أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ} [الحج: 4] اتبعه {فَأَنَّهُ} [الحج: 4] يعني الشيطان {يُضِلُّهُ} [الحج: 4] أَيْ: يَضِلُّ مَنْ تَوَلَّاهُ، {وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} [الحج: 4] ثم ألزم الحجة، مُنْكِرِي الْبَعْثِ.
[5]
فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ} [الحج: 5] يعني: فِي شَكٍّ، {مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ} [الحج: 5] يَعْنِي: أَبَاكُمْ آدَمَ الَّذِي هُوَ أَصْلُ النَّسْلِ، {مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ} [الحج: 5] يَعْنِي ذُرِّيَّتَهُ وَالنُّطْفَةُ هِيَ الْمَنِيُّ وَأَصْلُهَا الْمَاءُ الْقَلِيلُ وَجَمْعُهَا نِطَافٌ، {ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ} [الحج: 5] وهي الدم الغليظ المتجمد الطري، وَجَمْعُهَا عِلَقٌ وَذَلِكَ أَنَّ النُّطْفَةَ تَصِيرُ دَمًا غَلِيظًا ثُمَّ تَصِيرُ لحما، {ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ} [الحج: 5] وَهِيَ لَحْمَةٌ قَلِيلَةٌ قَدْرُ مَا يمضغ،