الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خلقكم، {مِنَ الْأَرْضِ} [هود: 61] وذلك أنهم مِنْ آدَمَ، وَآدَمُ خُلِقَ مِنْ الأرض، {وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود: 61] أَيْ: جَعَلَكُمْ عُمَّارَهَا وَسُكَّانَهَا، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: أَطَالَ عُمْرَكُمْ فِيهَا حَتَّى كَانَ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ يَعِيشُ ثَلَاثَمِائَةِ سَنَةٍ إِلَى أَلْفِ سَنَةٍ، وَكَذَلِكَ قوم عاد، وقال مجاهد: أعمركم من العمر، أَيْ: جَعَلَهَا لَكُمْ مَا عِشْتُمْ، وَقَالَ قَتَادَةُ: أَسْكَنَكُمْ فِيهَا. {فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ} [هود: 61] من المؤمنين، {مُجِيبٌ} [هود: 61] لدعائهم.
[62]
{قَالُوا} [هود: 62] يعني ثمودًا، {يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا} [هود: 62] الْقَوْلُ أَيْ: كُنَّا نَرْجُو أَنْ تَكُونَ سَيِّدًا فِينَا. وَقِيلَ: كُنَّا نَرْجُو أَنْ تَعُودَ إِلَى دِينِنَا، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَرْجُونَ رُجُوعَهُ إِلَى دِينِ عَشِيرَتِهِ، فَلَمَّا أَظْهَرَ دُعَاءَهُمْ إِلَى اللَّهِ عز وجل، وَتَرَكَ الْأَصْنَامَ زَعَمُوا أَنَّ رَجَاءَهُمُ انْقَطَعَ عَنْهُ، فَقَالُوا:{أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} [هود: 62] مِنَ الْآلِهَةِ {وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ} [هود: 62] مُوْقِعٌ لِلرِّيبَةِ وَالتُّهْمَةِ، يُقَالُ: أَرَبْتُهُ إِرَابَةً إِذَا فَعَلْتَ بِهِ فِعْلًا يوجب له الريبة.
[قوله تعالى قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ]
مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً. . . .
[63]
{قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً} [هود: 63] نُبُوَّةً وَحِكْمَةً، {فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ} [هود: 63] أَيْ: مَنْ يَمْنَعُنِي مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، {إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ} [هود: 63] قال ابن عباس: معناه ما تزيدونني غَيْرُ بِصَارَةٍ فِي خَسَارَتِكُمْ، قَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ: لَمْ يَكُنْ صَالِحٌ عليه السلام فِي خَسَارَةٍ حَتَّى قَالَ: فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى مَا تَزِيدُونَنِي بما تقولون من الفحش إِلَّا نِسْبَتِي إِيَّاكُمْ إِلَى الْخَسَارَةِ، وَالتَّفْسِيقُ وَالتَّفْجِيرُ فِي اللُّغَةِ هُوَ: النِّسْبَةُ إِلَى الْفِسْقِ وَالْفُجُورِ، وَكَذَلِكَ التَّخْسِيرُ هُوَ: النِّسْبَةُ إِلَى الْخُسْرَانِ.
[64]
{وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً} [هود: 64] نُصِبَ عَلَى الْحَالِ وَالْقَطَعِ، وَذَلِكَ أن قومًا طَلَبُوا مِنْهُ أَنْ يُخْرِجَ نَاقَةً عُشَرَاءَ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ، وَأَشَارُوا إِلَى صَخْرَةٍ فَدَعَا صَالِحٌ عليه السلام فَخَرَجَتْ مِنْهَا نَاقَةٌ وَوَلَدَتْ في الحال ولدا مثلها، وقد بيناه في سورة الأعراف، فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ:{هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ} [هود: 64] مِنَ الْعُشْبِ وَالنَّبَاتِ فَلَيْسَتْ عَلَيْكُمْ مؤنتها، {وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ} [هود: 64] ولا تصيبوها بعقر، {فَيَأْخُذَكُمْ} [هود: 64] إن قتلتموها، {عَذَابٌ قَرِيبٌ} [هود: 64]
[65]
{فَعَقَرُوهَا فَقَالَ} [هود: 65] لهم صالح، {تَمَتَّعُوا} [هود: 65] عيشوا، {فِي دَارِكُمْ} [هود: 65] أَيْ: فِي دِيَارِكُمْ، {ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ} [هود: 65] ثُمَّ تُهْلَكُونَ، {ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} [هود: 65] أَيْ: غَيْرُ كَذِبٍ، رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ: يَأْتِيكُمُ الْعَذَابُ بَعْدَ ثلاثة أيام فتصبحون الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَوُجُوهُكُمْ مُصْفَرَّةٌ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِي مُحْمَرَّةٌ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ مُسْوَدَّةٌ، فَكَانَ كَمَا قَالَ، وأتاهم العذاب اليوم الرابع.
[66]
قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا} [هود: 66] بِنِعْمَةٍ مِنَّا، {وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ} [هود: 66] أي: من عذابه، وهو أنه قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَنَافِعٌ وَالْكِسَائِيُّ خزي يومئذ، وعذاب يَوْمَئِذٍ بِفَتْحِ الْمِيمِ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْكَسْرِ. {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ} [هود: 66]
[67]
{وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ} [هود: 67] وَذَلِكَ أَنَّ جِبْرِيلَ عليه السلام صَاحَ عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَهَلَكُوا جَمِيعًا، وَقِيلَ: أَتَتْهُمُ صَيْحَةٌ مِنَ السَّمَاءِ فِيهَا صَوْتُ كُلِّ صَاعِقَةٍ وَصَوْتُ كُلِّ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ، فَتَقَطَّعَتْ قُلُوبُهُمْ فِي صُدُورِهِمْ، وَإِنَّمَا قال: أخذ والصيحة مُؤَنَّثَةٌ؛ لِأَنَّ الصَّيْحَةَ بِمَعْنَى الصِّيَاحِ. {فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ} [هود: 67] صَرْعَى هَلْكَى.
[68]
{كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا} [هود: 68] يقيموا ويكونوا، {أَلا إِنَّ ثَمُودَا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْدًا لِثَمُودَ} [هود: 68] قَرَأَ حَمْزَةُ وَحَفْصٌ وَيَعْقُوبُ: (ثَمُودَ) غَيْرَ مُنَوَّنٍ، وَكَذَلِكَ فِي سُورَةِ الْفُرْقَانِ وَالْعَنْكَبُوتِ وَالنَّجْمِ، وَافَقَ أَبُو بَكْرٍ فِي النَّجْمِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّنْوِينِ، وَقَرَأَ الْكِسَائِيُّ: لِثَمُودٍ بِخَفْضِ الدَّالِ وَالتَّنْوِينِ،
وَالْبَاقُونَ بِنَصْبِ الدَّالِ، فَمَنْ جَرَّهُ فَلِأَنَّهُ اسْمٌ مُذَكَّرٌ، وَمَنْ لَمْ يَجُرَّهُ جَعَلَهُ اسْمًا لِلْقَبِيلَةِ.
[69]
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى} [هود: 69] أراد بالرسل الملائكة عليهم السلام بِالْبُشْرَى بِالْبِشَارَةِ بِإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ، وَقِيلَ: بِإِهْلَاكِ قَوْمِ لُوطٍ، {قَالُوا سَلَامًا} [هود: 69] أي: سلموا سلامًا، {قَالَ} [هود: 69] إبراهيم {سَلَامٌ} [هود: 69] أَيْ: عَلَيْكُمْ سَلَامٌ: وَقِيلَ: هُوَ رَفْعٌ عَلَى الْحِكَايَةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَقُولُوا حِطَّةٌ} [البقرة: 58] وقرأ حمزة والكسائي سلم ههنا وَفِي سُورَةِ الذَّارِيَاتِ بِكَسْرِ السِّينِ بِلَا أَلْفٍ، قِيلَ: هُوَ بِمَعْنَى السَّلَامِ، كَمَا يُقَالُ: حِلٌّ وَحَلَالٌ وَحِرْمٌ وَحَرَامٌ، وَقِيلَ: هُوَ بِمَعْنَى الصُّلْحِ، أَيْ: نَحْنُ سِلْمٌ أَيْ صُلْحٌ لَكُمْ غَيْرُ حَرْبٍ. {فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} [هود: 69] والحنيذ المحنوذ وهو الْمَشْوِيُّ عَلَى الْحِجَارَةِ فِي خَدٍّ مِنَ الْأَرْضِ، وَكَانَ سَمِينًا يَسِيلُ دَسَمًا، كَمَا قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ:{فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ} [الذَّارِيَاتِ: 26] قَالَ قَتَادَةُ: كَانَ عَامَّةُ مَالِ إِبْرَاهِيمَ الْبَقَرُ.
[70]
{فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ} [هود: 70] أي: إلى العجل، {نَكِرَهُمْ} [هود: 70] أنكرهم، {وَأَوْجَسَ} [هود: 70] أضمر، {مِنْهُمْ خِيفَةً} [هود: 70] خَوْفًا، قَالَ مُقَاتِلٌ: وَقَعَ فِي قَلْبِهِ، وَأَصْلُ الْوُجُوسِ: الدُّخُولُ، كَانَ الْخَوْفُ دَخَلَ قَلْبَهُ، وَقَالَ قَتَادَةُ: وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا نَزَلَ بِهِمْ ضَيْفٌ فَلَمْ يَأْكُلْ مِنْ طَعَامِهِمْ ظَنُّوا أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِخَيْرٍ، وَإِنَّمَا جَاءَ بَشَرٍّ. {قَالُوا لَا تَخَفْ} [هود: 70] يا إبراهيم، {إِنَّا} [هود: 70] مَلَائِكَةُ اللَّهِ {أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ} [هود: 70]
[71]
{وَامْرَأَتُهُ} [هود: 71] سارة بنت هارون بِنِ أَحْوَرَ وَهِيَ ابْنَةُ عَمِّ إبراهيم. {قَائِمَةٌ} [هود: 71] مِنْ وَرَاءِ السَّتْرِ تَسْمَعُ كَلَامَهُمْ، وَقِيلَ: كَانَتْ قَائِمَةً تَخْدِمُ الرُّسُلَ وإبراهيم جالس معهم. {فَضَحِكَتْ} [هود: 71] قَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ: ضَحِكَتْ أَيْ: حَاضَتْ فِي الْوَقْتِ، تَقُولُ الْعَرَبُ: ضَحِكَتِ الْأَرْنَبُ، أَيْ: حَاضَتْ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الضَّحِكُ الْمَعْرُوفُ، وَاخْتَلَفُوا فِي سَبَبِ ضَحِكِهَا، فقيل: ضَحِكَتْ لِزَوَالِ الْخَوْفِ عَنْهَا وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ حِينَ قَالُوا لَا تَخَفْ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: لَمَّا قَرَّبَ إِبْرَاهِيمُ الطَّعَامَ إِلَيْهِمْ فَلَمْ يَأْكُلُوا خَافَ إِبْرَاهِيمُ، وَظَنَّهُمْ لُصُوصًا فَقَالَ لَهُمْ: أَلَا تَأْكُلُونَ؟ قَالُوا: إِنَّا لَا نأكل طعامًا إلا بثمن، قال إِبْرَاهِيمُ: فَإِنَّ لَهُ ثَمَنًا، قَالُوا وَمَا ثَمَنُهُ؟ قَالَ تَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَى أَوَّلِهِ وَتَحْمَدُونَهُ عَلَى آخِرِهِ، فَنَظَرَ جِبْرِيلُ إِلَى مِيكَائِيلَ عليهم الصلاة والسلام، وَقَالَ: حُقَّ لِهَذَا أَنْ يَتَّخِذَهُ رَبُّهُ خَلِيلًا، فَلَمَّا رَأَى إِبْرَاهِيمُ وَسَارَّةُ أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ ضَحِكَتْ سَارَّةُ، وَقَالَتْ: يَا عَجَبًا لِأَضْيَافِنَا إِنَّا نَخْدِمُهُمْ بِأَنْفُسِنَا تَكْرِمَةً لَهُمْ، وَهُمْ لَا يَأْكُلُونَ طَعَامَنَا، وَقَالَ قَتَادَةُ: ضَحِكَتْ مِنْ غَفْلَةِ قَوْمِ لُوطٍ وَقُرْبِ الْعَذَابِ مِنْهُمْ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ: ضَحِكَتْ مِنْ خَوْفِ إِبْرَاهِيمَ مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي بَيْتِهِ وَهُوَ فِيمَا بَيْنَ خَدَمِهِ وحشمه، وقيل: ضَحِكَتْ سُرُورًا بِالْبِشَارَةِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَوَهْبٌ: ضَحِكَتْ