الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنث الكناية لأنه عين بِهَا الْكَلِمَةَ وَهِيَ قَوْلُهُ: {قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا} [يوسف: 77] ذَكَرَهَا سِرًّا فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِهَا، يُرِيدُ أَنْتُمْ شَرٌّ مكانًا أي: منزلًا عِنْدَ اللَّهِ مِمَّنْ رَمَيْتُمُوهُ بِالسَّرِقَةِ فِي صَنِيعِكُمْ بِيُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ يُوسُفَ سَرِقَةٌ حَقِيقِيَّةٌ وَخِيَانَتُكُمْ حَقِيقَةٌ، {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ} [يوسف: 77] تَقُولُونَ.
[78]
{قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا} [يوسف: 78] يحبه. {فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ} [يوسف: 78] بَدَلًا مِنْهُ، {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف: 78] فِي أَفْعَالِكِ. وَقِيلَ: مِنَ الْمُحْسِنِينَ إِلَيْنَا فِي تَوْفِيَةِ الْكَيْلِ وَحُسْنِ الضِّيَافَةِ وَرَدِّ الْبِضَاعَةِ. وَقِيلَ: يَعْنُونَ إِنْ فَعَلْتُ ذَلِكَ كُنْتُ مِنَ المحسنين.
[قوله تعالى قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا]
مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُون. . .
[79]
{قَالَ} [يوسف: 79] يوسف، {مَعَاذَ اللَّهِ} [يوسف: 79] أَعُوذُ بِاللَّهِ، {أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ} [يوسف: 79] وَلَمْ يَقُلْ إِلَّا مَنْ سَرَقَ تَحْرُّزًا مِنَ الْكَذِبِ، {إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ} [يوسف: 79] إِنْ أَخَذْنَا بَرِيئًا بِمُجْرِمٍ.
[80]
{فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ} [يوسف: 80] أَيْ: أَيِسُوا مِنْ يُوسُفَ أَنْ يُجِيبَهُمْ إِلَى مَا سَأَلُوهُ. وَقَالَ أبو عبيدة: استيأسوا اسْتَيْقَنُوا أَنَّ الْأَخَ لَا يُرد إليهم. {خَلَصُوا نَجِيًّا} [يوسف: 80] أَيْ: خَلَا بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ يَتَنَاجَوْنَ وَيَتَشَاوَرُونَ لَا يُخَالِطُهُمْ غَيْرُهُمْ. وَالنَّجِيُّ يصلح للجماعة كما قال هاهنا، وَيَصْلُحُ لِلْوَاحِدِ كَقَوْلِهِ:{وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا} [مَرْيَمَ: 52] وَإِنَّمَا جَازَ لِلْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ جُعِلَ نَعْتًا كَالْعَدْلِ وَالزُّورِ، وَمِثْلُهُ النَّجْوَى يَكُونُ اسْمًا وَمَصْدَرًا،، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَإِذْ هُمْ نَجْوَى} [الْإِسَرَاءِ: 47] أَيْ: مُتَنَاجُونَ. وَقَالَ: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ} [الْمُجَادَلَةِ: 7] وَقَالَ فِي الْمَصْدَرِ: {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ} [الْمُجَادَلَةِ: 10]{قَالَ كَبِيرُهُمْ} [يوسف: 80] يَعْنِي: فِي الْعَقْلِ وَالْعِلْمِ لَا فِي السِّنِّ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْكَلْبِيُّ: هُوَ يَهُوذَا وَهُوَ أَعْقَلُهُمْ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ شَمْعُونُ، وَكَانَتْ لَهُ الرِّئَاسَةُ عَلَى إِخْوَتِهِ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ وَالضَّحَّاكُ: هُوَ رُوبِيلُ، وَكَانَ أَكْبَرَهُمْ فِي السِّنِّ، وَهُوَ الذي نهى عَنْ قَتْلِ يُوسُفَ. {أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا} [يوسف: 80] عَهْدًا. {مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ} [يوسف: 80] قصرتم {فِي يُوسُفَ} [يُوسُفَ: 80] وَاخْتَلَفُوا فِي مَحَلِّ (مَا) قِيلَ: هُوَ نَصْبٌ بِإِيقَاعِ الْعَلَمِ عليه، يعني: أنتم تَعْلَمُوا مِنْ قَبْلِ تَفْرِيطِكُمْ فِي يُوسُفَ. وَقِيلَ: وَهُوَ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَتَمَّ الْكَلَامُ عِنْدَ قَوْلِهِ (مِنَ اللَّهِ) ثُمَّ قَالَ (وَمِنْ قَبْلُ) هَذَا تَفْرِيطُكُمْ فِي يُوسُفَ. وَقِيلَ: (مَا) صِلَةٌ أَيْ: وَمِنْ قَبْلِ هَذَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ {فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ} [يوسف: 80] التي أنا بها وهي مِصْرَ {حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي} [يوسف: 80] بالخروج منها يدعوني، {أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي} [يوسف: 80] بِرَدِّ أَخِي إِلَيَّ أَوْ بِخُرُوجِي وَتَرْكِ أَخِي. وَقِيلَ: أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي بِالسَّيْفِ فَأُقَاتِلُهُمْ وَأَسْتَرِدُّ أخي، {وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} [يوسف: 80] أَعْدَلُ مَنْ فَصَلَ بَيْنَ النَّاسِ.
[81]
{ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ} [يوسف: 81] يَقُولُ الْأَخُ الْمُحْتَبِسُ بِمِصْرَ لِإِخْوَتِهِ: ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ، {فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ} [يوسف: 81] بنيامين، {سَرَقَ} [يوسف: 81] وقرأ ابن عباس والضحاك بِضَمِّ السِّينِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِهَا، يعني: نُسب إلى السرق، كَمَا يُقَالُ خَوَّنْتُهُ أَيْ نَسَبْتُهُ إِلَى الْخِيَانَةِ، {وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا} [يوسف: 81] يَعْنِي: مَا قُلْنَا هَذَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا فَإِنَّا رَأَيْنَا إِخْرَاجَ الصواع مِنْ مَتَاعِهِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَمَا شهدنا إلا بما علمنا أي ما كانت منها شَهَادَةٌ فِي عُمْرِنَا عَلَى شَيْءٍ إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا، وَلَيْسَتْ هَذِهِ شَهَادَةٌ مِنَّا إِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ عَنْ صَنِيعِ ابْنِكَ بِزَعْمِهِمْ. وَقِيلَ: قَالَ لَهُمْ يَعْقُوبُ عليه السلام: مَا يَدْرِي هَذَا الرَّجُلُ أَنَّ السَّارِقَ يُؤْخَذُ بِسَرِقَتِهِ إِلَّا بِقَوْلِكُمْ، فَقَالُوا: مَا شَهِدْنَا عِنْدَ يُوسُفَ بِأَنَّ السَّارِقَ يُسْتَرَقُّ إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا، وَكَانَ الْحُكْمُ ذَلِكَ عِنْدَ يَعْقُوبَ وَبَنِيهِ. {وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ} [يوسف: 81] قَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ. مَا كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّ ابْنَكَ سَيَسْرِقُ وَيَصِيرُ أمرنا إلى هذا، وَإِنَّمَا قُلْنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا مِمَّا لنا حِفْظِهِ مِنْهُ سَبِيلٌ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: مَا كُنَّا لِلَيْلِهِ وَنَهَارِهِ وَمَجِيئِهِ وَذَهَابِهِ حَافِظِينَ.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ فَلَعَلَّهَا دُسَّتْ بِاللَّيْلِ فِي رَحْلِهِ.
[62]
{وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا} [يوسف: 82] أَيْ: أَهْلَ الْقَرْيَةِ وَهِيَ مِصْرُ {وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا} [يوسف: 82] أَيِ: الْقَافِلَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا. وَكَانَ صَحِبَهُمْ قَوْمٌ مِنْ كَنْعَانَ مِنْ جِيرَانِ يَعْقُوبَ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: عَرَفَ الْأَخُ الْمُحْتَبِسُ بِمِصْرَ أَنَّ إِخْوَتَهُ أَهْلَ تُهْمَةٍ عِنْدَ أَبِيهِمْ لِمَا كَانُوا صَنَعُوا فِي أَمْرِ يُوسُفَ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَقُولُوا هذه المقالة لأبيهم. {وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} [يوسف: 82] فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ اسْتَجَازَ يُوسُفُ أَنْ يَعْمَلَ مِثْلَ هَذَا بِأَبِيهِ وَلَمْ يُخْبِرْهُ بِمَكَانِهِ وَحَبَسَ أَخَاهُ مَعَ عِلْمِهِ بِشِدَّةِ وَجْدِ أَبِيهِ عليه؟ وقيل معنى العقوق: قطيعة الرَّحِمِ وَقِلَّةِ الشَّفَقَةِ؟ قِيلَ: قَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ فِيهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عَمِلَ ذَلِكَ بِأَمْرِ اللَّهِ سبحانه وتعالى، أمره به لِيَزِيدَ فِي بَلَاءِ يَعْقُوبَ فَيُضَاعِفَ لَهُ الْأَجْرَ وَيُلْحِقَهُ فِي الدَّرَجَةِ بِآبَائِهِ الْمَاضِينَ. وَقِيلَ: إِنَّهُ لَمْ يُظْهِرْ نَفْسَهُ لِإِخْوَتِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمَنْ أَنْ يُدَبِّرُوا فِي أَمْرِهِ تَدْبِيرًا فَيَكْتُمُوهُ عَنْ أَبِيهِ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.
[83]
{قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ} [يوسف: 83] زينت، {أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا} [يوسف: 83] وَفِيهِ اخْتِصَارٌ مَعْنَاهُ: فَرَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ وَذَكَرُوا لِأَبِيهِمْ مَا قَالَ كَبِيرُهُمْ، فَقَالَ يَعْقُوبُ: بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا، أَيْ: حُمِلَ أَخِيكُمْ إِلَى مِصْرَ لِطَلَبِ نَفْعٍ عَاجِلٍ، {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا} [يوسف: 83] يَعْنِي: يُوسُفَ وَبِنْيَامِينَ وَأَخَاهُمُ الْمُقِيمَ بمصر، {إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ} [يوسف: 83] بِحُزْنِي وَوَجْدِي عَلَى فَقْدِهِمْ، {الْحَكِيمُ} [يوسف: 83] فِي تَدْبِيرِ خَلْقِهِ.
[84]
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَتَوَلَّى عَنْهُمْ} [يوسف: 84] وَذَلِكَ أَنَّ يَعْقُوبَ عليه السلام لما بلغه خبر بنيامين تناهى حزنه وبلغ جهده، وهيج حُزْنُهُ عَلَى يُوسُفَ فَأَعْرَضَ عَنْهُمْ، {وَقَالَ يا أَسَفَى} [يوسف: 84] يا حزنا، {عَلَى يُوسُفَ} [يُوسُفَ: 84] وَالْأَسَفُ أَشَدُّ الْحُزْنِ، {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ} [يوسف: 84] يعني: عَمِيَ بَصَرُهُ. قَالَ مُقَاتِلٌ: لَمْ بصر بِهِمَا سِتَّ سِنِينَ، {فَهُوَ كَظِيمٌ} [يوسف: 84] أَيْ: مَكْظُومٌ مَمْلُوءٌ مِنَ الْحُزْنِ مُمْسِكٌ عَلَيْهِ لَا يَبُثُّهُ. وَقَالَ قتادة: تردد حُزْنَهُ فِي جَوْفِهِ وَلَمْ يَقُلْ إِلَّا خَيْرًا. قَالَ الْحَسَنُ: كَانَ بَيْنَ خُرُوجِ يُوسُفَ مِنْ حِجْرِ أَبِيهِ إِلَى يَوْمِ الْتَقَى مَعَهُ ثَمَانُونَ عَامًا لَا تَجِفُّ عَيْنَا يَعْقُوبَ وَمَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ يَعْقُوبَ.
[85]
{قَالُوا} [يوسف: 85] يَعْنِي: أَوْلَادَ يَعْقُوبَ، {تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} [يُوسُفَ: 85] أَيْ: لَا تَزَالُ تَذْكُرُ يُوسُفَ، لَا تَفْتُرُ مِنْ حُبِّهِ، يقال: ما فتىء يَفْعَلُ كَذَا أَيْ: مَا زَالَ يفعل، وَ (لَا) مَحْذُوفَةٌ مِنْ قَوْلِهِ (تفتؤا) يقال: ما فتىء يَفْعَلُ كَذَا أَيْ: مَا زَالَ، {حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا} [يوسف: 85] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: دفنا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْحَرَضُ مَا دُونَ الْمَوْتِ، يَعْنِي: قَرِيبًا مِنَ الْمَوْتِ. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَاسِدًا لَا عَقْلَ لَكَ، وَالْحَرَضُ: الَّذِي فَسَدَ جِسْمُهُ وَعَقْلُهُ. وَقِيلَ: ذَائِبًا مِنَ الْهَمِّ. وَمَعْنَى الْآيَةِ: حَتَّى تَكُونَ دَنِفَ الْجِسْمِ