الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} [الحج: 5] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ: مُخَلَّقَةٍ أي تامة وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ غَيْرِ تَامَّةٍ أَيْ نَاقِصَةِ الْخَلْقِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مُصَوَّرَةٍ وَغَيْرِ مُصَوَّرَةٍ يَعْنِي السَّقْطَ. وَقِيلَ: الْمُخَلَّقَةُ الْوَلَدُ الَّذِي تَأْتِي بِهِ الْمَرْأَةُ لِوَقْتِهِ، وَغَيْرُ الْمُخَلَّقَةِ السَّقْطُ. {لِنُبَيِّنَ لَكُمْ} [الحج: 5] كما قُدْرَتِنَا وَحِكْمَتَنَا فِي تَصْرِيفِ أَطْوَارِ خَلْقِكُمْ وَلِتَسْتَدِلُّوا بِقُدْرَتِهِ فِي ابْتِدَاءِ الْخَلْقِ عَلَى قُدْرَتِهِ عَلَى الْإِعَادَةِ. وَقِيلَ. لِنُبَيِّنَ لَكُمْ مَا تَأْتُونَ وما تذرون وَمَا تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ فِي الْعِبَادَةِ، {وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ} [الحج: 5] فَلَا تَمُجُّهُ وَلَا تُسْقِطُهُ، {إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [الحج: 5] إلى وَقْتِ خُرُوجِهَا مِنَ الرَّحِمِ تَامَّةَ الخلق والمدة. {ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ} [الحج: 5] من بطون أمهاتكم {طِفْلًا} [الحج: 5] أَيْ: صِغَارًا وَلَمْ يَقُلْ أَطْفَالًا لِأَنَّ الْعَرَبَ تَذْكُرُ الْجَمْعَ بِاسْمِ الْوَاحِدِ. وَقِيلَ. تَشْبِيهًا بِالْمَصْدَرِ مِثْلَ عَدْلٍ وَزُورٍ.
{ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ} [الحج: 5] يَعْنِي: الْكَمَالَ وَالْقُوَّةَ، {وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى} [الحج: 5] مِنْ قَبْلِ بُلُوغِ الْكِبَرِ، {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ} [الحج: 5] أَيِ: الْهَرَمِ وَالْخَرَفِ، {لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا} [الحج: 5] أَيْ: يَبْلُغَ مِنَ السِّنِّ مَا يَتَغَيَّرُ عَقْلُهُ فَلَا يَعْقِلُ شَيْئًا ثُمَّ ذَكَرَ دَلِيلًا آخَرَ عَلَى الْبَعْثِ فَقَالَ: {وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً} [الحج: 5] أي يا بسة لَا نَبَاتَ فِيهَا، {فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ} [الحج: 5] المطر، {اهْتَزَّتْ} [الحج: 5] تَحَرَّكَتْ بِالنَّبَاتِ وَذَلِكَ أَنَّ الْأَرْضَ تَرْتَفِعُ بِالنَّبَاتِ فَذَلِكَ تَحَرُّكُهَا، {وَرَبَتْ} [الحج: 5] أي: ارتفعت وزادت، وقرأ أبو جعفر:(ورأبت) بِالْهَمْزَةِ، وَكَذَلِكَ فِي حم السَّجْدَةِ أي: ارتفعت وعلت، قال المبرد: أراد اهتز وَرَبَا نَبَاتُهَا فَحَذَفَ الْمُضَافَ، وَالِاهْتِزَازُ فِي النَّبَاتِ أَظْهَرُ، يُقَالُ. اهْتَزَّ النَّبَاتُ أَيْ: طَالَ وَإِنَّمَا أُنِّثَ لذكر الأرض. وَقِيلَ. فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ مَعْنَاهُ: ربت واهتزت، {وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [الحج: 5] أَيْ: صِنْفٍ حَسَنٍ يُبْهَجُ بِهِ مَنْ رَآهُ أَيْ: يُسَرُّ، فَهَذَا دَلِيلٌ آخَرُ عَلَى الْبَعْثِ.
[6]
{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ} [الحج: 6] أَيْ: لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ، {وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الحج: 6]
[7]
{وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [الحج: 7]
[قَوْلُهُ تَعَالَى وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ]
وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ. . . . . .
[8]
{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الحج: 8] يَعْنِي: النَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ، {وَلَا هُدًى} [الحج: 8] بيان {وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ} [الحج: 8]
[9]
{ثَانِيَ عِطْفِهِ} [الحج: 9] مُتَبَخْتِرًا لِتَكَبُّرِهِ. وَقَالَ. مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: أي لَاوِيَ عُنُقِهِ. قَالَ عَطِيَّةُ وَابْنُ زَيْدٍ: مُعْرِضًا عَمَّا يُدْعَى إِلَيْهِ تَكَبُّرًا. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: يُعْرِضُ عَنِ الْحَقِّ تَكَبُّرًا. وَالْعِطْفُ: الْجَانِبُ، وَعِطْفَا الرَّجُلِ: جَانِبَاهُ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَعْطِفُهُ الْإِنْسَانُ أَيْ يَلْوِيهِ وَيُمِيلُهُ عِنْدَ الْإِعْرَاضِ عَنِ الشَّيْءِ، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا} [لُقْمَانُ: 7] وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ} [المُنَافِقُونَ: 5]{لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الحج: 9] عَنْ دِينِ اللَّهِ، {لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ} [الحج: 9] عذاب وهوان هو الْقَتْلُ بِبَدْرٍ، فَقُتِلَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ وَعُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ يَوْمَ بَدْرٍ صَبْرًا. {وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ} [الحج: 9]
[10]
وَيُقَالُ لَهُ: {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [الحج: 10] فَيُعَذِّبُهُمْ بِغَيْرِ ذَنْبٍ وَهُوَ جَلَّ ذِكْرُهُ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ شَاءَ تَصَرَّفَ فِي عَبْدِهِ فَحُكْمُهُ عَدْلٌ وهو غير ظالم.
[11]
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} [الْحَجِّ: 11] الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ مِنَ الْأَعْرَابِ كَانُوا يَقْدَمُونَ الْمَدِينَةَ مُهَاجِرِينَ مِنْ بَادِيَتِهِمْ فَكَانَ أَحَدُهُمْ إِذَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَصَحَّ بِهَا جِسْمُهُ ونتجت فَرَسُهُ مُهْرًا حَسَنًا وَوَلَدَتِ امْرَأَتُهُ ذكرا وَكَثُرَ مَالُهُ قَالَ: هَذَا دِينٌ حَسَنٌ وَقَدْ أَصَبْتُ فِيهِ خَيْرًا وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ، وَإِنْ أَصَابَهُ مَرَضٌ وولدت امرأته جارية وأجهضت فرسه وَقَلَّ مَالُهُ قَالَ: مَا أَصَبْتُ مُنْذُ دَخَلْتُ فِي هَذَا الدِّينِ إِلَّا شَرًّا فَيَنْقَلِبُ عَنْ دِينِهِ، وَذَلِكَ الْفِتْنَةُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ. {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} [الحج: 11] أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ قَالُوا عَلَى شَكٍّ وَأَصْلُهُ مِنْ حَرْفِ الشَّيْءِ وَهُوَ طَرَفُهُ نَحْوُ حَرْفِ الْجَبَلِ وَالْحَائِطِ الَّذِي كَالْقَائِمِ عَلَيْهِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ، فَقِيلَ لِلشَّاكِّ فِي الدِّينِ إِنَّهُ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ لِأَنَّهُ عَلَى طَرَفٍ وَجَانِبٍ مِنَ الدِّينِ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ عَلَى الثَّبَاتِ والتمكن كَالْقَائِمِ عَلَى حَرْفِ الْجَبَلِ مُضْطَرِبٌ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ يَعْرِضُ أَنْ يَقَعَ فِي أَحَدِ جَانِبَيِ الطَّرَفِ لِضَعْفِ قِيَامِهِ، وَلَوْ عَبَدُوا اللَّهَ فِي الشُّكْرِ عَلَى السَّرَّاءِ وَالصَّبْرِ عَلَى الضَّرَّاءِ لَمْ يَكُونُوا عَلَى حَرْفٍ، قَالَ الْحَسَنُ: هُوَ الْمُنَافِقُ يَعْبُدُهُ بِلِسَانِهِ دُونَ قَلْبِهِ. {فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ} [الحج: 11] صِحَّةٌ فِي جِسْمِهِ وَسِعَةٌ فِي معيشته، {اطْمَأَنَّ بِهِ} [الحج: 11] أَيْ: رَضِيَ بِهِ وَسَكَنَ إِلَيْهِ، {وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ} [الحج: 11] بَلَاءٌ فِي جَسَدِهِ وَضِيقٌ فِي معيشته، {انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ} [الحج: 11] ارْتَدَّ وَرَجَعَ عَلَى عَقِبِهِ إِلَى الْوَجْهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الكفر، {خَسِرَ الدُّنْيَا} [الحج: 11] يَعْنِي هَذَا الشَّاكُّ خَسِرَ الدُّنْيَا بفوات ما كان يؤمله، {وَالْآخِرَةَ} [الحج: 11] بِذَهَابِ الدِّينِ وَالْخُلُودِ فِي النَّارِ {ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الحج: 11] الظَّاهِرُ.
[12]
{يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ} [الحج: 12] إن عصاه لم يعبده، {وَمَا لَا يَنْفَعُهُ} [الحج: 12] إِنْ أَطَاعَهُ وَعَبَدَهُ {ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ} [الحج: 12] عَنِ الْحَقِّ وَالرُّشْدِ.
[13]
{يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ} [الحج: 13] أَيْ: ضَرُّ عِبَادَتِهِ، فَإِنْ قِيلَ: قَدْ قَالَ لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ وَلَا نَفْعَ فِي عِبَادَةِ الصَّنَمِ أَصْلًا؟ قِيلَ: هَذَا عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ لِمَا لَا يَكُونُ أَصْلًا بَعِيدٌ، كقوله:{ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ} [ق: 3] أَيْ: لَا رَجْعَ أَصْلًا فَلَمَّا كَانَ نَفْعُ الصَّنَمِ بَعِيدًا عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَا نَفْعَ فِيهِ أَصْلًا قيل: ضره أقرب من نفعه لأنه كائن. {لَبِئْسَ الْمَوْلَى} [الحج: 13] أَيِ: النَّاصِرُ. وَقِيلَ: الْمَعْبُودُ. {وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ} [الحج: 13] أَيِ: الصَّاحِبُ وَالْمُخَالِطُ يَعْنِي الْوَثَنَ، والعرب تسمي الزوج العشير لِأَجْلِ الْمُخَالَطَةِ.
[14]
[15]
{مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ} [الحج: 15] يَعْنِي نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم {فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ} [الحج: 15] أي: بحبل {إِلَى السَّمَاءِ} [الحج: 15] أَرَادَ بِالسَّمَاءِ سَقْفَ الْبَيْتِ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ أَيْ: لِيَشْدُدْ حَبْلًا فِي سَقْفِ بَيْتِهِ فَلْيَخْتَنِقْ بِهِ حتى يموت، {ثُمَّ لِيَقْطَعْ} [الحج: 15] الْحَبْلَ بَعْدَ الِاخْتِنَاقِ. وَقِيلَ: ثُمَّ لْيَقْطَعْ أَيْ لِيَمُدَّ الْحَبْلَ حَتَّى يَنْقَطِعَ فَيَمُوتُ مُخْتَنِقًا، {فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ} [الحج: 15] صنعه وحيلته، {مَا يَغِيظُ} [الحج: 15] (مَا) بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ أَيْ: هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ وَحِيلَتُهُ غَيْظَهُ مَعْنَاهُ فَلْيَخْتَنِقْ غَيْظًا حَتَّى يَمُوتَ، وَلَيْسَ هذا على سبيل الحتم أَنْ يَفْعَلَهُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْقَطْعُ وَالنَّظَرُ بَعْدَ الِاخْتِنَاقِ وَالْمَوْتِ، وَلَكِنَّهُ كَمَا يُقَالُ لِلْحَاسِدِ: إِنْ لَمْ تَرْضَ هَذَا فَاخْتَنِقْ وَمُتْ غَيْظًا. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: الْمُرَادُ مِنَ