الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَيَدْعُوهُ الْمَلِكُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامِ، وَالسِّلَالُ الثَّلَاثُ الثَّلَاثَةُ أَيَّامٍ يَبْقَى في السجن، ثم يخرجه فيأمر به، {فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ} [يوسف: 41] قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَمَّا سَمِعَا قَوْلَ يُوسُفَ قَالَا: مَا رَأَيْنَا شَيْئًا إِنَّمَا كُنَّا نَلْعَبُ، قَالَ يُوسُفُ:{قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} [يوسف: 41] أَيْ: فُرِغَ مِنَ الْأَمْرِ الَّذِي عَنْهُ تَسْأَلَانِ، وَوَجَبَ حُكْمُ اللَّهِ عَلَيْكُمَا الَّذِي أَخْبَرْتُكُمَا بِهِ، رَأَيْتُمَا أو لم تريا.
[42]
{وَقَالَ} [يوسف: 42] يَعْنِي: يُوسُفَ عِنْدَ ذَلِكَ، {لِلَّذِي ظَنَّ} [يوسف: 42] علم {أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا} [يوسف: 42] وَهُوَ السَّاقِي، {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} [يوسف: 42] يَعْنِي: سَيِّدَكَ الْمَلِكَ، وَقُلْ لَهُ: إِنَّ فِي السِّجْنِ غُلَامًا مَحْبُوسًا ظُلْمًا طَالَ حَبْسُهُ {فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ} [يوسف: 42] قِيلَ: أَنْسَى الشَّيْطَانُ السَّاقِيَ ذِكْرَ يُوسُفَ لِلْمَلِكِ تَقْدِيرُهُ: فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذكره لربه. وقال ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ: أَنْسَى الشَّيْطَانُ يُوسُفَ ذِكْرَ رَبِّهِ حِينَ ابْتَغَى الْفَرَجَ مِنْ غَيْرِهِ وَاسْتَعَانَ بِمَخْلُوقٍ، وَتِلْكَ غَفْلَةٌ عَرَضَتْ لِيُوسُفَ من الشيطان (1) .
{فَلَبِثَ} [يوسف: 42] فَمَكَثَ، {فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ} [يوسف: 42] وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الْبِضْعِ، فَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَا بَيْنَ الثَّلَاثِ إِلَى السَّبْعِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: مَا بَيْنَ الثَّلَاثِ إِلَى التِّسْعِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَا دُونُ الْعَشَرَةِ. وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ الْبِضْعَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ سَبْعُ سِنِينَ، وَكَانَ قَدْ لَبِثَ قَبْلَهُ خَمْسَ سِنِينَ فجملته اثنتا عشر سنة.
[43]
{وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ} [يوسف: 43] فَقَالَ لَهُمْ: {يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} [يوسف: 43]
[قوله تعالى قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ]
الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ. . . . .
[44]
{قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ} [يوسف: 44] أَخْلَاطُ أَحْلَامٍ مُشْتَبِهَةٍ أَهَاوِيلُ وَاحِدُهَا ضِغْثٌ، وَأَصْلُهُ الْحُزْمَةُ مِنْ أَنْوَاعِ الْحَشِيشِ، وَالْأَحْلَامُ جَمْعُ الْحُلْمِ، وَهُوَ الرُّؤْيَا، وَالْفِعْلُ مِنْهُ حَلَمْتُ أَحْلُمُ بِفَتْحِ اللَّامِ فِي الْمَاضِي وَضَمِّهَا فِي الْغَابِرِ حُلُمًا وحُلْمًا، مُثَقَّلًا وَمُخَفَّفًا. {وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ} [يوسف: 44]
[45]
{وَقَالَ الَّذِي نَجَا} [يوسف: 45] من القتل، {مِنْهُمَا} [يوسف: 45] مِنَ الْفَتَيَيْنِ وَهُوَ السَّاقِي، {وَادَّكَرَ} [يوسف: 45] أَيْ: تَذَكَّرَ قَوْلَ يُوسُفَ اذْكُرْنِي عند ربك، {بَعْدَ أُمَّةٍ} [يوسف: 45] أي: بَعْدَ حِينٍ وَهُوَ سَبْعُ سِنِينَ. {أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ} [يوسف: 45] وَذَلِكَ أَنَّ الْغُلَامَ جَثَا بَيْنَ يَدَيِ الْمَلِكِ، وَقَالَ: إِنَّ فِي السِّجْنِ رَجُلًا يَعْبُرُ الرُّؤْيَا، {فَأَرْسِلُونِ} [يوسف: 45] وَفِيهِ اخْتِصَارٌ تَقْدِيرُهُ: فَأَرْسِلْنِي أَيُّهَا الْمَلِكُ إِلَيْهِ، فَأَرْسَلَهُ فَأَتَى السِّجْنَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَلَمْ يَكُنِ السِّجْنُ فِي الْمَدِينَةِ.
[46]
فَقَالَ: {يُوسُفُ} [يُوسُفُ: 46] يَعْنِي: يَا يُوسُفُ، {أَيُّهَا الصِّدِّيقُ} [يوسف: 46] وَالصَّدِيقُ الْكَثِيرُ الصِّدْقِ، {أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ} [يوسف: 46] فَإِنَّ الْمَلِكَ رَأَى هَذِهِ الرُّؤْيَا، {لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ} [يوسف: 46] أهل مصر، {لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ} [يوسف: 46] تَأْوِيلَ الرُّؤْيَا. وَقِيلَ: لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ مَنْزِلَتَكَ فِي الْعِلْمِ، فَقَالَ لَهُمْ يُوسُفُ مُعَبِّرًا وَمُعَلِّمًا، أَمَّا الْبَقَرَاتُ السِّمَانُ وَالسُّنْبُلَاتُ الْخُضْرُ فَسَبْعُ سِنِينَ مخاصيب، والبقرات العجاف والسنبلات، فَالسُّنُونَ الْمُجْدِبَةُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ يُوسُفَ:
[47]
{قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا} [يوسف: 47] هَذَا خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ، يَعْنِي: ازْرَعُوا سَبْعَ سِنِينَ عَلَى عَادَتِكُمْ فِي الزِّرَاعَةِ، وَالدَّأَبُ: الْعَادَةُ. وَقِيلَ: بِجِدٍّ وَاجْتِهَادٍ. وَقَرَأَ عَاصِمٌ بِرِوَايَةِ حَفْصٍ: (دَأَبًا) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، وَهُمَا لغتان، يقال: دأبت شي الأمر أدأب وَدَأْبًا إِذَا اجْتَهَدْتُ فِيهِ. {فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ} [يوسف: 47] أَمْرَهُمْ بِتَرْكِ الْحِنْطَةِ فِي السُّنْبُلَةِ لتكون
(1) لقد رد الإمام اللغوي المفسر أبو حيان الأندلسي في تفسيره " البحر المحيط " ج5 / 311 هذا الوجه في إعادة ضمير فأنساه على يوسف، فقال:" وقيل: الضمير في أنساه عائد على يوسف، ورتبوا على ذلك أخبارًا لا تليق نسبتها إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ".
أَبْقَى عَلَى الزَّمَانِ وَلَا تَفْسُدَ، {إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ} [يوسف: 47] أي: تَدْرُسُونَ قَلِيلًا لِلْأَكْلِ، أَمَرَهُمْ بِحِفْظِ الْأَكْثَرِ وَالْأَكْلِ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ.
[48]
{ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ} [يوسف: 48] سَمَّى السِّنِينَ الْمُجْدِبَةَ شِدَادًا لِشِدَّتِهَا على الناس، {يَأْكُلْنَ} [يوسف: 48] أَيْ: يَفْنِينَ وَيُهْلِكْنَ، {مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ} [يوسف: 48] أَيْ: يُؤْكَلُ فِيهِنَّ مَا أَعْدَدْتُمْ لَهُنَّ مِنَ الطَّعَامِ، أَضَافَ الْأَكْلَ إِلَى السِّنِينَ عَلَى طَرِيقِ التَّوَسُّعِ {إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ} [يوسف: 48] تُحْرِزُونَ وَتَدَّخِرُونَ لِلْبَذْرِ.
[49]
{ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ} [يوسف: 49] أي: يمطرون من الغث، وَهُوَ الْمَطَرُ. وَقِيلَ: يُنْقَذُونَ، مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ: اسْتَغَثْتُ فُلَانًا فَأَغَاثَنِي، {وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} [يوسف: 49] قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: (تَعْصِرُونَ) ، بِالتَّاءِ لِأَنَّ الْكَلَامَ كُلَّهُ عَلَى الْخِطَابِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْيَاءِ رَدًّا إِلَى النَّاسِ، وَمَعْنَاهُ: يَعْصِرُونَ الْعِنَبَ خَمْرًا وَالزَّيْتُونَ زَيْتًا وَالسِّمْسِمَ دُهْنًا وَأَرَادَ بِهِ كَثْرَةَ النَّعِيمِ وَالْخَيْرِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: يَعْصِرُونَ أَيْ يَنْجُونَ مِنَ الْكُرُوبِ وَالْجَدَبِ وَالْعَصَرُ وَالْعَصَرَةُ النجا وَالْمَلْجَأُ.
[50]
{وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ} [يوسف: 50] وَذَلِكَ أَنَّ السَّاقِيَ لَمَّا رَجَعَ إِلَى الْمَلِكِ وَأَخْبَرَهُ بِمَا أَفْتَاهُ به يُوسُفُ مِنْ تَأْوِيلِ رُؤْيَاهُ، وَعَرَفَ الْمَلِكُ أَنَّ الَّذِي قَالَهُ كَائِنٌ، قَالَ ائْتُونِي بِهِ، {فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ} [يوسف: 50] وَقَالَ لَهُ: أَجِبِ الْمَلِكَ، أَبَى أَنْ يَخْرُجَ مَعَ الرَّسُولِ حَتَّى تظهر براءته ثم، {قَالَ} [يوسف: 50] للرسول، {ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ} [يوسف: 50] يَعْنِي: سَيِّدَكَ الْمَلِكَ، {فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} [يوسف: 50] وَلَمْ يُصَرِّحْ بِذِكْرِ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ أدبًا واحترامًا {إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ} [يوسف: 50] أَيْ: إِنَّ اللَّهَ بِصَنِيعِهِنَّ عَالِمٌ، وَإِنَّمَا أَرَادَ يُوسُفُ بِذِكْرِهِنَّ، بَعْدَ طُولِ الْمُدَّةِ حَتَّى لَا يَنْظُرَ إليه الملك بعين التهمة والخيانة، وَيَصِيرَ إِلَيْهِ بَعْدَ زَوَالِ الشَّكِّ عَنْ أَمْرِهِ، فَرَجَعَ الرَّسُولُ إِلَى الْمَلِكِ مِنْ عِنْدِ يُوسُفَ بِرِسَالَتِهِ، فَدَعَا الْمَلِكُ النِّسْوَةَ وَامْرَأَةَ الْعَزِيزِ.
[51]
{قَالَ} [يوسف: 51] لهن، {مَا خَطْبُكُنَّ} [يوسف: 51] مَا شَأْنُكُنَّ وَأَمْرُكُنَّ، {إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ} [يوسف: 51] خَاطَبَهُنَّ وَالْمُرَادُ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ، وَقِيلَ: إِنَّ امْرَأَةَ الْعَزِيزِ رَاوَدَتْهُ عَنْ نفسه وسائر النسوة أمرته بطاعتها فلذلك خاطبهن جميعًا {قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ} [يوسف: 51] مَعَاذَ اللَّهِ، {مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ} [يوسف: 51] خيانة، {قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ} [يوسف: 51] ظَهَرَ وَتَبَيَّنَ. وَقِيلَ: إِنَّ النِّسْوَةَ أَقْبَلْنَ عَلَى امْرَأَةِ الْعَزِيزِ فَقَرَّرْنَهَا فَأَقَرَّتْ، وَقِيلَ: خَافَتْ أَنْ يَشْهَدْنَ عليها فأقرت وقالت: {أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} [يوسف: 51] فِي قَوْلِهِ: هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي، فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ يُوسُفُ قال:
[52]
{ذَلِكَ} [يوسف: 52] أَيْ: ذَلِكَ الَّذِي فَعَلْتُ مِنْ رَدِّي رَسُولَ الْمَلِكِ إِلَيْهِ، {لِيَعْلَمَ} [يوسف: 52] العزيز، {أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ} [يوسف: 52] في زوجته، {بِالْغَيْبِ} [يوسف: 52] أَيْ: فِي حَالِ