الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَيْ: صَيَّرَ عَاقِبَةَ أَمْرِهِمُ النِّفَاقَ، يُقَالُ: أَعْقَبَ فَلَانَا نَدَامَةً إِذَا صَيَّرَ عَاقِبَةَ أَمْرِهِ ذَلِكَ، وَقِيلَ: عَاقَبَهُمْ بِنِفَاقِ قُلُوبِهِمْ، يُقَالُ: عَاقَبْتُهُ وَأَعْقَبْتُهُ بِمَعْنَى وَاحِدٍ، {إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ} [التوبة: 77] يُرِيدُ حَرَمَهُمُ التَّوْبَةَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، {بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [التوبة: 77]
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «آيَةُ الْمُنَافِق ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وإذا ائتمن خان» (1) .
[78]
{أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ} [التوبة: 78] يَعْنِي: مَا أَضْمَرُوا فِي قُلُوبِهِمْ وَمَا تَنَاجَوْا بِهِ بَيْنَهُمْ، {وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} [التوبة: 78]
[79]
{الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ} [التوبة: 79] الْآيَةُ، قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: حَثَّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الصَّدَقَةِ؛ فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَالِي ثَمَانِيَةُ آلَافٍ جِئْتُكَ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ، فَاجْعَلْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَمْسَكْتُ أَرْبَعَةَ آلَافٍ لِعِيَالِي، فَقَالَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَفِيمَا أَمْسَكْتَ» ، فَبَارَكَ اللَّهُ فِي مَالِهِ، حَتَّى إِنَّهُ خَلَّفَ امْرَأَتَيْنِ يَوْم مَاتَ فَبَلَغَ ثُمُنُ مَالِهِ لَهُمَا مِائَةً وَسِتِّينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَتَصَدَّقَ يَوْمَئِذٍ عَاصِمُ بْنُ عُدَيٍّ الْعَجْلَانِيُّ بِمِائَةِ وَسْقٍ مِنْ تَمْرٍ، وَجَاءَ أَبُو عَقِيلٍ الْأَنْصَارِيُّ، واسمه الحبحاب بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ، وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِتُّ لَيْلَتِي أَجُرُّ بِالْجَرِيرِ الْمَاءَ حَتَّى نِلْتُ صَاعَيْنِ مِنْ تَمْرٍ، فَأَمْسَكْتُ أَحَدَهُمَا لِأَهْلِي، وأتيتك بالآخر، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَنْثُرَهُ فِي الصدقة، فلمزهم المنافقون، وقالوا: مَا أَعْطَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَعَاصِمٌ إلا رياءً، وإن كان اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَغَنِيَّانِ عَنْ صَاعِ أَبِي عَقِيلٍ، وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يذكر فيمن أعطى الصَّدَقَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل:{الَّذِينَ يَلْمِزُونَ} [التوبة: 79] أي: يعيبون {الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ} [التوبة: 79] يَعْنِي: عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَعَاصِمًا. {وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ} [التوبة: 79] أَيْ: طَاقَتُهُمْ، يَعْنِي: أَبَا عَقِيلٍ، وَالْجُهْدُ: الطَّاقَةُ، بِالضَّمِّ لُغَةُ قُرَيْشٍ وَأَهْلِ الْحِجَازِ، وَقَرَأَ الْأَعْرَجُ بِالْفَتْحِ، قَالَ الْقُتَيْبِيُّ: الْجُهْدُ بِالضَّمِّ الطَّاقَةُ وبالفتح المشقة، {فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ} [التوبة: 79] يَسْتَهْزِئُونَ مِنْهُمْ، {سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ} [التوبة: 79] أَيْ: جَازَاهُمُ اللَّهُ عَلَى السُّخْرِيَةِ، {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة: 79]
[قوله تعالى اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ]
تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ. . . .
[80]
{اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [التوبة: 80] لفظ أمر معناه الخبر، تَقْدِيرُهُ: اسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ. {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة: 80] وذكر السبعين في العدد للمبالغة في اليأس عن طَمَعِ الْمَغْفِرَةِ، قَالَ الضَّحَّاكُ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ رَخَّصَ لِي فسأزيدن عَلَى السَّبْعِينَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَغْفِرَ لَهُمْ،» فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [المنافقون: 6]
{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 80]
[81]
{فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ} [التوبة: 81] هو عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَالْمُخَلَّفُ الْمَتْرُوكُ {بِمَقْعَدِهِمْ} [التوبة: 81] أَيْ: بِقُعُودِهِمْ {خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ} [التوبة: 81] قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَيْ: بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَقِيلَ: مُخَالَفَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ سَارَ وَأَقَامُوا، {وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} [التوبة: 81] وَكَانَتْ غَزْوَةُ تَبُوكَ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ، {قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} [التوبة: 81] يَعْلَمُونَ، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ.
[82]
{فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا} [التوبة: 82] في الدنيا، {وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا} [التوبة: 82] فِي الْآخِرَةِ، تَقْدِيرُهُ: فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وسيبكون كَثِيرًا، {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [التوبة: 82] عن
(1) أخرجه البخاري في الإيمان 1 / 89 ومسلم في الإيمان رقم (59) 1 / 78 والمصنف في شرح السنة 1 / 72.