الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اللَّهُ نَبِيَّهُ أَنْ يَذْكُرَهُ إِذَا نَسِيَ شَيْئًا وَيَسْأَلَهُ أَنْ يَهْدِيَهُ لِمَا هُوَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ذِكْرِ مَا نَسِيَهُ. وَيُقَالُ: هُوَ أَنَّ الْقَوْمَ لَمَّا سَأَلُوهُ عَنْ قِصَّةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ عَلَى وَجْهِ الْعِنَادِ أَمَرَهُ اللَّهُ عز وجل أَنْ يُخْبِرَهُمْ أَنَّ اللَّهَ سَيُؤْتِيهِ مِنَ الْحُجَجِ عَلَى صِحَّةِ نُبُوَّتِهِ مَا هُوَ أَدَلُّ لَهُمْ مِنْ قِصَّةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ وَقَدْ فَعَلَ حَيْثُ أَتَاهُ مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ حال الْمُرْسَلِينَ مَا كَانَ أَوْضَحَ لَهُمْ فِي الْحُجَّةِ وَأَقْرَبَ إِلَى الرُّشْدِ مِنْ خَبَرِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا شَيْءٌ أُمِرَ أَنْ يَقُولَهُ مَعَ قَوْلِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ إِذَا ذَكَرَ الِاسْتِثْنَاءَ بَعْدَ النِّسْيَانِ وَإِذَا نَسِيَ الْإِنْسَانُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَتَوْبَتُهُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ: (عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا) .
[25]
قَوْلُهُ عز وجل: {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ} [الكهف: 25] يَعْنِي أَصْحَابَ الْكَهْفِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا خَبَرٌ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنَّهُمْ قَالُوا ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ خَبَرًا مِنَ اللَّهِ عز وجل عَنْ قَدْرِ لُبْثِهِمْ لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ:{قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا} [الكهف: 26] وَجْهٌ، وَهَذَا قَوْلُ قَتَادَةَ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ:(وَقَالُوا لَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ) ثُمَّ رَدَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ فَقَالَ: {قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا} [الكهف: 26] وَقَالَ الْآخَرُونَ. هَذَا إِخْبَارٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ قَدْرِ لُبْثِهِمْ فِي الْكَهْفِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَأَمَّا قَوْلُهُ {قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا} [الكهف: 26] فَمَعْنَاهُ أَنَّ الْأَمْرَ مِنْ مُدَّةِ لُبْثِهِمْ كَمَا ذَكَرْنَا فَإِنْ نَازَعُوكَ فِيهَا فَأَجِبْهُمْ: وَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا، أَيْ: هُوَ أَعْلَمُ مِنْكُمْ، وَقَدْ أَخْبَرَنَا بِمُدَّةِ لُبْثِهِمْ. وَقِيلَ: إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ قَالُوا: إِنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ مِنْ لَدُنْ دَخَلُوا الْكَهْفَ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا ثَلَاثُمِائَةٍ وَتِسْعُ سِنِينَ فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَقَالَ: قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا يَعْنِي بَعْدَ قَبْضِ أَرْوَاحِهِمْ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ} [الكهف: 25] قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: (ثَلَاثَ مِائَةَ) بِلَا تَنْوِينٍ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ: بِالتَّنْوِينِ، فإن قيل: لم قال ثلاثمائة سِنِينَ وَلَمْ يَقُلْ سَنَةً؟ قِيلَ: نَزَلَ قَوْلُهُ: {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ} [الكهف: 25] فَقَالُوا: أَيَّامًا أَوْ شُهُورًا أَوْ سنين؟ فنزلت {سِنِينَ} [الكهف: 25] قَالَ الْفَرَّاءُ: وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَضَعُ سِنِينَ فِي مَوْضِعِ سَنَةٍ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ سنين ثلاثمائة. {وَازْدَادُوا تِسْعًا} [الكهف: 25] قَالَ الْكَلْبِيُّ: قَالَتْ نَصَارَى نَجْرَانَ: أما ثلاثمائة فَقَدْ عَرَفْنَا وَأَمَّا التِّسْعُ فَلَا عِلْمَ لَنَا بِهَا فَنَزَلَتْ.
[26]
{قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا} [الكهف: 26] رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ عِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنَّهُمْ لَبِثُوا ثلاثمائة شمسية والله تعالى ذكر ثلاثمائة قَمَرِيَّةً وَالتَّفَاوُتُ بَيْنَ الشَّمْسِيَّةِ وَالْقَمَرِيَّةِ فِي كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ ثَلَاثَ سنين، فيكون في ثلاثمائة تِسْعُ سِنِينَ فَلِذَلِكَ قَالَ:{وَازْدَادُوا تِسْعًا - لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الكهف: 25 - 26] فالغيب ما يغيب عن إدراكك وَاللَّهُ عز وجل لَا يَغِيبُ عَنْ إِدْرَاكِهِ شَيْءٌ. {أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ} [الكهف: 26] أَيْ مَا أَبْصَرَ اللَّهَ بِكُلِّ مَوْجُودٍ وَأَسْمَعَهُ لِكُلِّ مَسْمُوعٍ، أَيْ لَا يَغِيبُ عَنْ سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ شيء، {مَا لَهُمْ} [الكهف: 26] أَيْ: مَا لِأَهْلِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، {مِنْ دُونِهِ} [الكهف: 26] أَيْ: مِنْ دُونِ اللَّهِ، {مِنْ وَلِيٍّ} [الكهف: 26] نَاصِرٍ، {وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} [الكهف: 26] قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَيَعْقُوبُ: وَلَا تُشْرِكْ بِالتَّاءِ عَلَى الْمُخَاطَبَةِ وَالنَّهْيِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْيَاءِ أَيْ لَا يُشْرِكُ اللَّهُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا. وَقِيلَ: الْحُكْمُ هَنَا عِلْمُ الْغَيْبِ لَا يُشْرِكُ فِي عِلْمِ غَيْبِهِ أحدا.
[27]
قوله عز وجل: {وَاتْلُ} [الكهف: 27] أي: وَاقْرَأْ يَا مُحَمَّدُ، {مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ} [الكهف: 27] يَعْنِي الْقُرْآنَ، وَاتَّبِعْ مَا فِيهِ، {لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ} [الكهف: 27] قَالَ الْكَلْبِيُّ: لَا مُغَيِّرَ لِلْقُرْآنِ. وَقِيلَ: لَا مُغَيِّرَ لِمَا أَوْعَدَ بِكَلِمَاتِهِ أَهْلَ مَعَاصِيهِ، {وَلَنْ تَجِدَ} [الكهف: 27] أنت، {مِنْ دُونِهِ} [الكهف: 27] إِنْ لَمْ تَتَّبِعِ الْقُرْآنَ، {مُلْتَحَدًا} [الكهف: 27] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: حِرْزًا. وَقَالَ الْحَسَنُ: مَدْخَلًا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَلْجَأً. وَقِيلَ: مَعْدَلًا. وَقِيلَ: مَهْرَبًا. وَأَصْلُهُ مِنَ الْمَيْلِ.
[قوله تعالى وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ]
بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ. . . .
[28]
قَوْلُهُ عز وجل: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ} [الكهف: 28] الْآيَةَ، نَزَلَتْ فِي عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ الْفَزَارِيِّ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ وَعِنْدَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْفُقَرَاءِ فِيهِمْ سَلْمَانُ
وَعَلَيْهِ شَمْلَةٌ قَدْ عَرِقَ فِيهَا وَبِيَدِهِ خُوصَةٌ يَشُقُّهَا ثُمَّ يَنْسِجُهَا، فَقَالَ عُيَيْنَةُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَمَا يُؤْذِيكَ رِيحُ هَؤُلَاءِ وَنَحْنُ سَادَاتُ مُضَرَ وَأَشْرَافُهَا، فَإِنْ أَسْلَمْنَا أَسْلَمَ النَّاسُ وَمَا يَمْنَعُنَا مِنَ اتِّبَاعِكَ إِلَّا هَؤُلَاءِ فَنَحِّهِمْ عَنْكَ حَتَّى نَتْبَعَكَ أَوِ اجْعَلْ لَنَا مَجْلِسًا وَلَهُمْ مَجْلِسًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل:{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ} [الكهف: 28] أَيِ: احْبِسْ يَا مُحَمَّدُ نَفْسَكَ، {مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} [الكهف: 28] طرفي النهار {يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الكهف: 28] لَا يُرِيدُونَ بِهِ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا. قَالَ قَتَادَةُ: نَزَلَتْ فِي أَصْحَابِ الصُّفَةِ وَكَانُوا سَبْعَمِائَةِ رَجُلٍ فُقَرَاءَ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، لَا يَرْجِعُونَ إِلَى تِجَارَةٍ وَلَا إِلَى زَرْعٍ وَلَا ضَرْعٍ يُصَلُّونَ صَلَاةً وَيَنْتَظِرُونَ أُخْرَى، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِي أُمَّتِي مَنْ أُمِرْتُ أَنْ أَصْبِرَ نَفْسِي مَعَهُمْ» . {وَلَا تَعْدُ} [الكهف: 28] أَيْ: لَا تَصْرِفْ وَلَا تَتَجَاوَزْ، {عَيْنَاكَ عَنْهُمْ} [الكهف: 28] إِلَى غَيْرِهِمْ، {تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف: 28] أَيْ طَلَبَ مُجَالَسَةِ الْأَغْنِيَاءِ وَالْأَشْرَافِ وَصُحْبَةِ أَهْلِ الدُّنْيَا، {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا} [الكهف: 28] أَيْ جَعَلْنَا قَلْبَهُ غَافِلًا عَنْ ذِكْرِنَا يَعْنِي عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ. وَقِيلَ: أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ، {وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} [الكهف: 28] أَيْ مُرَادَهُ فِي طَلَبِ الشَّهَوَاتِ، {وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: 28] قَالَ قَتَادَةُ وَمُجَاهِدٌ: ضَيَاعًا. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ ضَيَّعَ أَمْرَهُ وَعَطَّلَ أَيَّامَهُ. وقيل: ندما. وقال مقاتل ابن حَيَّانَ: سَرَفًا. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: مَتْرُوكًا. وَقِيلَ: بَاطِلًا. وَقِيلَ: مُخَالِفًا لِلْحَقِّ. وقال الأخفش: مجاوز لِلْحَدِّ. قِيلَ: مَعْنَى التَّجَاوُزِ فِي الْحَدِّ، هُوَ قَوْلُ عُيَيْنَةَ: إِنْ أَسْلَمْنَا أَسْلَمَ النَّاسُ وَهَذَا إِفْرَاطٌ عَظِيمٌ.
[29]
{وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ} [الكهف: 29] أَيْ مَا ذَكَرَ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْقُرْآنِ، مَعْنَاهُ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْفَلْنَا قُلُوبَهُمْ عَنْ ذكرنا: أيها الناس الحق من ربكم وَإِلَيْهِ التَّوْفِيقُ وَالْخِذْلَانُ وَبِيَدِهِ الْهُدَى وَالضَّلَالُ، لَيْسَ إِلَيَّ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ. {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29] هَذَا عَلَى طَرِيقِ التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ كَقَوْلِهِ: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [فُصِّلَتْ: 40] وَقِيلَ: مَعْنَى الْآيَةِ: وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَسْتُ بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ لِهَوَاكُمْ، فَإِنْ شِئْتُمْ فَآمِنُوا وَإِنْ شِئْتُمْ فَاكْفُرُوا فَإِنْ كَفَرْتُمْ فَقَدْ أَعَدَّ لَكُمْ رَبُّكُمْ نَارًا أَحَاطَ بِكُمْ سُرَادِقُهَا، وَإِنْ آمَنْتُمْ فَلَكُمْ مَا وَصَفَ اللَّهُ عز وجل لِأَهْلِ طَاعَتِهِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي مَعْنَى الْآيَةِ: مَنْ شَاءَ اللَّهُ لَهُ الْإِيمَانَ آمَنَ وَمَنْ شَاءَ لَهُ الْكُفْرَ، كَفَرَ وَهُوَ قَوْلُهُ:{وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان: 30]{إِنَّا أَعْتَدْنَا} [الكهف: 29] أعددنا وهيأنا من العتاد وهو العدة، {لِلظَّالِمِينَ} [الكهف: 29] لِلْكَافِرِينَ، {نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} [الكهف: 29] السرادق الحجزة التي تطيف بالفساطيط، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«سُرَادِقُ النَّارِ أَرْبَعَةُ جُدُرٍ كَثْفُ كُلِّ جِدَارٍ مِثْلُ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً» (1) . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ حَائِطٌ مِنْ نَارٍ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: هُوَ عُنُقٌ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ فَيُحِيطُ بِالْكُفَّارِ كَالْحَظِيرَةِ. وَقِيلَ: هُوَ دُخَانٌ يُحِيطُ بِالْكُفَّارِ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى: {انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ} [المرسلات: 30]{وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا} [الكهف: 29] مِنْ شِدَّةِ الْعَطَشِ، {يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ} [الكهف: 29] عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: « {بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ} [الكهف: 29] قَالَ كَعَكَرِ الزَّيْتِ، فَإِذَا قُرِّبَ إِلَيْهِ سَقَطَتْ فَرْوَةُ وَجْهِهِ فِيهِ» (2) . وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ مَاءٌ غَلِيظٌ مِثْلُ دُرْدِيِّ الزَّيْتِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ الْقَيْحُ وَالدَّمُ، وَسُئِلَ ابْنُ مَسْعُودٍ عَنِ الْمُهْلِ؟ فَدَعَا بِذَهَبٍ وَفِضَّةٍ فَأَوْقَدَ عَلَيْهِمَا النَّارَ حَتَّى ذَابَا، ثُمَّ قَالَ: هَذَا أَشْبَهُ شَيْءٍ بِالْمُهْلِ، {يَشْوِي الْوُجُوهَ} [الكهف: 29] ينضج الوجوه من
(1) أخرجه الترمذي في صفة جهنم 7 / 306 وقال: هذا حديث إنما نعرفه من حديث رشدين وفي رشدين بن سعد مقال، وأخرجه الإمام أحمد في المسند 3 / 29 والحاكم 4 / 601 والطبري 15 / 239 والمصنف في شرح السنة 15 / 245.
(2)
أخرجه الترمذي في الموضع السابق 7 / 305 وأحمد في المسند 3 / 70 والحاكم 4 / 604 والمصنف في شرح السنة 15 / 245 بنفس الإسناد، وهو ضعيف.
حره، {بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ} [الكهف: 29] النار، {مُرْتَفَقًا} [الكهف: 29] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَنْزِلًا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مُجْتَمَعًا. وَقَالَ عَطَاءٌ: مَقَرًّا. وَقَالَ الْقُتَيْبِيُّ: مَجْلِسًا. وَأَصْلُ الْمُرْتَفَقِ المتكأ.
[30]
قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} [الكهف: 30] فَإِنْ قِيلَ: أَيْنَ جَوَابُ قَوْلِهِ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [الكهف: 30] ؟ قِيلَ: جَوَابُهُ قَوْلُهُ: {أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي} [الكهف: 31] وَأَمَّا قَوْلُهُ: {إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ} [الكهف: 30] فَكَلَامٌ مُعْتَرِضٌ. وَقِيلَ: فِيهِ إِضْمَارٌ مَعْنَاهُ: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَإِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَهُمْ بَلْ نُجَازِيهِمْ، ثُمَّ ذَكَرَ الْجَزَاءَ.
[31]
فَقَالَ: {أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ} [الكهف: 31] أَيْ: إِقَامَةٌ، يُقَالُ: عَدَنَ فُلَانٌ بِالْمَكَانِ إِذَا أَقَامَ بِهِ، سُمِّيَتْ عَدْنًا لِخُلُودِ الْمُؤْمِنِينَ فِيهَا، {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ} [الكهف: 31] قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: يُحَلَّى كل واحد منهم ثلاثة أَسَاوِرَ: وَاحِدٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَوَاحِدٌ مِنْ فِضَّةٍ، وَوَاحِدٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ وَيَوَاقِيتَ، {وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ} [الكهف: 31] وهو مارق من الديباج، {وَإِسْتَبْرَقٍ} [الكهف: 31] وَهُوَ مَا غَلُظَ مِنْهُ، وَمَعْنَى الْغِلَظِ فِي ثِيَابِ الْجَنَّةِ إِحْكَامُهُ. وَعَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ قَالَ: السُّنْدُسُ هُوَ الدِّيبَاجُ الْمَنْسُوجُ بِالذَّهَبِ، {مُتَّكِئِينَ فِيهَا} [الكهف: 31] في الجنان، {عَلَى الْأَرَائِكِ} [الكهف: 31] وَهِيَ السُّرُرُ فِي الْحِجَالِ وَاحِدَتُهَا أريكة، {نِعْمَ الثَّوَابُ} [الكهف: 31] أي نعم الجزاء، {وَحَسُنَتْ} [الكهف: 31] الجنان {مُرْتَفَقًا} [الكهف: 31] أَيْ: مَجْلِسًا وَمَقَرًّا.
[32]
{وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ} [الكهف: 32] اذْكُرْ لَهُمْ خَبَرَ رَجُلَيْنِ، {جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ} [الكهف: 32] بُسْتَانَيْنِ، {مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ} [الكهف: 32] أَيْ: أَطَفْنَاهُمَا مِنْ جَوَانِبِهِمَا بِنَخْلٍ، وَالْحِفَافُ الْجَانِبُ، وَجَمْعُهُ أَحِفَّةٌ، يُقَالُ: حَفَّ بِهِ الْقَوْمُ أَيْ طَافُوا بجوانبه، {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا} [الكهف: 32] أَيْ جَعَلْنَا حَوْلَ الْأَعْنَابِ النَّخِيلَ وَوَسَطَ الْأَعْنَابِ الزَّرْعَ. وَقِيلَ: بَيْنَهُمَا أَيْ بَيْنَ الْجَنَّتَيْنِ زَرْعًا يَعْنِي لم يكن بين الجنتين موضوع خراب.
[33]
{كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ} [الكهف: 33] أَيْ أَعْطَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنَ الجنتين، {أُكُلَهَا} [الكهف: 33] ثمرها تاما، {وَلَمْ تَظْلِمْ} [الكهف: 33] لَمْ تُنْقِصْ، {مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا} [الكهف: 33] قَرَأَ الْعَامَّةُ بِالتَّشْدِيدِ، وَقَرَأَ يَعْقُوبُ بتخفيف الجيم، {خِلَالَهُمَا نَهَرًا} [الكهف: 33] يَعْنِي شَقَقْنَا وَأَخْرَجْنَا وَسَطَهُمَا نَهْرًا.
[34]
{وَكَانَ لَهُ} [الكهف: 34] لصاحب البستان، {ثَمَرٌ} [الكهف: 34] قَرَأَ عَاصِمٌ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبُ ثَمَرٌ بِفَتْحِ الثَّاءِ وَالْمِيمِ، وَكَذَلِكَ بِثَمَرِهِ، وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو بِضَمِّ الثَّاءِ سَاكِنَةَ الْمِيمِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِضَمِّهِمَا، فَمَنْ قَرَأَ بِالْفَتْحِ هُوَ جَمْعُ ثَمَرَةٍ وَهُوَ مَا تُخْرِجُهُ الشَّجَرَةُ مِنَ الثِّمَارِ الْمَأْكُولَةِ، وَمَنْ قَرَأَ بِالضَّمِّ فَهِيَ الْأَمْوَالُ الْكَثِيرَةُ الْمُثْمِرَةُ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ، جَمْعُ ثِمَارٍ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ. وَقِيلَ: جَمِيعُ الثَّمَرَاتِ. قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الثَّمَرَةُ تُجْمَعُ عَلَى ثَمَرٍ، وَيُجْمَعُ الثَّمَرُ