الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَرُوِيَ أَنَّ الْحَسَنَ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: اللَّهُمَّ تَصَدَّقْ عليَّ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَتَصَدَّقُ وَإِنَّمَا يَتَصَدَّقُ مَنْ يَبْغِي الثَّوَابَ، قُلِ: اللَّهُمَّ أَعْطِنِي أَوْ تَفَضَّلْ عليَّ.
[89]
{قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ} [يوسف: 89] اخْتَلَفُوا فِي السَّبَبِ الَّذِي حَمَلَ يُوسُفَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، قال ابْنُ إِسْحَاقَ: ذُكِرَ لِي أَنَّهُمْ لَمَّا كَلَّمُوهُ بِهَذَا الْكَلَامِ أَدْرَكَتْهُ الرِّقَّةُ فَارْفَضَّ دَمْعُهُ فَبَاحَ بِالَّذِي كان يكتمه، وَقِيلَ: قَالَهُ حِينَ قَرَأَ كِتَابَ أبيه الذي كتب إِلَيْهِ فَلَمْ يَتَمَالَكِ الْبُكَاءَ، فَقَالَ: هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وأخيه إذا فَرَّقْتُمْ بَيْنَهُمَا، وَصَنَعْتُمْ مَا صَنَعْتُمْ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ بِمَا يَئُولُ إِلَيْهِ أَمْرُ يُوسُفَ؟ وَقِيلَ: مُذْنِبُونَ وَعَاصُونَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: إِذْ أَنْتُمْ شبان وَمَعَكُمْ جَهْلُ الشَّبَابِ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ قَالَ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ وَمَا كَانَ مِنْهُمْ إِلَى أخيه شيء وَهُمْ لَمْ يَسْعَوْا فِي حَبْسِهِ؟ قِيلَ: قَدْ قَالُوا لَهُ فِي الصاع: مَا رَأَيْنَا مِنْكُمْ يَا بَنِي رَاحِيلَ خَيْرًا وَقِيلَ: لَمَّا كَانَا مِنْ أُمٍّ وَاحِدَةٍ كَانُوا يُؤْذُونَهُ مِنْ بَعْدِ فَقْدِ يُوسُفَ.
[90]
{قَالُوا أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ} [يُوسُفُ: 90] قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ: (إِنَّكَ) عَلَى الْخَبَرِ، وَقَرَأَ الآخرون على الاستفهام، {قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي} [يوسف: 90] بِنْيَامِينُ، {قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا} [يوسف: 90] أنعم الله عَلَيْنَا بِأَنْ جَمَعَ بَيْنَنَا {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ} [يوسف: 90] بِأَدَاءِ الْفَرَائِضِ وَاجْتِنَابِ الْمَعَاصِي، {وَيَصْبِرْ} [يوسف: 90] عَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ عز وجل عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَتَّقِي الزنا وَيَصْبِرُ عَنِ الْعُزُوبَةِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يَتَّقِي الْمَعْصِيَةَ وَيَصْبِرُ عَلَى السِّجْنِ، {فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف: 90]
[91]
{قَالُوا} [يوسف: 91] مُعْتَذِرِينَ، {تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا} [يوسف: 91] أَيِ: اخْتَارَكَ اللَّهُ وَفَضَّلَكَ عَلَيْنَا، {وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ} [يوسف: 91] أَيْ: وَمَا كُنَّا فِي صَنِيعِنَا بِكَ إِلَّا مُخْطِئِينَ مُذْنِبِينَ. يُقَالُ: خطئ خطأ إِذَا تَعَمَّدَ، وَأَخْطَأَ إِذَا كَانَ غير متعمد.
[92]
{قَالَ} [يوسف: 92] يُوسُفُ وَكَانَ حَلِيمًا، {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} [يوسف: 92] لا تعيير وَلَا أَذْكُرُ لَكُمْ ذَنْبَكُمْ بَعْدَ الْيَوْمَ، {يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف: 92] فَلَمَّا عَرَّفَهُمْ يُوسُفُ نَفْسَهُ سَأَلَهُمْ عَنْ أَبِيهِ، فَقَالَ: مَا فَعَلَ أَبِي بَعْدِي؟ قَالُوا: ذَهَبَتْ عَيْنَاهُ من البكاء فأعطاهم قميصه، ثم قال:
[93]
{اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا} [يوسف: 93] أَيْ: يَعُدْ مُبْصِرًا. وَقِيلَ: يَأْتِينِي بَصِيرًا لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ دَعَاهُ. قَالَ الْحَسَنُ. لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ يَعُودُ بَصِيرًا إِلَّا بَعْدَ أَنْ أَعْلَمَهُ اللَّهُ عز وجل. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: كَانَ ذَلِكَ الْقَمِيصُ مِنْ نسج الجنة. عن مُجَاهِدٍ قَالَ: أَمَرَهُ جِبْرِيلُ أَنْ يرسل إليه قميصه، فَدَفَعَ يُوسُفُ ذَلِكَ الْقَمِيصَ إِلَى إِخْوَتِهِ وَقَالَ: أَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا، {وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ} [يوسف: 93]
[94]
{وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ} [يوسف: 94] أَيْ خَرَجَتْ مِنْ عَرِيشِ مِصْرَ مُتَوَجِّهَةً إِلَى كَنْعَانَ {قَالَ أَبُوهُمْ} [يوسف: 94] أَيْ: قَالَ يَعْقُوبُ لِوَلَدِ وَلَدِهِ، {إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ} [يوسف: 94] تُسَفِّهُونِي، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: تُجَهِّلُونِي. وقال الضحاك: تهرموني فَتَقُولُونَ شَيْخٌ كَبِيرٌ قَدْ خَرَّفَ وَذَهَبَ عَقْلُهُ. وَقِيلَ: تُضَعِّفُونِي. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: تُضَلِّلُونِي. وَأَصِلُ الْفَنَدِ الفساد.
[95]
{قَالُوا} [يوسف: 95] يَعْنِي: أَوْلَادَ أَوْلَادِهِ، {تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ} [يوسف: 95] لفي خطئك السابق مِنْ ذِكْرِ يُوسُفَ لَا تَنْسَاهُ، والضلال هو الذهاب عن الطريق الصَّوَابِ، فَإِنَّ عِنْدَهُمْ أَنْ يُوسُفَ قَدْ مَاتَ وَيَرَوْنَ يَعْقُوبَ قَدْ لهج بذكره.
[قوله تعالى فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ]
فَارْتَدَّ بَصِيرًا. . . . .
[96]
{فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ} [يوسف: 96] وَهُوَ الْمُبَشِّرُ عَنْ يُوسُفَ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: جَاءَ الْبَشِيرُ بَيْنَ يَدَيِ الْعِيرِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هو يهوذا قال: أَنَا ذَهَبْتُ بِالْقَمِيصِ مُلَطَّخًا بِالدَّمِ إِلَى يَعْقُوبَ فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّ يُوسُفَ أَكَلَهُ الذِّئْبُ فَأَنَا أَذْهَبُ إِلَيْهِ الْيَوْمَ بِالْقَمِيصِ فَأُخْبِرُهُ أَنَّ وَلَدَهُ حَيٌّ فَأُفْرِحُهُ كَمَا أَحْزَنْتُهُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: حَمَلَهُ يَهُوذَا وَخَرَجَ حَافِيًا حَاسِرًا يَعْدُو وَمَعَهُ
سَبْعَةُ أَرْغِفَةٍ لَمْ يَسْتَوْفِ أَكْلَهَا حَتَّى أَتَى أَبَاهُ، وَكَانَتِ الْمَسَافَةُ ثَمَانِينَ فَرْسَخًا. وَقِيلَ: الْبَشِيرُ مَالِكُ بْنُ ذُعْرٍ. {أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ} [يوسف: 96] يَعْنِي: أَلْقَى الْبَشِيرُ قَمِيصَ يُوسُفَ عَلَى وَجْهِ يَعْقُوبَ، {فَارْتَدَّ بَصِيرًا} [يوسف: 96] فعاد بصيرًا بعد ما كان أعمى وَعَادَتْ إِلَيْهِ قُوَّتُهُ بَعْدَ الضَّعْفِ وَشَبَابُهُ بَعْدَ الْهَرَمِ وَسُرُورُهُ بَعْدَ الحزن. {قَالَ} [يوسف: 96] يعني: يعقوب عليه السلام، {أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [يوسف: 96] من حياة يوسف أن اللَّهَ يَجْمَعُ بَيْنَنَا. وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ لِلْبَشِيرِ: كَيْفَ تَرَكْتَ يُوسُفَ؟ قَالَ: إِنَّهُ مَلِكُ مِصْرَ، فَقَالَ يَعْقُوبُ: مَا أَصْنَعُ بِالْمُلْكِ؟ عَلَى أَيِّ دِينٍ تَرَكْتَهُ؟ قَالَ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ، قَالَ: الْآنَ تَمَّتِ النِّعْمَةُ.
[97]
{قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ} [يوسف: 97] مُذْنِبِينَ.
[98]
{قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي} [يوسف: 98] قَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ. أَخَّرَ الدُّعَاءَ إِلَى السَّحَرِ وَهُوَ الْوَقْتُ الَّذِي يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: (هَلْ مِنْ داع فأستجيب له)(1) .
وَعَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي يَعْنِي لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ. وَعَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي، قَالَ: أَسْأَلُ يُوسُفَ إِنْ عَفَا عَنْكُمْ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي {إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [يوسف: 98]
[99]
{فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ} [يوسف: 99] أي: ضم إليه، {أَبَوَيْهِ} [يوسف: 99] قَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: هُوَ أَبُوهُ وَخَالَتُهُ لِيَا؟ وَكَانَتْ أُمُّهُ رَاحِيلُ قَدْ مَاتَتْ فِي نِفَاسِ بِنْيَامِينَ. وقيل: هُوَ أَبُوهُ وَأُمُّهُ وَكَانَتْ حَيَّةً {وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [يوسف: 99] فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قَالَ فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ فَكَيْفَ قَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ بعد ما أَخْبَرَ أَنَّهُمْ دَخَلُوهَا؟ وَمَا وَجْهُ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ وَقَدْ حَصَلَ الدُّخُولُ؟ قِيلَ: إِنَّ يُوسُفَ إِنَّمَا قَالَ لَهُمْ هَذَا الْقَوْلَ حِينَ تَلَقَّاهُمْ قَبْلَ دُخُولِهِمْ مِصْرَ وَفِي الْآيَةِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، وَالِاسْتِثْنَاءُ يَرْجِعُ إِلَى الِاسْتِغْفَارِ وَهُوَ مِنْ قَوْلِ يَعْقُوبَ لِبَنِيهِ: سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَقِيلَ: الِاسْتِثْنَاءُ يَرْجِعُ إِلَى الْأَمْنِ مِنَ الْجَوَازِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَدْخُلُونَ مِصْرَ قَبْلَهُ إِلَّا بِجَوَازٍ مِنْ مُلُوكِهِمْ، يَقُولُ: آمِنِينَ مِنَ الْجَوَازِ إِنْ شاء الله، كَمَا قَالَ:{لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [الْفَتْحِ: 27] وَقِيلَ: (إِنْ) هَا هُنَا بِمَعْنَى إِذْ، يُرِيدُ إِذْ شَاءَ اللَّهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آلِ عِمْرَانَ: 139] أَيْ: إِذْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ.
[100]
{وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} [يوسف: 100] أي: على السرير، أجلسمها. وَالرَّفْعُ هُوَ النَّقْلُ إِلَى الْعُلُوِّ.
{وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا} [يوسف: 100] يعني: يعقوب وخالته وإخوانه وَكَانَتْ تَحِيَّةُ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ السُّجُودَ، ولم يرد
(1) يشير إلى الحديث الصحيح في ذلك أخرجه البخاري في التهجد 3 / 29 ومسلم في صلاة المسافرين رقم (758) 1 / 521.