الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ مُرَادُهُمْ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ إِنَّ اللَّهَ عز وجل أرسل على نمرود وأهله الْبَعُوضَ فَأَكَلَتْ لُحُومَهُمْ وَشَرِبَتْ دِمَاءَهُمْ وَدَخَلَتْ وَاحِدَةٌ فِي دِمَاغِهِ فَأَهْلَكَتْهُ.
[71]
قوله: {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا} [الأنبياء: 71] مِنْ نَمْرُودَ وَقَوْمِهِ مِنْ أَرْضِ الْعِرَاقِ، {إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 71] يَعْنِي الشَّامَ بَارَكَ اللَّهُ فِيهَا بِالْخِصْبِ وَكَثْرَةِ الْأَشْجَارِ وَالثِّمَارِ وَالْأَنْهَارِ، ومنها بعث أكثر الأنبياء. خرج مِنْ كَوْثَى مِنْ أَرْضِ الْعِرَاقِ مُهَاجِرًا إِلَى رَبِّهِ، وَمَعَهُ لُوطٌ وَسَارَةُ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي} [العَنْكَبُوتِ: 26] فَخَرَجَ يَلْتَمِسُ الْفِرَارَ بِدِينِهِ وَالْأَمَانَ عَلَى عبادة ربه.
[72]
{وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً} [الأنبياء: 72] قَالَ مُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ: مَعْنَى النَّافِلَةِ: الْعَطِيَّةُ وَهُمَا جَمِيعًا مِنْ عَطَاءِ الله نافعة يَعْنِي عَطَاءً، قَالَ الْحَسَنُ وَالضَّحَّاكُ. فَضْلًا. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَأَبِي زَيْدٍ وَقَتَادَةَ رضي الله عنهم: النَّافِلَةُ هُوَ يَعْقُوبُ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل أَعْطَاهُ إِسْحَاقَ بِدُعَائِهِ حَيْثُ قَالَ: {هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ} [الصَّافَّاتِ: 100] وزاد يعقوب وهو وِلْدُ الْوَلَدِ، وَالنَّافِلَةُ الزِّيَادَةُ، {وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ} [الأنبياء: 72] يعني إبراهيم وإسحاق ويعقوب.
[قوله تَعَالَى وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا]
إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ. . . .
[73]
{وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} [الْأَنْبِيَاءِ: 73] يقتدى بهم في الخيرات يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا يَدْعُونَ النَّاسَ إِلَى دِينِنَا، {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ} [الأنبياء: 73] يعني العمل بالشرائع، {وَإِقَامَ الصَّلَاةِ} [الأنبياء: 73] يَعْنِي الْمُحَافَظَةَ عَلَيْهَا، {وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ} [الأنبياء: 73] إعطاءها، {وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ} [الأنبياء: 73] موحدين.
[74]
{وَلُوطًا آتَيْنَاهُ} [الأنبياء: 74] يعني وَآتَيْنَا لُوطًا، وَقِيلَ: وَاذْكُرْ لُوطًا آتيناه، {حُكْمًا} [الأنبياء: 74] يَعْنِي الْفَصْلَ بَيْنَ الْخُصُومِ بِالْحَقِّ، {وَعِلْمًا} [الأنبياء: 74] {وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ} [الأنبياء: 74] يعني سدوما وَكَانَ أَهْلُهَا يَأْتُونَ الذُّكْرَانَ فِي أَدْبَارِهِمْ وَيَتَضَارَطُونَ فِي أَنْدِيَتِهِمْ مَعَ أشياء أخر، كانوا يعملونها مِنَ الْمُنْكَرَاتِ، {إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ} [الأنبياء: 74]
[75]
{وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} [الأنبياء: 75]
[76]
{وَنُوحًا إِذْ نَادَى} [الأنبياء: 76] دعا، {مِنْ قَبْلُ} [الأنبياء: 76] يعني مِنْ قَبْلِ إِبْرَاهِيمَ وَلُوطٍ، {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ} [الأنبياء: 76] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مِنَ الْغَرَقِ وَتَكْذِيبِ قَوْمِهِ. وَقِيلَ: لِأَنَّهُ كَانَ أَطْوَلَ الْأَنْبِيَاءِ عُمْرًا وَأَشَدَّهُمْ بَلَاءً والكرب أشد الغم.
[77]
{وَنَصَرْنَاهُ} [الأنبياء: 77] مَنَعْنَاهُ، {مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} [الأنبياء: 77] أَنْ يَصِلُوا إِلَيْهِ بِسُوءٍ. وَقَالَ أبو عبيدة: يعني عَلَى الْقَوْمِ، {إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ} [الأنبياء: 77]
[78]
قوله تعالى: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ} [الأنبياء: 78] اخْتَلَفُوا فِي الْحَرْثِ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: كَانَ الْحَرْثُ كَرْمًا قَدْ تَدَلَّتْ عَنَاقِيدُهُ. وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانَ زَرْعًا، {إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ} [الأنبياء: 78] يعني رَعَتْهُ لَيْلًا فَأَفْسَدَتْهُ، وَالنَّفْشُ الرَّعْيُ بِاللَّيْلِ وَالْهَمَلُ بِالنَّهَارِ وَهُمَا الرَّعْيُ بِلَا رَاعٍ، {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} [الأنبياء: 78] يعني كان ذلك بعلمنا وبمرأى مِنَّا لَا يَخْفَى عَلَيْنَا عِلْمُهُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَالزُّهْرِيُّ: وَذَلِكَ أَنَّ رَجُلَيْنِ دَخَلَا عَلَى داود أحدهما صاحب زرع وَالْآخَرُ صَاحِبُ غَنَمٍ، فَقَالَ صَاحِبُ الزَّرْعِ إِنَّ هَذَا انْفَلَتَتْ غَنَمُهُ لَيْلًا وَوَقَعَتْ فِي حَرْثِي فَأَفْسَدَتْهُ فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ، فَأَعْطَاهُ دَاوُدُ رِقَابَ الْغَنَمِ بِالْحَرْثِ، فَخَرَجَا فَمَرَّا عَلَى سُلَيْمَانَ فَقَالَ: كَيْفَ قَضَى بَيْنَكُمَا؟ فَأَخْبَرَاهُ، فَقَالَ سُلَيْمَانُ: لَوْ وُلِّيتُ أَمْرَهُمَا لَقَضَيْتُ بِغَيْرِ هذا فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ دَاوُدُ فَدَعَاهُ فَقَالَ: كيف تقضي؟ قَالَ: ادْفَعِ الْغَنَمَ إِلَى صَاحِبِ الْحَرْثِ يَنْتَفِعُ بِدَرِّهَا وَنَسْلِهَا وَصُوفِهَا وَمَنَافِعِهَا وَيَبْذُرُ صَاحِبُ الْغَنَمِ لِصَاحِبِ الْحَرْثِ مِثْلَ حَرْثِهِ، فَإِذَا صَارَ الحرث كهيئة يَوْمَ أُكِلَ دُفِعَ إِلَى أَهْلِهِ وَأَخَذَ صَاحِبُ الْغَنَمِ غَنَمَهُ، فَقَالَ دَاوُدُ: الْقَضَاءُ مَا قَضَيْتَ وَحَكَمَ بذلك.
[79]
قوله تعالى: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} [الأنبياء: 79] أَيْ عَلَّمْنَاهُ الْقَضِيَّةَ وَأَلْهَمْنَاهَا سُلَيْمَانَ، {وَكُلًّا} [الأنبياء: 79] يَعْنِي دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ، {آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: 79] قَالَ الْحَسَنُ. لَوْلَا هَذِهِ الْآيَةُ لرأيت الحكام قد أهلكوا وَلَكِنَّ اللَّهَ حَمِدَ هَذَا بِصَوَابِهِ وأثنى على هذا باجتهاده، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول:«كَانَتِ امْرَأَتَانِ مَعَهُمَا ابْنَاهُمَا فَجَاءَ الذِّئْبُ فَذَهَبَ بِابْنِ إِحْدَاهُمَا فَقَالَتْ صَاحِبَتُهَا: إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكَ؟ وَقَالَتِ الْأُخْرَى: إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ فَتَحَاكَمَتَا إِلَى دَاوُدَ فَقَضَى بِهِ لِلْكُبْرَى، فَخَرَجَتَا عَلَى سُلَيْمَانَ وَأَخْبَرَتَاهُ فَقَالَ: ائتوني بالسكين أشقه بينهما، ففالت الصُّغْرَى: لَا تَفْعَلْ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَهُوَ ابْنُهَا فَقَضَى بِهِ لِلصُّغْرَى» (1) . قوله تعالى: {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ} [الأنبياء: 79] أَيْ وَسَخَّرْنَا الْجِبَالَ وَالطَّيْرَ يُسَبِّحْنَ مَعَ دَاوُدَ إِذَا سَبَّحَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ يَفْهَمُ تَسْبِيحَ الحجر والشجر. وقال وَهْبٌ: كَانَتِ الْجِبَالُ تُجَاوِبُهُ بِالتَّسْبِيحِ وَكَذَلِكَ الطَّيْرُ. وَقَالَ قَتَادَةُ. يُسَبِّحْنَ أَيْ يُصَلِّينَ مَعَهُ إِذَا صَلَّى. وقيل: كان داود إذ فَتَرَ يُسْمِعُهُ اللَّهُ تَسْبِيحَ الْجِبَالِ وَالطَّيْرِ لِيَنْشَطَ فِي التَّسْبِيحِ وَيَشْتَاقَ إليه. {وَكُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 79] مَا ذَكَرَ مِنَ التَّفْهِيمِ وَإِيتَاءِ الْحُكْمِ وَالتَّسْخِيرِ.
[80]
{وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ} [الأنبياء: 80] المراد بِاللَّبُوسِ هُنَا الدُّرُوعُ لِأَنَّهَا تُلْبَسُ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِكُلِّ مَا يُلْبَسُ وَيُسْتَعْمَلُ فِي الْأَسْلِحَةِ كُلِّهَا، وَهُوَ بِمَعْنَى الْمَلْبُوسِ كَالْجُلُوسِ وَالرُّكُوبِ، قَالَ قَتَادَةُ: أَوَّلُ مَنْ صَنَعَ الدُّرُوعَ وَسَرَدَهَا وَحَلَّقَهَا دَاوُدُ وَكَانَتْ مِنْ قَبْلُ صَفَائِحَ وَالدِّرْعُ يجمع الخفة والحصانة، {لِتُحْصِنَكُمْ} [الأنبياء: 80] لتحرزكم وتمنعكم، {مِنْ بَأْسِكُمْ} [الأنبياء: 80] أي من حَرْبِ عَدُوِّكُمْ، قَالَ السُّدِّيُّ: مِنْ وقع السلاح فيكم وقيل: ليحصنكم الله {فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ} [الأنبياء: 80] يَقُولُ لِدَاوُدَ وَأَهْلِ بَيْتِهِ. وَقِيلَ: يَقُولُ لِأَهْلِ مَكَّةَ. فَهَلْ أَنْتُمْ شاكرون نعمي بطاعة الرسول.
[81]
{وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً} [الأنبياء: 81] أَيْ وَسَخَّرْنَا لِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ وَهِيَ هواء متحرك وهم جِسْمٌ لَطِيفٌ يَمْتَنِعُ بِلُطْفِهِ مِنَ الْقَبْضِ عَلَيْهِ، وَيَظْهَرُ لِلْحِسِّ بِحَرَكَتِهِ، وَالرِّيحُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، عَاصِفَةٌ شَدِيدَةُ الْهُبُوبِ، فَإِنْ قِيلَ: قَدْ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً وَالرُّخَاءُ اللِّينُ؟ قِيلَ: كَانَتِ الرِّيحُ تَحْتَ أَمْرِهِ إِنْ أَرَادَ أَنْ تَشْتَدَّ اشْتَدَّتْ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ تَلِينَ لَانَتْ، {تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} [الأنبياء: 81] يَعْنِي الشَّامَ وَذَلِكَ أَنَّهَا كَانَتْ تَجْرِي لِسُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِهِ حَيْثُ شَاءَ سليمان ثم يعود إِلَى مَنْزِلِهِ بِالشَّامِ {وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ} [الأنبياء: 81] علمناه، {عَالِمِينَ} [الأنبياء: 81] بصحة التدبير فيه أي عَلِمْنَا أَنَّ مَا يُعْطَى سُلَيْمَانُ من
(1) أخرجه البخاري في الأنبياء 6 / 458 ومسلم في الأقضية رقم (1720) 3 / 1343.