الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عبادتهم» (1) . {وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ} [التوبة: 31] أَيِ: اتَّخَذُوهُ إِلَهًا، {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: 31]
[قوله تعالى يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ]
وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ. . . .
[32]
{يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ} [التوبة: 32] أَيْ: يُبْطِلُوا دِينَ اللَّهِ بِأَلْسِنَتِهِمْ وَتَكْذِيبِهِمْ إِيَّاهُ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: النُّورُ الْقُرْآنُ، أَيْ: يُرِيدُونَ أَنْ يَرُدُّوا الْقُرْآنَ بِأَلْسِنَتِهِمْ تَكْذِيبًا، {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ} [التوبة: 32] أي: يعلي دينه، ويظهر، وَيُتِمَّ الْحَقَّ الَّذِي بَعَثَ بِهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم {وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة: 32]
[33]
{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ} [التوبة: 33] يَعْنِي: الَّذِي يَأْبَى إِلَّا إِتْمَامَ دِينِهِ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم: {بِالْهُدَى} [التوبة: 33] قيل القرآن. وَقِيلَ: بِبَيَانِ الْفَرَائِضِ، {وَدِينِ الْحَقِّ} [التوبة: 33] وهو الإسلام، {لِيُظْهِرَهُ} [التوبة: 33] لِيُعْلِيَهُ، وَيَنَصُرَهُ، {عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} [التوبة: 33] على سائر الأديان كلها، {وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة: 33] وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ، قال ابْنُ عَبَّاسٍ: الْهَاءُ عَائِدَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لِيُعَلِّمَهُ شَرَائِعَ الدِّينِ كُلَّهَا فَيُظْهِرَهُ عَلَيْهَا حَتَّى لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهَا شَيْءٌ. وَقَالَ الْآخَرُونَ: الْهَاءُ رَاجِعَةٌ إِلَى دِينِ الْحَقِّ، وَظُهُورُهُ عَلَى الْأَدْيَانِ هُوَ أَنْ لَا يُدَانَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَّا بِهِ. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَالضَّحَّاكُ: وَذَلِكَ عِنْدَ نُزُولِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ لَا يَبْقَى أَهْلُ دِينٍ إِلَّا دخل في الإسلام. قَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ: مَعْنَى الْآيَةِ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ بِالْحُجَجِ الْوَاضِحَةِ. وَقِيلَ: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الْأَدْيَانِ الَّتِي حَوْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فيغلبها. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: فَقَدْ أَظْهَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْأَدْيَانِ كُلِّهَا بِأَنْ أَبَانَ لِكُلِّ مَنْ سَمِعَهُ أَنَّهُ الْحُقُّ، وَمَا خَالَفَهُ مِنَ الأديان باطل، وقال. وأظهره على الشرك دين أهل الكتاب ودين الأميين، فَقَهَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْأُمِّيِّينَ حَتَّى دَانُوا بِالْإِسْلَامِ طَوْعًا وَكَرْهًا، وَقَتَلَ أَهْلَ الْكِتَابِ وَسَبَى، حَتَّى دَانَ بَعْضُهُمْ بِالْإِسْلَامِ، وَأَعْطَى بَعْضُهُمُ الْجِزْيَةَ صَاغِرِينَ، وَجَرَى عَلَيْهِمْ حُكْمُهُ، فَهَذَا ظُهُورُهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[34]
يقوله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ} [التوبة: 34] يَعْنِي: الْعُلَمَاءَ وَالْقُرَّاءَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، {لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ} [التوبة: 34] يُرِيدُ لَيَأْخُذُونَ الرِّشَا فِي أَحْكَامِهِمْ، وَيُحَرِّفُونَ كِتَابَ اللَّهِ، وَيَكْتُبُونَ بِأَيْدِيهِمْ كُتُبًا يَقُولُونَ هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَيَأْخُذُونَ بِهَا ثَمَنًا قَلِيلًا مِنْ سَفَلَتِهِمْ، وَهِيَ الْمَآكِلُ الَّتِي يُصِيبُونَهَا مِنْهُمْ عَلَى تَغْيِيرِ نَعْتِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يخافون لو صدقوه لَذَهَبَتْ عَنْهُمْ تِلْكَ الْمَآكِلُ، {وَيَصُدُّونَ} [التوبة: 34] وَيَصْرِفُونَ النَّاسَ، {عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 34] دِينِ اللَّهِ عز وجل، {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 34] قال ابن عمر
(1) أخرجه الطبري في التفسير 14 / 215، ورواه مختصرا الترمذي في تفسير سورة براءة 8 / 492-494 وقال: حديث غريب.
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. كُلُّ مَالٍ تُؤَدَّى زَكَاتُهُ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ، وَإِنْ كَانَ مَدْفُونًا وَكُلُّ مَالٍ لَا تُؤَدَّى زَكَاتُهُ فَهُوَ كَنْزٌ، وَإِنْ إن لَمْ يَكُنْ مَدْفُونًا. وَمِثْلُهُ عَنْ ابن عباس. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: كُلُّ مَالٍ زَادَ عَلَى أَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ فَهُوَ كَنْزٌ، أَدَّيْتَ مِنْهُ الزَّكَاةَ أَوْ لَمْ تُؤَدِّ، وَمَا دُونَهَا نَفَقَةٌ. وَقِيلَ: مَا فَضُلَ عَنِ الْحَاجَةِ فَهُوَ كنز والقول الأول أصح أن الْآيَةَ فِي مَنْعِ الزَّكَاةِ لَا فِي جَمْعِ الْمَالِ الْحَلَالِ. قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ» (1) ". قَوْلُهُ عز وجل: {وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 34] قيل: لم قال: (وَلَا يُنْفِقُونَهَا)، وَلَمْ يَقُلْ: وَلَا يُنْفِقُونَهُمَا، وَقَدْ ذَكَرَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ جَمِيعًا؟ قِيلَ: أَرَادَ الْكُنُوزَ وَأَعْيَانَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. وَقِيلَ: رَدَّ الْكِنَايَةَ إِلَى الْفِضَّةِ لأنها أعم، كما قال:{وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ} [الْبَقَرَةِ: 45] رَدَّ الْكِنَايَةَ إِلَى الصَّلَاةِ لِأَنَّهَا أَعَمُّ {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: 34] أَيْ: أَنْذِرْهُمْ.
[35]
{يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ} [التوبة: 35] أَيْ: تُدْخَلُ النَّارُ، فَيُوقَدُ عَلَيْهَا أي: على الكنوز، محالة {فَتُكْوَى بِهَا} [التوبة: 35] فتحرق بها، {جِبَاهُهُمْ} [التوبة: 35] أَيْ: تُدْخَلُ النَّارُ فَيُوقَدُ عَلَيْهَا أي: {وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ} [التوبة: 35] سئل أَبُو بَكْرٍ الْوَرَّاقُ: لِمَ خَصَّ الْجِبَاهَ وَالْجَنُوبَ وَالظُّهُورَ بِالْكَيِّ؟ قَالَ: لِأَنَّ الْغَنِيَّ صَاحِبَ الْكَنْزِ إِذَا رأى الفقير قبض جبهته، وَزَوَى مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَوَلَّاهُ ظَهْرَهُ، وَأَعْرَضَ عَنْهُ بِكَشْحِهِ. قَوْلُهُ تعالى:{هَذَا مَا كَنَزْتُمْ} [التوبة: 35] أَيْ: يُقَالُ لَهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ، {لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} [التوبة: 35] أَيْ: تَمْنَعُونَ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَمْوَالِكُمْ. وَقَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ: هَذِهِ الْآيَةُ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ. وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ. هِيَ عَامَّةٌ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُسْلِمِينَ، وَبِهِ قَالَ أَبُو ذَرٍّ رضي الله عنه.
[36]
قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ} [التوبة: 36] أَيْ: عَدَدَ الشُّهُورِ، {عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ} [التوبة: 36] وَهِيَ الْمُحَرَّمُ وَصَفْرٌ وَرَبِيعٌ الْأَوَّلُ وربيع الثَّانِي وَجُمَادَى الْأُولَى وَجُمَادَى الْآخِرَةُ ورجب وشعبان ورمضان وَشَوَّالٌ وَذُو الْقِعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ. وقوله: {فِي كِتَابِ اللَّهِ} [التوبة: 36] أَيْ: فِي حُكْمِ اللَّهِ. وَقِيلَ: في اللوح المحفوظ {يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [التوبة: 36] وَالْمُرَادُ مِنْهُ الشُّهُورُ الْهِلَالِيَّةُ، وَهِيَ الشُّهُورُ الَّتِي يَعْتَدُّ بِهَا الْمُسْلِمُونَ فِي صِيَامِهِمْ وَحَجِّهِمْ وَأَعْيَادِهِمْ وَسَائِرِ أمورهم، الشمسية تكون السنة ثلثمائة وَخَمْسَةً وَسِتِّينَ يَوْمًا وَرُبْعَ يَوْمٍ، والهلالية تنقص عن ثلاث مائة وَسِتِّينَ يَوْمًا بِنُقْصَانِ الْأَهِلَّةِ. وَالْغَالِبُ أنها تكون ثلاثمائة يوم وَأَرْبَعَةً وَخَمْسِينَ يَوْمًا، {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة: 36] مِنَ الشُّهُورِ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ وَهِيَ: رَجَبٌ وَذُو الْقِعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، وَاحِدٌ فَرْدٌ وَثَلَاثَةٌ سَرْدٌ {ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [التَّوْبَةِ: 36] أَيِ: الْحِسَابُ الْمُسْتَقِيمُ، {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: 36] قِيلَ: قَوْلُهُ: (فِيهِنَّ) يَنْصَرِفُ إِلَى جَمِيعِ شُهُورِ السَّنَةِ، أَيْ: فَلَا تظلموا فيهن أنفسكم بفعل المعصية، وَتَرْكِ الطَّاعَةِ. وَقِيلَ:(فِيهِنَّ) أَيْ: فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ. قَالَ قَتَادَةُ: الْعَمَلُ الصَّالِحُ أَعْظَمُ أَجْرًا فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَالظُّلْمُ فِيهِنَّ أَعْظَمُ مِنَ الظُّلْمِ فِيمَا سِوَاهُنَّ، وَإِنْ كَانَ الظُّلْمُ عَلَى كُلِّ حَالٍ عَظِيمًا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ يُرِيدُ اسْتِحْلَالَ الْحَرَامِ وَالْغَارَةَ فِيهِنَّ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ: لَا تَجْعَلُوا حَلَالَهَا حَرَامًا وَلَا حَرَامَهَا حَلَالًا كَفِعْلِ أَهْلِ الشِّرْكِ وَهُوَ النسيء، {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [التوبة: 36] جَمِيعًا عَامَّةً، {كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [التوبة: 36] وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَحْرِيمِ الْقِتَالِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ. فَقَالَ قَوْمٌ: كَانَ كَبِيرًا، ثُمَّ نُسِخَ بِقَوْلِهِ:(وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً) كَأَنَّهُ يَقُولُ فِيهِنَّ وَفِي غَيْرِهِنَّ. وَهُوَ قَوْلُ قتادة وعطاء الخراساني
(1) قال العلامة العجلوني في كتابة كشف الخفاء ج2 ص 424: "رواه أحمد وابن منيع عن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه.