الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أشركوا، قوله:{وَأَسَرُّوا} [الأنبياء: 3] فِعْلٌ تَقَدَّمَ الْجَمْعَ وَكَانَ حَقُّهُ وَأَسَرَّ، قَالَ الْكِسَائِيُّ: فِيهِ تَقْدِيمٌ وتأخير، أراد: الذين ظَلَمُوا أَسَرُّوا النَّجْوَى. وَقِيلَ: مَحَلُّ الذين رفع على أَسَرُّوا. قَالَ الْمُبَرِّدُ: هَذَا كَقَوْلِكَ: إِنَّ الَّذِينَ فِي الدَّارِ انْطَلَقُوا بَنُو عَبْدِ اللَّهِ، عَلَى الْبَدَلِ مِمَّا فِي انْطَلَقُوا.
ثُمَّ بَيَّنَ سِرَّهِمُ الَّذِي تَنَاجَوْا بِهِ فَقَالَ: {هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} [الأنبياء: 3] أَنْكَرُوا إِرْسَالَ الْبَشَرِ وَطَلَبُوا إِرْسَالَ الملائكة، {أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ} [الأنبياء: 3] يعني تَحْضُرُونَ السِّحْرَ وَتَقْبَلُونَهُ، {وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} [الأنبياء: 3] تعلمون أنه سحر.
[4]
{قَالَ} [الأنبياء: 4] لهم مُحَمَّدُ، {رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [الأنبياء: 4] قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ: {قَالَ رَبِّي} [الأنبياء: 4] عَلَى الْخَبَرِ عَنْ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، {يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [الأنبياء: 4] أَيْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ، {وَهُوَ السَّمِيعُ} [الأنبياء: 4] لأقوالهم، {الْعَلِيمُ} [الأنبياء: 4] بِأَفْعَالِهِمْ.
[5]
{بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ} [الأنبياء: 5] أَبَاطِيلُهَا وَأَقَاوِيلُهَا وَأَهَاوِيلُهَا رَآهَا فِي النوم، {بَلِ افْتَرَاهُ} [الأنبياء: 5] أختلقه، {بَلْ هُوَ شَاعِرٌ} [الأنبياء: 5] يَعْنِي أَنَّ الْمُشْرِكِينَ اقْتَسَمُوا الْقَوْلَ فِيهِ وَفِيمَا يَقُولُهُ، قَالَ بَعْضُهُمْ: أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ هُوَ فِرْيَةٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ مُحَمَّدٌ شَاعِرٌ وَمَا جَاءَكُمْ بِهِ شعر. {فَلْيَأْتِنَا} [الأنبياء: 5] محمد، {بِآيَةٍ} [الأنبياء: 5] إن كان صادقًا ماله {كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ} [الأنبياء: 5] مِنَ الرُّسُلِ بِالْآيَاتِ.
[6]
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مُجِيبًا لَهُمْ: {مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ} [الأنبياء: 6] أي قَبْلَ مُشْرِكِي مَكَّةَ، {مِنْ قَرْيَةٍ} [الأنبياء: 6] أَيْ مِنْ أَهْلِ قَرْيَةٍ أَتَتْهُمُ الآيات، {أَهْلَكْنَاهَا} [الأنبياء: 6] أهلكناهم بالتكذيب، {أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ} [الأنبياء: 6] إن جاءتهم آية، معناه: أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا بِالْآيَاتِ لَمَّا أَتَتْهُمْ أَفَيُؤْمِنُ هَؤُلَاءِ.
[7]
{وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ} [الأنبياء: 7] هَذَا جَوَابٌ لِقَوْلِهِمْ: {هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} [الأنبياء: 3] يَعْنِي إِنَّا لَمْ نُرْسِلِ الْمَلَائِكَةَ إِلَى الْأَوَّلِينَ إِنَّمَا أَرْسَلْنَا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ، {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ} [الأنبياء: 7] يَعْنِي أَهْلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يُرِيدُ عُلَمَاءَ أَهْلِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُمْ لَا يُنْكِرُونَ أَنَّ الرُّسُلَ كَانُوا بَشَرًا، وَإِنْ أَنْكَرُوا نُبُوَّةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَأَمَرَ الْمُشْرِكِينَ بِمَسْأَلَتِهِمْ لِأَنَّهُمْ إِلَى تَصْدِيقِ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَقْرَبُ مِنْهُمْ إِلَى تَصْدِيقِ مَنْ آمَنَ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: أَرَادَ بِالذِّكْرِ الْقُرْآنَ فَاسْأَلُوا الْمُؤْمِنِينَ الْعَالَمِينَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْآنِ، {إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء: 7]
[8]
{وَمَا جَعَلْنَاهُمْ} [الأنبياء: 8] أي الرسل، {جَسَدًا} [الأنبياء: 8] وَلَمْ يَقُلْ أَجْسَادًا لِأَنَّهُ اسْمُ الجنس، {لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ} [الأنبياء: 8] هَذَا رَدٌّ لِقَوْلِهِمْ: {مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ} [الفُرْقَانِ: 7] يَقُولُ: لَمْ نَجْعَلِ الرُّسُلَ مَلَائِكَةً بَلْ جَعَلْنَاهُمْ بَشَرًا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ، {وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ} [الأنبياء: 8] فِي الدُّنْيَا.
[9]
{ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ} [الأنبياء: 9] الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ بِإِهْلَاكِ أَعْدَائِهِمْ، {فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ} [الأنبياء: 9] يعني أَنْجَيْنَا الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ صَدَّقُوهُمْ، {وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ} [الأنبياء: 9] يعني الْمُشْرِكِينَ الْمُكَذِّبِينَ، وَكُلُّ مُشْرِكٍ مُسْرِفٌ عَلَى نَفْسِهِ.
[10]
{لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا} [الأنبياء: 10] يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، {فِيهِ ذِكْرُكُمْ} [الأنبياء: 10] يعني شَرَفُكُمْ، كَمَا قَالَ:{وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} [الزُّخْرُفِ: 44] وَهُوَ شَرَفٌ لمن آمن به، وقال مُجَاهِدٌ: فِيهِ حَدِيثُكُمْ. وَقَالَ الْحَسَنُ: فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَيْ ذِكْرُ مَا تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنْ أَمْرِ دِينِكُمْ، {أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [الأنبياء: 10]
[قوله تعالى وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا]
بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ. . . .
[11]
{وَكَمْ قَصَمْنَا} [الأنبياء: 11] أَهْلَكْنَا، وَالْقَصْمُ الْكَسْرُ، {مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً} [الأنبياء: 11] أَيْ كَافِرَةً، يَعْنِي أَهْلَهَا، {وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا} [الأنبياء: 11] يعني: أَحْدَثْنَا بَعْدَ هَلَاكِ أَهْلِهَا، {قَوْمًا آخَرِينَ} [الأنبياء: 11]
[12]
{فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا} [الأنبياء: 12] يعني رَأَوْا عَذَابَنَا بِحَاسَّةِ الْبَصَرِ، {إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ} [الأنبياء: 12] يعني يسرعون هاربين.
[13]
{لَا تَرْكُضُوا} [الأنبياء: 13] يعني قِيلَ لَهُمْ لَا تَرْكُضُوا
لا تهربوا لا تذهبوا، {وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ} [الأنبياء: 13] يعنى نَعِمْتُمْ بِهِ، {وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 13] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: عَنْ قَتْلِ نبيكم وقيل: من دنياكم شيئا.
[14]
{قَالُوا يا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} [الأنبياء: 14]
[15]
{فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ} [الأنبياء: 15] أَيْ تِلْكَ الْكَلِمَةُ وَهِيَ قَوْلُهُمْ يَا وَيْلَنَا، دُعَاؤُهُمْ يَدْعُونَ بِهَا ويرددونها؟ {حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا} [الأنبياء: 15] كما يحصد الزرع، {خَامِدِينَ} [الأنبياء: 15] ميتين.
[16]
{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ} [الأنبياء: 16] أَيْ عَبَثًا وَبَاطِلًا.
[17]
{لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا} [الأنبياء: 17] اخْتَلَفُوا فِي اللَّهْوِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ: اللَّهْوُ ههنا الْمَرْأَةُ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْكَلْبِيِّ. اللَّهْوُ الْوَلَدُ وَهُوَ قَوْلُ السُّدِّيِّ، وَهُوَ فِي الْمَرْأَةِ أَظْهَرُ لِأَنَّ الْوَطْءَ يُسَمَّى لَهْوًا فِي اللُّغَةِ، وَالْمَرْأَةُ مَحَلُّ الْوَطْءِ {لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا} [الأنبياء: 17] يعني من عندنا من حور الْعَيْنِ لَا مِنْ عِنْدِكُمْ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَوْ كَانَ جَائِزًا ذَلِكَ فِي صِفَتِهِ لَمْ يَتَّخِذْهُ بِحَيْثُ يَظْهَرُ لَهُمْ بل يستر ذَلِكَ حَتَّى لَا يَطَّلِعُوا عَلَيْهِ، وَتَأْوِيلُ الْآيَةِ أَنَّ النَّصَارَى لَمَّا قَالُوا فِي الْمَسِيحِ وَأَمِّهِ مَا قَالُوا رَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِهَذَا وقال:{لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا} [الأنبياء: 17] لِأَنَّكُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ وَلَدَ الرَّجُلِ وَزَوْجَتَهُ يَكُونَانِ عِنْدَهُ، لَا عِنْدَ غيره، {إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 17] قَالَ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ وَابْنُ جُرَيْجٍ: (إن) للنفي، معناه: مَا كُنَّا فَاعِلِينَ. وَقِيلَ: {إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 17] لِلشَّرْطِ أَيْ إِنْ كُنَّا مِمَّنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا، وَلَكِنَّا لَمْ نَفْعَلْهُ لِأَنَّهُ لَا يليق بالربوبية.
[18]
{بَلْ} [الأنبياء: 18] يعني دَعْ ذَلِكَ الَّذِي قَالُوا فَإِنَّهُ كذب وباطل، {نَقْذِفُ} [الأنبياء: 18] نرمي ونسلط، {بِالْحَقِّ} [الأنبياء: 18] بالإيمان، {عَلَى الْبَاطِلِ} [الأنبياء: 18] عَلَى الْكُفْرِ، وَقِيلَ. الْحَقُّ قَوْلُ الله، فإنه لَا وَلَدَ لَهُ، وَالْبَاطِلُ قَوْلُهُمُ أتخذ الله ولدا، {فَيَدْمَغُهُ} [الأنبياء: 18] يعني يهلكه، وَأَصْلُ الدَّمْغِ شَجُّ الرَّأْسِ حَتَّى يَبْلُغَ الدِّمَاغَ، {فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} [الأنبياء: 18] ذاهب، والمعنى: أنا نبطل كذبهم بما تبين مِنَ الْحَقِّ حَتَّى يَضْمَحِلَّ وَيَذْهَبَ، ثُمَّ أَوْعَدَهَمْ عَلَى كَذِبِهِمْ فَقَالَ:{وَلَكُمُ الْوَيْلُ} [الأنبياء: 18] يَا مَعْشَرَ الْكُفَّارِ. {مِمَّا تَصِفُونَ} [الأنبياء: 18] اللَّهَ بِمَا لَا يَلِيقُ بِهِ مِنَ الصَّاحِبَةِ وَالْوَلَدِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ. مِمَّا تَكْذِبُونَ.
[19]
{وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الأنبياء: 19] عبيدا وملكا، {وَمَنْ عِنْدَهُ} [الأنبياء: 19] يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ. {لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ} [الأنبياء: 19] ولا يَأْنَفُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَتَعَظَّمُونَ عنها، {وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ} [الأنبياء: 19] لَا يَعْيَوْنَ، يُقَالُ: حَسِرَ وَاسْتَحْسَرَ إِذَا تَعِبَ وَأَعْيَا. وَقَالَ السُّدِّيُّ: لا ينقطعون عَنِ الْعِبَادَةِ.
[20]
{يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء: 20] لا يضعفون، قَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ: التَّسْبِيحُ لَهُمْ كَالنَّفَسِ لِبَنِي آدَمَ.
[21]
{أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً} [الأنبياء: 21] اسْتِفْهَامٌ بِمَعْنَى الْجَحْدِ