الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[57]
{أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} [الإسراء: 57] يعني الذين يدعونهم المشركون أنهم آلِهَةً يَعْبُدُونَهُمْ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ: وَهُمْ عِيسَى وَأُمُّهُ وَعُزَيْرٌ وَالْمَلَائِكَةُ، وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ، {يَبْتَغُونَ} [الإسراء: 57] أَيْ يَطْلُبُونَ {إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} [الإسراء: 57] أَيِ الْقُرْبَةَ. وَقِيلَ: الْوَسِيلَةُ الدَّرَجَةُ أَيْ يَتَضَرَّعُونَ إِلَى اللَّهِ فِي طَلَبِ الدَّرَجَةِ الْعُلْيَا. وَقِيلَ: الْوَسِيلَةُ كُلُّ مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى. وَقَوْلُهُ {أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} [النساء: 11] مَعْنَاهُ يَنْظُرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ إِلَى اللَّهِ فَيَتَوَسَّلُونَ بِهِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: أَيُّهُمْ أَقْرَبُ يَبْتَغِي الْوَسِيلَةَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَيَتَقَرَّبُ إِلَيْهِ بِالْعَمَلِ الصالح، {وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ} [الإسراء: 57] جَنَّتَهُ، {وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} [الإسراء: 57] أَيْ يُطْلَبُ مِنْهُ الْحَذَرُ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: نَزَلَتِ الْآيَةُ فِي نَفَرٍ مِنَ الْعَرَبِ كَانُوا يَعْبُدُونَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ فَأَسْلَمَ الْجِنِّيُّونَ وَلَمْ يَعْلَمِ الْإِنْسُ الَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَهُمْ بِإِسْلَامِهِمْ، فَتَمْسَّكُوا بِعِبَادَتِهِمْ فَعَيَّرَهُمُ اللَّهُ وَأَنْزَلَ هَذِهِ الآية، وقرأ ابن مسعود (الَّذِينَ تَدْعُونَ) بِالتَّاءِ.
[58]
{وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ} [الإسراء: 58] وَمَا مِنْ قَرْيَةٍ {إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الإسراء: 58] أَيْ: مُخَرِّبُوهَا وَمُهْلِكُوا أَهْلَهَا، {أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا} [الإسراء: 58] بِأَنْوَاعِ الْعَذَابِ إِذَا كَفَرُوا وَعَصَوْا. وَقَالَ مُقَاتِلٌ وَغَيْرُهُ: مُهْلِكُوهَا فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِينَ بِالْإِمَاتَةِ وَمُعَذِّبُوهَا فِي حَقِّ الْكُفَّارِ بِأَنْوَاعِ الْعَذَابِ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: إِذَا ظَهَرَ الزِّنَا وَالرِّبَا فِي قَرْيَةٍ أذن الله في إهلاكها. {كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ} [الإسراء: 58] في اللوح المحفوظ، {مَسْطُورًا} [الإسراء: 58] مَكْتُوبًا. قَالَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمُ فَقَالَ: اكْتُبْ، فَقَالَ: مَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: الْقَدَرُ، وَمَا كَانَ وَمَا هُوَ كائن إلى الأبد» (1) .
[قوله تعالى وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ]
كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ. . . .
[59]
قوله: {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ} [الإسراء: 59] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «سَأَلَ أَهْلُ مَكَّةَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَجْعَلَ لَهُمُ الصَّفَا ذَهَبًا وَأَنْ يُنَحِّيَ الْجِبَالَ عَنْهُمْ فَيَزْرَعُوا فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم: إِنْ شِئْتَ أَنْ أَسَتَأْنِيَ بِهِمْ فَعَلْتُ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ أُوتِيهِمْ مَا سَأَلُوا فَعَلْتُ، فَإِنْ لم يؤمنوا أهلكهم كَمَا أَهْلَكْتُ مَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " لَا بَلْ تَسْتَأْنِي بِهِمْ» (2) فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: (وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ) الَّتِي سَأَلَهَا كُفَّارُ قُرَيْشٍ (إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ) فَأَهْلَكْنَاهُمْ، فَإِنْ لَمْ يُؤَمِنْ قَوْمُكَ بَعْدَ إِرْسَالِ الآيات أهلكناهم، لأن من شأننا فِي الْأُمَمِ إِذَا سَأَلُوا الْآيَاتِ ثُمَّ لَمْ يُؤْمِنُوا بَعْدَ إِتْيَانِهَا أَنْ نُهْلِكَهُمْ وَلَا نُمْهِلَهُمْ، وَقَدْ حكمنا بإمهال هذه الأمة في العذاب، فَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ:{بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} [الْقَمَرِ: 46] ثُمَّ قَالَ: {وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً} [الإسراء: 59] مضيئة بينة، {فَظَلَمُوا بِهَا} [الإسراء: 59] أَيْ: جَحَدُوا بِهَا أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ كَمَا قَالَ: {بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ} [الْأَعْرَافِ: 9] أَيْ: يَجْحَدُونَ وَقِيلَ: ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِتَكْذِيبِهَا يُرِيدُ فَعَاجَلْنَاهُمْ بِالْعُقُوبَةِ، {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ} [الإسراء: 59] أَيِ: الْعِبَرِ وَالدَّلَالَاتِ، {إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59] لِلْعِبَادِ لِيُؤْمِنُوا. قَالَ قَتَادَةُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُخَوِّفُ النَّاسَ بِمَا شَاءَ مِنْ آيَاتِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ.
[60]
قَوْلُهُ عز وجل: {وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ} [الإسراء: 60] أَيْ: هُمْ فِي قَبْضَتِهِ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الْخُرُوجِ عَنْ مَشِيئَتِهِ فَهُوَ حَافِظُكَ وَمَانِعُكَ مِنْهُمْ فَلَا تهبهم وامض إلى ما أمر الله بِهِ مِنْ تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ، كَمَا قَالَ:{وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [الْمَائِدَةِ: 67]{وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} [الإسراء: 60] فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مَا رَأَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ مِنَ الْعَجَائِبِ وَالْآيَاتِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هِيَ رُؤْيَا عَيْنٍ أُرِيَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنِ
(1) أخرجه أبو داود في السنة 7 / 69 والترمذي في القدر 6 / 368 والإمام أحمد في المسند 5 / 317 والطيالسي في مسنده ص 79 وصححه الألباني في تعليقه على المشكاة 1 / 34.
(2)
أخرجه الإمام أحمد في المسند 1 / 258 والحاكم في المستدرك 2 / 362 قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح.
وَمَسْرُوقٍ وَقَتَادَةَ وَمُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ وَابْنِ جريج والأكثرون (1) وَالْعَرَبُ تَقُولُ: رَأَيْتُ بِعَيْنِي رُؤْيَةً وَرُؤْيَا، فَلَمَّا ذَكَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلنَّاسِ أنكر بعضهم ذلك، وكذبوا وكان فِتْنَةً لِلنَّاسِ. وَقَالَ قَوْمٌ: أُسْرِيَ بِرُوحِهِ دُونَ بَدَنِهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كان له معراجان رُؤْيَةٍ بِالْعَيْنِ وَمِعْرَاجُ رُؤْيَا بِالْقَلْبِ، وَقَالَ قَوْمٌ: أَرَادَ بِهَذِهِ الرُّؤْيَا مَا رَأَى صلى الله عليه وسلم عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ أَنَّهُ دَخَلَ مكة هو وأصحابه فجعل السَّيْرَ إِلَى مَكَّةَ قَبْلَ الْأَجَلِ فَصَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ، فَرَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَكَانَ رُجُوعُهُ فِي ذَلِكَ الْعَامِ بعد ما أخبر أنه يدخلها فكان رجوعه فِتْنَةً لِبَعْضِهِمْ، حَتَّى دَخَلَهَا فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:{لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ} [الْفَتْحِ: 27]{وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ} [الإسراء: 60] يَعْنِي شَجَرَةَ الزَّقُّومِ، مَجَازُهُ وَالشَّجَرَةُ الْمَلْعُونَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْقُرْآنِ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِكُلِّ طَعَامٍ كَرِيهٍ: طَعَامٌ مَلْعُونٌ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ الْمَلْعُونُ آكِلُهَا، وَنُصِبَ الشَّجَرَةُ عَطْفًا عَلَى الرُّؤْيَا، أَيْ: وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ، فَكَانَتِ الْفِتْنَةُ فِي الرُّؤْيَا مَا ذَكَرْنَا، وَالْفِتْنَةُ فِي الشَّجَرَةِ الْمَلْعُونَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ أَبَا جَهْلٍ قَالَ: إِنَّ ابْنَ أَبِي كَبْشَةَ يُوعِدُكُمْ بِنَارٍ تُحْرِقُ الْحِجَارَةَ ثُمَّ يَزْعُمُ أَنَّهُ يَنْبُتُ فِيهَا شَجَرَةٌ، وَتَعْلَمُونَ أَنَّ النَّارَ تُحْرِقُ الشَّجَرَةَ، وَالثَّانِي: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزِّبَعْرَى قَالَ: إِنَّ مُحَمَّدًا يُخَوِّفُنَا بِالزَّقُّومِ وَلَا نَعْرِفُ الزَّقُّومَ إِلَّا الزُّبْدَ وَالتَّمْرَ، وَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: يَا جَارِيَةُ تَعَالِي فَزَقِّمِينَا فَأَتَتْ بِالتَّمْرِ وَالزُّبْدِ، فَقَالَ: يَا قَوْمُ تَزَقَّمُوا فَإِنَّ هَذَا مَا يُخَوِّفُكُمْ بِهِ مُحَمَّدٌ، فَوَصَفَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الصَّافَّاتِ. وَقِيلَ: الشَّجَرَةُ الْمَلْعُونَةُ هِيَ الَّتِي تَلْتَوِي على الشجر فتخنقه، يَعْنِي الْكَشُوثَ، {وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ} [الإسراء: 60] التخويف، {إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا} [الإسراء: 60] أي: تمردا وعتوا عظيما.
[61]
قَوْلُهُ عز وجل: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا} [الإسراء: 61] أي: خلقته من طين.
[62]
{قَالَ} [الإسراء: 62] يعني إبليس، {أَرَأَيْتَكَ} [الإسراء: 62] أَيْ أَخْبِرْنِي وَالْكَافُ لِتَأْكِيدِ الْمُخَاطَبَةِ، {هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ} [الإسراء: 62] أي: فضلته علي: {لَئِنْ أَخَّرْتَنِي} [الإسراء: 62] أَمْهَلْتَنِي {إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ} [الإسراء: 62] أَيْ: لَأَسْتَأْصِلَنَّهُمْ بِالْإِضْلَالِ، يُقَالُ: احْتَنَكَ الْجَرَادُ الزَّرْعَ إِذَا أَكَلَهُ كُلَّهُ. وَقِيلَ: هُوَ مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ حنك الدابة يحنك إِذَا شَدَّ فِي حَنَكِهَا الْأَسْفَلِ حَبْلًا يَقُودُهَا، أَيْ لَأَقُودَنَّهُمْ كَيْفَ شِئْتُ. وَقِيلَ: لَأَسْتَوْلِيَنَّ عَلَيْهِمْ بِالْإِغْوَاءِ، {إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: 62] يَعْنِي الْمَعْصُومِينَ الَّذِينَ اسْتَثْنَاهُمُ اللَّهُ عز وجل فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الإسراء: 65]
[63]
{قَالَ} [الإسراء: 63] اللَّهُ {اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ} [الإسراء: 63]
(1) أخرجه البخاري في تفسير سورة الإسراء 8 / 398.