الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَعْرِفُونَهَا أَيْ كَرَامَتَهُمْ عَلَيْنَا. وَقِيلَ: رأى لؤمًا أخذ الطَّعَامِ مِنْ أَبِيهِ وَإِخْوَتِهِ مَعَ حَاجَتِهِمْ إِلَيْهِ فَرَدَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ تَكَرُّمًا. وَقَالَ الكلبي: تخوف ألا يَكُونَ عِنْدَ أَبِيهِ مِنَ الْوَرِقِ مَا يَرْجِعُونَ بِهِ مَرَّةً أُخْرَى. وَقِيلَ: فَعَلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ دِيَانَتَهُمْ تَحْمِلُهُمْ عَلَى رَدِّ الْبِضَاعَةِ نَفْيًا لِلْغَلَطِ وَلَا يَسْتَحِلُّونَ إِمْسَاكَهَا.
[63]
{فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يا أَبَانَا} [يوسف: 63] إِنَّا قَدِمْنَا عَلَى خَيْرِ رَجُلٍ أَنْزَلَنَا وَأَكْرَمَنَا كَرَامَةً لَوْ كَانَ رَجُلًا مِنْ أَوْلَادِ يَعْقُوبَ مَا أَكْرَمَنَا كَرَامَتَهُ، فَقَالَ لَهُمْ يَعْقُوبُ: إِذَا أَتَيْتُمْ مَلِكَ مِصْرَ فَأَقْرِئُوهُ مِنِّي السَّلَامَ، وَقُولُوا لَهُ: إِنَّ أَبَانَا يُصَلِّي عَلَيْكَ وَيَدْعُو لَكَ بِمَا أَوْلَيْتَنَا، ثُمَّ قَالَ: أَيْنَ شَمْعُونُ؟ قَالُوا: ارْتَهَنَهُ مَلِكُ مِصْرَ وَأَخْبَرُوهُ بِالْقِصَّةِ، فَقَالَ لَهُمْ: وَلِمَ أَخْبَرْتُمُوهُ؟ قَالُوا: إِنَّهُ أَخَذَنَا وَقَالَ أَنْتُمْ جَوَاسِيسُ حَيْثُ كَلَّمْنَاهُ بِلِسَانِ الْعِبْرَانِيَّةِ، وَقَصُّوا عَلَيْهِ الْقِصَّةَ، وَقَالُوا: يَا أَبَانَا {مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ} [يوسف: 63] قَالَ الْحَسَنُ: مَعْنَاهُ يُمْنَعُ مِنَّا الْكَيْلُ إِنْ لَمْ تَحْمِلْ أَخَانَا مَعَنَا. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَعْطَى بِاسْمِ كل واحد منا حملًا ويمنع مِنَّا الْكَيْلَ لِبِنْيَامِينَ، وَالْمُرَادُ بِالْكَيْلِ الطعام لأنه كان يكال، {فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا} [يوسف: 63] بنيامين، {نَكْتَلْ} [يوسف: 63] قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ. (يَكْتَلْ) بِالْيَاءِ، يعني: يكيل لِنَفْسِهِ كَمَا نَحْنُ نَكْتَالُ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ:(نَكْتَلْ) بِالنُّونِ: يَعْنِي: نَكْتَلْ نَحْنُ وَهُوَ الطَّعَامُ. وَقِيلَ: نَكْتَلْ له، {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [يوسف: 63]
[قوله تعالى قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ]
عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا. . . .
[64]
{قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ} [يُوسُفَ: 64] يوسف {مِنْ قَبْلُ} [يوسف: 64] أَيْ: كَيْفَ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ وَقَدْ فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ مَا فَعَلْتُمْ؟ {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا} [يوسف: 64] قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ: (حَافِظًا) بِالْأَلْفِ عَلَى التَّفْسِيرِ، كَمَا يُقَالُ: هُوَ خَيْرٌ رَجُلًا، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ:(حِفْظًا) بِغَيْرِ أَلْفٍ عَلَى الْمَصْدَرِ، يَعْنِي: خَيْرُكُمْ حِفْظًا، يَقُولُ: حِفْظُهُ خَيْرٌ مِنْ حِفْظِكُمْ. {وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف: 64]
[65]
{وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ} [يوسف: 65] الَّذِي حَمَلُوهُ مِنْ مِصْرَ، {وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ} [يوسف: 65] ثم الطَّعَامِ، {رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي} [يوسف: 65] أَيْ: مَاذَا نَبْغِي وَأَيَّ شَيْءٍ نَطْلُبُ؟ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا لِيَعْقُوبَ عليه السلام إِحْسَانَ الْمَلِكِ إِلَيْهِمْ وَحَثُّوهُ عَلَى إِرْسَالِ بِنْيَامِينَ مَعَهُمْ، فَلَمَّا فَتَحُوا الْمَتَاعَ وَوَجَدُوا الْبِضَاعَةَ، قَالُوا: يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي، {هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا} [يوسف: 65] أَيَّ شَيْءٍ نَطْلُبُ بِالْكَلَامِ فَهَذَا هُوَ الْعِيَانُ مِنَ الْإِحْسَانِ وَالْإِكْرَامِ، أَوْفَى لَنَا الْكَيْلَ وردَّ عَلَيْنَا الثَّمَنَ، أَرَادُوا تَطْيِيبَ نَفْسِ أَبِيهِمْ، {وَنَمِيرُ أَهْلَنَا} [يوسف: 65] أَيْ: نَشْتَرِي لَهُمُ الطَّعَامَ فَنَحْمِلُهُ إِلَيْهِمْ. يُقَالُ: مَارَ أَهْلَهُ يَمِيرُ مَيْرًا إِذَا حَمَلَ إِلَيْهِمُ الطَّعَامَ من بَلَدٍ آخَرَ. وَمِثْلُهُ امْتَارَ يَمْتَارُ امتيارًا. {وَنَحْفَظُ أَخَانَا} [يوسف: 65] بِنْيَامِينَ، أَيْ: مِمَّا تَخَافُ عَلَيْهِ. {وَنَزْدَادُ} [يوسف: 65] على أحمالنا، {كَيْلَ بَعِيرٍ} [يوسف: 65] أَيْ: حِمْلَ بَعِيرٍ يُكَالُ لَنَا مِنْ أَجْلِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُعْطِي بِاسْمِ كُلِّ رَجُلٍ حِمْلَ بَعِيرٍ، {ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ} [يوسف: 65] أَيْ: مَا حَمَلْنَاهُ قَلِيلٌ لَا يفينا وَأَهْلَنَا. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ نَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ لَا مؤنة فيه ولا مشقة.
[66]
{قَالَ} [يوسف: 66] لَهُمْ يَعْقُوبُ، {لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ} [يوسف: 66] تعطون {مَوْثِقًا} [يوسف: 66] أي: ميثاقًا وعهدًا، {مِنَ اللَّهِ} [يوسف: 66] وَالْعَهْدُ الْمُوَثَّقُ: الْمُؤَكَّدُ بِالْقَسَمِ. وَقِيلَ: الْمُؤَكَّدُ بِإِشْهَادِ اللَّهِ عَلَى نَفْسِهِ {لَتَأْتُنَّنِي بِهِ} [يوسف: 66] وَأَدْخَلَ اللَّامَ فِيهِ لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ الْيَمِينُ، {إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ} [يوسف: 66] قَالَ مُجَاهِدٌ: إِلَّا أَنْ تَهْلَكُوا جَمِيعًا. وَقَالَ قَتَادَةُ: إِلَّا أَنْ تَغْلِبُوا حَتَّى لَا تُطِيقُوا ذَلِكَ. وَفِي الْقِصَّةِ: أَنَّ الْإِخْوَةَ ضَاقَ الْأَمْرُ عَلَيْهِمْ وَجَهِدُوا أَشَدَّ الْجُهْدِ، فَلَمْ يَجِدْ يَعْقُوبُ بُدًّا مِنْ إِرْسَالِ بِنْيَامِينَ مَعَهُمْ. {فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ} [يوسف: 66] أعطوه عهودهم، {قَالَ} [يوسف: 66] يَعْنِي: يَعْقُوبَ، {اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} [يوسف: 66] شَاهِدٌ. وَقِيلَ: حَافَظٌ. قَالَ كَعْبٌ: لَمَّا قَالَ يَعْقُوبُ {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف: 64] قَالَ اللَّهُ عز وجل: «وَعِزَّتِي لِأَرُدَّنَّ عَلَيْكَ كِلَيْهِمَا بَعْدَمَا تَوَكَّلْتَ عليَّ.
»
[67]
{وَقَالَ} [يوسف: 67] لَهُمْ يَعْقُوبُ لَمَّا أَرَادُوا الْخُرُوجَ مِنْ عِنْدِهِ، {يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ} [يوسف: 67] وَذَلِكَ أَنَّهُ خَافَ عَلَيْهِمُ الْعَيْنَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا أُعْطُوا جَمَالًا وَقُوَّةً وَامْتِدَادَ قَامَةٍ، وَكَانُوا وَلَدَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَتَفَرَّقُوا فِي دُخُولِهِمْ لِئَلَّا يُصَابُوا بِالْعَيْنِ، فَإِنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ، وَجَاءَ فِي الْأَثَرِ:«إِنَّ الْعَيْنَ تُدْخِلُ الرَّجُلَ الْقَبْرَ وَالْجَمَلَ الْقِدْرَ» (1) .
وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ يَرْجُو أَنْ يَرَوْا يُوسُفَ فِي التَّفَرُّقِ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. ثُمَّ قَالَ: {وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} [يوسف: 67] مَعْنَاهُ: إِنْ كَانَ اللَّهُ قَضَى فِيكُمْ قَضَاءً فَيُصِيبُكُمْ مُجْتَمِعِينَ كُنْتُمْ أَوْ مُتَفَرِّقِينَ، فَإِنَّ الْمَقْدُورَ كَائِنٌ والحذر لا ينفع عن القدر، {إِنِ الْحُكْمُ} [يوسف: 67] ما الحكم، {إِلَّا لِلَّهِ} [يوسف: 67] هَذَا تَفْوِيضُ يَعْقُوبَ أُمُورَهُ إِلَى الله، {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} [يوسف: 67] اعتمدت، {وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} [يوسف: 67]
[68]
{وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ} [يوسف: 68] أَيْ: مِنَ الْأَبْوَابِ الْمُتَفَرِّقَةِ. وَقِيلَ: كَانَتِ الْمَدِينَةُ مَدِينَةَ الْفَرْمَاءِ وَلَهَا أَرْبَعَةُ أَبْوَابٍ، فَدَخَلُوهَا مِنْ أَبْوَابِهَا، {مَا كَانَ يُغْنِي} [يوسف: 68] يَدْفَعُ {عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} [يوسف: 68] صَدَقَ اللَّهُ تَعَالَى يَعْقُوبَ فِيمَا قال، {إِلَّا حَاجَةً} [يوسف: 68] مُرَادًا، {فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا} [يوسف: 68] أَشْفَقَ عَلَيْهِمْ إِشْفَاقَ الْآبَاءِ عَلَى أَبْنَائِهِمْ وَجَرَى الْأَمْرُ عَلَيْهِ، {وَإِنَّهُ} [يوسف: 68] يَعْنِي: يَعْقُوبَ عليه السلام، {لَذُو عِلْمٍ} [يوسف: 68] يَعْنِي: كَانَ يَعْمَلُ مَا يَعْمَلُ عَنْ عِلْمٍ لَا عَنْ جَهْلٍ، {لِمَا عَلَّمْنَاهُ} [يوسف: 68] أَيْ: لِتَعْلِيمِنَا إِيَّاهُ. وَقِيلَ: إِنَّهُ لِعَامِلٍ بِمَا عَلِمَ. قَالَ سُفْيَانُ: مَنْ لَا يَعْمَلُ بِمَا يَعْلَمُ لا يكون عالمًا. وقيل: إنه لَذُو حِفْظٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف: 68] مَا يَعْلَمُ يَعْقُوبُ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَسْلُكُوا طَرِيقَ إِصَابَةِ الْعِلْمِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا يَعْلَمُ الْمُشْرِكُونَ مَا أَلْهَمَ اللَّهُ أَوْلِيَاءَهُ.
[69]
{وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ} [يُوسُفَ: 69] قَالُوا: هَذَا أَخُونَا الَّذِي أَمَرْتَنَا أَنْ نَأْتِيَكَ بِهِ قَدْ جِئْنَاكَ بِهِ، فَقَالَ: أَحْسَنْتُمْ وَأَصَبْتُمْ، وَسَتَجِدُونَ جَزَاءَ ذَلِكَ عِنْدِي، ثُمَّ أنزلهم فأكرم منزلتهم، ثُمَّ أَضَافَهُمُ وَأَجْلَسَ كُلَّ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ عَلَى مَائِدَةٍ فَبَقِيَ بِنْيَامِينُ وَحِيدًا فَبَكَى وَقَالَ: لَوْ كَانَ أَخِي يُوسُفُ حَيًّا لَأَجْلَسَنِي مَعَهُ، فقال يوسف: لقد بقي أحدكم هَذَا وَحِيدًا فَأَجْلَسَهُ مَعَهُ عَلَى مَائِدَتِهِ فَجَعَلَ يُواكله فَلَمَّا كَانَ الليل أمر لهم بمثل، وَقَالَ لِيَنَمْ كُلُّ أَخَوَيْنِ مِنْكُمْ عَلَى مِثَالٍ، فَبَقِيَ بِنْيَامِينُ وَحَدَهُ، فَقَالَ يُوسُفُ: هَذَا يَنَامُ مَعِي عَلَى فِرَاشِي، فَنَامَ مَعَهُ فَجَعَلَ يُوسُفُ يَضُمُّهُ إِلَيْهِ وَيَشُمُّ رِيحَهُ حَتَّى أَصْبَحَ، وَجَعَلَ رُوبِينُ يَقُولُ: مَا رَأَيْنَا مِثْلَ هَذَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ، قَالَ لَهُمْ: إِنِّي أَرَى هَذَا الرَّجُلَ لَيْسَ مَعَهُ ثَانٍ فَسَأَضُمُّهُ إِلَيَّ فَيَكُونُ مَنْزِلُهُ مَعِي، ثُمَّ أَنْزَلَهُمْ مُنْزِلًا وَأَجْرَى عَلَيْهِمُ الطعام، وأنزل أخاه لأمه، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:{آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ} [يوسف: 69]
(1) رواه الإمام مالك في الموطأ في كتاب العين، ورواه الإمام أحمد في مسنده ج 3 / 447، بلفظ:(إن العين حق) .