الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَهُمْ فِيهَا.
[50]
{إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ} [التوبة: 50] نصرة وغنيمة، {تَسُؤْهُمْ} [التوبة: 50] تُحْزِنْهُمْ، يَعْنِي: الْمُنَافِقِينَ، {وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ} [التوبة: 50] قَتْلٌ وَهَزِيمَةٌ، {يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا} [التوبة: 50] حَذَرَنَا، أَيْ: أَخَذْنَا بِالْحَزْمِ فِي الْقُعُودِ عَنِ الْغَزْوِ، {مِنْ قَبْلُ} [التوبة: 50] أَيْ: مِنْ قَبْلِ هَذِهِ الْمُصِيبَةِ، {وَيَتَوَلَّوْا} [التوبة: 50] ويدبروا {وَهُمْ فَرِحُونَ} [التوبة: 50] مَسْرُورُونَ بِمَا نَالَكَ مِنَ الْمُصِيبَةِ.
[51]
{قُلْ} [التوبة: 51] لِهَمْ يَا مُحَمَّدُ {لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} [التوبة: 51] أَيْ: عَلَيْنَا فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ، {هُوَ مَوْلَانَا} [التوبة: 51] نَاصِرُنَا وَحَافِظُنَا. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: هُوَ أَوْلَى بِنَا مِنْ أَنْفُسِنَا فِي الْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ، {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [التوبة: 51]
[52]
{قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا} [التوبة: 52] تَنْتَظِرُونَ بِنَا أَيُّهَا الْمُنَافِقُونَ، {إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} [التوبة: 52] إِمَّا النَّصْرَ وَالْغَنِيمَةَ أَوِ الشَّهَادَةَ وَالْمَغْفِرَةَ، وَرَوَيْنَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«تَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ لَا يُخْرِجُهُ مَنْ بَيْتِهِ إِلَّا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ وَتَصْدِيقُ كَلِمَتِهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ يُرْجِعَهُ إِلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ مَعَ مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ» (1) . {وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ} [التوبة: 52] إِحْدَى السَّوْأَتَيْنِ إِمَّا {أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ} [التوبة: 52] فَيُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَ الْأُمَمَ الْخَالِيَةَ {أَوْ بِأَيْدِينَا} [التوبة: 52] أو بِأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ إِنْ أَظْهَرْتُمْ مَا فِي قُلُوبِكُمْ، {فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ} [التوبة: 52] قَالَ الْحَسَنُ: فَتَرَبَّصُوا مَوَاعِيدَ الشَّيْطَانِ إِنَّا مُتَرَبِّصُونَ مَوَاعِيدَ اللَّهِ مِنْ إِظْهَارِ دِينِهِ وَاسْتِئْصَالِ مَنْ خَالَفَهُ.
[53]
{قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا} [التوبة: 53] أَمْرٌ بِمَعْنَى الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ، أَيْ: إِنْ أَنْفَقْتُمْ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا، نَزَلَتْ فِي جَدِّ بْنِ قَيْسٍ حِينَ اسْتَأْذَنَ فِي الْقُعُودِ، قَالَ أُعِينُكُمْ بِمَالِي، يَقُولُ: إِنْ أَنْفَقْتُمْ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا {لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ} [التوبة: 53] أَيْ: لِأَنَّكُمْ، {كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ} [التوبة: 53]
[54]
{وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ} [التوبة: 54] صَدَقَاتُهُمْ، {إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ} [التوبة: 54] أَيِ: الْمَانِعُ مِنْ قَبُولِ نَفَقَاتِهِمْ كُفْرُهُمْ، {وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى} [التوبة: 54] مُتَثَاقِلُونَ لِأَنَّهُمْ لَا يَرْجُونَ عَلَى أَدَائِهَا ثَوَابًا، وَلَا يَخَافُونَ عَلَى تَرْكِهَا عِقَابًا، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ ذَمَّ الْكَسَلَ فِي الصَّلَاةِ وَلَا صَلَاةَ لَهُمْ أَصْلًا؟ قِيلَ: الذَّمُّ وَاقِعٌ عَلَى الْكَفْرِ الَّذِي يَبْعَثُ عَلَى الْكَسَلِ، فَإِنَّ الْكُفْرَ مُكَسِّلٌ وَالْإِيمَانَ مُنَشِّطٌ، {وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ} [التوبة: 54] لِأَنَّهُمْ يُعِدُّونَهَا مَغْرَمًا وَمَنْعَهَا مَغْنَمًا.
[قوله تعالى فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا]
يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا. . . .
[55]
{فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ} [التوبة: 55] وَالْإِعْجَابُ هُوَ السُّرُورُ بِمَا يُتَعَجَّبُ مِنْهُ، يَقُولُ: لَا تَسْتَحْسِنُ مَا أَنْعَمْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ لِأَنَّ الْعَبْدَ إِذَا كَانَ مِنَ اللَّهِ فِي اسْتِدْرَاجٍ كَثَّرَ اللَّهُ مَالَهُ وَوَلَدَهُ، {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [التوبة: 55] فَإِنْ قِيلَ: أَيْ تَعْذِيبٌ فِي الْمَالِ وَالْوَلَدِ وَهُمْ يَتَنَعَّمُونَ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا؟ قِيلَ: قَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: فِي الْآيَةِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، تَقْدِيرُهُ: فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْآخِرَةِ. وَقِيلَ: التَّعْذِيبُ بِالْمَصَائِبِ الْوَاقِعَةِ فِي الْمَالِ وَالْوَلَدِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: يُعَذِّبُهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا بِأَخْذِ الزَّكَاةِ مِنْهَا وَالنَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَقِيلَ: يُعَذِّبُهُمْ بِالتَّعَبِ فِي جَمْعِهِ وَالْوَجَلِ فِي حِفْظِهِ وَالْكُرْهِ فِي إِنْفَاقِهِ، وَالْحَسْرَةِ عَلَى تَخْلِيفِهِ عِنْدَ مَنْ لَا يَحْمَدُهُ، ثُمَّ يُقْدِمُ عَلَى مَلِكٍ لَا يعذره.
{وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ} [التوبة: 55] أي: تخرج، {وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة: 55] أَيْ: يَمُوتُونَ عَلَى الْكُفْرِ.
[56]
{وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ} [التوبة: 56] أَيْ: عَلَى دِينِكُمْ، {وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ} [التوبة: 56]
(1) أخرجه البخاري في الخمس 1 / 220 ومسلم في الإمارة رقم (1876) 3 / 1496.
يخافوا أَنْ يُظْهِرُوا مَا هُمْ عَلَيْهِ.
[57]
{لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً} [التوبة: 57] حرزا أو حصنا أو معقلا. وَقَالَ عَطَاءٌ: مَهْرَبًا. وَقِيلَ: قَوْمًا يأمنون فيهم. {أَوْ مَغَارَاتٍ} [التوبة: 57] فِي الْجِبَالِ جَمْعُ مَغَارَةٍ وَهُوَ الموضع الذي تغور فيه، أي تستتر. وَقَالَ عَطَاءٌ: سَرَادِيبَ. {أَوْ مُدَّخَلًا} [التوبة: 57] موضع دخول فيه، وهو من أدخل يُدخل، وأصله: مدتخل مفتعل، من دخل يُدْخِلُ قَالَ مُجَاهِدٌ: مَحْرَزًا. وَقَالَ قَتَادَةُ: سِرْبًا. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: نَفَقًا فِي الْأَرْضِ كَنَفَقِ الْيَرْبُوعِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: وَجْهًا يَدْخُلُونَهُ عَلَى خِلَافِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وقرأ يعقوب (مَدْخلا) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَخْفِيفِ الدَّالِ، وهو أيضا موضع الدخول، {لَوَلَّوْا إِلَيْهِ} [التوبة: 57] لَأَدْبَرُوا إِلَيْهِ هَرَبًا مِنْكُمْ، {وَهُمْ يَجْمَحُونَ} [التوبة: 57] يُسْرِعُونَ فِي إِبَاءٍ وَنُفُورٍ لَا يَرُدُّ وُجُوهَهُمْ شَيْءٌ. وَمَعْنَى الْآيَةِ: أَنَّهُمْ لَوْ يَجِدُونَ مَخْلَصًا مِنْكُمْ ومهربا لفارقوكم.
[58]
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ} [التوبة: 58] الْآيَةُ. نَزَلَتْ فِي ذِي الْخُوَيْصِرَةِ التَّمِيمِيِّ، وَاسْمُهُ حُرْقُوصُ بْنُ زُهَيْرٍ أصل الخوارج {يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ} [التوبة: 58] أَيْ: يَعِيبُكَ فِي أَمْرِهَا وَتَفْرِيقِهَا، وَيَطْعَنُ عَلَيْكَ فِيهَا. يُقَالُ: لَمَزَهُ وَهَمَزَهُ، أَيْ: عَابَهُ، يَعْنِي أَنَّ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّ مُحَمَّدًا لَا يُعْطِي إِلَّا مَنْ أَحَبِّ. وقرأ يعقوب (يلمزك) وكذلك يلمزون في الحجرات (ولا تلمزوا) كل ذلك بضم الميم فيهن، وقرأ الباقون بكسر الميم فيهن وهما لغتان يلمُزُ ويلمِز مثل يحسُر ويحسِر ويعكِف ويعكُف. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يَلْمُزُكَ أَيْ: يَرُوزُكَ يَعْنِي يَخْتَبِرُكَ. {فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ} [التوبة: 58] قِيلَ: إِنْ أُعْطُوا كَثِيرًا فَرِحُوا، وَإِنْ أُعْطُوا قَلِيلًا سَخِطُوا.
[59]
{وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} [التوبة: 59] أَيْ: قَنَعُوا بِمَا قَسَمَ لَهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ {وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ} [التوبة: 59] كَافِينَا اللَّهُ، {سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ} [التوبة: 59] مَا نَحْتَاجُ إِلَيْهِ {إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ} [التوبة: 59] فِي أَنْ يُوَسِّعَ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلِهِ، فَيُغْنِينَا عَنِ الصَّدَقَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ. وَجَوَابُ (لَوْ) مَحْذُوفٌ أَيْ: لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَعْوَدَ عَلَيْهِمْ.
[60]
قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60] الْآيَةَ، بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هذه الآية أهل الصدقات، وجعلها لثمانية أصناف، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَرْضَ بِحُكْمِ نَبِيٍّ وَلَا غَيْرِهِ فِي الصَّدَقَاتِ حَتَّى حَكَمَ فِيهَا هو فجزأها ثمانية أجزاء» (1) قوله: {لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60] فَأَحَدُ أَصْنَافِ الصَّدَقَةِ: الْفُقَرَاءُ، وَالثَّانِي: المساكين:
(1) أخرجه أبو داود في الزكاة 2 / 230، 231 والدارقطني في الزكاة 2 / 137 والبيهقي في السنن 4 / 174، وقال المنذري: في إسناده عبد الرحمن بن زياد الإفريقي، وقد تكلم فيه غير واحد.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي صِفَةِ الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحُسْنُ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَعِكْرِمَةُ وَالزُّهْرِيُّ: الْفَقِيرُ الَّذِي لَا يَسْأَلُ وَالْمِسْكِينُ الَّذِي يَسْأَلُ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَيْسَ بِفَقِيرٍ مَنْ جَمَعَ الدِّرْهَمَ إِلَى الدِّرْهَمِ وَالتَّمْرَةَ إِلَى التَّمْرَةِ، وَلَكِنْ مَنْ أَنْقَى نَفْسَهُ وَثِيَابَهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أغنياء من التعفف، فذلك الفقير. وَقَالَ قَتَادَةُ: الْفَقِيرُ الْمُحْتَاجُ الزَّمِنُ، وَالْمِسْكِينُ الصَّحِيحُ الْمُحْتَاجُ، وَرُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ قَالَ: الْفُقَرَاءُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمَسَاكِينُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ. الْفَقِيرُ مَنْ لَا مَالَ لَهُ، وَلَا حِرْفَةَ تَقَعُ مِنْهُ مَوْقِعًا زَمِنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ زَمِنٍ، وَالْمِسْكِينُ مَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ أَوْ حِرْفَةٌ وَلَا يغنيه، سائلا كان أَوْ غَيْرَ سَائِلٍ. فَالْمِسْكِينُ عِنْدَهُ أَحْسَنُ حَالًا مِنَ الْفَقِيرِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ:{أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ} [الكهف: 79] أثبت لمهم مِلْكًا مَعَ اسْمِ الْمَسْكَنَةِ، وَعِنْدَ أَصْحَابِ الرَّأْيِ الْفَقِيرُ أَحْسَنُ حَالًا من المسكين. وقال القتبي: الْفَقِيرُ الَّذِي لَهُ الْبُلْغَةُ مِنَ الْعَيْشِ، وَالْمِسْكِينُ الَّذِي لَا شَيْءَ لَهُ. وَقِيلَ: الْفَقِيرُ مِنْ لَهُ الْمَسْكَنُ وَالْخَادِمُ، وَالْمِسْكِينُ مَنْ لَا ملك له. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: الْفُقَرَاءُ هُمُ الْمُهَاجِرُونَ، وَالْمَسَاكِينُ مَنْ لَمْ يُهَاجِرُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ. وَفِي الْجُمْلَةِ الْفَقْرُ وَالْمَسْكَنَةُ عِبَارَتَانِ عَنِ الْحَاجَةِ وَضَعْفِ الْحَالِ، فَالْفَقِيرُ الْمُحْتَاجُ الَّذِي كَسَرَتِ الْحَاجَةُ فِقَارَ ظَهْرِهِ، وَالْمِسْكِينُ الَّذِي ضَعُفَتْ نَفْسُهُ، وَسَكَنَتْ عَنِ الْحَرَكَةِ في طلب القوت. قوله تعالى:{وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [التوبة: 60] وَهُمُ السُّعَاةُ الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَ قَبْضَ الصَّدَقَاتِ مِنْ أَهْلِهَا وَوَضْعَهَا فِي حَقِّهَا، فَيُعْطَوْنَ مَنْ مَالِ الصَّدَقَةِ فُقَرَاءً كَانُوا أَوْ أَغْنِيَاءً، فَيُعْطَوْنَ مثل أجر عَمَلِهِمْ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَمُجَاهِدٌ: لَهُمُ الثُّمُنُ مِنَ الصَّدَقَةِ. {وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} [التوبة: 60] فَالصِّنْفُ الرَّابِعُ مِنَ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلصَّدَقَةِ هُمُ الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ، وَهُمْ قِسْمَانِ: قِسْمٌ مُسْلِمُونَ وَقِسْمٌ كُفَّارٌ، فَأَمَّا الْمُسْلِمُونَ فَقِسْمَانِ قِسْمٌ دَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ وَنِيَّتُهُمْ ضَعِيفَةٌ فِيهِ، فَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعْطِيهِمْ تَأَلُّفًا كَمَا أَعْطَى عُيَيْنَةَ بْنَ بَدْرٍ وَالْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ والعباس بن مرداس السلمي. أَوْ أَسْلَمُوا وَنِيَّتُهُمْ قَوِيَّةٌ فِي الْإِسْلَامِ وَهُمْ شُرَفَاءُ فِي قَوْمِهِمْ مِثْلُ عُدَيِّ بْنِ حَاتِمٍ وَالزِّبْرِقَانِ بْنِ بَدْرٍ، فَكَانَ يُعْطِيهِمْ تَأَلُّفًا لِقَوْمِهِمْ وَتَرْغِيبًا لِأَمْثَالِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ، فَهَؤُلَاءِ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُعْطِيَهُمْ مِنْ خمسِ خُمْسِ الْغَنِيمَةِ، وَالْفَيْءِ سَهْمَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعْطِيهِمْ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يُعْطِيهِمْ مِنَ الصَّدَقَاتِ. وَالْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ مُؤَلَّفَةِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَكُونَ قَوْمٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِإِزَاءِ قوم كفار من موضع مُتَناءٍ لَا تَبْلُغُهُمْ جُيُوشُ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا بِمُؤْنَةٍ كَثِيرَةٍ وَهُمْ لَا يُجَاهِدُونَ، إِمَّا لِضَعْفِ نِيَّتِهِمْ أَوْ لِضَعْفِ حَالِهِمْ، فَيَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُعْطِيَهُمْ مِنْ سَهْمِ الْغُزَاةِ مِنْ مَالِ الصَّدَقَةِ. وَقِيلَ: مِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ. وَمِنْهُمْ قَوْمٌ بِإِزَاءِ جَمَاعَةٍ مِنْ مَانِعِي الزَّكَاةِ يَأْخُذُونَ مِنْهُمُ الزَّكَاةَ يَحْمِلُونَهَا إِلَى الْإِمَامِ فَيُعْطِيهِمُ الْإِمَامُ مِنْ سَهْمِ الْمُؤَلِّفَةِ مِنَ الصَّدَقَاتِ. وَقِيلَ: مِنْ سَهْمِ سَبِيلِ اللَّهِ. رُوِيَ أَنَّ عُدَيَّ بْنَ حَاتِمٍ جاء إلى أبي بَكْرٍ الصَّدِيقَ بِثَلَاثِمِائَةٍ مِنَ الْإِبِلِ مِنْ صَدَقَاتِ قَوْمِهِ فَأَعْطَاهُ أَبُو بَكْرٍ مِنْهَا ثَلَاثِينَ بَعِيرًا. وَأَمَّا الْكُفَّارُ مِنَ الْمُؤَلَّفَةِ فَهُوَ مَنْ يُخْشَى شَرُّهُ مِنْهُمْ أَوْ يُرْجَى إِسْلَامُهُ، فَيُرِيدُ الْإِمَامُ أَنَّ يُعْطِيَ هَذَا حَذَرًا مِنْ شَرِّهِ أَوْ يعطي ذلك ترغيبا به فِي الْإِسْلَامِ، فَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعْطِيهِمْ مِنْ خُمْسِ الْخُمْسِ، كَمَا أَعْطَى صفوان بن أمية لما كان يَرَى مِنْ مَيْلِهِ إِلَى الْإِسْلَامِ قوله تعالى:{وَفِي الرِّقَابِ} [التوبة: 60] وَالصِّنْفُ الْخَامِسُ هُمُ الرِّقَابُ وَهُمُ الْمُكَاتَبُونَ لَهُمْ سَهْمٌ مِنَ الصَّدَقَةِ، هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ، وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالنَّخَعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ: يُشْتَرَى بِسَهْمِ الرِّقَابِ عبيدا فَيُعْتَقُونَ. وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ. قَوْلُهُ تعالى:{وَالْغَارِمِينَ} [التوبة: 60] والصنف السَّادِسُ هُمْ الْغَارِمُونَ وَهُمْ قِسْمَانِ: قسم