الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[92]
{فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ} [يونس: 92] أَيْ: نُلْقِيكَ عَلَى نَجْوَةٍ مِنَ الْأَرْضِ، وَهِيَ الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ، وَقَرَأَ يعقوب (ننجيك) بالتخفيف، {بِبَدَنِكَ} [يونس: 92] بِجَسَدِكَ لَا رُوحَ فِيهِ، وَقِيلَ: بِبَدَنِكَ: بِدِرْعِكَ، وَكَانَ لَهُ دِرْعٌ مَشْهُورٌ مُرَصَّعٌ بِالْجَوَاهِرِ، فَرَأَوْهُ فِي درعه فصدقوا موسى. {لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} [يونس: 92] عِبْرَةً وَعِظَةً، {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ} [يونس: 92]
[93]
{وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} [يونس: 93] أَنْزَلْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ بَعْدَ هَلَاكِ فرعون، {مُبَوَّأَ صِدْقٍ} [يونس: 93] مَنْزِلَ صِدْقٍ، يَعْنِي. مِصْرَ، وَقِيلَ: الْأُرْدُنُ وَفِلَسْطِينُ، وَهِيَ الْأَرْضُ الْمُقَدَّسَةُ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ مِيرَاثًا لِإِبْرَاهِيمَ وَذُرِّيَّتِهِ، قَالَ الضَّحَّاكُ: هِيَ: مِصْرُ والشام، {وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} [يونس: 93] الحلالات، {فَمَا اخْتَلَفُوا} [يونس: 93] يَعْنِي الْيَهُودَ الَّذِينَ كَانُوا فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي تَصْدِيقِهِ، وَأَنَّهُ نَبِيٌّ، {حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ} [يونس: 93] يَعْنِي، الْقُرْآنَ وَالْبَيَانَ بِأَنَّهُ رَسُولٌ الله صِدْقٌ وَدِينُهُ حَقٌّ، وَقِيلَ: حَتَّى جَاءَهُمْ مَعْلُومُهُمْ وَهُوَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْلَمُونَهُ قَبْلَ خُرُوجِهِ، فَالْعِلْمُ بِمَعْنَى الْمَعْلُومِ كَمَا يُقَالُ لِلْمَخْلُوقِ: خَلْقٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{هَذَا خَلْقُ اللَّهِ} [لُقْمَانَ: 11] وَيُقَالُ: هَذَا الدِّرْهَمُ ضَرْبُ الْأَمِيرِ، أَيْ. مَضْرُوبُهُ. {إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [يونس: 93] من الدين.
[94]
قَوْلُهُ تَعَالَى. {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ} [يونس: 94] يَعْنِي: الْقُرْآنَ {فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ} [يونس: 94] فيخبرونك أنك مَكْتُوبٌ عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ، قِيلَ: هَذَا خِطَابٌ لِلرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، وَالْمُرَادُ بِهِ غَيْرَهُ عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ فَإِنَّهُمْ يُخَاطِبُونَ الرَّجُلَ وَيُرِيدُونَ بِهِ غَيْرَهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ} [الأحزاب: 1] خِطَابٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَالْمُرَادُ بِهِ الْمُؤْمِنُونَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَالَ:{إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [الأحزاب: 2] وَلَمْ يَقُلْ بِمَا تَعْمَلُ، وَقَالَ:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطَّلَاقِ: 1] وَقِيلَ: كَانَ النَّاسُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ مُصَدِّقٍ وَمُكَذِّبٍ وَشَاكٍّ، فَهَذَا الْخِطَابُ مَعَ أَهْلِ الشَّكِّ مَعْنَاهُ: إِنْ كُنْتَ أَيُّهَا الْإِنْسَانُ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْهُدَى عَلَى لِسَانِ رسولنا محمد، فاسئل الذين يقرؤون الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَالضَّحَّاكُ: يَعْنِي مَنْ آمَنُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ كَعَبْدِ الله بن سلام وأصحابه فسيشهدون عَلَى صِدْقِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَيُخْبِرُونَكَ بِنُبُوَّتِهِ، قَالَ الْفَرَّاءُ: عَلِمَ اللَّهُ سبحانه وتعالى أَنَّ رَسُولَهُ غَيْرُ شَاكٍّ، لَكِنَّهُ ذَكَرَهُ عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ يَقُولُ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ لِعَبْدِهِ: إِنْ كُنْتَ عَبْدِي فَأَطِعْنِي، وَيَقُولُ لِوَلَدِهِ: افْعَلْ كَذَا وَكَذَا إِنْ كُنْتَ ابْنِي، وَلَا يَكُونُ بِذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الشَّكِّ. {لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} [يونس: 94] مِنَ الشَّاكِّينَ.
[95]
{وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [يونس: 95] وَهَذَا كُلُّهُ خِطَابٌ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالْمُرَادُ منه غيره.
[96]
قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ} [يونس: 96] وجبت عليهم، {كَلِمَتُ رَبِّكَ} [يونس: 96] قيل: لعنته، وقال قتادة: سخطه، وَقِيلَ: الْكَلِمَةُ هِيَ قَوْلُهُ: هَؤُلَاءِ فِي النَّارِ وَلَا أُبَالِي. {لَا يُؤْمِنُونَ} [يونس: 96]
[97]
{وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ} [يونس: 97] دَلَالَةٍ، {حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} [يونس: 97] قَالَ الْأَخْفَشُ: أَنَّثَ فِعْلَ كَلُّ؛ لِأَنَّهُ مُضَافٌ إِلَى الْمُؤَنَّثِ، وَهِيَ قَوْلُهُ: آيَةٍ، وَلَفْظُ كُلُّ لِلْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ سَوَاءٌ.
[قَوْلُهُ تَعَالَى فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا]
إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ. . . . .
[98]
قوله تعالى: {فَلَوْلَا كَانَتْ} [يونس: 98] فهلا كانت، {قَرْيَةٌ} [يونس: 98] وَمَعْنَاهُ: فَلَمْ تَكُنْ قَرْيَةٌ؛ لِأَنَّ فِي الِاسْتِفْهَامِ ضَرْبًا مِنَ الْجَحْدِ، أي: أهل قرية، {آمَنَتْ} [يونس: 98] عِنْدَ مُعَايَنَةِ الْعَذَابِ، {فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا} [يونس: 98] في حال اليأس، {إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ} [يونس: 98] فإنهم نَفَعَهُمْ إِيمَانُهُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، (وقوم) نُصِبَ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ، تَقْدِيرُهُ: وَلَكِنَّ قَوْمَ يُونُسَ، {لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} [يونس: 98] وَهُوَ وَقْتُ انْقِضَاءِ آجَالِهِمْ، وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُمْ هَلْ رَأَوُا الْعَذَابَ عِيَانًا أَمْ لَا؟
فَقَالَ بَعْضُهُمْ: رَأَوْا دَلِيلَ الْعَذَابِ؟ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُمْ رَأَوُا الْعَذَابَ عَيَانًا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: {كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} [يونس: 98] وَالْكَشْفُ يَكُونُ بَعْدَ الْوُقُوعِ أَوْ إذا قرب أو سيأتي مثل ذلك في سورة الصافات آية (148) .
[99]
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ} [يونس: 99] يَا مُحَمَّدُ، {لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس: 99] هَذِهِ تَسْلِيَةٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى أَنْ يُؤْمِنَ جَمِيعُ النَّاسِ، فَأَخْبَرَهُ اللَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ إِلَّا مَنْ سبق له السَّعَادَةُ، وَلَا يَضِلُّ إِلَّا مَنْ سبق له من الله الشقاوة.
[100]
{وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ} [يونس: 100] وَمَا يَنْبَغِي لِنَفْسٍ، وَقِيلَ: مَا كَانَتْ نَفْسٌ، {أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [يونس: 100] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بِأَمْرِ اللَّهِ، وَقَالَ عَطَاءٌ: بِمَشِيئَةِ اللَّهِ، وَقِيلَ: بعلم الله. {وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ} [يونس: 100] قَرَأَ أَبُو بَكْرٍ: (وَنَجْعَلُ) بِالنُّونِ، وَالْبَاقُونَ بِالْيَاءِ، أَيْ: وَيَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ أَيِ: الْعَذَابَ وَهُوَ الرِّجْزُ، {عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ} [يُونُسَ: 100] عَنِ اللَّهِ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ.
[101]
{قُلِ انْظُرُوا} [يونس: 101] أَيْ: قُلْ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَسْأَلُونَكَ الْآيَاتِ: انْظُرُوا، {مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [يونس: 101] مِنَ الْآيَاتِ وَالدَّلَائِلِ وَالْعِبَرِ، فَفِي السموات الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَغَيْرُهَا، وَفِي الْأَرْضِ الْجِبَالُ وَالْبِحَارُ وَالْأَنْهَارُ وَالْأَشْجَارُ وَغَيْرُهَا، {وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ} [يونس: 101] الرُّسُلُ، {عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ} [يونس: 101] وَهَذَا فِي قَوْمٍ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ.
[102]
{فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ} [يونس: 102] يَعْنِي: مُشْرِكِي مَكَّةَ، {إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا} [يونس: 102] مضوا، {مِنْ قَبْلِهِمْ} [يونس: 102] مِنْ مُكَذِّبِي الْأُمَمِ، قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي وَقَائِعَ اللَّهِ فِي قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّى العذاب أيامًا والنعم أَيَّامًا، كَقَوْلِهِ:{وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ} [إِبْرَاهِيمَ: 5] وَكُلُّ مَا مَضَى عَلَيْكَ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ فَهُوَ أَيَّامٌ، {قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ} [يونس: 102]
[103]
{ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا} [يونس: 103] قَرَأَ يَعْقُوبُ (نُنْجِي) خَفِيفٌ مُخْتَلِفٌ عنه، {وَالَّذِينَ آمَنُوا} [يونس: 103] مَعَهُمْ عِنْدَ نُزُولِ الْعَذَابِ، مَعْنَاهُ: نَجَّيْنَا مُسْتَقْبَلٌ بِمَعْنَى الْمَاضِي، {كَذَلِكَ} [يونس: 103] كما نجيناهم {حَقًّا} [يونس: 103] واجبًا، {عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ} [يونس: 103] قَرَأَ الْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ وَيَعْقُوبُ (نُنْجِي) بالتخفيف والآخرون بالتشديد، ونجا وَأَنْجَى بِمَعْنًى وَاحِدٍ.
[104]
قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي} [يونس: 104] الَّذِي أَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ قَالَ: {إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ} [يونس: 104] وَهُمْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ بُطْلَانَ مَا جَاءَ بِهِ؟ قِيلَ: كَانَ فِيهِمْ شَاكُّونَ فَهُمُ الْمُرَادُ بِالْآيَةِ، أَوْ أَنَّهُمْ لَمَّا رَأَوُا الْآيَاتِ اضْطَرَبُوا وَشَكُّوا فِي أَمْرِهِمْ وَأَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَوْلُهُ عز وجل:{فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [يونس: 104] مِنَ الْأَوْثَانِ، {وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ} [يونس: 104] يُمِيتُكُمْ وَيَقْبِضُ