الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ: تُبَدَّلُ الْأَرْضُ بِأَرْضٍ كَفِضَّةٍ بَيْضَاءَ نَقِيَّةٍ لَمْ يُسْفَكْ فِيهَا دَمٌ وَلَمْ تُعْمَلْ فِيهَا خَطِيئَةٌ وَقِيلَ: مَعْنَى التَّبْدِيلِ جَعْلُ السَّمَاوَاتِ جِنَانًا وَجَعْلُ الْأَرْضِ نِيرَانًا. وَقِيلَ: تَبْدِيلُ الْأَرْضِ تَغْيِيرُهَا مِنْ هَيْئَةٍ إِلَى هَيْئَةٍ، وَهِيَ تَسْيِيرُ جِبَالِهَا ولهم أنهارها وتسوية أوديتها وقلع أَشْجَارِهَا وَجَعْلُهَا قَاعًا صَفْصَفًا، وَتَبْدِيلُ السماوات تغييرها عن حَالِهَا بِتَكْوِيرِ شَمْسِهَا، وَخُسُوفِ قَمَرِهَا وَانْتِثَارِ نُجُومِهَا، وَكَوْنِهَا مَرَّةً كَالدِّهَانِ، ومرة كالمهل. عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:«سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ قَوْلِهِ عز وجل: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ} [إبراهيم: 48] فَأَيْنَ يَكُونُ النَّاسُ يَوْمَئِذٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: (عَلَى الصِّرَاطِ» (1) .
{وَبَرَزُوا} [إبراهيم: 48] خَرَجُوا مِنْ قُبُورِهِمْ، {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [إبراهيم: 48] الَّذِي يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ.
[49]
{وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ} [إبراهيم: 49] مَشْدُودِينَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ، {فِي الْأَصْفَادِ} [إبراهيم: 49] فِي الْقُيُودِ وَالْأَغْلَالِ وَاحِدُهَا: صَفَدٌ، وَكُلُّ مَنْ شَدَدْتَهُ شَدًا وَثِيقًا فقد صفدته وَقِيلَ: يُقْرَنُ كُلُّ كَافِرٍ مَعَ شَيْطَانِهِ فِي سِلْسِلَةٍ، بَيَانُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:{احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} [الصَّافَّاتِ: 22] يَعْنِي: قُرَنَاءَهُمْ مِنَ الشَّيَاطِينِ وَقِيلَ: مَعْنَاهُ مُقَرَّنَةٌ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ إِلَى رِقَابِهِمْ بِالْأَصْفَادِ وَالْقُيُودِ، وَمِنْهُ قيل للجبل: قرن.
[50]
{سَرَابِيلُهُمْ} [إبراهيم: 50] أَيْ: قُمُصُهُمْ، وَاحِدُهَا: سِرْبَالُ. {مِنْ قَطِرَانٍ} [إبراهيم: 50] هو ما تَهْنَأُ بِهِ الْإِبِلُ، وَقَرَأَ عِكْرِمَةُ وَيَعْقُوبُ مِنْ قَطِرٍ آنٍ عَلَى كَلِمَتَيْنِ مُنَوَّنَتَيْنِ، وَالْقِطْرُ النُّحَاسُ وَالصُّفْرُ الْمُذَابُ، وَالْآنُ الَّذِي انْتَهَى حَرُّهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} [الرَّحْمَنِ: 44]{وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ} [إبراهيم: 50] أَيْ: تَعْلُو.
[51]
{لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ} [إبراهيم: 51] مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، {إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [إبراهيم: 51]
[52]
{هَذَا} [إبراهيم: 52] أي: هذا القرآن، {بَلَاغٌ} [إبراهيم: 52] أَيْ تَبْلِيغٌ وَعِظَةٌ، {لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا} [إبراهيم: 52]
وَلِيُخَوَّفُوا، {بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [إبراهيم: 52] أَيْ لِيَسْتَدِلُّوا بِهَذِهِ الْآيَاتِ عَلَى وحدانية الله، {وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [إبراهيم: 52] أَيْ: لِيَتَّعِظَ أُولُو الْعُقُولِ.
[سُورَةِ الحجر]
[قوله تعالى الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ
. . .] .
(1) أخرجه مسلم في صفات المنافقين رقم (2791) 4 / 2150 والمصنف في شرح السنة 15 / 107.
(15)
سورة الحجر [1]{الر} [الحجر: 1] مَعْنَاهُ أَنَا اللَّهُ أَرَى، {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ} [الحجر: 1] أَيْ: هَذِهِ آيَاتُ الْكِتَابِ، {وَقُرْآنٍ} [الحجر: 1] أي: وآيات قرآن، {مُبِينٍ} [الحجر: 1] أَيْ: بَيَّنَ الْحَلَالَ مِنَ الْحَرَامِ وَالْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ، فَإِنْ قِيلَ: لما ذَكَرَ الْكِتَابَ ثُمَّ قَالَ: {وَقُرْآنٍ مُبِينٍ} [الحجر: 1] وَكِلَاهُمَا وَاحِدٌ؟ قُلْنَا: قَدْ قِيلَ كل وأحد منهما يُفِيدُ فَائِدَةً أُخْرَى فَإِنَّ الْكِتَابَ مَا يُكْتَبُ وَالْقُرْآنُ مَا يُجْمَعُ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْكِتَابِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ وَبِالْقُرْآنِ هَذَا الكتاب.
[2]
{رُبَمَا} [الحجر: 2] قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَنَافِعٌ وَعَاصِمٌ بتحفيف الباء والباقون بتشديدهما وَهُمَا لُغَتَانِ، وَرُبَّ لِلتَّقْلِيلِ وَكَمْ لِلتَّكْثِيرِ، وَرُبَّ تَدْخُلُ عَلَى الِاسْمِ وَرُبَمَا عَلَى الْفِعْلِ، يُقَالُ: رُبَّ رَجُلٍ جَاءَنِي وَرُبَمَا جَاءَنِي رَجُلٌ، وَأَدْخَلَ مَا هَاهُنَا لِلْفِعْلِ بَعْدَهَا. {يَوَدُّ} [الحجر: 2] يَتَمَنَّى، {الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} [الحجر: 2] واختلف في الحالة الَّتِي يَتَمَنَّى الْكَافِرُ فِيهَا الْإِسْلَامَ، قَالَ الضَّحَّاكُ: حَالَةُ الْمُعَايَنَةِ. وَقِيلَ: يَوْمُ الْقِيَامَةِ. وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ حِينَ يُخْرِجُ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ النَّارِ.
[3]
{ذَرْهُمْ} [الحجر: 3] يَا مُحَمَّدُ يَعْنِي الَّذِينَ كَفَرُوا، {يَأْكُلُوا} [الحجر: 3] في الدنيا، {وَيَتَمَتَّعُوا} [الحجر: 3] من لذاتهم {وَيُلْهِهِمُ} [الحجر: 3] يشغلهم، {الْأَمَلُ} [الحجر: 3] عَنِ الْأَخْذِ بِحَظِّهِمْ مِنَ الْإِيمَانِ والطاعة، {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [الحجر: 3] إِذَا وَرَدُوا الْقِيَامَةَ وَذَاقُوا وَبَالَ مَا صَنَعُوا، وَهَذَا تَهْدِيدٌ وَوَعِيدٌ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: ذَرْهُمْ تَهْدِيدٌ وَقَوْلُهُ: فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ، تَهْدِيدٌ آخَرُ، فَمَتَى يَهْنَأُ الْعَيْشُ بَيْنَ تَهْدِيدَيْنِ. وَالْآيَةُ نَسَخَتْهَا آيَةُ الْقِتَالِ.
[4]
{وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ} [الحجر: 4] أَيْ: مِنْ أَهْلِ قَرْيَةٍ، {إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ} [الحجر: 4] أَيْ أَجَلٌ مَضْرُوبٌ لَا يُتَقَدَّمُ عَلَيْهِ وَلَا يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ حَتَّى يُبَلَّغُوهُ وَلَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُمْ.
[5]
{مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا} [الحجر: 5] من صلة أَيْ: مَا تَسْبِقُ أُمَّةٌ أَجْلَهَا {وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ} [الحجر: 5] أَيِ: الْمَوْتُ لَا يَتَقَدَّمُ وَلَا يتأخر، وقيل: العذاب. وقيل: الأجل المضروب.
[6]
{وَقَالُوا} [الحجر: 6] يَعْنِي: مُشْرِكِي مَكَّةَ، {يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ} [الحجر: 6] أَيِ: الْقُرْآنُ وَأَرَادُوا بِهِ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم، {إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} [الحجر: 6] وَذَكَرُوا تَنْزِيلَ الذِّكْرِ عَلَى سَبِيلِ الاستهزاء.
[7]
{لَوْ مَا} [الحجر: 7] هلا {تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ} [الحجر: 7] شَاهِدِينَ لَكَ بِالصِّدْقِ عَلَى مَا تقول إن الله أرسلك، {إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [الحجر: 7] أَنَّكَ نَبِيٌّ.
[8]
{مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ} [الحجر: 8] قَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ غَيْرُ أَبِي بَكْرٍ بِنُونَيْنِ الْمَلَائِكَةَ نَصْبٌ، وَقَرَأَ أَبُو بَكْرٍ بِالتَّاءِ وَضَمَّهَا وَفَتْحِ الزَّايِ الْمَلَائِكَةُ رَفْعٌ وَقَرَأَ