الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْمَغْرِبِ طَرَفٌ، وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ يَعْنِي صَلَاةَ الْعِشَاءِ، وَقَالَ الْحَسَنُ: طَرَفَا النَّهَارِ الصُّبْحُ وَالْعَصْرُ، وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ، وَقَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: طَرَفَا النَّهَارِ الْغَدَاةُ وَالْعَشِيُّ، يَعْنِي صَلَاةَ الصُّبْحِ وَالْمَغْرِبِ، قَوْلُهُ:{وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} [هود: 114] أي ساعته، وَاحِدَتُهَا: زُلْفَةٌ وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ زُلُفًا بِضَمِّ اللَّامِ. {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114] يَعْنِي إِنَّ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ يُذْهِبْنَ الخطيئات، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه «أَنَّ رَجُلًا أَصَابَ مِنَ امْرَأَةٍ قُبْلَةً فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114] » قال أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ: «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ» (1) . {ذَلِكَ} [هود: 114] أَيْ: ذَلِكَ الَّذِي ذَكَرْنَا، وَقِيلَ: هُوَ إِشَارَةٌ إِلَى الْقُرْآنِ، {ذِكْرَى} [هود: 114] عظة {لِلذَّاكِرِينَ} [هود: 114] أي لمن ذكره.
[115]
{وَاصْبِرْ} [هود: 115] يَا مُحَمَّدُ عَلَى مَا تَلْقَى مِنَ الْأَذَى، وَقِيلَ: عَلَى الصَّلَاةِ، نظيره {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه: 132] {فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [هود: 115] في أعمالهم، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: يعني: المصلين.
[116]
قوله عز وجل: {فَلَوْلَا} [هود: 116] فهلا، {كَانَ مِنَ الْقُرُونِ} [هود: 116] التي أهلكناهم، {مِنْ قَبْلِكُمْ} [هود: 116] الآية للتوبيخ {أُولُو بَقِيَّةٍ} [هود: 116] أي أولوا تمييز، وقيل أولوا طاعة، وقيل أولوا خَيْرٍ، يُقَالُ: فُلَانٌ ذُو بَقِيَّةٍ إِذَا كَانَ فِيهِ خَيْرٌ، مَعْنَاهُ فَهَلَّا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ مَنْ فِيهِ خَيْرٌ يَنْهَى عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ؟ وَقِيلَ: معناه أولوا بَقِيَّةٍ مِنْ خَيْرٍ، يُقَالُ: فُلَانٌ عَلَى بَقِيَّةٍ مِنَ الْخَيْرِ إِذَا كَانَ عَلَى خَصْلَةٍ مَحْمُودَةٍ. {يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ} [هود: 116] أَيْ يَقُومُونَ بِالنَّهْيِ عَنِ الْفَسَادِ، ومعناه جحدا، أي: لم يكن فيهم أولوا بقية. {إِلَّا قَلِيلًا} [هود: 116] هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ مَعْنَاهُ: لَكِنَّ قليلا، {مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ} [هود: 116] وَهُمْ أَتْبَاعُ الْأَنْبِيَاءِ كَانُوا يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ. {وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا} [هود: 116] نعموا، {فِيهِ} [هود: 116] وَالْمُتْرَفُ: الْمُنَعَّمُ، وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: خُوِّلُوا، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: عُوِّدُوا مِنَ النَّعِيمِ وَاللَّذَّاتِ وَإِيثَارِ الدُّنْيَا أَيْ: وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا عُوِّدُوا مِنَ النَّعِيمِ وَاللَّذَّاتِ وَإِيثَارِ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ. {وَكَانُوا مُجْرِمِينَ} [هود: 116] كَافِرِينَ.
[117]
{وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ} [هود: 117] أَيْ: لَا يُهْلِكُهُمْ بِشِرْكِهِمْ، {وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود: 117] فِيمَا بَيْنَهُمْ يَتَعَاطَوْنَ الْإِنْصَافَ وَلَا يَظْلِمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَإِنَّمَا يُهْلِكُهُمْ إِذَا تَظَالَمُوا، وَقِيلَ: لَا يُهْلِكُهُمْ بِظُلْمٍ مِنْهُ وَهُمْ مُصْلِحُونَ فِي أَعْمَالِهِمْ، وَلَكِنْ يُهْلِكُهُمْ بِكُفْرِهِمْ وَرُكُوبِهِمُ السيئات.
[قوله تعالى فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ]
فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ. . . .
[118]
قَوْلُهُ عز وجل: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ} [هود: 118] كلهم. {أُمَّةً وَاحِدَةً} [هود: 118] عَلَى دِينٍ وَاحِدٍ. {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} [هود: 118] عَلَى أَدْيَانٍ شَتَّى مِنْ بَيْنِ يَهُودِيٍّ وَنَصْرَانِيٍّ وَمَجُوسِيٍّ وَمُشْرِكٍ.
[119]
{إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} [هود: 119] مَعْنَاهُ: لَكِنَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ فَهَدَاهُمْ إِلَى الْحَقِّ، فَهُمْ لَا يختلفون، {وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود: 119] قَالَ الْحَسَنُ وَعَطَاءٌ: وَلِلِاخْتِلَافِ خَلْقَهُمْ، وَقَالَ أَشْهَبُ: سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ: خَلَقَهُمْ لِيَكُونَ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الَّذِي أختاره فقول مَنْ قَالَ: خَلَقَ فَرِيقًا لِرَحْمَتِهِ وَفَرِيقًا لِعَذَابِهِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ: وَلِلرَّحْمَةِ خَلَقَهُمْ، يَعْنِي الَّذِينَ رَحِمَهُمْ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: خَلَقَ أَهْلَ الرَّحْمَةِ لِلرَّحْمَةِ، وَأَهْلَ الاختلاف للاختلاف، ومحصول الْآيَةِ أَنَّ أَهْلَ الْبَاطِلِ مُخْتَلِفُونَ وَأَهْلَ الْحَقِّ مُتَّفِقُونَ فَخَلَقَ اللَّهُ أهل
(1) أخرجه مسلم في الطهارة رقم (233) 1 / 209 والمصنف في شرح السنة 2 / 177.